المرصاد نت - متابعات
توفي أمس رئيس الجمهورية التونسية الباجي قائد السبسي عن عمر يناهز 93 عاماً بعد مسيرة سياسية امتدت لمدة تقارب نصف قرن. رحل الرجل بعد سلسلة أزمات صحية تاركاً عدداً من الملفات المفتوحة التي أراد حسمها خلال حياته لكنها ستؤول الآن إلى الرئيس المؤقت والبرلمان وتخضع لحسابات فاعلين سياسيين متنافسين
الملف الصحي للباجي قائد السبسي ليس موضوعاً جديداً في تونس بل كان مثار خلاف منذ عام 2014م تاريخ آخر انتخابات. طالبه حينها معارضون لترشّحه بنشر تقرير صحي يؤكد أهليته لتولي مهام تستوجب العمل ساعات طويلة يومياً قد لا يكون رجل على مشارف التسعين قادراً على الاضطلاع بها. تمنّع قائد السبسي ومحيطه عن تقديم تقرير مماثل واكتفوا بالتأكيد على سلامته الصحية كما اعتبروا الأمر مجرد مماحكة سياسية من الخصوم.
على امتداد أكثر من أربعة أعوام لم تظهر مشاكل صحية مثيرة للقلق لدى الرجل فيما كان يتم الإعلام بين الحين والآخر عن إجرائه «فحوصات دورية» بعضها خارج البلاد في فرنسا تحديداً. جاءت الانعطافة نهاية الشهر الماضي عندما أُدخل الرجل إلى المستشفى العسكري في تونس لإجراء فحوصات ثم للإقامة بعد تعرّضه لـ«وعكة صحية حادة» وفق بلاغ لرئاسة الجمهورية. خلال ساعات قليلة، غابت فيها المعلومة الموثوقة، نشر بعض وسائل الإعلام الأجنبية إشاعة وفاة قائد السبسي، لكن انتهى الأمر بصدور بيانات تطمين.
بعد أيام خرج الرئيس من المستشفى وعاد تدريجياً إلى نشاطه إثر «تعافيه» وفق وصف الرئاسة لكن هاجس رحيله على نحو مفاجئ بقي قائماً. بداية هذا الشهر وقّع الرجل على تمديد حالة الطوارئ لشهر وهو إجراء صار روتينياً منذ تولّيه المسؤولية ووقّع أيضاً على دعوة الناخبين إلى الانتخابات التشريعية والرئاسية. لكن الأهم من كل ذلك كان إبرازه رغبته في مواصلة خوض صراعات الرئاسة عبر تحدّيه البرلمان ورئاسة الحكومة وقد بدا للحظة كما لو أنه اجتاز الأزمة الصحية إلى درجة إثارة أحد فروع حركة «نداء تونس» المنقسمة موضوع إعادة ترشيحه للرئاسيات.
رفَض الرئيس التوقيع على التعديلات التي أدخلها البرلمان على قانون الانتخابات، والتي جاءت باقتراح من الحكومة. تشمل التعديلات استهدافاً واضحاً لعدد من الشخصيات والكيانات السياسية «الشعبوية»، وتقضي ببطلان ترشّح كلّ من أعطى الناخبين هبات في شكل مساعدات، ومن تلقّى تمويلات خارجية ولو تحت غطاء جمعياتي، ومن يستهدف الديمقراطية ويمجّد انتهاكات حقوق الإنسان. كما تستهدف أيضاً الأحزاب الصغيرة، عبر وضع عتبة انتخابية تحول دون دخول البرلمان لِمَن نال أقلّ من 3 في المئة من الأصوات.
جاء تبرير رفض التوقيع على التعديلات على لسان مستشار رئيس الجمهورية، نور الدين بن تيشة، الذي قال إن قائد السبسي «يرفض منطق الإقصاء، ويرفض أن يمضي تعديلات قُدّت على المقاس لجهات معينة». وفي واقع الأمر، لم يكن رفض التوقيع مشكلة في حد ذاته، إذ كانت التعديلات ستعود وفق الإجراءات إلى البرلمان الذي يصادق عليها مرة أخرى ثم تُنشر في الجريدة الرسمية، لكن الرئيس أراد أن يلعب لعبة الوقت. عبر رفضه توقيعها، عطّل قائد السبسي صدور التعديلات في الجريدة الرسمية قبل بدء موعد فتح باب الترشح للانتخابات التشريعية، ما يعني عدم دخولها حيز التنفيذ واستعمال القانون القديم غير المعدّل.
كان للحكومة والبرلمان خطط بديلة لفرض التعديلات، وكان لرئيس الجمهورية أوراقه أيضاً، لكن الوقت لم يسعفه. الفكرة المحورية هنا هي أن قائد السبسي مارس السياسة إلى آخر رمق، وأراد التأثير في مستقبل البلاد على رغم مجادلة البعض بأنه وقع تحت تأثير مستشاريه والدائرة المقرّبة منه في أيامه الأخيرة.
توفي الرجل صباح أمس وذلك بعد إدخاله عشية أول من أمس إلى المستشفى العسكري بـ«قرار من الأطباء المباشرين له» وفق تصريح بن تيشة. يوافق يوم وفاة قائد السبسي الذكرى الـ62 لإعلان الجمهورية وقد كان يستعد لإلقاء خطاب في المناسبة يتناول فيه عدداً من الملفات الراهنة. يقول مصدر إنه كان مبرمجاً أن يُلقي الرئيس خطابه أمام البرلمان في محاولة لحثّ النواب على عدم التصويت مرة أخرى لصالح تعديل قانون الانتخابات لكن لم يعلن عن الأمر لأنه بقي مشروطاً بوضعه الصحي.
بعد ظهر أمس قام رئيس البرلمان محمد الناصر (85 عاماً) الذي يعاني بدوره من مشاكل صحية بأداء القسم ليصير رئيساً مؤقتاً. تمّ الأمر في غياب المحكمة الدستورية المسؤولة دستورياً عن إعلان شغور منصب رئاسة الجمهورية والتي أثير جدل كبير حول إنشائها عقب أزمة قائد السبسي الصحية نهاية الشهر الماضي لكن البرلمان فشل منذ ذلك الحين في انتخاب حصته من أعضائها على رغم عقد جلسات متتالية حول الموضوع (8 جلسات فاشلة في المجمل).
يقول الدستور إن «رئيس مجلس نواب الشعب يتولى فوراً مهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة لأجل أدناه خمسة وأربعون يوماً وأقصاه تسعون يوماً» وقد أبدت هيئة الانتخابات جاهزيتها لتأمين انتخابات رئاسية مبكرة. وفي حال تمّ عقد الانتخابات الرئاسية في أقصى أجل من فترة تولي الرئيس المؤقت المسؤولية فإن تاريخها لن يكون بعيداً عن موعد إجرائها الطبيعي المحدد في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر.
حتى الآن يبدو التعامل مع الحالة الطارئة سلساً ولا يتعرض لعراقيل لكن المستقبل القريب يبدو حافلاً بالصراعات. يرتبط أهم الرهانات الحالية بالانتخابات الرئاسية، فبوفاة قائد السبسي فقدت الساحة السياسية أحد أبرز المرشحين الذين يتجمع وراءهم عدد مهم من الفاعلين. وتظلّ مسألة تطبيق التعديلات في قانون الانتخابات معلقة ورهن رغبة الرئيس المؤقت والبرلمان لكن حتى في حال دخول التعديلات حيز التنفيذ وإقصاء عدد من الوجوه ستشهد الرئاسيات تنافساً حاداً بين مرشحين لهم حظوظ متقاربة يسعى كل منهم للوصول إلى قصر قرطاج على رغم الصلاحيات المحدودة لرئاسة الجمهورية.
المزيد في هذا القسم:
- أزمات العرب والأجندات الخارجية ..ماذا بعد وقف الحروب الأهلية العربية؟! المرصاد نت - متابعات مرّ أكثر من عقدٍ من الزمن على إشعال شرارة الحروب الأهلية العربية المستحدثة في هذا القرن الجديد والتي بدأت من خلال الاحتلال الأميركي للعرا...
- توافق أميركي ــ سعودي: انهيار لبنان أفضل ! المرصاد نت - متابعات القرار الأميركي بترك لبنان ينهار يبدو أنه قيد التنفيذ. السعوديون انضموا إلى الفكرة نفسها. وهم أكثر حماسة من الأميركيين أيضاً. وبينهما تقف...
- الرئيس عون في روسيا: بين الحاجة اللبنانية والضغوط الأميركية! المرصاد نت - متابعات أتت زيارة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون الى روسيا في وقت تضج فيه المنطقة بالتحديات فالرئيس الأميركي يعترف بالسيادة الاسرائيلية على الج...
- في سياق التطبيع .. الكشف عن شراء الإمارات طائرتي تجسس إسرائيليتين! المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية عن إبرام النظام الإماراتي قبل عشر سنوات صفقة مع الكيان الإسرائيلي للتزود بطائرتي تجسس وإن إحدى...
- رسميا .. اللواء علي المملوك في القاهرة المرصاد نت - متابعات قام اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري بزيارة رسمية إلى القاهرة بناء على دعوة من الجانب المصري استمرت يوما واحدا التقى ف...
- تنبأ بجميع من فازوا بالرئاسة الأمريكية تقريبا منذ 40 عاما.. مؤرخ يتنبأ بنتيجة انتخابات 202... المرصاد-متابعات كشف مؤرخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية والأستاذ بالجامعة الأمريكية، آلان ليشتمان، عن رأيه بمن سيكسب سباق الرئاسة الأمريكية في 2024 وذ...
- تظاهرات العراق في أسبوعها الثالث..الإجراءات الحكومية لا ترضي الشارع المرصاد نت - متابعات مع دخول تظاهرات المحافظات الجنوبية أسبوعها الثالث تسود توقعات باتخاذها مساراً تصاعدياً خلال الأيام المقبلة. تصاعد من شأنه إذا ما تحقق، مض...
- سوريا المُختلف عليها بين الرياض وواشنطن المرصاد نت - متابعات كنبتة برّية انشقت عن التربة بعفوية هي سوريا التي زُرعت في وجدان أهلها الكثر داخل وخارج حريمها الجغرافي. اتفقت مع نظامها السياسي أو اخت...
- إسرائيل تبحث عن ضمانات روسية... قبل معركة الجنوب المرصاد نت - متابعات تتقاطع المعطيات الميدانية والسياسية حول التسليم بعودة الجيش العربي السوري إلى المنطقة الجنوبية لتبقى النقاشات الدائرة حول المرحلة التالية...
- واشنطن تراهن على حلفائها وتفاهمات سوتشي تحت اختبارالانسحاب الأميركي المرصاد نت - متابعات تعقد اليوم الخميس القمة الإيرانية الروسية التركية في سوتشي لبحث القضية السورية ويتصدر أجندتها الوضع في إدلب وتداعيات قرار الانسحاب الأمير...