زمن الإنحدار وسقوط أحلام الوحدة: أي مستقبل في ظل الهيمنة الأميركية ـ الإسرائيلية؟

المرصاد نت - متابعات

ها نحن بعد قرن من نهاية الحرب العالمية الأولى: صورة الوطن العربي في هذه اللحظة مفزعة بل مرعبة.. لكأن التأريخ يعود بنا القهقرى متجاوزاً مرحلة التحرر من الاحتلال العثماني لنجد Arabbb2019.8.12أنفسنا، اليوم، في ظل أكثر من استعمار ولو ظل مرجعه أميركياً فضلاً عن الاحتلال الإسرائيلي الذي لا يفتأ يتوسع ويفرض هيمنته على العديد من الاقطار العربية.

مع نهاية الحرب العالمية الأولى تقدم البريطانيون والفرنسيون لاحتلال أقطار المشرق العربي:

1 ـ لبنان، بعد إعادة رسم خريطته بضم “الاقضية الاربعة، الشمال والبقاع والجنوب وبيروت إلى جبل لبنان” ليغدو “جمهورية تحت الانتداب الفرنسي”.

2 ـ سوريا تحت الانتداب بل الاحتلال الفرنسي مع محاولة لتقطيع جغرافيتها ولابتداع كيانات أخرى تلغي وجودها ودورها بثقل تاريخها.. وهكذا أقُتطع منها “شرق الاردن” ليكون إمارة لواحد من أبناء الشريف حسين “مطلق الرصاصة الأولى والاخيرة ـ للثورة العربية الكبرى التي كانت خدعة عظمى”.. وقسمت الأرض السورية إلى أربع دول: حلب ودمشق والجزيرة وبلاد العلويين. لكن الشعور الوطني السوري أحبط هذه المؤامرة، واستعادت “بلاد الشام” وحدتها السياسية.

3 ـ الأردن للهاشميين (الأمير عبدالله ابن الشريف حسين) بعد ما توجته النكبة في فلسطين ملكاً، ثمناً “لشراسته” في مقاومة الاستعمار البريطاني..

4 ـ العراق تحت الاحتلال البريطاني وبملك هاشمي أخر هو الملك فيصل الأول، الذي “طرده” الفرنسيون من سوريا، برغم الثورة العظيمة ضد الاحتلال (1920).

5 ـ أما الجزيرة والخليج فقد انشأ بني سعود دولتهم التي أعطوها أسم عائلتهم (السعودية برعاية بريطانية سرعان ما صارت ثنائية مع الأميركيين مع بدء اكتشاف النفط بغزارة استثنائية فيها..)

6 ـ أما “الدول” الأخرى في الخليج فكانت مشيخات فقيرة تتوزع ولاءاتها بين بريطانيا والسعودية وإيران، مع تشوق إلى مصر، وحب متأصل لسوريا..

…ولسوف تتوالى الانتفاضات والهبات الشعبية، في معظم هذه الاقطار ضد الاستعمار الأجنبي وطلباً للاستقلال، خصوصاً مع تكشف المؤامرة لخلق الكيان الإسرائيلي في فلسطين.

توالت الانتفاضات في سوريا 1925 ـ بقيادة سلطان الأطرش ـ والعراق وتفجرت ثورة عظيمة في فلسطين (1936) لكنها لم تستطع منع تنفيذ المشروع الإسرائيلي لضعف العرب والتواطؤ البريطاني..

مع الحرب العالمية الثانية وأنتصارات ألمانيا النازية بقيادة هتلر تصاعد زخم الأعتراض في البلاد العربية الخاضعة للاستعمارين الفرنسي والبريطاني (المهزومين في السنوات الأولى للحرب).. خصوصاً وكانت هذه البلاد قد بدأت تعرف الأحزاب والحركات السياسية الداعية إلى مواجهة قوى الاستعمار ومعها المشروع الاسرائيلي في فلسطين.. وفي ظل خضوع فرنسا لحكومة عينها النازيون، جاء البريطانيون ببعض قواتهم إلى شمال افريقيا (ليبيا خاصة) حيث جرت معارك هائلة انتصر فيها الماريشال مونتغمري البريطاني على المارشال رومل،الالماني.

كان الفرنسيون قد احتلوا الجزائر في بداية القرن التاسع عشر ثم قرروا الغاء هوية شعبها و”فرنسته” وإلحاق هذه البلاد بفرنسا.. وتمددوا من بعد إلى تونس ثم تقاسموا ليبيا مع البريطانيين والطليان الذين كانوا قد احتلوا ليبيا، عشية الحرب العالمية الأولى (1914 ـ 1919) برغم المقاومة العنيفة التي ابداها شعبها والبطولات التي سجلها ضد قوات الاحتلال بقيادة البطل عمر المختار.

في الثلاثينات من القرن الماضي عرفت الحياة السياسية الأحزاب والجمعيات ومعظمها كان يعمل ضد الاحتلال: ظهر الحزب الشيوعي السوري ـ اللبناني ثم ظهر الحزب السوري القومي الإجتماعي وكان طموحهما يتجاوز الحدود القطرية..

وبعد الحرب العالمية الثانية ظهر حزب البعث العربي الاشتراكي (ميشال عفلق وصلاح البيطار ثم اكرم الحوراني) الذي ينادي بوحدة الامة العربية بجميع اقطارها.. وسرعان ما أنشأت قيادته الفروع في لبنان والعراق وفلسطين، وحاولت في مصر، بغير نجاح..

كذلك انشأ أبناء النكبة من الفلسطينيين حركة القوميين العرب بقيادة الدكتور جورج حبش ومعه الدكتور وديع حداد قبل أن يباشر عمله في مختلف الاقطار العربية (لبنان، سوريا، العراق، الكويت والخليج فضلاً عن فلسطين..)

بالمقابل ظهرت احزاب دينية وطائفية وقطرية: الاخوان المسلمون، انطلاقا من مصر إلى سوريا والعديد من ارجاء الوطن العربي، الكتائب (الموارنة) والنجادة (السنة) في لبنان.

أما اليوم فيكاد الوطن العربي أن يكون بلا احزاب او منظمات سياسية… وما تبقى من القديم ضعيف، وما استولدته التطورات متهم بتأثره ببعض دول المحيط (ايران، على وجه الخصوص).

ـ لا احزاب في مصر الا ما تفبركه او تسمح به وزارة الداخلية ضمن قيود صارمة وولاء مطلق للنظام.

ـ وفي السودان هناك الحزب الشيوعي (مهشماً) وحزب الأمة (مهمشاً) وعدد من التنظيمات السياسية الجهوية وان ظلت النقابات العمالية قوة لها شأن.. لكن الجيش صار طرفاً اساسياً في اللعبة السياسية منذ نصف قرن تقريباً، وأثر هذا التحول في قوة الاحزاب السياسية وشعبيتها، والاخطر: في بنية السلطة، ماضياً وحاضراً.. ولاحقاً؟!

ـ في العراق اختفت الأحزاب العلمانية، أو تكاد، وساهم الاحتلال الاميركي بعد الحكم الطويل لصدام حسين، في “انتعاش” او “انعاش” الاحزاب الطائفية، لا سيما الشيعية منها التي تصطرع على السلطة بنفس طائفي ومن دون برنامج سياسي واعد بغدٍ افضل.. وكل ذلك في ظل النفوذ الاميركي الذي عزز وجوده بتوزيع “حصص” على حلفائه: بريطانيا وفرنسا.

ـ أما في سوريا التي صار العمل السياسي فيها منذ سبعينات القرن الماضي حكراً على حزب البعث العربي الاشتراكي الذي رحل مؤسسوه وطمس الكثير من مبادئه وتحول إلى “حزب السلطة” التي تحكم من خارجه وبعسكرها غالباً ولكن بإسمه دائماً… وقد التهمت بقاياه الحرب التي تلتهم سوريا منذ تسع سنوات دموية شهدت تدميراً هائلاً وتخريباً وحشياً للبنية التحتية للمجتمع في سوريا.

ـ في الأردن اندثرت الأحزاب السياسية أو تكاد، وما تبقى منها يعيش في جلباب الديوان الملكي.. وان ظل الانقسام “الأردني” ـ الفلسطيني يحكم تشكيل المؤسسات الحكومية (الوزارة، مجلس الأعيان، مجلس النواب…)

ـ اما في لبنان وبعد ضعف الأحزاب العلمانية ـ أو أضعافها ـ (الشيوعي، البعث، حركة القوميين العرب الخ) فقد سادت الطائفية والمذهبية ملغية الحياة السياسية.. والتنظيمات العلمانية مجرد ذكريات من الماضي الجميل: صار النظام الطوائفي اكثر طائفية مما كان، والغي “المواطن” .. صارت الرئاسات والنيابات والوزارات والادارات الرسمية تُبنى على قواعد طائفية معلنة معتمدة من الحاجب وما فوق.

صارت لكل طائفة دولة أجنبية ترعاها وتساندها في المطالبة بحقوقها..

ولان “العرب” في طريق الاندثار، فقد صار النفوذ الاجنبي هو الأساس وهو الضمانة للأنظمة القائمة: الغرب، بالقيادة الأميركية في الجزيرة العربية والخليج ـ السعودية والإمارات وقطر وسلطنة عُمان والكويت..

وتحول الأتحاد السوفياتي بعد سقوط النظام الشيوعي إلى دولة كبرى منافسة تحاول اللحاق بالتقدم الأميركي المذهل والهيمنة الواسعة على معظم دول أوروبا، ومجمل أرجاء الوطن العربي..

الصورة قاتمة.. لكن الأمة ما تزال تنبض بالأمل، والجماهير الغاضبة والرافضة لدوام الخيبة والعجز تتحرك في قلب الاستحالة لتغيير هذا الواقع البائس بل المهين لكرامة الأمة..

ولا نملك إلا التمسك بالأمل وبجدارة هذه الأمة بحياة كريمة تليق بشهدائها في المعارك والحروب من أجل الوحدة والتحرر.

والمثال في الجزائر والسودان حمى الله انتفاضة شعبيهما لتحقيق الآمال بالغد الافضل.

وإن غداً لناظره قريب..

قراءة : طلال سلمان - صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني 2017م.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية