المرصاد نت
أولاً: النشأة
أنصار الله ليست فكرة مجردة يسهل القبض عليها في ترسيم جامع مانع على حد المناطقة ولا هي نزعة علموية يمكن قراءتها من خلال الأدب النظري لها فقط؛ وإنما ذات طبيعة حركية عملانية، وبالتالي ليست نسقاً جامداً ومغلقاً، ولا مقذوفاً فضائياً نشأ معزولاً عن السياق العام المحلى والعالمي؛ وإنما مسار من التشكلات تولدت جنيناً من المحاضرات التي كان يلقيها السيد حسين بدر الدين الحوثي على مريديه في قاعات (مدرسة الإمام الهادي) في منطقة (مران) التابعة لمحافظة (صعدة)، وفيها البنية المعرفية والفكرية الكامنة لهذه الظاهرة الاجتماعية والثقافية الآخذة في التمدد والاتساع جغرافياً وشعبياً وذاتياً.
مسار تشكل جماعة أنصار الله مر بسلسلة من الأفعال المتصلة والتحولات الدراماتيكية والتطورات المتسارعة والقفزات الفجائية والتحديات الأمنية والسياسية والاجتماعية التي أسهمت في بلورة هويتها، وتشكيل لحمتها العضوية، وتطوير خطابها وفي إحداث تحولات بنيوية على مستوى الفعل والبناء، وإعادة ترتيب الأولويات المرحلية والاستراتيجية.
يؤرخ العام 2000م للبدايات الأولى لتولد جماعة أنصار الله (الخطاب والحركة)، بعد أن قطع السيد حسين دراسته العليا في السودان، وقرر الاستقرار بمقر إقامته في منطقة مران، وفي نيته التفرغ لمشروعه الديني، والذي يمثل الخلاصة التي انتهى إليها بعد حياة غنية بالتجارب الفكرية والسياسية، والمراجعة النقدية المكثفة لها.
من الوهلة الأولي بدا عليه أنه من طبيعة مغايرة للفعاليات والمناشط الزيدية التقليدية والإحيائية، وغير متصالح مع الأشكال السائدة من التدين التقليدي، ويتفارق مع منتدى الشباب (تأسس في 1991م)، من حيث الأهداف والوسائل والرؤية؛ لذا كان يتوقع أن يثير مشروعه الجديد بعض ردود أفعال مخاصمة من المرجعيات التقليدية الزيدية والإحيائيين الزيديين ومجموعة الشباب المؤمن كما سيأتي.
ثانياً: القيادة وتطور التنظيم
جماعة أنصار الله جماعة منظمة، يقوم تضامنها الداخلي، ووحدتها العضوية على وحدة القيادة والمشروع "تأسست بالأصل كحالة فكرية ودينية منذ العام 2000 على يد السيد حسين الحوثي، وكان يطلق على مؤيديها وصف (جماعة الشعار) نسبة إلى تبنيهم (الشعار) أداة ووسيلة رئيسة؛ لنشر أفكارهم ورؤاهم الفكرية والدينية، مع غياب تام لأي رؤية أو برنامج سياسي محدد( ).
اتساقاً مع رأي الحوثي في أن النشاط الإسلامي لا يجب أن يسيج بسوارات قومية أو جغرافية أو تنظيمية؛ فإن جماعة أنصار الله لم تنشأ تنظيماً بلوائح وأنظمة داخلية وبنيات هرمية بيروقراطية، وإنما أراده الحوثي فعلاً دعوياً وتياراً شعبياً واسعاً، فيه الدعوة إلى الله ومحاولة استصلاح المجتمع، وإعادة ربطه بأصوله وهويته من خلال الفعل النضالي الاجتماعي والفكري والسياسي الذي لا يرتبط ببرنامج سياسي أو بجماعة سياسية أو مذهبية مغلقة، بل بكل المؤمنين( ).
التضامن الداخلي للجماعة إضافة للمشروع أو الخطاب يعتمد على القيادة المركزية التي مثلها السيد حسين الحوثي في البداية، ثم من بعده السيد عبد الملك الذي نجح في سد الفراغ القيادي الذي تركه الغياب المبكر للمؤسس الأول على الصعيدين النظري والحركي، وأبان عن حنكة سياسية ومقدرات قيادية عالية، استطاع أن يجتاز بأنصار الله أهم التحديات والمنعطفات الصعبة، وقيادة الانتصارات الباهرة، والسمعة الجاذبة والتوسع الشعبي، حيث يتناغم في شخصيته المفكر الديني والمناضل السياسي والثوري مع قدرات فائقة في مخاطبة الجماهير والاتصال بهم من خلال التأويل النضالي للنص الديني والتركيز على المضمون الاجتماعي للدين المنحاز لمصالح الجمهور، وتوظيف النظام الرمزي للدين وتثوير طاقته الروحية كسلاح فعال لمخاطبة الوجدان الشعبي، وتنمية الوعي وتحريك الجماهير واستعذاب التضحية؛ لتحقيق التغيير المنشود.
منطق تطور جماعة أنصار الله محصلة لجدلية الخطاب والواقع، جدلية الأمة (كرابطة روحية تضامنية) والدولة (كرابطة سياسية وقانونية) وجدلية الإسلامي والوطني، الخطاب هو المحدد النظري لهوية الحركة غير أن ظروف وشروط الواقع وبناه ومؤسساته تتدخل في إعادة تشكل وتطوير البنى الداخلية التنظيمية، وتحديد أولويات الخطاب، وحتى التعديل والتطوير لهوية الخطاب، وبحكم توسع نفوذها وتنامي شعبيتها الجماهيرية وزيادة فعاليتها وصولاً إلى الاشتراك في السلطة، والتحول إلى جزء من توازناتها، فإنه وضع أنصار الله أمام تحدي المواءمة استحقاقات الخصوصية الوطنية، وتعقيدات الواقع السياسي وتوازناته، وعلاقته بالفاعلين الإقليميين والدوليين ونحوها؛ مما يشكل قيداً صارماً على تطلعاتها، وموجبات الثقافة القرآنية المعرف لهويتها الاستراتيجية.
في صيف 2004م، وبسبب ظروف المواجهة التي امتصت معظم اهتماماتهم؛ تشكلت بنية تنظيمه ذات طابع عسكري احترفت فيه من ناحية التنظيم ومن ناحية الإنجاز، كما أسهمت في اتساع القاعدة الجماهيرية وتعاظم نفوذهم السياسي، وصاروا مكوناً اجتماعياً مؤثراً وفاعلاً في المشهد السياسي، وتياراً سياسياً يجتذب إليه طيفاً واسعاً من المحازبين والمناصرين، ومع ثورة فبراير 2011م دخل أنصار الله مرحلة جديدة ثم ما تلاها ابتداءً من مؤتمر الحوار الوطني، ثم ثورة 21 سبتمبر، والإعلان الدستوري عقيب استقالة هادي وبحاح والانخراط المباشر في العملية السياسية اليمنية؛ كلها مثلت منعطفات نوعية وضعتهم في مواجهة استحقاقات سياسية واقتصادية وأمنية لم تكن ضمن أوليات استراتيجيتها الحركية، وأصبحوا مطالبين بالإسهام في مواجهة هذه الاستحقاقات، وتقديم رؤى وبرامج لمعالجة، والاشتراك في السلطة أو التحول إلى جزء من توازناتها فرض عليها برامج ومهمات على المستوى الوطني والانحكام لاستحقاقات الخصوصية الوطنية والمرحلية( ).
بإزاء هذه التطورات المرحلية كانت الحركة تطور بنيتها التنظيمية بما يتناسب وتطور الأحداث وضرورات المرحلة؛ وكي تحافظ على هويتها كتيار شعبي وضرورات التنظيم سعت قيادة الحركة لاختيار شكل تنظيمي مرن يباعدها عن سلبيات التنظيم الحزبي وانعكاساته على العمل الثقافي والسياسي الشعبي، ويتجنب الوقوع في إشكالية الانغلاق على الذات والعصبوية الحزبية التي تنشأ بشكل طبيعي من التكتل، ويحصر نشاطها في إطار جمهور عضوي مغلق.
يقوم الشكل التنظيمي الحالي لأنصار الله على ثلاث هيئات تنفيذية ترتبط مباشرة بالقيادة العليا لأنصار الله وهي:
المجلس السياسي: هو الهيئة التنفيذية المعنية بإدارة وتنظيم العلاقات مع المكونات والتنظيمات والأحزاب السياسية والهيئات الدبلوماسية والمنظمات الإقليمية وإعداد مقترحات الخطط وتقديم التقارير والدراسات والتحليلات السياسية.
المجلس التنفيذي: ويضم الدوائر ذات الطابع الشعبوي المتعلق بالقطاعات الجماهيرية؛ كالدائرة الثقافية والتربوية والدائرة الاجتماعية والهيئة الإعلامية وهيئة المرأة وشؤون المحافظات ...إلخ.
هيئة العمل الحكومي: وهي الهيئة المعنية بالإشراف على كتلة أنصار الله في الهيئات التنفيذية والتشريعية.
ملاحظة :الجزء الخامس :
من دراسة جماعة أنصار الله: الخطاب والحركة
نشرت الدراسة كاملة في مجلة مقاربة سياسية /العدد الثاني
رابط الدراسة كاملة :
http://www.yecscs.com/assets/uploads/adv/files/1.pdf
المزيد في هذا القسم:
- هل ستكرر موسكو التجربة السورية في اليمن ؟ المرصاد نت قبل أكثر من عامين تقريباً التقينا انا وقيادي جنوبي "بصحفي" روسي في احد الدول جاء اللقاء بنا على طلب ذلك "الصحفي" الذي عرف بنفسه بحسب بطاقة العمل ان...
- !مشاهدات : في أنواع اللصوص .. ؟ مشاهدات : في أنواع اللصوص .. ؟! كتب: د ياسين الشيباني في مصر (حيث عشتُ ل 15 سنة ) .. يُميّـز اخواننا المصريون بين : " النصّـاب " و " النشّـال " و " الحَـرامي ...
- «الشرعية» اليمنية: اسمٌ من دون مُسمّى ! المرصاد نت تآكل مع مرور الوقت الدور الوظيفي لما يُسمّى «الشرعية» اليمنية مُمثلةً في الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي إلى الحدّ الأدنى حتى...
- قيام الجمهورية الأمريكية الثانية كتب: عبدالباسط الحبيشي بعد الفشل الذريع الذي حدث في السادس من هذا الشهر في تنفيذ الإجراءات وفقاً لنصوص الدستور الأمريكي بالنظر الى حالة التزو...
- الخديعه الذكيه وسياسة المدى البعيدة في محاولة إبتلاع اليمن ... بقلم : الشيخ مجاهد حيدر كيف أستطاع بن سعود أن يجعل القيادات اليمنيه تعمل بكل عزيمه وإخلاص على تدمير وأضعاف وطنها اليمن ليكون لقمه صايغه يبتلعه في الوقت المناسب. تلك القيادات التي اختا...
- حرب اليمن التي اقتلعت جيلين من المثقفين! المرصاد نت الحب – بالمعنى العام – ليست نفياً وتهديداً للحالة الإنسانية فحسب بل هي إحلال للرصاصة محل الكلمة وجعل القوة فوق الحق وتسويد للعنف الأعمى...
- كيف تحيد الأقلام والنخب الوطنية ؟ بقلم : زكي حاشد المرصاد نت هناك الكثير من النخب والأقلام الوطنية في انحاء الجمهورية اليمنية تم تحييدها تماماً وأثرت الصمت في ظل غياب الرؤية لمشوع وخطاب اعلامي وطني جامع &hell...
- واقع الإعلام اليمني في ظل العدوان ! بقلم : أ . إبراهيم الديلمي* المرصاد نت تتعرض اليمن لحرب عسكرية وأمنية وسياسية شرسة من قبل تحالف دولي تتصدره السعودية والولايات المتحدة الأمريكية ويحظى بدعم من دول عدة في العالم. ويرافق ه...
- بين “محو” سوريا والعدوان على اليمن … أين إسرائيل ؟ بقلم : زيد أحمد الغرسي المرصاد نت صرح رجب طيب اردوغان رئيس تركيا قبل أيام ” أن الأوضاع في سوريا ستؤدي بها إلى أن تُمحى من الخارطة ” … هذا التصريح الذي يعبر عن ...
- الرمال المتحركة ( الجيوسياسية ) اليمنية السعودية ترتبط اليمن بالسعودية بروابط تتجاوز الجغرافيا والروابط الاجتماعية التاريخية الى علاقة تفاعلية تدخل في صلب الادارة السياسية ليس الاستراتيجيا فحسب بل حتى التفصيلي...