تكمن الصعوبة في ان معظمنا لا يرى (الأنا) ولا يعرفها رغم إحتلالها لذاته وسيطرتها عليه ونفخها لغروره الى درجة ان تدفعه لإرتكاب كل المعاصي التي قد ترتقي بعضها الى جرائم كُبرى بينما يكون متوهماً بان اي تصرف او حتى ممارستة للتفكير الخاطئ هو من حقه وحمايةً لذاته دون ان يدرك ان هذا الفعل الخاطئ إنما هو إضرار لذاته هو اكثر منه للآخرين.
والسبب في ذلك ان هذا "الأنا" المختفي في الذات والمتقمص لشخصيتها والمحرك لعقلها والمتحكم بتصرفاتها قد قام بفصلها عن هويتها الحقيقية وعن المحيط الذي هو فيه لدرجة ان هذا الأنا جعل ذاته غير قادرة حتى على رؤية نفسها واكتشافها ناهيك عن رؤية غيرها ولذلك قال الله تعالى {وفي انفسكم افلا تبصرون} وفصّل في السورة (الذاريات) ماجرى لأقوام فرعون وثمود ونوح من عاقبة الذين يتبعون (الأنا) التي تضخمت لديهم لدرجة انهم اعتبروا انفسهم ارباب وآلِهات وانفصلوا عن المحيط الزمكاني والكوني الذي يُفترض ان يكونوا جزءًا منه، لأن النظام الكوني لا يقبل من يتحرك من خارجه او من يرفض ان يكون جزءً منه او ان يفسد ويسفك الدماء فيه اذا لم يعود ويتوب ويرضى بالناموس الكوني الشامل. ولذلك تم إبادة هذه الأقوام وغيرهم حتى بما فيهم ذلكم الذين خُلقوا قبل آدم عليه السلام حيثُ بدل الله بخلقٍ غيرهم. لأن الفكرة الأساسية من الخلق هي ان يسير الإنسان وفقاً لسياسة الخالق وليس مضاداً له. {واعتصموا بحبلِ الله جميعاً ولا تفرقوا} لكن الإعتصام بالله ليس بالقول فقط، ولا حتى بممارسة العبادات فقط، ولا حتى بمجرد الشعور اللفظي او المادي فقط بل بالإدراك الحسي العالي وذلك من خلال الإعتراف الكلي واليقيني بأن الله موجود في ذاتك وقد نفخ فيك من روحه، وبالتالي فإن وصلت الى هذا المستوى من إحساسك بهذا الإتصال الروحي والتناغم مع مقتضياته تكون قد وصلت الى مستوى من الوعي يؤهلك الى الإرتقاء الى مرحلة اعلى.
لذا فإن الأنا تُبعد الإنسان دائماً عن هذا الوعي الأصيل وعن الإتصال الحقيقي بالذات الخاصة والكلية وتُعظم فيه الأنانية التي تنتج هذا الإنفصال الذي بدوره ينتج الشعور بالوحدانية .. وعندما يصل الإنسان الى هذا الشعور يتملكه العلو والغرور وفي نفس الوقت يمتطيه الشك والخوف من كل شيء حوله، وعندما يبدأ الإنسان هذه الرحلة تهبط تردداته الطاقية ويتوقف تفاعل الروح مع الجسد الذي يتحول الى مادة غير متصله بجذورها وبأصلها عن طريق الروح .. فيصبح الإنسان كورقة هشة سقطت من شجرة يتقاذفها الهواء حتى تلقى مصيرها المحتوم بعد انفصالها عن البرعم الذي يسقيها ويغذيها عن طريق الساق، والساق من الفرع، والفرع من الجذع، والجذع من الجذور، والجذور من الأرض وصلة الأرض بالكون والكون من خلق الله.
إذن فعندما يتضخم (الأنا) عند الإنسان فإنه ينفصل عن محيطه وعن الكون كما تنفصل الورقة من شجرتها فتضمر وتتكسر وتموت.
المزيد في هذا القسم:
- الاحتفال في زمن الحرب ! بقلم : عبد الباري طاهر المرصاد نت بغتة، وبدون اعتياد، وعلى غير توقع، دعا صالح أنصاره ومحازبيه إلى الاحتفال بالذكرى الـ24 لتأسيس حزبه (المؤتمر الشعبي العام). كانت الدعوة لافتة ومثيرة...
- من المشاريع الصغيرة .. تحرير الحديقة متابعة لمقال الإسبوع الماضي بعنوان "تحرير الحديقة أولاً قبل إنقاذ اليمن" الذي مع الأسف لم ينشر على صفحات (اليقين) الغراء لوصوله بعد الطبع أو لربما ضياعه...
- عن إحاطة ولد الشيخ لمجلس الأمن ! بقلم : فهمي اليوسفي المرصاد نت قراءتي بإختصار عن الإحاطة الأخيرة التي تقدم بها المندوب الاممي ولد الشيخ لمجلس الأمن . سيجد من يتناول قراءتها بعمق إكتشاف مابين السطور وما تحتوي...
- جنوب اليمن :مابين صناعة الغباء وصناعة القناعة بالإكراه ! المرصاد قال اينشتاين ذات يوم: هناك شيئان لا حدود لهما.. الكون وغباء الإنسان...الجنوب اليمني محتل من قبل دول تحالف العدوان والاحتلال السعودي الامار...
- لن تنفعك جيوش الأرض كلها يايدومي ! بقلم : صلاح القرشي المرصاد نت من يقرأ بيان اليدومي الذي نشره في صفحتة وعبر عن موقف الاصلاح تجاه انشاء مجلس سياسي وفق الاتفاق بين المؤتمر وحلفائه وانصار الله وحلفائه يتيق...
- عامان على العدوان ! بقلم : د.علي الطائفي المرصاد نت عامان.. منذ أيقظ الذهول صنعاء على دوي إنفجارات القنابل و الصواريخ التي ألقتها طائرات العدوان السعودي الغادر لنسمع وسط صراخ النساء والأطفال و أنين ا...
- هناك فرق ! بقلم : د. يحيى جحاف المرصاد نت نعم هناك فرق بين من يقرا التاريخ وبين من يجهله..وهذا الفرق تجلى بوضوح بين ذلك ألإعرابي الذي عاش حياته في الصحاري لايرى بين ظهرانيه غير السراب وغبار...
- رأي للنقاش هذه المجزرة التي حدثت اليوم في التحرير، وغيرها، تعطي "أنصار الله" الشرعية الأخلاقية الكاملة لملاحقة القاعدة إلى كل وكر من أوكارها.. &nb...
- الحكومة تسحب الثقة عن مجلس النواب ! بعد متابعتي لمجريات ما سميت -زورا وبهتانا- جلسات استجواب الحكومة من قبل مجلس نواب يعاني من أزمة شرعية مزمنة تضاعفت حالتها بعد تلك الجلسات البهلوانية أدركت أن ال...
- الدور النضالي للنقابات العمالية بين الأمس واليوم المرصاد نت تلعب النقابات العمالية ومنظمات المجتمع المدني عامة دورا هاما وأساسيا في الارتقاء بحياة المجتمع وصناعة مستقبله المشرق بما يلبي آمال وتطلعات الجماهير...