المرصاد نت - حبيب الحاج سالم
بعد فترة من المفاوضات الفاشلة يبدأ أكثر من 500 ألف موظف عمومي إضراباً عاماً يمتد ليوم كامل بتنظيم من «الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي هدد بمزيد من التصعيد ما لم تلتزم الحكومة رفعَ المعاشات فيما يحمل الصراع إضافة إلى الرهان الاجتماعي أوجهاً اقتصادية وسياسية أوسع...
على امتداد أكثر من عامين لم تشهد العلاقة بين حكومة يوسف الشاهد و«الاتحاد العام التونسي للشغل» أكبر تجمع نقابي في البلاد وتيرة مستقرة. تشتد حدة التصريحات والتحركات تارةً وقد بلغت ذروتها مع المطالبة بالتخلي عن الشاهد بداية هذا العام وتلينُ تارة أخرى كما حصل لوقت محدود بعد توقيع اتفاق الزيادة في رواتب موظفي القطاع العام قبل أقل من شهر. اليوم بعد سلسلة من الاجتماعات التفاوضية قرر «اتحاد الشغل» نقل النزاع من ميدان التصريحات إلى الأفعال بتنظيم إضراب عام في قطاع «الوظيفة العمومية» الذي يشمل أغلب موظفي الدولة. شهد الثلاثاء الماضي، ثالث لقاءات الشاهد بالأمين العام للاتحاد النقابي نور الدين الطبوبي وقد كان آخرها حين خرج الأخير معلناً إيقاف التفاوض والوصول إلى طريق مسدود وصرح آسفاً بأن «قرار تفعيل الزيادة في أجور الوظيفة العمومية لم يعد قراراً سيادياً وطنياً بل ينتظر الضوء الأخضر من وراء البحار».
يشير هذا التصريح إلى أحد أكبر مآخذ «اتحاد الشغل» على الحكومات التونسية المتعاقبة بعد سقوط بن علي أي العلاقة مع «المقرضين الدوليين». ترى المنظمة النقابية أن الاتفاقيات الموقَّعة مع «صندوق النقد الدولي» و«البنك الدولي» وغيرهما من المؤسسات المالية، ترتهن السيادة الوطنية وتفرض على تونس سياسات اقتصادية لا تصب في مصلحة القطاع العام وموظفيه اللذان يمثلان في رأيه السند الرئيسي للتنمية والاستقرار الاجتماعي.
من جهتها ترى الحكومة أن الاقتراض ضرورة تمليها التطورات إذ تسجل الموازنة العامة عجزاً سنوياً متفاقماً لا يُمكن تغطية إلا بالاقتراض (وبتشديد الضغط الضريبي الذي يجري سنوياً أيضاً). وتتبنى الحكومة مقابل القروض برنامجاً «إصلاحياً»، يستهدف في السياق التونسي (الذي يتشابه مع السياق العربي بصفة أعمّ) تجميد انتداب الموظفين العموميين والخفض في عدد الموجودين حالياً، وخصخصة أكبر عدد ممكن من شركات القطاع العام وتحرير العملة ورفع الدعم عن الطاقة والقطاعات المرتبطة بها.
هنا تكمن العقدة أي بين برنامج ليبرالي يقلص أدوار الدولة، ومطالبات اجتماعية بالتشغيل ورفع الأجور. تقول الحكومة إن الدولة عاجزة عن تحقيق المطالبات بسبب تراجع مداخيلها وارتفاع مصاريفها، ويجيب «اتحاد الشغل» والحركات الاجتماعية، بأنه يمكن تأمين مداخيل عمومية عبر تصميم نظام جبائي أكثر عدلاً، والتقليص في حجم الاقتصاد غير المنظم القائم على التهريب (تقول تقديرات رسمية وأخرى صادرة عن مؤسسات دولية، إن القطاع غير المنظم يشمل أكثر من نصف النشاط الاقتصادي الإجمالي).
توجد الكثير من التفاصيل المهمة في هذا السياق لكن الأهم اليوم، حالة الانسداد التفاوضي التي تهدد بفتح أفق صراع قد لا يصب في مصلحة أحد. لا تريد الحكومة التصادم مع منظمة نقابية، تشمل قاعدتها الاجتماعية، مجمل الموظفين العموميين أي القطاع الأوسع من الطبقة الوسطى كذلك لا يبدو «اتحاد الشغل» راغباً في الدخول بـ«صراع وجودي» مع حكومة لها قاعدة سياسية واسعة، ويرأسها شاب في بداية مشواره يبدو مستعداً للمقامرة، مستنداً إلى شرائح اجتماعية واسعة لا تمثلها النقابة. لكن، بخصوص هذه النقطة الأخيرة، يبدو أن «الاتحاد العام التونسي للشغل»، قد جهز نفسه، وتجنب أخطاء سابقة. يشمل الإضراب مئات آلاف الموظفين، في قطاعات التعليم المختلفة والصحة والإدارات وحتى الديبلوماسية (يشارك هذا السلك لأول مرة في احتجاجات من هذا النوع عبر الإضراب في تونس، وحمل شارات حمراء في السفارات والقنصليات) ويتوج بتجمعات احتجاجية أمام مقر البرلمان ومقارّ النقابة. مع ذلك لن يشمل الإضراب الأقسام الاستعجالية في المستشفيات ولا قطاعَي البريد والنقل ولهذا الأخير أهمية قصوى، فتعطيله يعني أن جزءاً كبيراً من موظفي القطاع وعماله لن يلتحق بالعمل مجبراً ما سيرتد سخطاً على «اتحاد الشغل».
توجد نقطة أخرى مهمة هي الرهان السياسي للإضراب. كما ذكرنا آنفاً، طالب «اتحاد الشغل» في فترة ما بتغيير يوسف الشاهد لكنه تراجع عن طلبه هذا تدريجاً وقد كان أحد دوافع ذلك تجنب توريط المنظمة في صراع حزبي. اليوم يعود هذا الجدل مرة أخرى، إذ يصبّ الأمر عملياً في مصلحة حركة «نداء تونس» ورئيس الجمهورية وخصوم الحكومة الحزبيين الذين يصرون على فشلها في إدارة البلاد وهذا صراع لا يحمل فقط طابعاً عادياً بل يرتبط بنزعات تَوريثيّة وزعاماتية ويهدد بالإضرار بصورة النقابة التي ترسخت بعد توليها الدور الأهم في تنظيم «الحوار الوطني» بين الأحزاب عام 2013 كقوة وطنية غير منحازة.
المزيد في هذا القسم:
- مقتل 5 جنود مصريين في هجوم بسيناء المرصاد نت - متابعات أفادت الأنباء الواردة من مصر بمقتل خمسة جنود في هجوم استهدف سيارتهم في شبه جزيرة سيناء. وحسب "بي بي سي"، قالت مصادر أمنية إن مسلحين اع...
- صحف اسرائيلية: بن سلمان سيعزز التقارب بين الرياض وتل ابيب المرصاد نت - متابعات اعتبرت صحيفة معاريف الاسرائيلية الاربعاء ان تعين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لنجله محمد بن سلمان كولي للعهد يخدم تطور العلاقات بين ...
- الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أنطونيو جويتريش مهام عمله اليوم المرصاد نت - متابعات تسلّم اليوم الاحد 1 يناير/كانون ثان 2017 الأمين العام الجديد للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو جويتريش مهام عمله بعد انتهاء ولاية الأمين ال...
- تظاهرة في بيروت: "الفقراء لن يدفعوا ثمن السياسات الخاطئة" المرصاد نت - متابعات تتدحرج التحركات الاحتجاجية في لبنان فبعد تظاهرات واعتصامات شهدتها مناطق لبنانية عدة نظم الحزب الشيوعي والتنظيم الشعبي الناصري تظاهرة حاشد...
- كوريا الشمالية تبدأ بتفكيك بعض المنشآت النووية المرصاد نت - متابعات بدأت كوريا الشمالية بتفكيك بعض المنشآت في محطة رئيسية لإطلاق الأقمار الصناعية تعتبر منطقة تجارب لصواريخها الباليستية العابرة للقارات وفقا...
- العراق: مقتل 44 من عناصر "داعش" خلال 24 الساعة الماضية اعلنت السلطات العراقية مقتل 44 من عناصر ما يسمى "الدولة الاسلامية في العراق والشام" والمعروفة بـ"داعش في عمليتين عسكريتين خلال الـ24 ساعة الماضية.وقال الناطق ...
- صفقات عسكرية سعودية جديدة: مزيد من «الباتريوت» و«خدمات جوية» المرصاد نت - متابعات بعد مرور ما لا يزيد على شهر على إبرامها صفقة ضخمة للتزود بمنظومة «ثاد» الدفاعية الأميركية حصلت السعودية على عقدَين لا يقلان ض...
- مؤتمر الوحدة الإسلامية ينطلق بطهران.. الإرهاب وفلسطين أبرز محاوره المرصاد نت - متابعات بهدف التقريب بين المذاهب الإسلاميّة وبحضور 500 مفكر إسلامي وصلوا من 70 بلداً من مختلف دول العالم الإسلامي ويُمثلون مختلف المذاهب ال...
- الإفراج عن سيف الإسلام القذّافي المرصاد نت - متابعات أعلن محامو نجل الرّئيس الليبي الراحل معمّر القذّافي سيف الإسلام القذافي الإفراج عن موكّلهم بحسب ما ذكرت قناة "فرانس 24". وكانت وسائل إ...
- مفاوضات تجارية صينية ــ أميركية اليوم: لا اتفاق متوقّع... بل «فوز متواضع» ! المرصاد نت - متابعات سيتقابل المفاوضون من الولايات المتحدة والصين في شانغهاي اليوم في محاولة جديدة للتوصّل إلى اتفاق بشأن التجارة وسط توقّعات منخفضة في تحقيق ...