المرصاد نت - متابعات
التأمت الحكومة البريطانية بقيادة بوريس جونسون، في أول اجتماع لها يوم أمس بعدما أُعيد تشكيلها لتكون أكثر يمينية وأقرب إلى تطلّعات رئيسها الجديد الذي جدّد التزامه «المهمّة الثقيلة» المتمثلة في قيادة بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي بأيّ ثمن مع حلول الموعد المحدّد في 31 تشرين الأول/ أكتوبر وهو ما سيدخل خامس أكبر اقتصاد في العالم في مسار مواجهة مع التكتّل.
ومن المقرّ الرسمي للحكومة في «10 داونينغ ستريت» في لندن، تعهّد جونسون بإبرام اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبي في أقلّ من 99 يوماً فيما حذّر من أنه في حال رفض زعماء التكتل ــــ وهو ما اعتبره «احتمالاً بعيداً» ــــ فستغادر بريطانيا «من دون اتفاق». وقال: «أمامنا مهمة ثقيلة. نحن ملتزمون الآن، كلنا، وفي وقت حاسم من تاريخ بلدنا بمغادرة الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأول/ أكتوبر بل وقبل ذلك، من دون أعذار أو استثناءات». واعتبر الرئيس الجديد للحكومة أن اتفاق «بريكست» الذي توصّلت إليه نظيرته السابقة تيريزا ماي مع بروكسل «غير مقبول لهذا البرلمان وهذا البلد» وخصوصاً أنه «سيقضي على استقلالنا المالي».
في هذا الإطار وجّه دعوة إلى الاتحاد لإعادة التفكير في رفضه التفاوض مجدداً في شأن الاتفاق. دعوةٌ سرعان ما ردّ عليها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر بالتشديد على أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع المملكة المتحدة «هو الوحيد الممكن بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي» فيما نبّه المفاوض الأوروبي ميشال بارنييه إلى أن مطالب رئيس الوزراء البريطاني حول تعديل الاتفاق «غير مقبولة» داعياً التكتّل إلى الاستعداد لـ«جميع السيناريوات».
ويراهن جونسون على أن التهديد بخروج بريطانيا من الاتحاد من دون اتفاق وبعدم دفع فاتورة الخروج وقدرها 39 مليار جنيه استرليني (49 مليار يورو) سيقنع أكبر قوتين في الاتحاد الأوروبي أي ألمانيا وفرنسا، بالموافقة على مراجعة الاتفاق الذي وافقت عليه ماي في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، وسيُجبر بروكسل على الإذعان ومنح لندن شروطاً أفضل تتيح لها إبرام اتفاقات تجارية مع قوى عالمية، مثل الصين والولايات المتحدة.
وأعلنت رئاسة الوزراء البريطانية عن الحكومة الجديدة التي شكّلها جونسون، لتكشف عن قائمة يهيمن عليها اليمين المتشدد في «حزب المحافظين» بعد عزل معظم وزراء حكومة ماي، في إحدى أكبر موجات استبعاد كبار الوزراء في تاريخ بريطانيا المعاصر، إذ استقال أو أُقيل 17 وزيراً من الحكومة السابقة. التشكيلة هذه دفعت النائب عن «المحافظين» من يمين الوسط، نيك بولز، إلى القول في تغريدة عبر «تويتر»: «لقد هيمن اليمين المتشدّد على حزب المحافظين. الثاتشريون والليبراتاريون (يمين المحافظين) وأنصار بريكست من دون اتفاق يتحكمون به من رأسه إلى قدميه. أما محافظو الأمة الواحدة الليبراليون (الوسطيون)، فقد طُردوا من دون رحمة. وأُبقي فقط على القليل منهم كواجهة». من جهتها وصفت صحيفة «ميرور» القريبة من «حزب العمال» المعارض الحكومة الجديدة بأنها «أكثر الحكومات البريطانية يمينيّة منذ الثمانينيات».
ومن أبرز وجوه الحكومة الجديدة ساجد جاويد (49 عاماً) الذي تولّى حقيبة المالبة بعدما كان وزيراً للداخلية في حكومة ماي وهو منصب استراتيجي يكتسب أهمية كبيرة وخصوصاً في حال كان لا بد من خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق مع ما يمكن أن يستتبع ذلك من مشاكل اقتصادية ومالية. وفي «الداخلية» عُيّنت بريتي باتيل (47 عاماً) وزيرة التنمية الدولية السابقة والتي فُصلت من منصبها العام الماضي بعدما قامت باجتماعات خاصة مع الحكومة الإسرائيلية من دون تفويض لندن أو علمها. أما في «الخارجية»، فعُين وزير «بريكست» السابق، دومينيك راب (45 عاماً) خلفاً لمنافس جونسون جيريمي هانت. وكُلّف جيكوب ريس موغ (50 عاماً) بالعلاقات مع البرلمان وستيفن باركلي وزيراً لشؤون «بريكست». وتبدو خيارات جونسون متأثرة بنصائح مهندس حملة «بريكست» في استفتاء عام 2016 دومينيك كمنغز الذي أصبح مستشاراً كبيراً في «داونينغ ستريت».
«توأم ترامب البريطاني»
يدفع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون نحو استراتيجية صعبة مع الاتحاد الأوروبي. استراتيجية ربما تجعل الأخير مقيّداً نظراً إلى جملةٍ من التعقيدات، التي ستسبق تنفيذ «بريكست».منذ بداية ولاية ترامب ساعدت بريطانيا في قيادة مقاومةٍ هادئة في وجه رئيسٍ قلَب السياسة الخارجية الأميركية رأساً على عقب ومارس ضغوطاً كبيرة على حلف شمالي الأطلسي «الناتو». لكنّ ذلك قد يتغير مع تولّي بوريس جونسون منصبه الجديد، إذ إن براعة أدائه وولعه في سياسة «المعاملات»، تجعل من «بو جو»، «توأم ترامب البريطاني».
بحسب أحد كبار المسؤولين في وزارة الخارجية في عهد الرئيس جورج دبليو بوش نيكولاس بيرنز، فإن «بريطانيا تعيش أزمةً وجودية»، بينما «تسير الولايات المتحدة بخطى ثابتة نحو واحدة». ويضيف أن كليهما، ترامب وجونسون «متقلبا المزاج وغير قابلين للتنبؤ». من جهته أشعل جونسون فتيل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عام 2016م في خطوةٍ احتضنها ترامب بعد أشهر قليلة. ويمثل كلاهما قوى تسعى الى تحطيم المؤسسات التي ربطت الديموقراطيات الغربية على مدى عقود. وسبق لترامب أن تحدّث عن انسحاب بلاده من حلف «الناتو»، بينما أعرب جونسون عن رغبته في تنفيذ «بريكست»، وإن على حساب الاتفاق مع بروكسل.
وترتسم علامات الاستفهام حول ما إذا كان جونسون سيغير مسار بريطانيا، ويوحّدها أكثر مع ابن عمّها الأميركي. فحين انسحب ترامب من الاتفاق النووي، تكاتفت بريطانيا مع فرنسا وألمانيا للحفاظ على الصفقة، وحين هاجم ترامب «الناتو» طمأنت بريطانيا حلفاءها في شأن التزامها بالحلف وحين طالب الأميركيون المملكة المتحدة ودول أوروبية أخرى بحظر معدّات الاتصالات الخاصة بشركة «هواوي» الصينية تردّدت الحكومة البريطانية على اعتبار أن التهديد ليس كبيراً بما يكفي للمخاطرة بالتجارة مع الشركات الصينية.
وعقب إعلان فوز جونسون، قال ترامب إن رئيس الوزراء الجديد رجل جيّد، يسمونه في المملكة «ترامب بريطانيا... لأنهم يحبونني، وهذا ما يريدونه ويحتاجون إليه».ويُتوقع أن يواصل ترامب تعليق اتفاقية التجارة الحرة المحتملة مع بريطانيا ليشجع جونسون على تنفيذ «بريكست» في الموعد النهائي، 31 تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وبالنظر إلى تعقيدات السياسة البريطانية المتعلقة بهذا الموضوع ربما يجد جونسون نفسه مضطراً الى تلبية مطالب ترامب.
(إدوارد وونغ، ودايفيد سانغر ــــ «نيويورك تايمز»)
هل تصل «بريطانيا جونسون» إلى الهاوية؟
كسلفه تيريزا ماي دخل رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون «10 داونينغ ستريت» في أجواء محتدمة كونه منتخباً من قبل حزب «المحافظين» وليس البريطانيين ككلّ. وبعد ثلاث سنوات من تولّي ماي رئاسة الوزراء، توجّه الحزب نحو مسارات جديدة لحلّ المشكلة ذاتها: خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جونسون (55 عاماً) يشارك ماي القليل من الصفات ويختلف عنها بالكثير. فقد كانت ماي محرَجة ومترددة وغير قادرة على طمأنة الشعب من مجهولِ ما بعد تنفيذ «بريكست». أما جونسون، المندفع والمتحمّس دائماً فذكر بينما كان يقف أمام «10 داونينغ ستريت»، أن ما سيأتي بعد سنوات من التردّد، هو التغيير، وأنّ «غايات المشكّكين والمتشائمين لن تتحقق».
يصعب تخمين ما سيحدث لاحقاً وخصوصاً في ظلّ أزمة مغادرة بريطانيا التكتّل الأوروبي. بعد عامين من المفاوضات مع بروكسل، فشلت ماي في ثلاث مناسبات بإقناع البرلمان البريطاني بخطّتها للخروج من الاتحاد. في المقابل وعد جونسون بالتفاوض على اتفاق جديد خلال الأيام الـ 99 المتبقية لتنفيذ الاتفاق. وفور توليه منصبه قال: «سنقوم بصفقة جديدة صفقة أفضل». لكن ذلك لا يمكن تحقيقه بالوسائل التقليدية إذ يبدو أن جونسون يحاول إقناع الجميع بأنه مجنون بما يكفي، للخروج من الاتحاد بعد 46 عاماً من دون اتفاق.
وبعد ثلاث سنوات من خطابات ماي المتأنية يأتي جونسون ويلوّح بذراعيه عمداً، ويقول: «هيا بنا الآن»، في إشارة إلى أن وقت التغيير حلَّ. ومن غرائب الحياة السياسية أن غالبية السياسيين، وحتى الأكثرهم تواضعاً يؤمنون سرّاً بإمكانية وصولهم إلى الرئاسة مثلاً أو رئاسة الوزراء. ومن الواضح أن جونسون لم يتوقّف يوماً عن الحلم. هذا الرجل الذي كان في صغره يحلم بأن يكون «ملكاً للعالم»، كانت طموحاته كفيلة بإقناع الجميع. فمنذ أن أصبح نائباً في البرلمان عام 2001، كثُر الحديث عن إمكانية تولّيه منصب رئيس الوزراء.
من الصعب التنبؤ بمسار جونسون الذي يعتمد فيه على الوصول إلى مراده. ولكن هناك العديد من النقاط التي يمكن ذكرها باطمئنان: أولاها، أنه استطاع القيام بعمل جيد عندما كان عمدة للندن، برغم أنه لم يكن يوماً سياسياً فعالاً.
إن كان هناك من جانب إيجابي في هذه القصة، فهو أن جونسون ليس متطرفاً من أي نوع كان، فهو ليبرالي متروبولي: يؤيد حرية الاختيار والهجرة ويتقبل التنوع ومطّلع على الشؤون العالمية. ولكن المشكلة تكمن في كونه غير جدّي ومجرّد من الأخلاق، ما قد يجعل ضمان بقائه في منصبه مستحيلاً. كان من الممكن أن يكون جونسون رئيساً مسلّياً أو مسالماً لو كان وضع البلاد مستقراً، أو لو لم يكن دونالد ترامب في البيت الأبيض أو لو كان في استطاعته اتباع أهوائه. لكن الأمر بات مستحيلاً إذ حُدد موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
(سام نايت ــــ «نيويوركر)
المزيد في هذا القسم:
- سرقة النفط العربي والفوضى سياسة الإدارة الأميركية! المرصاد نت - متابعات أيُّة سياسةٍ خارجية تلك التي تعتمد النفاق والتصاريح الكاذِبة وغير المدعومة بأدلّةٍ قطعية، خصوصاً وأنها موجَّهة إلى شعوبٍ خرجت إلى الشارع ...
- السعودية.. من حشد القوات الامريكية ضد العرب إلى توسّل الدعم العربي في وجه قانون امريكي يت... المرصاد نت - متابعات حشدت المملكة السعودي القوات الامريكي ودعم البيت الأبيض في حروبها المباشرة وغير المباشرة في الدولة العربية إلا أن السعودية اليو...
- «طالبان» تعلّق الحوار مع الأميركيين: لن نلتقي «نظام الدمية» ! المرصاد نت - متابعات في اللحظات الأخيرة قررت حركة «طالبان» الأفغانية تعليق مشاركتها في المحادثات التي كانت مقررة اليوم في قطر مع الولايات المتحدة....
- القاذفات الروسية من همدان تغيير استراتيجي المرصاد نت - حسن سلامه شكل الاتفاق الروسي - الايراني على استخدام الطائرات الحربية الروسية لمطار همدان الايراني خطوة غير مسبوقة في اتجاهات مختلفة من شأنها ان...
- مادورو يرفض المهلة الأوروبية لإجراء انتخابات وكوبا تعلن التأهب العسكري! المرصاد نت - متابعات رفض الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو مهلة كانت حددتها دول أوروبية من أجل الدعوة إلى إجراء انتخابات رئاسية في فنزويلا مؤكداً أنه لن يخضع لض...
- الجيش العربي السوري يحرر 13 قرية في ريف الرقة وحماة المرصاد نت - متابعات واصل الجیش العربي السوری تقدمه في ريف الرقة وأحكم سيطرته على كامل المنطقة الممتدة من الرصافة في ريف الرقة الجنوبي حتى بلدة أثريا في ريف ح...
- واشنطن تجمع قائد أركان الجيش الإسرائيلي مع قادة جيوش عربية المرصاد نت - متابعات يشارك رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي ايزنكوت إلى جانب عدد من قادة جيوش دول عربية في مؤتمر تنظمه واشنطن لقادة جيوش دول «التحالف ال...
- الانقلابات العسكرية وتواطؤاتها: آكلة الاحزاب والحياة السياسية في الوطن العربي! المرصاد نت - متابعات انتهى العصر الذهبي للأحزاب السياسية في الوطن العربي، بيسارها واليمين، وانتهى، بالتالي، زمن الصراع بالعقائد والافكار، ومحاولات التغي...
- أزمة غزّة الإنسانية بين المُبادرات الدولية والخديعة الإسرائيلية! المرصاد نت - متابعات التسريبات التي أوردتها القناة العاشرة الصهيونية عن أن نتنياهو موافق على خطة مساعدات غير مسبوقة لغزّة تُحضِّر لها كل من مصر والأمم المتحدة...
- خلفيات أزمة الجزائر: صراع الريع والتحالفات الدولية ! المرصاد نت - لينا كنوش أظهرت الاحتجاجات في الجزائر مدى عجز النظام عن احتواء تناقضاته الداخلية المرتبطة بتوجّهات جماعات المصالح الخارجية السياسية والاقتصادية م...