100 عام على وعد بلفور : المأساة الفلسطينية المستمرة

المرصاد نت - متابعات

في ذكرى مرور مائة عام على منح الحكومة البريطانية وعد بلفور لليهودي الثري اللورد ليونيل روتشيلد الذي نصه التالي:palsteen2017.11.2


عزيزي اللورد روتشيلد

يسرني جداً أن أبلغكم بالنيابة عن حكومة جلالته التصريح التالي الذي ينطوي على العطف على أماني اليهود والصهيونية وقد عرض على الوزارة وأقرته:

"إن حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية على أن يفهم جلياً أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".

وسأكون ممتناً إذا ما أحطتم الاتحاد الصهيوني علماً بهذا التصريح.

المخلص :آرثر جيمس بلفور

 لابد لعودة سريعة للتاريخ الذي يؤكد أن ما يسمى بأرض الميعاد أو المسألة اليهودية أو الحركة الصهيونية، لم يكن سوى ذريعة استخدامية لتكريس مصالح النظام الاستعماري البريطاني في بلادنا الذي امتد وجوده حتى عام 1957، حيث تولت الولايات المتحدة الأمريكية –منذ ذلك العام- قيادة النظام الرأسمالي في صيغته الامبريالية المعولمة، عبر استخدام نفس الذرائع التوراتية والأفكار الصهيونية العنصرية رغم كل حقائق التاريخ التي تؤكد على انقطاع الصلة بين فلسطين واليهود منذ عام 135 ميلادية، ما يعني أن ما يسمى بـ "العودة اليهودية" إلى بلادنا فلسطين، ليست عودة توراتية أو تلمودية دينية، وإنما هي "عودة " إلى فلسطين خططت لها ووفرت مقوماتها الأنظمة الرأسمالية الاستعمارية في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، عبر دعمها للحركة الصهيونية التي استطاع روادها انضاج العامل الذاتي "اليهودي" الذي توفرت لديه كافة عناصر الدافعية وآليات العمل والتنظيم لتحقيق أهداف الحركة الصهيونية، في مقابل ضعف وهشاشة العامل الذاتي، على الصعيدين الفلسطيني والعربي آنذاك (وما زال على حاله حتى اللحظة) الذي اقتصر في رفضه لوعد بلفور والحركة الصهيونية على شعارات عامة عجزت عن تأطير نفسها ضمن عمل منظم وممأسس.

ففي كتابه "موجز التاريخ" يقول المؤرخ البريطاني "ج . هـ . ويلز" "كانت حياة العبرانيين في فلسطين تشبه حالة رجل يصر على الإقامة وسط طريق مزدحم فتدوسه الحافلات والشاحنات باستمرار، ومن البدء حتى النهاية لم تكن ممتلكاتهم سوى حادث طارئ في تاريخ مصر وسوريا وآشور وفينيقيا ذلك التاريخ الذي هو أكبر وأعظم من تاريخهم".

لـمـحة تـاريخيـة :

إن البلاد التي عرفت منذ القرن الخامس قبل الميلاد باسم فلسطين تشكل الجزء الجنوبي من بلاد الشام التي ارتبطت منذ فجر التاريخ ببلاد العراق ومصر والجزيرة العربية.

وعند ظهور المسيح اعتنق أعداد كبيرة من الكنعانيين الديانة الجديدة، وانضم معهم معظم من كان يعتنق اليهودية ، وظل هذا الوضع قائماً حتى الفتح الإسلامي وتسليم بيت المقدس (إيلياء) عام 638 ميلادية للخليفة عمر بن الخطاب  وفقاً للعهدة العمرية، التي ورد فيها إعطاء كافة الحقوق للنصارى على ألا يقيم اليهود بينهم في فلسطين وبيت المقدس.

وفي العهد العربي الإسلامي تعاقب على حكمها بعد الخلفاء الراشدين، بني أمية، ثم بني العباس، ثم أغارت جيوش أوروبا تحت اسم الصليبيين عام 1095ميلادية، وبقي الأمر على هذا الحال حتى طرد الصليبيين من بلاد الشام عام 1291، حيث ظلت تحت حكم المماليك حتى مجيء القوات العثمانية بقيادة سليم الأول عام 1516م، بعد معركة "مرج دابق" في حلب.

وأصبحت بلاد الشام منذ ذلك التاريخ ولاية عثمانية حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت بهزيمة الإمبراطورية العثمانية، وبداية عهد جديد من السيطرة الاستعمارية البريطانية الفرنسية في وطننا العربي، وبداية تطبيق تجزئة وتفكيك الوطن العربي في ضوء اتفاق سايكس بيكو، ثم إصدار وعد بلفور في 2 نوفمبر 1917م الذي جاء انسجاماً مع نشاط الحركة الصهيونية من ناحية ومع مصالح الرأسمالية الغربية في بلادنا من ناحية ثانية.

 وفي عام 1922م بدأت مرحلة الانتداب البريطاني على فلسطين، والتعاون المشترك مع الحركة الصهيونية والوكالة اليهودية لإقامة الدولة الصهيونية على أرض وطننا فلسطين، التي تم إعلانها يوم 15 أيار 1948م .

يقول المفكر الراحل الدكتور جمال حمدان في كتابه "اليهود أنثروبولوجيا"، "إن إسرائيل استعمار سكاني مبني على نقل السكان من الخارج إلى فلسطين"، فاليهود هم بالدرجة الأولى جزء من الظاهرة الاستعمارية-الاستيطانية الاحلالية العامة، ومع هذا فثمة ملامح خاصة فريدة لهم: العودة اليهودية إلى فلسطين ليست عودة توراتية أو تلمودية أو دينية وإنما هي "عودة" إلى فلسطين بالاغتصاب وهو غزو وعدوان غرباء لا عودة أبناء قدامى، إنه استعمار لا شبهة فيه بالمعنى العلمي الصارم، يشكل جسماً غريباً دخيلاً مفروضاً على الوجود العربي. فهم ليسوا عنصراً جنسياً في أي معنى بل جماع ومتحف حي لكل أخلاط الأجناس في العالم" .

وعد بلفور ... الحقائق التاريخية :

للتعريف بتلك الشخصية الكريهة في الوعي الفلسطيني: وُلد آرثر جيمس بلفور سنة 1848 في ويتنغهام، أكمل دراساته العليا في كلية إيتون وجامعة كمبردج بإنجلترا. ورئيساً لوزراء بريطانيا من عام 1902 - 1905  .

وقد أُعجب بلفور بشخصية الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان الذي التقاه عام 1906، فتعامل مع الصهيونية باعتبارها قوة تستطيع أن تقوم بوظيفتها في حماية المصالح الاستعمارية ، والتأثير في السياسة الخارجية الدولية.

وحين تولى بلفور منصب وزارة الخارجية في حكومة لويد جورج في الفترة من 1916 إلى 1919؛ أصدر أثناء تلك الفترة وعده المعروف بـ وعد بلفور سنة 1917 انطلاقا من تلك الرؤية.  وكانت أول زيارة لبلفور إلى فلسطين سنة 1925، حينما شارك في افتتاح الجامعة العبرية.

وفي معرض دفاعه عن منح حكومته هذا الوعد الذي حمل اسمه قال بلفور: "إن مجرد رغبات 700000 عربي (في فلسطين)، لا أهمية لها بالمقارنة مع مصير حركة استعمارية أوروبية في جوهرها (أي الصهيونية)". هذا بعض مما قاله وزير الخارجية البريطاني، وجسدت العنصرية البريطانية الأوروبية الاستعمارية بأبشع صورها.

إن هذا الوعد كان السبب المباشر في كل مآسي الشعب الفلسطيني, وكما قال أحدهم : "وعد بلفور أسّس لمأساة القرن". حيث يعتبر هذا الوعد أول خطوة يتخذها الغرب لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين، وقد قطعت فيها الحكومة البريطانية تعهدا بإقامة دولة لليهود في فلسطين، وكانت سببا رئيسيا لهجرة اليهود واستجلابهم إلى فلسطين من جميع أنحاء العالم.

إننا أمام مشروع الصهيوني جزء من المشروع الإمبريالي، و الأوروبي الغربي والأمريكي تحديداً، وأن احتلال فلسطين هو جزء من السياسية الإمبريالية للهيمنة على الوطن العربي، لإدامة تجزئته، والحفاظ على مصالحها الاستراتيجية في ممراته ومضائقه ومركزية موقعة على الصعيد الدولي، ونهب خيراته وثرواته، وحجز تطور شعوبه، لتبقى أسيرة للتخلف الفكري والثقافي والصناعي والتعليمي والتكنولوجي... وبهذا فلا يمكن أن يُنظر إلى فلسطين إلا كأرض عربية محتلة.

أخيرًا.. إن المسألة الفلسطينية هي – من هذه الزاوية - مسألة عربية و أن الوجود الصهيوني مؤسس لكي يكون معنياً بالوضع العربي و فلسطين هي مرتكز (ولنقل قاعدة) من أجل ذلك، الأمر الذي يجعل الحل محدّد في الإطار العربي، انطلاقاً من حقائق الصراع العربي-الصهيوني الراهنة التي أكدت دون أي لبس أن الامبريالية لا تعتمد في سيطرتها على المنطقة على دولة الاحتلال وحدها.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية