المرصاد نت - متابعات
الإعلان الذي صدر يوم السبت الفائت في السعودية وتحدَّث عن نشر مئات من الجنود الأميركيين في قاعدة الأمير سلطان بن عبد العزيز الجوية خارج العاصمة الرياض يُنبئ في تفاصيله بمسارٍ تصادُمي جديدٍ بين واشنطن وطهران، حيث أن عودة الجنود الأميركيين إلى السعودية تُشير إلى تصعيدٍ أميركي واضح في الأهداف والمضمون، فالاتفاق النووي الذي انسحبت منه واشنطن مُنفردة، إضافة إلى التطوّرات المُتسارِعة التي أرخت بظلالها على مياه الخليج العربي، لجهة استهداف ناقلات النفط، والردّ الإيراني باحتجاز ناقلة نفط ترفع العَلم البريطاني، كلها مُعطيات تؤكِّد أن مياه الخليج تُلامِس حرارتها حدّ الغليان السياسي والعسكري، فالتصعيد الأميركي المُستفزّ ضد إيران، دائماً ما يأتي في إطار التصعيد السياسي، مع التلويح باستخدام القوّة، وبين التصعيد السياسي واستعراض القوّة، يبدو أن دونالد ترامب يسير في خطٍ لن يوصله إلى طهران، التي لا توائمها سياسات الاستفزاز.
الكونغرس الأميركي كان واضحاً عندما طلب من إدارة ترامب مراجعة سياستها تُجاه طهران والعمل في إطار التهدئة، بالإضافة إلى مراجعة السياسة حيال السعودية، خاصة مع وليّ العهد محمّد بن سلمان، وقد صوَّت مجلس النواب الأميركي على مشروع قرار للحدّ من صفقات السلاح إلى الرياض، لكن ترامب مُستمرٌ في الدَّفع بالأوضاع إلى المزيد من التوتّر، فإرسال الإدارة الأميركية قوات جديدة إلى القاعدة الجوية فإنها تتصرَّف بطريقةٍ عكسية، الأمر الذي يُمكن وضعه في بوتقة مخاطر سوء التقدير الأميركي والتصعيد المُتزايد.
ضمن القراءات الإيجابية التي تلت القرار السعودي والموافقة الأميركية، يمكننا البحث عن الأهداف والدوافِع وراء هذا الإجراء، حيث أن سلوك البيت الأبيض في إعلان عودة القوات الأميركية إلى السعودية، يأتي في ظلّ تفاقُم التوتّرات الإقليمية، فإعادة فَرْض العقوبات على طهران، ومحاولة تصفير صادراتها النفطية، ومع تزايُد الوجود العسكري الأميركي في الخليج، وبناء تحالفات بحرية للسيطرة على طُرُق الملاحة، كلها مُعطيات أوجدت الظرف السياسي والعسكري لتُفاقِم المخاوف الإقليمية بشأن تصاعُد التوتّر مع طهران، وواشنطن ضمن هذه الأجواء تعمل على زيادة قوّاتها كإجراءٍ احترازي، لأن القراءة الأميركية للمُعطيات العسكرية، أدركت أن القدرة العسكرية الإيرانية، والتفوّق العسكري الذي أظهرته في الردّ بشكلٍ مناسبٍ وحاسمٍ على التهديدات، انعكس سلباً على الأجواء في منطقة الشرق الأوسط، فالأنظمة الحاكِمة في هذه المنطقة تُدرِك أن الحرب ضدّ طهران ستكون كارثيةً على الصُعُد كافة، ومن بابٍ أولى عدم دَفْع الأمور في هذا الاتجاه والبحث عن سُبُلِ التهدئة، وضمن هذا المعُطى، من المُحتمل أن يكون المسؤولون الأميركيون وبسبب إدراكهم لهذا الموقف الذي تتّخذه العديد من دول الشرق الأوسط، يبحثون عن أماكن أخرى في المنطقة لتقديم الدعم لقوّاتهم، والسعودية تعدّ الخيار الأنسب على اعتبار العلاقة الاستراتيجية والأهداف المشتركة ضد ايران، فالقرار السعودي نابعٌ من أمرين:
الأول هو إرضاء واشنطن والعمل على تحقيق أهدافها الإقليمية.
الثاني له بُعدٌ داخلي نابِع من قلق القيادة السعودية من احتمال حدوث توتّراتٍ داخلية.
وضمن الأمر الثاني تُدرِك السعودية بأن سياستها الداخلية ستؤدّي إلى تفجير الأوضاع، جرَّاء الكثير من الوقائع التي تتمحور حول جوانب الحريات الشخصية، والأوضاع الاقتصادية المُتردّية، فضلاً عن الحرب على اليمن التي أرهقت السعوديين، لذلك كان محمَّد بن سلمان يسعى دائماً إلى تغيّر الظروف وإطلاق الكثير من الحريات المدنية، ورغم ذلك فقد سُجِّل العديد من التحرّكات الاحتجاجية التي تمّ التعامل معها بالحديد والنار مباشرة، يُضاف إلى ذلك، معارضة قسم من أعضاء العائلة المالِكة للمُمارسات السعودية في الداخل والخارج، حتى أن بعض الأمراء السعوديين كانوا ممَن نظَّموا مظاهر الاحتجاج في العديد من المدن السعودية.
نتيجة لذلك، لا يمكننا أن نضع الخطوة السعودية الأميركية المُتعلّقة بعودة القوات الأميركية إلى السعودية، في إطار استعراض القوّة ضد إيران فحسب، لأن جُملة المُعطيات والوقائع التي برزت مؤخّراً في منطقة الخليج، تؤكّد أنه إلى جانب المسار التصادُمي الذي تتّخذه واشنطن ضد طهران، إلا أنه هناك رغبات ضمنية لدى واشنطن والرياض بعدم تصعيد التوتّر أكثر من المستوى الذي وصل إليه، ويكفي أن نقول بأن هذه الخطوة وإرسال عدد محدود من الجنود الأميركيين إلى السعودية، لا يمكن إطلاقاً أن يكون بوادر حرب، فالرسائل الداخلية لجهة السعودية، والخارجية لجهة إيران والمنطقة، التي حملتها هذه الخطوة، لن تكون إلا في إطار استعراض القوَّة الأميركية، حيث أن ترامب يهوى هذه الاستعراضات، كما أن السعودية باتت بأمسِّ الحاجة إلى وجود القوات الأميركية في المرحلة الراهِنة، كحارسِ أمنٍ في مواجهة المعارضين المُحتَملين.
قراءة : حسن مرهج - خبير في شؤون الشرق الأوسط
المزيد في هذا القسم:
- خبر وتعليق ....نتنياهو في ضيافة قابوس ! المرصاد نت - متابعات بعد أيام على زيارة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لسلطنة عُمان أعلن مكتب رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن زيارته عُمان ل...
- 71 عاماً مابين نكبة 1948م و"نكبة القرن".. القضية مستمرة! المرصاد نت - متابعات يحيي الفلسطينيون في فلسطين والمنفى والشتات الذكرى الـ 71 للنكبة وعيونهم ترنو إلى يافا وصفد والجليل مطهرة من الاحتلال عائدين إلى قراهم ومد...
- تونس : الشاهد يكسب جولة أخرى ضدّ نجل الرئيس المرصاد نت - متابعات تعيش تونس منذ أشهر حالة سياسيّة غريبة حيث تطالب قيادة «حركة نداء تونس» بإقالة رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي ينتمي إليها ويدعم...
- ماكرون يراهن على «الحوار الوطني»: «السترات الصفر» تخرق هدنة الأعياد ! المرصاد نت - متابعات تستعد باريس لإطلاق «حوار وطني» غداً وسط شكوك في إحداث تغيير. مهمة معقدة تنتظر إيمانويل ماكرون وحكومته وتكمن في إقناع الفرنسيي...
- رحلة جوية "غير عادية" من "تل أبيب" إلى "أبو ظبي"! المرصاد نت - عبدالله محمد ليست المرة الأولى التي تحطّ فيها طائرة تجارية في الإمارات العربية قادمة من تل أبيب لكن الرحلات الجوية المُعلَنة غالباً ما كانت تتمّ ...
- #لبنان_ينتفض... ما هي بنود ورقة الحريري الإنقاذية؟! المرصاد نت - متابعات تستمر التظاهرات في لبنان لليوم الرابع على التوالي احتجاجاً على تردي الأوضاع المعيشية ورفضاً للسياسات الاقتصادية. التظاهرات عمت مناطق واسع...
- الأجواء في سوريا قبل أيام من الاستحقاق الانتخابي النيابي! المرصاد نت - متابعات أيام قليلة تفصل السوريين عن انتخاباتهم البرلمانية، في دورة انتخابية يطغى على أجوائها ظروف صحية طارئة كتلك التي تعصف ببلدان العالم، وظروف ...
- السفارة الإسرائيلية تحتفل في عمان بإحتلال فلسطين المرصاد نت - متابعات نظمت السفارة الاسرائيلية في عمان لأول مرة حفلا علنيا ورسميا لها بمناسبة ما يسمى إستقلال اسرائيل ' أحتلال فلسطين نكبة 1948 ' بحضور نحو ...
- وأخيراً.. ماذا تريد السعودية من التطبيع مع إسرائيل؟ المرصاد نت - متابعات في قصة "عجلة الماء" الطفل"جوبا" راعي البقر الذي أخبره أبوه أن اسمه هو ذات اسم الملك الشاب الذي كان يحكم مدينة "يول" التي يراها جوبا خلف ا...
- تشكيلة «المجلس السيادي» في السودان: كفّة العسكر هي الراجحة ! المرصاد نت - متابعات يسير الاتفاق بين قوى «الحرية والتغيير» والعسكر كما هو مفترض حتى الآن، وإن تأخرت خطوته الأولى قليلاً. بدأ عبد الفتاح البرهان طيّ صفحة «الع...