التدخل الأميركي في سوريا ... خفايا وحقائق التوجه الأمريكي!

المرصاد نت - يحيى دبوق
يُعدّ تنظيم «داعش» وأشباهه أحد أهم الوسائل القتالية من بين وسائل أخرى جرى استخدامها لإسقاط الدولة السورية وإحلال أخرى «معتدلة» مكانها.usa syria2017.3.17


وعبر سياسة «التخادم المتبادل» مكّنت الدول الإقليمية والدولية هذه الجماعات من التعاظم وتشكيل عامل ضغط ميداني كبير على سوريا لدفعها للاستسلام المسبق بما يعرف بـ«الحل السياسي»، الذي يعني عملياً استسلام الرئيس بشار الأسد وحلفائه.

هذه هي استراتيجية الإدارة الأميركية السابقة التي كانت تتركز على ضرورة التوصل إلى «تفاهم» مسبق يحقق الأهداف الابتدائية لما أريد لسوريا منذ عام 2012 قبل أن تتحرك هي أو تتيح، ضرب «داعش» و«النصرة» ومثيلاتهما. كان الرهان منطقياً ومعقولاً. عملياً مكّنت أميركا وحلفاؤها، الجماعات المسلحة على اختلافها، من التموضع الهجومي في وجه الدولة السورية والضغط عليها ميدانياً ودفعها للتموضع الدفاعي. صمود سوريا في وجه الهجمة وتدخّل حلفائها إلى جانبها أنهى إمكانية الرهان على هذه الاستراتيجية.

التغيّر في ميزان القوى والتطورات الميدانية في مرحلة ما بعد تدخل حلفاء سوريا سمح للدولة السورية قلب تموضعها من الدفاعي إلى الهجومي وبما يمكن أن يصل إلى حد هزيمة هذه الجماعات. هذا الوضع، دفع الإدارة الأميركية السابقة وفي أعقابها الحالية إلى تغيير استراتيجيتها ورهانها القديم على المسلحين كعامل ضغط دافع لاستسلام الدولة السورية وذلك باتجاه ضربهم والحلول مكانهم ميدانياً. وبدلاً من تحصيل الثمن مسبقاً، نتيجة هزيمة أو إتاحة القدرة على هزيمة «داعش» وغيره، بات مسعى الإدارة الأميركية المتاح هو إلحاق الهزيمة المسبقة، لهذه الجماعات ومن خلالها هي، والتموضع مكانها، ومن ثم طلب الثمن لاحقاً.
ضمن هذه الاستراتيجية وهذا الهدف، يتضح أكثر ما ورد على لسان قائد القيادة الوسطى للجيش الأميركي الجنرال جوزيف فوتيل، الذي أكد أن قواته ستبقى طويلاً في سوريا لـ«ضمان أمن واستقرار ومساعدة السوريين على الانتقال السلمي»، مشدّداً أمام لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الخميس الماضي أنّ «الأمر يحتاج إلى إبقاء قوات أميركية تقليدية هناك ولا يعني بالضرورة مغادرة سوريا بعد القضاء على داعش».
إذا المعركة الأميركية على الرقة وهزيمة «داعش» في المدينة ومحيطها هي مقدمة لتموضع أميركي مباشر تسمح لأميركا تحقيق قدر من المصالح بعد فشل الاستراتيجية الأولى. إلا أنّ الفرق كبير جداً الاستراتيجيتان: «الثمن المسبق»، و«الثمن اللاحق».
في الأولى أرادت الإدارة الأميركية وضع القيادة السورية أمام خيارين اثنين: إما خيار الزعيم الليبي معمر القذافي الذي قتل مسحولاً وإما الاستسلام الطوعي و«الحل السياسي». الاستراتيجية الثانية الحالية تأتي نتيجة فشل الأولى وهي من دون هذين الخيارين أساساً وتهدف إلى تموضع ميداني مباشر في محاولة مع الفارق لموازنة الطرف الآخر ميدانياً ومحاولة الحد من تطلعاته الكاملة سياسياً كما أنها ورقة ضغط لاحقة على طاولة المفاوضات، لتحقيق ما يمكن من مصالح، ضمن الدولة السورية المستقبلية وإن كانت معالمها وأسسها باتت محصنة مسبقاً للطرف الآخر، برئاسة الرئيس الأسد.
الإشارة الثانية في هذا المجال التي يجب استحضارها هي أنّ الاستراتيجية الأميركية الجديدة قد وضعت أسسها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما وجاءت الإدارة الحالية لتتبناها لتقلص إمكانات أي خيارات أخرى معقولة من شأنها تحقيق المصالح الأميركية. المعنى أن الفشل في الأولى قاد إلى الثانية، ولا علاقة لها بما يحكى عن توجهات الإدارة الجديدة وما صدر عن الرئيس الجديد من مواقف وتصريحات قد توهم البعض بمقاربة اختيارية مغايرة عما سبق.
مع ذلك أيضاً، كإشارة ثالثة ما لم يتحقق بواسطة التهديد بـ«السحل» لا يمكن تحقيقه من خلال التموضع الأميركي الجديد علماً أنّ الاستراتيجية الجديدة دونها عقبات وصعوبات، توازي في حضورها الآمال المعقودة عليها، التي هي بطبيعتها محدودة قياساً بما سبق وكذلك محفوفة بالمخاطر بدءاً من القدرة الفعلية على تحقيق النتيجة الميدانية للتموضع الأميركي المباشر مروراً بالخسائر الأميركية المتوقعة وغير المتوقعة، ومستقبل الدور الكردي في ظل الممانعة التركية الحالية واللاحقة وكذلك وجهة «الجهاديين» من «داعش» الفارين من الرقة ومحيطها باتجاه الإقليم حيث دول وجهات موالية للأميركيين ستكون عرضة للخطر... وصولاً إلى القدرة الفعلية سياسياً على ترجمة التموضع المباشر مكاسب سياسية في وجه الدولة السورية وحلفائها.

 قراءة تحليلية تُسلِّط الضوء على خفايا وحقائق التوجه الأمريكي!

يتناقل الإعلام العربي والدولي ارتفاع العديد العسكري الأمريكي في سوريا. فيما يبدو واضحاً أن الأمر يتخطى في طياته مجرد رفع عدد القوات العسكرية. فالمسألة ومن خلال قراءتها ووضعها في قالبها السياسي، تدل على حجم التخبُّط الأمريكي في التعاطي مع ملفات المنطقة لا سيما الملف السوري. في ظل إدارة جديدة تعيش وضعاً محلياً ودولياً متأزماً. فماذا في التوجه الأمريكي الجديد ومزاعم واشنطن حيال ذلك؟ وما الفرق في السياسة الأمريكية تجاه سوريا بين الأمس واليوم؟ وما هو التقييم الحقيقي لدلالات ذلك؟

قوات إضافية تصل سوريا

أكد مصدر أمني كردي أمس، أن المئات من قوات المارينز التابعة للبحرية الأمريكية، وصلوا إلى مطار الرميلان في ريف مدينة القامشلي التابعة لمحافظة الحسكة شمال سوريا. وهو ما بدأ بحسب المصدر، منذ 5 أيام من خلال عمليات إنزال حصلت بواسطة المروحيات عبر القاعدة الأمريكية في كردستان العراق. في وقتٍ أكد فيه المصدر نقل بطاريات مدفعية وأسلحة نوعية، براً عبر معبر سيمالكا بين سوريا وكردستان.

التوجه الأمريكي والمزاعم خلف ارسال الجنود

فيما يخص واقع التوجه الأمريكي والسبب من وراء ذلك، نُشير للتالي:

أولاً: أعلنت واشنطن منذ يومين أن عديد القوات الأمريكية التي تتواجد حالياً في سوريا ازداد عما كان عليه في مرحلة إدارة الرئيس أوباما، حيث يحصل حالياً دخول علني لقوات مشاة البحرية الأمريكية فيما اقتصر في السابق الأمر على تواجد مستشارين وخبراء عسكريين فقط.

ثانياً: أعلنت واشنطن في وقت سابق أن الهدف من ارسال القوات هو محاربة تنظيم داعش الإرهابي في منبج. ولم تُخف واشنطن محاولتها منع وقوع صدامات بين قوات سوريا الديمقراطية الكردية، والقوات التركية الموجودة في المنطقة ضمن ما يُسمى عملية درع الفرات.‎

السياسة الأمريكية تجاه سوريا بين الأمس واليوم

يمكن توصيف السياسة الأمريكية تجاه سوريا واختلافها بين الأمس واليوم كما يلي:

أولاً: تسعى أمريكا في ظل الرئيس الجديد للمشاركة في الحرب السورية بشكل أكبر من السابق. وهو ما يدل على توجهٍ أمريكي يختلف عن سياسة واشنطن خلال فترة الرئيس باراك أوباما والتي اتسمت بإعتماد سياسة التردد والغموض.

ثانياً: وافق البنتاغون ضمناً على التعاون الكردي مع الطرف السوري فيما يخص خط المواجهة بين الأكراد وقوات درع الفرات المدعومة من تركيا. وهو ما أظهر البراغماتية الأمريكية في تعاطيها مع الطرفين التركي والكردي. فيما جاء ذلك كنتيجة لفرض الطرف السوري لمعادلات ميدانية جديدة في سوريا، بات الأمريكي من الراضخين لها.

قراءة تحليلية في الدلالات الحقيقية

لا شك أن رضوخ واشنطن لنتائج الحرب في سوريا بات واضحاً اليوم. في حين يمكن القول أن عدة دلالات تُظهر العديد من التحليلات نُشير لها كما يلي:

أولاً: تنتهج إدارة ترامب سياسة مغايرة ومُناقضة لإدارة أوباما في المنطقة خصوصاً في سوريا. وهي تسعى للتعاطي ضمن عنوان عريض وضعته لمستقبل سياستها الدولية في المنطقة وهو إدارة نتائج الأزمات بأقل الخسائر.

ثانياً: من الواضح وجود تناغم روسي أمريكي ضد تركيا، حيث رفضت إدارة ترامب الشروط المسبقة التي وضعتها تركيا قبل اجتماع حلف شمال الأطلسي خلال الشهر الماضي والذي يتعلق بطلب أنقرة توقف الدعم الأمريكي للأكراد. حيث ردت واشنطن بإرسال قوات امريكية إلى مدينة منبج وتسليح المقاتلين الأكراد. وهو ما اعتبرته أنقرة إعلاناً صريحاً بمحاولة ردع الطرف التركي.

ثالثاً: تطمح واشنطن لمشاركة روسيا في الحرب على الإرهاب. فيما يبدو واضحاً تراجع السقف الأمريكي بتغيير نظام الحكم في سوريا، وتعويم هدف الحرب على التنظيمات الإرهابية، واعتبار ذلك أولوية. وهو ما يُعارض في الواقع طموحات دول كالسعودية والتي ما تزال تسعى لإبقاء سقفها الخطابي ضمن إطار الإنتقال السياسي في سوريا.

رابعاً: يدل التوجه الأمريكي على قناعة أمريكا بفشل الحرب بالوكالة. وهو ما اعتمدته إدارة الرئيس أوباما عبر الإعتماد على الشركاء الخليجيين والأوروبيين. الأمر الذي يعني إعلان أمريكا استسلامها فيما يخص الواقع السوري الجديد، وسعيها للرضوخ بأقل الخسائر. فيما يبقى موضوع تدخلها المباشر رهن المستقبل وما يمكن أن ينتج عنه.

خامساً: بدا واضحاً ومنذ الفترة التحضيرية للإنتخابات الأمريكية، بُعد واشنطن عن الشؤون الدولية لا سيما التي تتعلق بالشرق الأوسط. وهو ما جعل أمريكا في حالة من العزلة الدولية. فيما تجلى ذلك في بعدها عن واقع الميدان السوري وصولاً الى رضوخها للنتائج التي تحصل اليوم.

إذن ليس بعيداً عن نتائج الحرب في سوريا تعيش واشنطن عقدة التحوُّل في التعاطي مع الملف السوري. ليس فقط لسبب نضوج واقع الأزمة بعيداً عن طموحات واشنطن بل لأن الأزمة السورية أعادت وأخرجت الدولة السورية بشكل أقوى من السابق. وهو ما قلب معادلات الصراع. لتجد أمريكا نفسها بين مأزق أوباما الذي أورثها فشلاً ذريعاً، ومأزق ترامب الذي استلم مهامه في ظل وضعٍ مُعقدٍ للسياسة الأمريكية. ليكون الحضور الأمريكي في سوريا أحد أوجه الضعف الذي يُظهر خفايا وحقائق التوجه الأمريكي الجديد تجاه المنطقة.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية