حلم «الزعيم الأوحد» يتبدّد: بن سلمان مقصقَص الأجنحة !

المرصاد نت - متابعات

تدخل العلاقات بين إدارة دونالد ترامب وبين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مرحلة جديدة عنوانها الترويض وإعادة الهيكلة. الإدارة الأميركية المحرَجة على نحو غير مسبوق على خلفيةBn salman208.11.1 تداعيات قضية جمال خاشقجي تجد نفسها مضطرة لكبح جماح أميرها المدلّل الذي بات تهوّره عبئاً على مصالح الولايات المتحدة نفسها. قد يضطر ترامب بفعل ذلك إلى التخلّي عن بعض من «الفستق» الخليجي في حال تمّ رأب صدع «الأشقاء» وأيضاً إلى جرّ أذيال الهزيمة في اليمن بعدما أصبحت الحرب هناك مكروهة على نحو غير مسبوق.

لكن واشنطن تتطلّع إلى عوائد استراتيجية على الأمد البعيد لا يبدو أن تعبيد الطريق إليها سيكون ممكناً من دون تحقيق استقرار في البيت الداخلي السعودي. استقرار يظهر واضحاً أن ثمة اشتغالاً أميركياً حثيثاً على إرسائه قد يكون السعي لتخفيف مركزة السلطات بيد بن سلمان واحداً من وجوهه.

«تحتاج السعودية إلى ما يقارب ألفَي عام لكي تواجه ربما بعض المخاطر». بتلك الكلمات علّق ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على قول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن «السعودية ربما لا تتمكن من البقاء لأسبوعين من دوننا». كان بن سلمان قد بلغ به الغرور مبلغ الاعتقاد بأنه «سيّد» المنطقة، يَضرب ولا يُضرب يعاقِب ولا يعاقَب يفتعل الأزمات ويبقي نيرانها بعيدة منه حتى أن باستطاعته نقل المعركة إلى أرض العدو مثلما توعّد الإيرانيين ذات يوم.

جاءت قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي لـ«تُنفّس البالون» المنتفخ، وتعرّي الشخصية التي تضخّمت حتى كاد كثيرون يصدّقون كذبتها: «السعودية الرابعة» تواجه مخاطر وأكثر هي تعيش أسوأ أزمة سياسية منذ الصراع الشهير بين سعود بن عبد العزيز وأخيه فيصل مثلما يحلو للبعض أن يؤرّخ. المفارقة أن من يدير هذه الأزمة هم الأميركيون، الأميركيون أنفسهم الذي قال ابن سلمان إننا موجودون قبل أكثر من 30 عاماً من وجودهم. تمضي إدارة دونالد ترامب التي لم تنسَ يوماً تذكير قادة المملكة بأن أمر بقائكم ورحيلكم بأيدينا نحو ترويض الأمير الشاب وقصقصة أجنحته بعدما ثبت لها أن تركه على عواهنه بات يستجلب مخاطر حتى على مصالح الولايات المتحدة نفسها.

بدأ الأمر بتدخّل وزارة الخارجية الأميركية لرفع حظر السفر الذي كان مفروضاً على صلاح جمال خاشقجي، نجل الصحافي الراحل. وصلت إلى ابن سلمان الرسالة الأولى: لا صلاحيات مطلقة بعد اليوم في تقييد الناس خصوصاً المعروفين منهم لدى الرأي العام الغربي. أعقب ذلك تطوّر لافت تمثّل في تأجيل جلستَي محاكمة كانتا مُقرّرتين أواخر الشهر الماضي لكلّ من الداعية المعروف المعتقل الشيخ سلمان العودة والناشطة إسراء الغمغام. لعلّ التأجيل جاء أيضاً استجابة لضغوط أميركية في اتجاه خفض مستويات الترهيب داخل المملكة في محاولة لإفهام ولي العهد بأن «الضرب خبط عشواء» لم يعد مقبولاً.

على خط موازٍ للتطوّرين المذكورين أتت عودة الشقيق الأصغر للملك سلمان الأمير أحمد بن عبد العزيز إلى السعودية الثلاثاء الماضي قادماً من لندن. عودة تفيد وسائل إعلام غربية بأنها لم تتمّ إلا بعدما حصل أحمد على ضمانات أميركية وبريطانية بأنه لن يتعرّض لأذى، على اعتبار أن لابن سلمان ثأراً مع عمّه كون الأخير تجرّأ على انتقاد سياسات ولي العهد علانية. وفقاً لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني فإن الأميركيين والبريطانيين «شجّعوا أحمد على لعب دور في الحكم».

إذا ما صحّت تلك المعلومات فإنها تشير إلى سعي الولايات المتحدة لتخفيف تركّز الصلاحيات في يد بن سلمان وإعادة إشراك الأجنحة التي أقصاها نجل الملك في عملية صنع القرار السياسي والأمني. لكن مساعيَ من هذا النوع قد تعبّد الطريق لعمليات «انتقامية» لطالما تحيّن الأمراء المقصيّون فرصتها وهو ما سيشكّل تهديداً جدّياً لمشروع «سلمنة» شبه الجزيرة بعدما تمّت «سعودتها» فاتحاً الباب على تغييرات جوهرية في الخريطة التي رست عليها منظومة الحكم عقب وفاة الملك عبد الله.

على المستوى الخارجي أصبح واضحاً أن إدارة ترامب تشتغل على خطّين: إنهاء حرب اليمن وحلّ الأزمة الخليجية. إذا ما نجح الأميركيون في ذلك، فسيكون بن سلمان قد تلقّى الضربة الأقسى في طريق تكريس نفسه زعيماً أوحد للجزيرة العربية. اعتقد الأمير المتهوّر وهو محقّ في ذلك أن لا سبيل لبسط هيمنته طالما أن في جواره في البلد المقلِق تاريخياً الذي لا يرتاح ولا يريح، حركة سياسية تريد تبديل وجه اليمن وإخراجه من ربقة الوصاية السعودية وترفع شعار «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل».

«لا نريد حزب الله جديداً في شبه الجزيرة العربية. هذا خط أحمر». قالها بن سلمان مراراً. لكن الإدارة الأميركية لم تعد قادرة على الدفاع عن حرب تبهظ تكلفتها يوماً بعد يوم وتعجز في الوقت نفسه عن تحقيق انتصار يتجاوز قتل الأطفال. إنه إقرار واضح بالعجز ومتى ما رُفع الغطاء فإن السعودية لن تستطيع المضيّ في الحرب منفردة. سيضطر ابن سلمان إلى الاعتراف بوجود اليمن والتعامل مع واقع سياسي جديد ستكون لـ«أنصار الله» كلمة عليا فيه.

في ما يتّصل بالعلاقة مع قطر «المتمرّدة» لا يبدو الأمر أفضل حالاً. بعدما أراد ابن سلمان ومن خلفه ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد إسكات أي صوت مخالف في منطقة الخليج وسدّ أبواب التمايز و«المناكفة» و«التآمر» وتوجيه «الضربة القاضية» إلى مشروع «الإخوان المسلمين» الذي ترفع قطر ومعها تركيا لواءه يجد ولي العهد السعودي نفسه مضطراً لمسايرة الدوحة والتودّد إليها تمهيداً ربما للنزول عن شجرة المطالب الـ13 (التي تتضمنّ في ما تتضمّن إغلاق قناة «الجزيرة» وإغلاق قاعدة الريان العسكرية التركية في قطر) والعودة إلى الصلح الخليجي مثلما حدث عام 2014.

سيناريو تعتقد إدارة ترامب أنها بتحقيقه ستضرب أكثر من عصفور بحجر واحد فهي من جهة سـ«تكسر أنف» بن سلمان الذي وصل به الطموح حدّ تحويل قطر إلى جزيرة معزولة بموجب مشروع «قناة سلوى». ومن جهة أخرى ستخفّف من غلواء تركيا التي تتسلّح بما تمتلكه من أدلة متصلة بجريمة اغتيال خاشقجي وتهدّد بشكل شبه يومي بفضحها على رؤوس الأشهاد. أما من جهة ثالثة فهي تمهّد لهندسة خريطة جديدة في الإقليم، يشكّل «الناتو العربي» أو «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» ضد إيران معلمها الأبرز.

تنظر الإدارة الأميركية بذلك أبعد من «أرنبة» الصفقات المليارية والوظائف، لكن خطّتها تلك لا تبدو مضمونة النتائج، خصوصاً أن حربها على إيران تواجه الكثير من العثرات (التي من بينها مثلاً أن دولاً محسوبة على المعسكر الغربي كتركيا ترفض الانخراط فيها) وأن إنهاء حرب اليمن عند الحدّ الذي وصلت إليه يعني عملياً تثبيت واقع «معادٍ» في منطقة ذات أهمية استراتيجية بالغة.

لا جثّة لخاشقجي ولا «متعاون محلي»: بن سلمان تخلّص من «الإسلامي الخطير» بالأسيد!Istanboal2018.11.1

تؤكد التسريبات المتواصلة حول مقتل خاشقجي أن الرياض تصر على تضليل التحقيق على رغم اعترافها بالجريمة. جديد التسريبات كان أمس مع ترجيح أن الجثة ذُوبت بالأسيد فيما عمل بن سلمان على التحريض لدى البيت الأبيض ضد خاشقجي وشيطنته عقب اختفائه

مدفوعة بالانعكاسات على سياسات السعودية وعلاقاتها بالولايات المتحدة لا تزال قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي تتفاعل تغذيها كمية من التسريبات لا تتوقف عن إخراج المفاجآت من صندوق الرياض الأسود. ذوبت جثة خاشقجي بعد تقطيعها إرباً بمادة الأسيد هذا آخر ما توصل إليه التحقيق التركي كسيناريو مرجّح بعد عجز السلطات عن الوصول إلى الجثة. وما يرجح السيناريو أيضاً أن المدعي العام السعودي سعود المعجب خلال مكوثه الذي دام ثلاثة أيام في إسطنبول لم يقدم أي معلومات عن «المتعاون المحلي» الذي تسلم الجثة وفق التسريبات السعودية ولم يفصح للجانب التركي عن مكان الجثة ومصيرها.

ونقلت صحيفة «واشنطن بوست»عن مسؤول تركي طلب عدم الكشف عن هويته لحساسية القضية أن ما باتت ترجحه السلطات هو أن تكون العملية قد تمت إما داخل القنصلية في إسطنبول أو داخل منزل القنصل محمد العتيبي القريب من مبنى القنصلية. وأوضح المصدر أن «الأدلة البيولوجية التي تم اكتشافها في حديقة القنصلية تدعم النظرية القائلة بأن جثة خاشقجي تم التخلص منها بالقرب من المكان الذي قتل ومزقت أوصاله فيه». معلومات من شأنها أن تضاعف الاتهامات للسعودية بتضليل التحقيق والتكتم عن المعلومات التي بحوزتها في محاولة إضافية للتخفيف من وطأة الجريمة.

السيناريو الجديد لا يوقف الغموض الذي سيبقى يلف مصير جثة خاشقجي بعد مرور شهر على اختفائها خصوصاً أن عدم التعاون السعودي مع التحقيق يعرقل إكمال حلقات الجريمة. فبحسب وسائل الإعلام التركية لم تسمح السعودية للفريق الأمني الخاص الذي شكّلته مديرية أمن إسطنبول بمشاركة الكلب «ميلو» المتخصص في كشف الجثامين المفقودة في عملية التفتيش داخل بيت القنصل. «ميلو» الذي اشتهر بكشف الجثامين المفقودة في تركيا بسرعة تفاعل في اليوم الأول من عمله مع إحدى الخزانات في القنصلية وهو ما دفع السلطات وفق التقارير التركية للبحث في فرضية أن الجثمان وضع في الخزانة المذكورة بشكل مؤقت.

 ومنذ يومين ومع ظهور الخلاف السعودي التركي حول عدم التعاون في التحقيق بدا لافتاً تصاعد النبرة التركية الرسمية تجاه الرياض بموازاة تزايد التصويب المباشر على ولي العهد محمد بن سلمان، في وسائل الإعلام المقربة من «حزب العدالة والتنمية» الحاكم كمتهم أول في الجريمة. مع ذلك كررت أنقرة على لسان وزير العدل عبد الحميد غول طلبها من الرياض التعاون الوثيق وتقديم الدعم. وقال غول إن بلاده تنتظر إجابة السعوديين على تساؤلاتها «في أقرب وقت ممكن»، لافتاً إلى أن المدعي العام السعودي لم يقدم أي إجابات «على رغم تقديم أسئلة خطية» له.

واستبعد قيام النيابة العامة التركية بزيارة إلى السعودية «لأن مسرح الجريمة في تركيا وأعتقد أن لن يكون صائباً الدخول في مرحلة أخرى قبل الإجابة عن أسئلة تركيا»، مجدداً المطالبة بتسليم السعودية المتهمين إلى تركيا لدعم التحقيقات. وأضاف الوزير التركي أن القضية «باتت عالمية ولا يمكن لأحد التستر عليها أو التهرب من المسؤولية... المجتمع الدولي والرأي العام العالمي ينتظران بفارغ الصبر كشف تفاصيل الجريمة».

وفيما لم يتضح مضمون الاتصال بين الرئيس التركي ونظيره الأميركي في شقه المتعلق بالقضية خرج تسريب آخر أمس لـ«واشنطن بوست»، وسّع تسليط الضوء على تورط ابن سلمان شخصياً. ووفق الصحيفة الأميركية التي كشفت أمس عن توسّط رئيس الوزراء الإسرائيلي لابن سلمان لدى واشنطن فإن ولي العهد السعودي وصف خاشقجي بـ«الإسلامي الخطير» أثناء اتصال له بالبيت الأبيض عقب العملية تواصل فيه مع كل من مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب صهره جاريد كوشنر، ومستشار الأمن القومي جون بولتون. وجرى الاتصال في وقت لم تكن الرياض قد أقرّت بعد بمسؤوليتها عن العملية فيما ركّز ابن سلمان في حديثه إلى كوشنير وبولتون على الحفاظ على التحالف السعودي الأميركي متهماً خاشقجي بأنه عضو في جماعة «الإخوان المسلمين».

فحوى اتصال ابن سلمان بدا مسعى لشيطنة خاشقجي وتبرير العملية على أساس أن المتطرفَين كوشنير وبولتون سيقتنعان بقتل «المتشدد» كعمل ضروري وصائب ما يشجع واشنطن على لفلفة القضية وعدم المحاسبة على تنفيذ الأمير السعودي وعده بتدمير المتطرفين «اليوم وفوراً» كما قال في إحدى خطاباته. وهو يعكس تناقض تصريحات ابن سلمان حول أسفه للحادثة وتعليقات شقيقه خالد سفير الرياض لدى واشنطن بأن انتقادات خاشقجي كانت «دائماً صادقة». لكن المفاجأة غير السارة لابن سلمان كانت رفض بولتون أثناء المكالمة الموافقة على وصف خاشقجي بـ«الإخواني».

من ملف : ترويض ابن سلمان - الأخبار

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية