الحرب تطوي 8 سنوات: سوريا من الممانعة إلى المواجهة !

المرصاد نت - متابعات

من الممكن القول بعد ثماني سنوات إن هذه الحرب فشلت في تحقيق أهدافها على الرغم من الأهوال البشرية والمادية التي سبّبتها، بل إنها على المستوى الجيوسياسي أدت إلى Syria Mab2019.3.15تحول كبير في موازين القوى انتقلت معه أطراف الممانعة إلى وضعية المواجهة بحسب الاتهامات الأميركية والإسرائيلية المتزايدة في الآونة الأخيرة. أفضت الهجمة الجديدة إلى عكس ما ابتغته قواها ما يفتح الباب أمام احتمالات شتى في المستقبلين القريب والمتوسط.

من الممانعة إلى المواجهة!

الغاية الرئيسية للأطراف الإقليمية والدولية التي شنّت الحرب على سوريا منذ ثماني سنوات تحت ذرائع شتى كانت ضرب الدور المركزي الذي أدّته في التصدي للمشاريع الأميركية ـــ الإسرائيلية.

مع بداية الألفية الثانية وانتقال أصحاب هذه المشاريع إلى الهجوم بذريعة الحرب على الإرهاب وصياغة شرق أوسط جديد كانت لسوريا مساهمة رئيسية في إفشال هذا الهجوم على جبهاته الثلاث: العراقية واللبنانية والفلسطينية. التوصيف الأدق لهذا الدور في تلك الفترة كان الممانعة أي قيام الذين غُزُوا في ديارهم بمقاومة الغزاة بجميع السبل والوسائل المتاحة ومنعهم من الاستقرار وتحقيق أهدافهم. وقد شاركت في عملية التصدي لهذا الاجتياح البربري أطراف عدة دولتية وغير دولتية، ونجحت في مهمتها.

لكن قوى المحور المعادي لم تتقبل نتائج هزيمتها في العراق ولبنان وغزة، وقررت انتهاز أول فرصة للهجوم مجدداً على الحلقة المحورية السورية هذه المرة. وهذا ما فعلته في آذار 2011 عندما اعتقدت أن بإمكانها استغلال أزمة داخلية، تكثر مثيلاتها في العديد من الدول النامية لتحويلها إلى حرب ضروس تفضي إلى تدمير الدولة والمجتمع السوريين. من الممكن القول بعد ثماني سنوات إن هذه الحرب فشلت في تحقيق أهدافها على الرغم من الأهوال البشرية والمادية التي سبّبتها بل إنها على المستوى الجيوسياسي أدت إلى تحول كبير في موازين القوى انتقلت معه أطراف الممانعة إلى وضعية المواجهة بحسب الاتهامات الأميركية والإسرائيلية المتزايدة في الآونة الأخيرة. أفضت الهجمة الجديدة إلى عكس ما ابتغته قواها ما يفتح الباب أمام احتمالات شتى في المستقبلين القريب والمتوسط.

رأى الكثيرون عند بداية الأزمة في سوريا أنها جزء من موجة ثورية طال انتظارها تجتاح العالم العربي بعد الحريق الذي شبّ في تونس ومصر. لم يلتفت هؤلاء والأصح بعضهم من حسني النية إلى ما عَنَتْه السابقة الليبية مع دخول الـ«ناتو» على خط الأزمة وقيادته الحرب ضدّ نظام معمر القذافي حتى إسقاطه، وتصفية الأخير جسدياً وتقسيم ليبيا. لقد راعت الانتفاضات الشعبية في تونس ومصر البلدين الحليفين للغرب قواه المسيطرة ودفعته إلى التدخل في سياق الموجة الثورية لمحاولة السيطرة عليها وحرفها عن مسارها ودعم القوى والأطراف المستعدة للتسليم باستمرار هيمنته الاستراتيجية والاقتصادية على المنطقة. هذا التدخل آذن ببداية الثورة المضادة بقيادة الغرب، الذي سرعان ما انتقل من ليبيا إلى سوريا. ما شهده العالم العربي في تونس ومصر واليمن والبحرين كان بالفعل بداية مسار ثوري داخلي لكنه حفّز كما هو حال جميع الثورات في التاريخ المعاصر ومنها الفرنسية والروسية مثلاً القوى المتضررة منه دولية كانت أو إقليمية أو محلية على الهجوم المضاد لوأده أو حرفه عن مساره.

لكن سوريا ليست ليبيا وما نجح في الثانية بفعل العدوان الخارجي أساساً فشل فشلاً ذريعاً في الأولى بفضل ثبات قيادتها وصمود جيشها وهبّة حلفائها لمناصرتها مع تعاظم التدخل الخارجي. ومع الانجلاء الجزئي والتدريجي لغبار الحرب الكثيف اتضح أن عدة صراعات خيضت تحت سقف الأخيرة أهمها ذلك المستمر مع إسرائيل. هي في الحقيقة كانت طرفاً غير رسمي فيها في مراحلها الأولى لكنها أصبحت لاحقاً طرفاً بارزاً يعلن رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو مسؤوليته عن مئات الغارات يليه رئيس هيئة أركانها السابق غادي أيزينكوت ليتبنى آلاف «الهجمات» أي إن مشاركتها لم تقتصر على ضربات من الجو فقط بل على عمليات على الأرض.

من المفترض أن يدفع ظهور هذه الحقائق إلى تغيير مواقف بعض حسني النية الذين شكّكوا في صحة قرار أطراف محور المقاومة الذهاب إلى القتال في سوريا. عملية بناء القدرات العسكرية والصاروخية ومراكمتها تحت النار الإسرائيلية التي شرعوا بها مع تطور الصراع جعلت من سوريا ولبنان من منظور إسرائيلي، منصة هجومية. مَن يعرف طبيعة الكيان الصهيوني ودوره الوظيفي مع القوى الغربية باعتباره جيشاً يمتلك دولة وليس دولة تمتلك جيشاً، يعلم أن قادته اليوم لا ينامون نوماً هنيئاً، وأن الانتصار على الساحة السورية وما قد يترتب عنه في المستقبل هما من أسوأ كوابيسهم.

صراع الحدود والوجود: الدخان لا يزال أسود!

عام آخر تضيفه عدّادات الحرب السورية إلى عمرها من دون أن تشير المعطيات إلى انفراجة حقيقية في الأفق. الأحداث الدامية التي عرفتها البلاد قبل ثمانية أعوام أفلحت تدريجاً في انتزاع إجماع على تسمية واضحة: «حرب مفتوحة»، لتنتقل انقسامات السوريين من الخلاف على التسميات، إلى السجال على الأسباب والمآلات. وحتى اليوم، لا يزال التضارب الهائل سيّد المشهد في معظم ما يتّصل بالحرب من «أرقام»: أعداد الضحايا، حجم الدمار، أكلاف «إعادة الإعمار» وممكناته ومستحيلاته... إلخ. وحده الرقم ثمانية يحظى بـ«إجماع» حاسم ويستدعي إقراراً بأن آذار 2011 كان مفتاحاً لـ«تغيّر كل شيء»، وربما إلى الأبد.Syriaaaa2019.3.15

15 آذار 2019. لا جديد فعلياً يحمله هذا التاريخ أو «يبشّر» به. هو يوم يضاف إلى روزنامة الحرب مفتتحاً عاماً آخر من عمرها من دون معطيات تشير إلى أنه قد يكون الأخير. وبرغم الانحسار الكبير الذي شهدته جغرافيا المعارك في العام المنصرم، فإن يوميات السوريين ما زالت «يوميات حربية» بامتياز مع اختلاف جوهري في طبيعة «الفاتورة» الواجب سدادها مقابل «اللقمة المغمّسة بالدم». ولا يزال المعنى الحرفي للعبارة ساري المفعول في إدلب وحماة وحلب واللاذقية والرقة ودير الزور بنسبٍ متفاوتة ولأسباب مختلفة فيما يكتسب المعنى المجازي قسوة مضاعفة في مناطق سيطرة دمشق؛ بفعل خناق اقتصادي يضيق أكثر فأكثر ينافسه في ذلك واقع اللاجئين في المخيمات ودول الجوار.

ولم يتغير شيء في قدرة السوريين المحدودة على التأثير في شكل الخواتيم المفترضة لحربهم (والأرجح أن هذه القدرة انخفضت) بينما تعمّقت الانقسامات الإقليمية والدولية وصارت تباينات الرؤى والمصالح داخل هذا المحور أو ذاك أكثر علانية وأشدّ تأثيراً في مدّ عمر الحرب. ويبدو الرهان على إطالة أمد الصراع حاضراً بقوة على أجندات بعض اللاعبين المؤثّرين، وعلى رأسهم واشنطن، التي لم تغيّر خلافاتها الداخلية بشأن الملف السوري شيئاً في تعاطيها العام معه. وبرغم الزوبعة التي أثارها قرار «الانسحاب العسكري» المزعوم، تبدو الخيارات الأميركية محسومةً لجهة عدم التخلّي (طوعاً) عن المنطقة الشرقية «تحت أي ظرف».

 ويفتح هذا التفصيل الباب أمام تحويل شرق سوريا إلى «مسألة إقليمية» معقّدة الأمر الذي يتكامل مع تعقيدات ملف الشمال السوري. ويبدو لافتاً في هذا السياق الحديث المتزايد عن «وصفة» جديدة تعكف «دولة الأمن القومي» على تكريسها حلّاً وحيداً للاشتباك الأميركي الداخلي حول مسألة الانسحاب بما يضمن «استيعاب نزوات ترامب ولا يعرّض مصالح الولايات المتحدة للخطر» وتقوم هذه الوصفة على نقل الوجود الأميركي من طور الحضور العسكري إلى حالة «الحرب الاستخبارية» مع إعطاء الصدارة لضباط وكالة الاستخبارات الأميركية لقيادة «القوات المحلية» وتوجيهها على الأرض.

وعادت إلى التداول جملةُ مقترحات أميركية لـ«خطط مستقبلية» يمكن أن يضمن تنفيذها توفير «بيئة خادمة» لمصالح واشنطن، التي هي بطبيعة الحال مهدّدة للمصالح السورية. وتزايدت النقاشات حول إعادة إحياء مقترح «قوة حرس الحدود» التي سبق لقوات «التحالف الدولي» أن أعلنت العزم على تشكيلها في الشرق السوري (مطلع العام الماضي). الجديد اليوم، أن مقترحات إحياء هذه الخطوة تلحظ «إغراء أنقرة بإبعاد وحدات حماية الشعب الكردية عن هذه القوة، وإشراك البيشمركة فيها، إلى جانب عناصر من العشائر العربية تكون نسبتها هي الأكبر».

وغير بعيد عن هذا تدور أحاديث خافتة في الكواليس الأطلسية عن احتمال دخول رسمي لـ«حلف شماليّ الأطلسي» على خطّ «المناطق الآمنة» برغم المخاض العسير الذي يُتوقع أن يقطعه مقترح من هذا النوع قبل إبصاره النور فيما لو أبصره. وتُظهر خطط «البنتاغون» حرصاً على توفير تمويلات عسكرية صالحة لتغطية سيناريو من هذا النوع تحت عنوان «دعم المعارضة المفحوصة». ويُعدّ برنامج «المعارضة المفحوصة» خياراً «استراتيجياً» انتهجته وزارة الدفاع الأميركية منذ حقبة النزاع بينها وبين إدارة الرئيس السابق باراك أوباما لفرض إيقاع «الجنرالات» على الملف السوري وتكريس «حرب طويلة الأمد».

وتحضر في قائمة الخيارات الأميركية «المدروسة» أيضاً برامج تمويلية لـ«دعم استقرار المناطق المُحرّرة من داعش». وتلحظ الخطط ضرورة «استحداث الوظائف وتنشيط الخدمات الأساسية» فضلاً عن «حثّ جهات أخرى على المشاركة في هذه البرامج، مثل بعض الحكومات الأوروبية وبعض حكومات الشرق الأوسط والمؤسسات المالية الدولية والأمم المتحدة». ويبدو جلياً أن أي تحرك جدي في هذا الإطار إنما يهدف إلى تكريس سيناريو «كانتونات الأمر الواقع». وليست واشنطن الطرف الوحيد الساعي إلى «مأسسة» الميليشيات العسكرية المتحالفة معها و«دعم المجتمعات» الخارجة عن سيطرة دمشق.

ثمة مساعٍ تركية مماثلة انطلقت فصولها في أعقاب الجولة الاحتلالية التركية المسمّاة «درع الفرات» وتعززّت لاحقاً مع احتلال عفرين («غصن الزيتون»). وقطعت أنقرة شوطاً كبيراً على طريق هيكلة جزء من المجموعات المسلحة العاملة تحت لواء «درع الفرات»، في صورة تتعدى الحالة الميليشياوية، وتتوخّى تشكيل «جيش وطني معارض». ودفعت أنقرة نحو افتتاح «كليات عسكرية» كما عملت على تشكيل «شرطة حرة» إضافة إلى مواصلة العمل على تتريك المجتمع في الشمال السوري. ويبدو لافتاً أن معظم المجموعات المسلحة العاملة تحت راية «درع الفرات» هي مجموعات سبق لها أن حازت الرضى الأميركي. وإذا ما استمرّ تنفيذ الخطط التركية على هذا الصعيد في مناطق غرب الفرات وانضمّت إليها خطط أميركية مشابهة شرقيّ الفرات فستكون النتيجة تمهيداً للبدء في تكريس «كانتونات» تفوق قدرة دمشق على إخضاعها.

وتصلح كل المعطيات المذكورة للاستثمار لاحقاً في صورة حرب عسكرية أو فرض «أمر واقع» يجعل كلّ حديث عن «وحدة سوريا» مُعدّاً للاستهلاك الإعلامي فحسب. ويمكن تمييز ثلاث جغرافيات قابلة للتحول إلى مسرح عسكري نشط في المراحل التالية من الحرب، على رأسها مثلث «إدلب، حلب، حماة» الذي تهيمن عليه «الرايات السود». ويحتفظ احتمال التفجير العسكري بحظوظ أقلّ على خطوط التماس بين الجيش السوري ومناطق الاحتلال التركي (ريف حلب الشمالي) كما على خطوط التماس بين الجيش و«قوات سوريا الديمقراطية» شرقيّ الفرات. كذلك تحضر احتمالات التصعيد العسكري بين «قسد» وأنقرة على امتداد المسافة بين منبج وعين ديوار.

وبرغم خروج بعض اللاعبين من خريطة الصراع على شمال سوريا وشرقها فإن المشهد اليوم يُذكّر بما كانت عليه الأمور قبل أكثر من أربعة أعوام ولا يغيب جنوب البلاد عن الاحتمالات المفتوحة في ظلّ عدم استقرار «بيئة المصالحة» في درعا واستمرار التحديات «الأمنية» في السويداء وحضور مخاطر اعتداءات الكيان الإسرائيلي دائماً.

إدلب بين «النصرة» وأنقرة: الغد الغامض!

«لا يوجد حلّ بسيط لإدلب بالنظر إلى العدد الكبير من الجهاديين الذين رسّخوا أنفسهم والتكلفة العالية لأي محاولة لإزاحتهم». هذا جزء من تحليل «مجموعة الأزمات الدولية» للوضع في إدلب في أيلول الماضي وهو تحليل لا يُجافي الواقع في شيء. وتفرض أنقرة نفسها لاعباً أساسياً في ملف إدلب بالاستفادة من جملة معطيات متداخلة فيما يفرض ملف إدلب نفسه على كل ما يتصل بتطورات المشهد السوري ومستقبل البلاد.

بين عام 2011 واليوم تبدّلت أولويات أنقرة غير مرة على وقع تطورات الحدث السوري وتغيّر موازين القوى. في العام الأول بدا أن كل الضغوط التركية تطمح إلى تحقيق هدف أساسي هو انتزاع «مكتسبات سياسية» لمصلحة جماعة «الإخوان المسلمين». سرعان ما اتسعت الطموحات الى حدّ التفكير بإمكان «إسقاط النظام» والتمهيد لانفراد «الجماعة» بالحكم. في أيلول 2012 أطلق الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أحد أشهر التصريحات على امتداد الأزمة وعبّر من خلاله عن ثقته بأنه «سيؤدي صلاة العيد (الأضحى) في الجامع الأموي بدمشق».

انخفضت الطموحات بعد أربع سنوات من ذلك التصريح لتتمحور في الدرجة الأولى حول «ضمان أمن تركيا» ولا سيما في ما يتعلّق بـ«الخطر الكردي». في الواقع كان انهيار المحادثات بين أنقرة و«حزب العمال الكردستاني» إحدى الأكلاف العالية التي دفعتها أنقرة في الأزمة السورية. كان الطرفان قد دخلا في محادثات سرية رفيعة المستوى في عام 2009 في أوسلو وترافق بدؤها مع إعلان «الكردستاني» وقف إطلاق نار لكن في حزيران 2011 انهارت الهدنة ومعها المحادثات. استمرّ التوتر بين الطرفين حتى أواخر عام 2012 حين أُعلن عن محادثات جديدة، لكنها لم تلبث أن انهارت بدورها ولا سيما مع تنامي دور «الوحدات» الكردية في الأزمة السورية.

لا يتسع السياق للاستفاضة في شرح التداخلات بين هذا الملف وملف إدلب غير أن الربط بينهما بات أحد العوامل الأساسية في توجيه سلوكيات أنقرة في الشأن السوري بعمومه، وفي شأن إدلب خصوصاً.

في المرحلة الراهنة تُراوح طموحات أنقرة ما بين حدّ أدنى هو تأخير حلّ ملف إدلب إلى ما بعد إيجاد حلّ لملف مناطق سيطرة «قوات سوريا الديموقراطية» شرق الفرات أو حلحلة عُقد الملفّين بالتوازي وحدّ أعلى يطمح إلى استنساخ سيناريو «شمال قبرص» في المنطقة الممتدّة ما بين جرابلس وإدلب. بين «الحدّين» ثمة احتمال أشدّ واقعية يبدو الوصول إليه «أكبر المكاسب» التركية الممكنة على المدى المتوسط وهو السعي إلى حصد الفوائد الاقتصادية من عملية إعادة إعمار سوريا، والحفاظ على دور فعّال في شكل الحل النهائي وبالتالي في تشكيل المستقبل السوري. ومن بين الأدوات التي تعدّها أنقرة لخدمة هذا الهدف تبرز «إعادة هيكلة» المجموعات المسلحة في مناطق «درع الفرات» والعمل على إيجاد «أجسام سياسية فاعلة».

وحتى وقت قريب كان استنساخ هذا النموذج في إدلب يبدو أمراً مستحيلاً نظراً إلى التباين الكبير بين المجموعات المحسوبة على «درع الفرات» وتلك «الجهادية» المهيمنة على إدلب وعلى رأسها «هيئة تحرير الشام/ النصرة» سواء في ما يتعلق بالعلاقة التركية مع كلّ من النموذجين أو ما يتصل بالبنى التنظيمية والأيديولوجية على المقلبين. لكن مجريات الأحداث على أرض الواقع تشير إلى أن أنقرة وضعت بالفعل استنساخ هذا السيناريو موضع التنفيذ برغم إدراكها صعوبة العملية.

تعمل أنقرة في ما يخصّ إدلب على مستويات عدة: سياسي واستخباري ومجتمعي. يركز الشق الاستخباري على مواصلة اختراق المجموعات «الجهادية» فيما يلحظ العمل السياسي أهمية الحفاظ على الشراكة مع موسكو وتعزيزها إضافة إلى مواصلة العمل مع واشنطن سعياً إلى مقايضات في ما يخص الملف الكردي وملف «القاعدة» في إدلب إلى جانب التلويح بورقتَي «اللاجئين» و«الفلتان الأمني» في وجه أوروبا ولا سيما عند المنعطفات الحساسة (كما حصل قبل إبرام اتفاق سوتشي).

في الوقت نفسه تسعى أنقرة إلى تعزيز رصيدها لدى «الحاضنة الشعبية»، سواء عبر مواصلة ترويج فكرة أن تركيا هي «الحامي والضامن» أو عبر منظمات المجتمع المدني التركية (NGOs) التي لوحظ أنها زادت نشاطاتها «الإنسانية» (مثل توزيع الخبز والمعونات الغذائية) في بعض مناطق إدلب بعد توقيع «اتفاق سوتشي». بطبيعة الحال يمثل الملف «الجهادي» تحدياً مهماً لأنقرة التي تراهن على «براغماتية» زعيم «تحرير الشام» أبو محمد الجولاني واستعداده لقيادة رحلة تحولات جديدة تستلهم نهج «جماعات الإسلام السياسي» نكوصاً من «الجهاد الكوني»، إلى «الجهاد المحلي».

رغم أن دول المحور المضاد لدمشق تخوض الحرب بأولويات متباينة في ما بينها فإنها تتشارك أهدافاً «عُليا» قابلة للتغير بين مرحلة وأخرى للتكيّف مع معطيات المرحلة. تتوخّى التحركات الغربية العمل على «تحسين شروط التفاوض» في مرحلة تالية والتأكد من أن المعطيات تتيح للغرب صياغة شروط التسوية النهائية، أو جزء وازن منها على أقل تقدير. إن نجاح مسار «أستانا» في الوصول إلى توافقات جزئية «بالتقسيط» يبدو أمراً غير قابل للاستنساخ مجدداً في ما يخص «الحلّ النهائي» بفعل الإصرار الغربي على منع «ضامني أستانا» من الوصول إلى حلول نهائية من دون جلوس الغرب إلى الطاولة.

بين هذا وذاك يكتسب ملف إدلب أهمية مضاعفة بوصفه واحداً من «أدسم الملفات» الخارجة عن سلطة دمشق وأكثرها احتواءً للتعقيدات والتناقضات ما يجعل دخول اللاعبين المؤثرين على خطّه في لحظة فارقة ما مسألة يسيرة.

وليد شرارة , صهيب عنجريني - من ملف : الحرب تطوي عامها الثامن: سوريا دولة مقاوِمة -الأخبار

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية