المرصاد نت - متابعات
يصبّ «التحالف الدولي» كامل جهده بدفع أميركي على إنهاء وجود «داعش» في بلدة الباغوز وإعلان «النصر» المؤجّل. ونجحت قنوات التفاوض بين «التحالف» والتنظيم في إخراج دفعة جديدة من المدنيين أمس بعد غارات جوية محدودة استهدفت بعض المواقع في البلدة وعقب انقطاع خروج المدنيين لأيام. سياق التفاوض الذي يتيح تنظيم خروج مدنيين ومقاتلين من داخل الجيب المحاصر بقي خارج نطاق التداول الإعلامي كما جرت العادة.
ولكن استعدادات «قوات سوريا الديموقراطية» و«التحالف» تشير إلى رهانهما على إخراج «الدفعة الأخيرة» من الباغوز في غضون اليوم أو الغد واحتمال إعلان انتهاء العمليات العسكرية بعدها. إذ دعت «قسد» عدداً من وسائل الإعلام لتغطية وصول تلك الدفعة المنتظرة إلى نقاطها. ولم يخرج عن أي من الجهات التي تدير المعارك والتفاوض مع «داعش» ما يجيب عن أسئلة كثيرة معلّقة ولا سيما مصير عناصر التنظيم الباقين داخل الجيب والرافضين الاستسلام واحتمالات تأمين خروجهم نحو بقعة جغرافية جديدة أو مواصلتهم القتال خاصة أن الدول الأوروبية المعنية مباشرة بهذا الملف لا تزال تائهة بين الخيارات المطروحة على الطاولة والمحدّدة بجدول زمني ضيّق يراعي الانسحاب الأميركي من مناطق شرقيّ الفرات.
وعلى رغم ضبابية المعلومات حول أعداد المقاتلين والمدنيين الموجودين داخل جيب «داعش» أعربت الأمم المتحدة عن خشيتها على مصير أفراد «نحو مئتي عائلة» محاصرة هناك تحت نفوذ التنظيم و«ضربات جوية مكثّفة». ودعت «لجنة حقوق الإنسان» الأممية إلى فتح «ممرات آمنة» لهم مشيرة إلى أن احتجازهم «جريمة حرب من جانب داعش». وفي موازاة هذه الدعوات نفت الأمم المتحدة مشاركتها في فتح معبرين للنازحين في مخيم الركبان نحو مناطق سيطرة الحكومة السورية مشددة على ضرورة أن «تراعي أي عودة أو انتقال لقاطني الركبان المبادئ الأساسية، بما فيها العودة الطوعية». وبدأ العمل عبر المعبرين منذ صباح أمس حيث انتشرت وحدات من الجيش السوري والشرطة العسكرية الروسية.
وشهد معبر جليغيم على طريق بغداد ــ دمشق دخول أول عائلة من مناطق نفوذ القوات الأميركية في التنف نحو مناطق سيطرة الجيش السوري. ولم تستجب أي من الوكالات الدولية لدعوة من دمشق وموسكو للمشاركة في تسهيل عملية عبور النازحين من المخيم، ونقلهم إلى مناطق سكنهم الأصلية.
وحضر الوجود العسكري الأميركي المستمر في التنف في حديث مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان خلال مشاركتها في «منتدى فالداي» في موسكو إذ رأت أن «قوات الاحتلال الأميركي تحمي الإرهابيين في منطقة التنف وتستهدف وحدات الجيش العربي السوري لعرقلة تحريرها للمنطقة». وأضافت المستشارة أن «المحاولات الأميركية لإقامة دويلة» في شرقي الفرات محكومة بالفشل مجددة تعهد دمشق بتحرير كامل الأراضي السورية.
وانتقدت شعبان «الاحتلال التركي»، فيما ثمّنت الدور الروسي في الملف السوري. وبالتوازي اعتبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن «لا فرص لنجاح أي قرار تتخذه الولايات المتحدة الأميركية بمفردها، حول إنشاء منطقة آمنة» في شمال شرق سوريا لافتاً إلى أن الأميركيين أخلّوا بأمن المنطقة حين «دفعت بالأكراد إلى مناطق ذات غالبية عربية... ما أدى إلى نشوب صراع بين الأكراد والعرب». وأشار إلى «إيجابية» التنسيق مع أنقرة بخصوص «تطبيق اتفاق أضنة»، على أن يكون «الاتفاق على تنفيذها على أرض الواقع... من خلال مشاورات بين عسكريين سوريين وروس وأتراك».
الي ذلك دخلت الدول الأوروبية وغيرها من الدول التي انضمّ بعض مواطنيها إلى صفوف «داعش» أو ناصروه في جدل واسع جراء ضغط واشنطن لحلّ ملف من اعتُقل منهم على يد «التحالف»، قبل الانسحاب الأميركي المنتظر من سوريا
لم تحمل زيارة قائد القيادة المركزية الأميركية جوزيف فوتيل إلى شمال شرق سوريا أي تطمينات علنية لمضيفيه في «قوات سوريا الديموقراطية» الذين أعلنوا صراحة رغبتهم في بقاء قوات أميركية «وإن كانت محدودة» برفقة غطاء جوي. فالجنرال الذي يستعد بدوره لمغادرة منصبه قريباً وخلال لقائه قائد «قسد» مظلوم كوباني في واحدة من القواعد الأميركية اختصر التباين في الرؤى بالقول: «نفهم بالتأكيد ما يريدوننا أن نفعله لكن هذا ليس المسار الذي نسلكه في هذه المرحلة بالذات».
وأكد أنه ملتزم «تنفيذ أمر الرئيس دونالد ترامب» بالانسحاب الكامل وأن النقاش يدور الآن حول «ما يمكن أن تقدّمه قوات التحالف». ومن المتوقع أن تحفّز ملابسات زيارة فوتيل ردود فعل مستنكرة من قِبَل أنقرة بدءاً من لقائه مظلوم كوباني (أحد أبرز المطلوبين لدى تركيا) وليس انتهاءً بالحديث عن دور «التحالف» المحتمل في «حفظ الأمن» في شرق الفرات وهو ما رفضه الجانب التركي غير مرّة.
ويراعي الحراك الأميركي اللافت مع الشركاء على الأرض حساسية أحد أبرز الملفات التي تضغط واشنطن لحلّها قبيل مغادرة قواتها وهو مصير عناصر «داعش» الأجانب وعوائلهم. وبعدما أعلن ترامب صراحة أن على الدول الأوروبية «استعادة أكثر من 800 مقاتل سابق في داعش... ومحاكمتهم» ولوّح بأن «البديل غير الجيد هو الاضطرار إلى الإفراج عنهم» كانت الاستجابة الأوروبية خلال اليومين الفائتين باردة للغاية وتراوحت بين الرفض والتشكيك في جدوى الطرح الأميركي.
السلطات البريطانية أكدت أنه «يجب محاكمة مقاتلي داعش الأجانب حيث تم القبض عليهم» فيما رأت برلين أن «الأمر ليس سهلاً مثلما تطرح الولايات المتحدة» وأشار وزير خارجيتها هايكو ماس إلى أن «بإمكان هؤلاء العودة إلى ألمانيا فقط إذا تسنى لنا ضمان احتجازهم فور وصولهم». ومن جهتها، قالت وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون در لين إنه «ليس في سوريا حكومة بإمكاننا الاعتماد عليها (الرئيس السوري بشار) الأسد لا يمكن أن يكون شريكاً لنا وقوات سوريا الديموقراطية ليست حكومة».
أما في باريس التي رشحت عنها مواقف سابقة تفتح «طريق عودة» لحَمَلة الجنسية الفرنسية وهم الأغلبية بين عناصر «داعش» وعوائلهم وفق إحصاءات غير رسمية فقد أشارت وزيرة العدل نيكول بيلوبيه في حديث إلى قناة «فرانس 2»، إلى أن «هناك سياقاً جيوسياسياً جديداً مع الانسحاب الأميركي... وفي الوقت الراهن لا نعمل على تغيير سياستنا» مضيفة أن الحكومة «ستلتزم سياستها الحالية في التعامل مع كل حالة على حدة». ولفت وزير الخارجية البلجيكي، ديدييه رايندرز، من جهته، إلى أن حكومته ملتزمة إعادة الأطفال دون سن العاشرة «كلما أمكن ذلك» بينما سيتم التعامل مع الآخرين «بشكل فردي». كذلك استبعدت مفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أيّ تدخّل للاتحاد في هذا الشأن على اعتبار أنها «مسألة تخص الحكومات الوطنية».
ووسط هذا الزخم لحلّ الأزمات التي أحياها قرار الانسحاب الأميركي لا تزال موسكو مشككة في النيات الأميركية في هذا الشأن لأن «الولايات المتحدة باتت أكثر الدول التي لا يمكن التنبّؤ بتصرفاتها» على حد تعبير المتحدث باسم «الكرملن» ديميتري بيسكوف. ورأى الأخير في مقابلة مع صحيفة «حرييت» التركية أن الوجود الأميركي في سوريا «لن ينتهي على الأرجح... وقد يستمر بطريقة ما».
وحول تصوّر بلاده لفكرة إنشاء «منطقة آمنة» تديرها أنقرة قال إن «اتفاقية أضنة توفّر أرضية قانونية يمكن اتخاذ الخطوات اللازمة ضمن إطارها». واعتبر في تعليق على تواصل أنقرة الأمني مع دمشق أن «كل الدول التي تريد إنقاذ سوريا... يجب أن تتعامل مع رئيسها الشرعي». وعن مستجدات إدلب واحتمال شنّ عملية عسكرية هناك، لفت إلى أن «الأمر يجب أن يترك للعسكريين... وعلينا أن نقرر ما إذا كانت تركيا ستقوم بها أو أطراف أخرى». وأضاف أن «التهديد الإرهابي في إدلب وصل إلى مستوى ينذر بالخطر... والجماعات الإرهابية تهاجم باستمرار ومن مسؤولية تركيا منع هذه الهجمات» لافتاً إلى أنه «يجب وقف الاعتداء على قاعدة حميميم وعلى حلب وعلى مواقع الجيش السوري».
ذريعة مكافحة الإرهاب للبقاء في سوريا
الانسحاب المعلن للجنود الأميركيين سيكون «ممتداً زمنياً» بحسب التأكيدات الأخيرة للبنتاغون. فرنسا من جهتها أعلنت الإبقاء على قواتها في مسرح العمليات السوري ــ العراقي (بين 500 و700 جندي من القوات الخاصة ومن سلاحَي المدفعية والهندسة). باريس أوضحت نيتها متابعة المعركة ضد منظمة «الدولة الإسلامية» وبخاصة ضد الجهاديين الفرنسيين «الذين ما زالوا يشكلون تهديداً لبلدنا» بحسب تعبير وزيرة الجيوش فلورانس بارلي.
وزارة الخارجية أوردت حجة أخرى: نريد احترام وعدنا لأصدقائنا الأكراد بالمشاركة المستمرة في الحرب إلى جانبهم... المشكلة هي أن الجنود الفرنسيين الموجودين في سوريا والعراق يعتمدون بشكل كامل على البنية اللوجستية الأميركية. أحد الأمثلة على هذا الاعتماد الكامل هي مدافع «Caesar» من عيار 155 مم المستخدمة من القوات الفرنسية في المواجهات مع بقايا «داعش» على الحدود السورية ــ العراقية والتي يشارك فيها حوالي 130 من رجال هذه القوات. وزن هذا السلاح 18 طناً ويتم نقله بالطائرات.
وبما أن طائرات النقل العسكري الفرنسية الأربع عشرة تستخدم في عملية «بركان» في بلدان الساحل الأفريقي فإن نقل هذا السلاح يتم، كما عمليات الإسناد اللوجستي الأخرى من قِبَل أسطول طائرات «C-17A» و «C-5 Glaxy» الأميركية، انطلاقاً من القواعد الجوية الخمس الموجودة شمال الفرات والتي ستغادرها القوات الأميركية. وقد بدأت باريس تدرس إمكانية ترك المدافع الخمسة في سوريا أو تسليمها للجيش العراقي.
على جبهة الحرب على «داعش» أعلن البيت الأبيض نصراً كاملاً عليها، ونهاية مهمة قواته. الواقع الميداني قد يكون أكثر تعقيداً. مصادر مختلفة من عدة أجهزة أمنية تعتبر أن ما يقارب 15000 جهادي «تبخّروا» أو لجأوا إلى الصحراء وواحاتها المتعددة. المصادر نفسها قدرت عدد المقاتلين الأجانب بين هؤلاء القادمين من القوقاز وبلدان المغرب العربي وأوروبا بحوالي الثلث. لدى «قوات سوريا الديموقراطية» اليوم 5 آلاف معتقل من الجهاديين وعائلاتهم غالبيتهم من النساء والأطفال. يضم هذا العدد 103 من المواطنين الفرنسيين. الموقف غير الرسمي الفرنسي كان يفضل موت الجهاديين أو تسليمهم للسلطات العراقية. وقد بدأ قسم من المحامين الملتحفين براية حقوق الإنسان، كويليام بوردون مثلاً، حملة بهدف استعادتهم ليحاكموا في فرنسا أو ليخضعوا لبرامج مكافحة الراديكالية.
ولكن وفقاً لبعض الدبلوماسيين «خلف دخان المعركة ضد الإرهاب وقضية مصير المعتقلين تسعى فرنسا للحفاظ على وجود عسكري ولو بالحد الأدنى لتحجز مقعداً في المفاوضات المستقبلية التي سترافق عملية إعادة البناء السياسي والاقتصادي لسوريا». وبما أن الطرف الكردي عاد إلى التفاوض مع الحكومة في دمشق فإن أكثر ما تخشاه باريس هو قيام «قسد» بتسليم الجهاديين الفرنسيين إلى السلطات السورية. سيعطي هذا الأمر في حال حصوله ورقة ضغط إضافية للرئيس السوري وفريقه في مواجهة فرنسا التي لم يغفر لها موقفها منذ إغلاق سفارتها في دمشق في آذار/ مارس 2012.
الأكيد اليوم استناداً إلى مصادر رفيعة دبلوماسية وعسكرية فرنسية هو أن «الجهاديين الفرنسيين الذين نجحوا في الفرار من سوريا لا يقدرون إلا على التوجه إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط أو في آسيا الوسطى أو إلى منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا. من عاد منهم إلى فرنسا أو بلدان أوروبية يفترض أن يتم كشفه واعتقاله». على ضوء هذه المعطيات، يصبح الإبقاء على القوات الفرنسية في سوريا خاضعاً لاعتبارات سياسية واقتصادية غير تلك المعلنة. الطرف الكردي الذي بات يتمتع بالدعم الإسرائيلي أيضاً ما زال يراهن على المساندة اللوجستية الفرنسية على رغم علمه بأنه سيضطر آجلاً أم عاجلاً لأن يتخلى عن سلاحه أو أن ينضم إلى الجيش السوري.
«النصرة» تبحث عن جلد جديد: ثوب «الإخوان» في الخدمة
بدّلت «جبهة النصرة» جلدها مرات عديدة على امتداد السنوات السابقة من دون أن يغيّر ذلك شيئاً في جوهرها المتطرف. اليوم تتسارع جهود أبو محمد الجولاني لإعادة تصدير جماعته في صورة جديدة تطمح إلى التشبّه بـ«جماعة الإخوان المسلمين». وإذا ما رأت خطط الجولاني النور فإنها لن تعدو كونها «تكتيكات ضرورية» وفق ما يروج في الكواليس، مع التشدّد في التزام «الجهاد» استراتيجية ثابتة.
لا تجد «هيئة تحرير الشام/ النصرة» حرجاً في تغيير أزيائها. كلّما دعت الحاجة إلى ذلك، أثبت زعيم الجماعة المتطرفة أبو محمد الجولاني استعداده لتعديل التكتيكات و«المنهجيات» وقدرته على ضبط التناقضات داخل جماعته. ولا يعدم الجولاني الوسائل والأدوات الناجعة وخاصة حين تمنحه تعقيدات المشهد السوري «كتفاً إقليمياً» يتّكئ عليه وهو أمرٌ لم تُحرم «النصرة» منه، باستثناء فترات مؤقتة كانت أشدّها وطأة فترة الانكماش القطري في مستهلّ الأزمة الخليجية الأخيرة.
البراغماتية في نظر الجولاني حصان تمكن الاستعانة به دائماً و«فقه الضرورة» جاهزٌ لتقديم «المسوّغات الشرعية». بالاستفادة مما تقدم لا يزال مشروع «النصرة» مستمرّاً في تسجيل «النقاط» والقفز درجات إلى أعلى السلم في خضمّ المشاريع «الجهادية» التي انخرطت منذ مطلع العام الحالي في سباق جديد على رسم مشهدية إدلب. وتحظى «النصرة» بمكانة «فريدة» وسط الصراع المذكور بوصفها قاسماً مشتركاً بين مشاريع متناقضة تتباين رؤاها في النظر إلى الدور الوظيفي الذي يمكن للجماعة لعبه، وتتوافق على أهميتها في المعادلة.
دعم «التمكين» المستتر
توحي المعطيات المتتالية بأن السباق راهناً قد حُسم لمصلحة المشروع القطري الذي يلحظ أهمية دعم الجولاني ومدّ يد العون لجماعته على طريق تحقيق «التمكين». وباشرت الأدوات الإدارية للجولاني نشاطاً مكثّفاً في سباق مع الوقت لرسم ملامح «التمكين» المنشود، في صورة تتوخّى تورية «الراية السوداء» خلف ستار «مدني» من دون أن يعني ذلك التخلّي عن «تحكيم الشريعة» بوصفه جوهر المشروع. وسمح تعزيز القبضة العسكرية لـ«تحرير الشام» بتكريس هيمنة «إدارية» لـ«حكومة الإنقاذ» على كثير من تفاصيل الحياة اليومية في إدلب وبشكل خاص قطاعات التعليم والاقتصاد والطاقة.
اللافت أن هيمنة «الإنقاذ» على قطاع التعليم ركّزت تحديداً على التعليم الجامعي الخاص فيما تركت مهمة تعليم الأطفال لـ«المكاتب الدعوية» في الدرجة الأولى. وتطالب «الإنقاذ» الجامعات والمعاهد الراغبة في مواصلة عملها بتسديد مبالغ باهظة مقابل منحها «التراخيص» اللازمة. وبالتوازي كثّفت «سلسلة المكاتب الدعوية» في الشهرين الأخيرين «نشاطاتها التعليمية» فافتتحت عشرات المراكز والمكاتب و«حلقات العلم» الجديدة المخصّصة للأطفال واليافعين إضافة إلى توسيع عدد «المدارس القرآنية» التابعة لـ«دار الوحي الشريف». ودشّنت «سلسلة المكاتب الدعوية في بلاد الشام» حملة توزيع مجاني لمعونات غذائية وسلع استهلاكية علاوة على توزيع معونات مالية في بعض القرى والبلدات.
«الجهاد» استراتيجية ثابتة
رغم حرص «تحرير الشام» على إظهار بعض التفاصيل التي توحي باستعدادها لالتزام الاتفاقات الخاصة بإدلب («سوتشي» على وجه الخصوص) إلا أنها تعمل على أرض الواقع بطريقة مغايرة. وراجت أخيراً صور لوحات إعلانية عملاقة في بعض الطرق والأوتوسترادات وقد أزيلت عنها العبارات الداعية إلى «الجهاد» وطُليت باللون الأبيض محلّ الأسود. في المقابل وجّهت «وزارة الأوقاف» في «حكومة الإنقاذ» رسالة إلى أئمة وخطباء المساجد تنصّ على وجوب التزام «بث روح الجهاد في الأمة وتحريض المسلمين على البذل والعطاء في سبيل الله... والدعوة لتحكيم الشريعة والاعتصام ورصّ الصفوف».
كذلك كثّف «المكتب الشرعي» التابع لـ«الجناح العسكري» في «تحرير الشام» أعماله «الدعوية»، وضمّ في الأسابيع الأخيرة عشرات «الدعاة» إلى كوادر «فريق العمل الدعوي/ الفاتحون» فيما بوشرت حملة أعمال موسّعة لحفر وتجهيز سلاسل خنادق جديدة في كثير من مناطق سيطرة «تحرير الشام» التي يُراد لها أن «تستلهم تجربة غزة» وفقاً لما يتم تداوله في الكواليس.
قرى «جهادية» نموذجية!
تعوّل «تحرير الشام» على نجاح مشروع «القرى النموذجية»، الذي باشرت تنفيذه قبل فترة «الإدارةُ العامة للخدمات الإنسانية»، بتمويل قطري معلن. ويتوخّى المشروع كسب «الحواضن الشعبية»، وجمع مئات العائلات في تجمعات سكنية تُدار بـ«أحكام الشريعة»، من دون الحاجة إلى «تحكيم السيف». وأُنجز بناء أولى القرى في منطقة سرجيلّا في جبل الزاوية وتضمّ 500 شقة سكنية، فيما يستمر العمل على تشييد تجمعات مماثلة، وعلى تحسين ظروف تجمعات أخرى (موجودة سابقة) وإعادة تأهيل بناها التحتية.
واعتُمدت «منهجية» أولية لإدارة «القرى النموذجية» وفق «الشريعة الإسلامية» وقد بوشر تنفيذها أخيراً على سبيل التجربة استعداداً لتحويلها إلى آلية شاملة تُطبّق في كل التجمعات المماثلة. وعمّمت «إدارة القرية» التعليمات على السكان وأصحاب المحال، وعلى رأسها «إلزامية التعليم الشرعي» وإلحاق الأطفال ببرنامج «صلاتي حياتي» والتزام أصحاب المحال بعدم بيع التبغ، وبإغلاق محالّهم في مواقيت الصلوات الخمس. ويتوخّى «المشروع» التحول إلى «نموذج ناجح للتنمية الجهادية وتكريس العمل على أساس خدمي دعوي». ويضع على رأس أهدافه «تعزيز البيئة الحاضنة للجهاد وامتلاك قلوب الناس وإشراك الأهالي في تبني المشروع والقضاء على المعاصي وإنشاء جيل مسلم يحارب الروس والمجوس ومرتزقة النظام من خلال الدعاة العاملين في المشروع».
نحو «الأخونة»؟
لم يأتِ صبّ الاهتمام على «التمكين» من فراغ؛ إذ تعدّه بعض «الاجتهادات الشرعية» شرطاً أساسياً من شروط «حكم الشريعة» و«إقامة الحدود». وترى تلك «الاجتهادات» أنه إذا «كان في إقامة الحدود فساد يربو على مصلحة إقامتها لم تُقم» وأن «تطبيق الحدود في حال انعدام السلطان أو ضعفه هو فرض كفاية». ويبدو أن «تحرير الشام» في مرحلتها الراهنة باتت تسعى إلى «بلوغ التمكين بالموعظة الحسنة»، على ما تلاحظه مصادر «جهادية» مواكبة للمشهد في إدلب. وتشير معلومات إلى أن كواليس إدلب تشهد في الفترة الراهنة جهوداً حثيثة لتطعيم «منهجية النصرة» بسلوكيات «سياسية» تستلهم تجارب «جماعة الإخوان».
وربّما تقدم هذه التفاصيل تبريراً مفهوماً لإبعاد أبو اليقظان المصري عن الواجهة «الشرعية». وكان المصري «شرعياً في الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام» قبل أن يستقيل في مطلع الشهر الحالي عقب خلاف بينه وبين «قيادة الهيئة» التي وجّهت له إنذاراً لأنه «يخالف أوامر الجماعة ولا يلتزم بالضوابط الإعلامية التي تقدّرها». وعُرف المصري بوضوحه في التعبير عن روح «المشروع الجهادي» المتطرف خلافاً لتيارات أخرى داخل «الهيئة» لا تجد مانعاً في المواربة إذا ما «دعت الضرورة».
ولا تمثّل هذه التغييرات سابقة في سجل «جبهة النصرة»، بل هي في الواقع تأتي إحياءً لمرحلة مماثلة عرفتها «النصرة» عقب سيطرتها مع «جيش الفتح» على كامل محافظة إدلب، وفي خضم النقاشات التي كانت مستعرة وقتذاك حول «فك الارتباط» بتنظيم «القاعدة». وراجت في تلك الفترة أحاديث عن ضرورة «تشكيل جسم سياسي لجيش الفتح» يستلهم تجربة «حركة طالبان» الأمر الذي أعيد إلى التداول أخيراً مع تغيير المسميات (إذ لم يعد لتحالف «جيش الفتح» وجود).
«الهيئة» و«الحرّاس»: احتواء مؤقت
رغم الاستنفار الذي أحدثته «هبّة» تنظيم «حراس الدين» قبل أسبوعين بطريقة توحي بأن ساعة الانفجار بينه وبين «تحرير الشام» قد دنت إلا أن المعطيات اليوم تعكس التزام الطرفين تهدئة إعلامية لافتة. وكما كان «حراس الدين» صاحب المبادرة في التصعيد عاد ليصبح سبّاقاً إلى إرسال إشارات التهدئة و«حسن النوايا». واعتذر التنظيم المتطرف، في بيان عن قتل مجموعة تابعة له قائداً تابعاً لـ«الهيئة» هو عادل حوير (أبو إبراهيم) قبل أن يعلن الطرفان توقيع اتفاق تهدئة في العاشر من الشهر الجاري. وتؤكد مصادر «جهادية» أن «الهيئة كانت حريصة على التهدئة» هذه المرة ويُرجّح أن السبب في ذلك رغبتها في عدم التشويش على مشروعها «السياسي» في المرحلة الراهنة. وعُرف عن «النصرة» حرصها على خوض معاركها الكبرى ضد المجموعات الأخرى في مواقيت تختارها بما يتناسب مع أولوياتها وعدم الانجرار إليها إذا لم تكن مستعدة على مختلف الصعد.
استنفار أمني على الحدود: 15 ألفاً ينتظرون الانتقال إلى العرا ق
القتال الدائر بين «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) وتنظيم «داعش» في بلدة الباغوز السورية بات في أمتاره الأخيرة. تطور قد يدفع واشنطن في غضون ساعات إلى إعلان «انتهاء العمليات العسكرية» ومن ثم «الانتصار» على أكثر التنظيمات تطرّفاً في العالم. هذا المشهد ترى بغداد نفسها من أول المعنيين به وفق ما جدد التأكيد أمس رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في مؤتمره الصحافي الأسبوعي حيث قال إن «العالم بات أكثر أمناً وسلماً بسبب التضحيات الكبيرة التي بذلها العراقيون في القضاء على داعش».
اهتمام بغداد يتصل بالدرجة الأولى بمستقبل مسلحي «داعش»، وخصوصاً العراقيين منهم وعوائلهم وإمكانية انتقالهم من الشرق السوري إلى الغرب العراقي. وفقاً لمعلومات فإن خطة التعامل العراقية مع هذا الملف تتضمّن مسارين: إنساني وعسكري وإن كان منطلق الاثنين أمنياً على قاعدة الحؤول دون إيجاد بيئة حاضنة للخلايا النائمة من شأنها أن تنتج تنظيماً مشابهاً لـ«داعش» مجدّداً وهو ما حذّر منه مستشار الأمن الوطني العراقي فالح الفياض أول من أمس.
تفيد المعلومات بأن مجلس الأمن الوطني الذي يرأسه عبد المهدي ساده رأيان: الأول دعا إلى السماح لـ«الدواعش» بالعودة إلى قراهم ومنازلهم من دون التحقيق معهم أو استجوابهم. أما الرأي الثاني الذي تبنّاه رئيس الوزراء فهو نقل هؤلاء إلى مخيمات جاهزة محاذية للحدود على أن تبدأ القوات الأمنية إثر ذلك تحقيقاتها ومن ثم إحالة من يثبت تورطه في عمليات إجرامية إلى الجهات الأمنية والقضائية المختصة فيما يُعاد دمج بقية المحتجزين مع مجتمعاتهم فور الانتهاء من الخطوات القانونية.
عملية تسليم هؤلاء الذين يُقدّر عددهم بحسب بعض التقارير الأمنية بأكثر من 15 ألف شخص ما بين رجال ونساء وأطفال، ستجري على مسارين: الأول قيام «قسد» بعد التنسيق مع الجانب الأميركي بتسليم بغداد المحتجزين لديها. والثاني قيام الجانب الأميركي بتسليم نظيره العراقي المحتجزين لديه بشكل مباشر. لكن القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في بغداد جوي هود نفى أمس وجود «خطة لنقل عوائل داعش من سوريا إلى العراق»، لافتاً إلى أن «قسد سلّمت العراق عناصر عراقيين من تنظيم داعش» مستدركاً بـ«أننا سنساعد في هذا الملف إذا طُلب منا ذلك».
أمنياً يتواصل العمل على ترجمة توجيهات مجلس الأمن الوطني بـ«التنسيق الدائم بين القطعات العسكرية واستمرار عمليات البحث وملاحقة عناصر داعش في المناطق الصحراوية المحاذية ومراقبة الشريط الحدودي لمنع أي عمليات تسلل نحو الأراضي العراقية» وفي هذا الإطار أكد بيان صادر عن «قيادة العمليات المشتركة» أمس أن «الجيش العراقي يستمرّ في تأمين الشريط الحدودي بين العراق وسوريا حيث يقوم لواء المشاة الآلي السابع والثلاثون التابع للفرقة المدرعة التاسعة بتأمين الشريط الحدودي في قضاء القائم من نهر الفرات وصولاً إلى نهاية الشريط الحدودي في القضاء» لافتاً إلى أن «هذا اللواء هو احتياط وإسناد للقوات الموجودة على الشريط الحدودي والهدف منها الحماية التامة للحدود العراقية ـــــ السورية لمنع تسلل عصابات داعش».
وفي السياق نفسه تؤكد مصادر ميدانية أن «القوات المنتشرة على طول الخط الحدودي باختلاف صنوفها على أتمّ الجاهزية لصدّ أي محاولة تسلّل للمسلحين» نافية أن تكون هناك أي عملية تسلّل ضخمة في الفترة الماضية مقرّة في الوقت نفسه بـ«نجاح عمليات تسلل فردية تأخذ طابع انتقال غير شرعي بين ضفتي الحدود».
المزيد في هذا القسم:
- لبنان يعتبر الخروقات الإسرائيلية اعتداءً ويقدم شكوى لمجلس الأمن ! المرصاد نت - متابعات قرر المجلس الأعلى للدفاع اللبناني تقديم شكوى لمجلس الأمن الدولي في الخروقات الإسرائيلية على الخط الأزرق جنوب لبنان معتبراً أن "ما يقوم به...
- اليوم الـ46 للانتفاضة الشعبّيةّ.. أسبوع حاسم حكومياً في لبنان! المرصاد نت - متابعات لم يشهد الملف الحكومي أي تقدم جدي. لكن مؤشرات عديدة تؤكد أن الأسبوع المقبل قد يحمل في طياته بوادر اتفاق على اسم الرئيس المكلف وبرنامج عمل...
- ارتفاع مستوى التأهب الأمني في فرنسا بعد هجوم ستراسبورغ ! المرصاد نت - متابعات كشفت وسائل إعلام فرنسية اليوم تفاصيل جديدة عن منفّذ هجوم إطلاق النار في ستراسبورغ، الذي أسفر مساء أمس عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 12 آخرين...
- تكرار الاعتداءات الصهيونية على سورية .. الرسائل والتداعيات المرصاد نت - متابعات تؤكد الاعتداءات الصهيونية الثلاثة الجديدة على ريف العاصمة السورية دمشق في التاسع من كانون الثاني الحالي دخول العامل الصهيوني بطريقة عسكري...
- إجراءات عزل ترامب : العرض العلني يبدأ غداً! المرصاد نت - متابعات بعد أسابيع من جلسات الاستماع الطويلة بشأن القضية الأوكرانية والتي جرت في جلسات مُغلقة في مجلس النواب ستسمح الجلسات العلنية الجديدة التي ت...
- الشمال السوري بين اتفاقات سوتشي والمراوغة التركية! المرصاد نت - متابعات يبدو أن الشمال السوري يتخذ منحىً جديداً بعيداً عن العمليات العسكرية واسعة النطاق لاسيما في مناطق شرقي الفرات وريفي حلب الشمالي والغربي إض...
- إسرائيل مرت من هنا: حين توظف تل أبيب الأزمة السورية ! المرصاد نت - متابعات سوريا التي تآمرت عليها قرابة المائة دولة لمدة سبع سنوات والتي دفعت من دم شعبها أثماناً غالية أضحت اليوم أقوى وأصلب عوداً، فالمحن كما يعلم...
- السيد حسن نصر الله : المشروع الغربي سيسقط وسوريا ومحور المقاومة سينتصران,, ظهر الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في الاحتفال الذي أقامه حزب الله لمناسبة عيد المقاومة والتحرير في مدينة بنت جبيل- في باحة مجمع موسى عبا...
- واشنطن سترسل باتريوت وأجهزة رادار وجنود إلى السعودية! المرصاد نت - متابعات قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) أمس الخميس إنها تعتزم إرسال أربعة أنظمة رادار وبطارية صواريخ باتريوت ونحو 200 من أفراد الدعم لتعز...
- بلومبرغ: اقتصادات الدول الخليجية أكثر هشاشة بمواجهة أزمات نفطية مقبلة! المرصاد نت - متابعات رأى تقرير نشرته وكالة «بلومبرغ» أنه «على الرغم من تخطي المنطقة الخليجية مرحلة انهيار أسعار النفط، فإنها لا تزال تواجه ت...