كاراكاس تستبق تصعيداً متوقعاً السبت: رفع الحصانة عن غوايدو !

المرصاد نت - متابعات

في وقت يستعدّ فيه الانقلابي خوان غوايدو لتصعيد تحركاته التي تتخذ من أزمة الكهرباء والمياه المفتعلة ستاراً لها تواصل حكومة نيكولاس مادورو محاولتها محاصرة الأزمة فيCracass2019.4.3 ظل دعم روسي ــــ صيني متواصل لها.

وفي إطار التدابير التي بدأت الحكومة الفنزويلية اتخاذها لمواجهة «حرب الماء والكهرباء» التي تخوضها واشنطن ضد كاراكاس عيّن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو أمس المهندس إيغور غافيريا وزيراً للكهرباء خلفاً للويس موتا. وعلى رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة للسيطرة على الأعطال الكهربائية إلا أن هذه الأعطال أثّرت في العديد من القطاعات الاقتصادية والخدمية في البلاد وألحقَت أضراراً بالغة بها. وفي هذا الإطار أعلنت وزيرة إمدادات المياه إيفلين فاسكيز أن «انقطاع الكهرباء أدى إلى أعطاب وخلل في منظومة الأنابيب في المرافق والمنشآت المائية» موضحة أنه أحدث «تذبذباً حاداً في ضغط المياه ما أدى إلى تفجر الأنابيب وتعطل الأجهزة» مؤكدة أن الفِرق الفنية «تعمل على إصلاح الأعطال».

في المقابل واصل الانقلابي خوان غوايدو استغلال الأزمة الناجمة عن انقطاع الكهرباء لتأليب الفنزويليين على حكومتهم. وفي آخر دعواته تلك قال غوايدو خلال تجمّع في الجامعة الكاثوليكية في فنزويلا: «في كل مرة تنقطع فيها الكهرباء،

أو لا يكون لدينا فيها مياه أو غاز تصوروا ماذا سنفعل؟» مضيفاً: «سنحتجّ، سنُطالب، سنخرج إلى الشوارع هذا حقنا». وقابل هذا التحريض إصدار المحكمة العليا الفنزويلية أعلى سلطة قضائية في البلاد توصية للجمعية التأسيسية برفع الحصانة البرلمانية عن غوايدو. وعزت المحكمة قرارها إلى عدم امتثال الأخير لقرار حظر مغادرته فنزويلا بإجرائه جولة بدأها في أواخر شباط/ فبراير واستمرت حتى أوائل آذار/ مارس الماضيين شملت كلّاً من كولومبيا والبرازيل وباراغواي والأرجنتين والإكوادور.

ويسبق قرارُ المحكمة تحركاتٍ ينوي غوايدو قيادتها يوم السبت المقبل تحت شعار «عملية الحرية» التي كان قد وجّه أنصاره بتشكيل لجان معنية لتعبئة الفنزويليين في إطارها. وفي أحدث المعلومات المتداولة في شأن تلك العملية أفادت بعض التقارير بأن «الشركاء غير التقليديين» الذين ينوي غوايدو الاستعانة بهم لتفعيل ما يُسميها «خلايا الحرية»، إنما هم «عناصر من القوات الأميركية الخاصة ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه)» سيتولون مهمة توجيه الخلايا المذكورة نحو تنفيذ «عمليات هجومية» تسبقها «احتجاجات واسعة في المناطق كافة».

وفي الوقت الذي تواصل فيه واشنطن هجومها على كاراكاس على عدة مستويات تزيد موسكو من جهتها خطوات دعم حليفتها وآخرها أمس إعلان شركة «روستيك» افتتاح مركز تدريب في فنزويلا لمساعدة الطيارين في البلاد على تشغيل طائرات «هليكوبتر» روسية الصنع. وفي موازاة الدعم الروسي المستمر تُظهّر بكين أكثر فأكثر انحيازها إلى جانب كاراكاس واستعدادها للوقوف إلى جانبها في مواجهة الهجمة الأميركية الشرسة عليها. وهي رسائل أكدتها الصين الجمعة الماضي بإرسالها طائرات شحن ثقيلة إلى العاصمة الفنزويلية قالت وكالة «شينخوا» الصينية إنها محمّلة بأدوية ومعدات طبية.

ونقلت الوكالة عن السفير الصيني لدى فنزويلا لي باو رونغ قوله إن «فنزويلا والصين صديقان مخلصان يتمتعان بثقة متبادلة وشريكان جيدان في التعاون الذي يحقق مكاسب مشتركة». وفيما لم يُكشف عمّا إذا كانت الشحنة ـــ في جزء منها ـــ عسكرية الطابع لم تستبعد مصادر فنزويلية مطلعة أن تكون «واحدة من تلك الطائرات مُحمّلة بجنود ومعدات عسكرية».

وفي تعليقه على الخطوة الصينية توجّه الرئيس الفنزويلي بالشكر إلى نظيره ​الصيني شي جين بينغ قائلاً: «إننا نكسر الحصار الإمبريالي وننتصر». وكان وزير الصناعة والإنتاج الوطني الفنزويلي طارق العصامي قد أعرب عن امتنان بلاده لبكين مؤكداً أن «الجانب الفنزويلي سيواصل تقوية التعاون البراغماتي مع الصين في مختلف المجالات وسينشط في تنفيذ التوافق الذي توصل إليه رئيسا البلدين».

يُذكر أنه منذ بدايات محاولة الانقلاب في فنزويلا أعلنت بكين موقفها الداعم لحكومة مادورو وتمسّكت به على رغم محاولة غوايدو استمالتها بدعوته إياها إلى التفكير في مصالحها الاقتصادية. كذلك سبق للصين أن عرضت منتصف الشهر الماضي مساعدة فنزويلا في إعادة بناء شبكة الكهرباء بعد الهجوم السيبراني على نظام الإمداد بالطاقة.

روسيا وفنزويلا ومبدأ السيادة الوطنية

اعتبارات عديدة، جيوسياسية وجيواقتصادية دفعت روسيا إلى الوقوف إلى جانب الرئيس نيكولاس مادورو في مواجهة الحرب الهجينة التي تشنها عليه الولايات المتحدة. صحيفة «واشنطن بوست» كشفت أن مسؤولين أساسيين في إدارة دونالد ترامب كانوا قد أسرّوا لها في مناسبات مختلفة، خلال الشهرين الماضيين باقتناعهم بقرب انهيار النظام الفنزويلي وأنهم باتوا يستعدون اليوم لصراع طويل وغير محسوم النتائج وأن السبب الرئيس لذلك هو التدخل الروسي. عرقل هذا الأخير وقد يكون حتى أفشل المحاولة الثانية بعد تلك التي جرت في سوريا لتغيير نظام حكم في بلد سيد ومستقل بتدخل وإشراف مباشرين من التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين والمحليين.

هذا الهدف بذاته يقع في مقدمة الاعتبارات الروسية وهو يندرج ضمن رؤية استراتيجية تنطلق من ضرورة تثبيت مبدأ السيادة الوطنية في العلاقات الدولية في مقابل سياسات الهيمنة الغربية القائمة على إعادة النظر فيه مسوغات وذرائع شتى كواجب التدخل الإنساني ونشر الديمقراطية وغيرهما والتي تشكل خطراً على روسيا ومصالحها وعلى بقية دول العالم غير الغربي. ولا شك في أن هذا التوجه الروسي سيزيد من حدة التوتر المتصاعد بين موسكو وواشنطن.

إفشال مساعي واشنطن
في بدايات هذا الشهر قدم الجنرال فاليري غيراسيموف رئيس الأركان الروسي مداخلة أمام أكاديمية العلوم العسكرية في موسكو متمحورة حول التطورات في ميدان الاستراتيجيا والعلوم العسكرية. وقد تناول غيراسيموف آخر المستجدات المرتبطة بمنظومات السلاح والصواريخ التي شرعت الولايات المتحدة في بنائها، وخروجها المتتالي من اتفاقيات الحدّ من التسلح الصاروخي والنووي والتحديات الناجمة عنه بالنسبة إلى بلاده.

ولم يغفل رئيس الأركان عند تحليله السياسة الأميركية أن «غايتها هي تصفية الحكومات غير الخاضعة لها وانتهاك مبدأ السيادة» معتبراً أن «هذا ما تشهده حالياً فنزويلا». المداخلة لم تقتصر على مجرد استعراض القرارات والسياسات الأميركية بل تضمنت أيضاً توضيحات عن الإجراءات الروسية للردّ عليها. وما لفت المراقبين هو إعلان غيراسيموف ما سمّاه «استراتيجية التدخل المحدود».

الخبير العسكري الروسي، ديمتري ستيفانوفيتش رأى من جهته في مقال نشره في «موسكو تايمز» أن «هذه الاستراتيجية هي ربما التبرير النظري الأول للعمليات العسكرية في مسارح بعيدة كسوريا. يستند هذا النمط من العمليات إلى إرسال عديد من القوات قادر على الاكتفاء الذاتي وعلى التحرك السريع لتنفيذ المهام الموكلة إليه بجدارة. في سوريا، تم تكليف قوات تابعة لسلاح الجو بدور كهذا». على الأغلب فإن إرسال قوات روسية إلى فنزويلا يأتي أيضاً كترجمة لهذه الاستراتيجية.

وبما أن التدخلات العسكرية اليوم خاصة المحدودة منها أصبحت تلجأ في حالات كثيرة إلى الاعتماد الجزئي على قوات رديفة أو شركات أمنية خاصة فإن التدخل الروسي في فنزويلا على غرار الذي سبقه في سوريا لا يشذّ عن هذه القاعدة المستحدثة من قِبَل الأميركيين والغربيين أولاً، في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا.

صحيفة الـ«غارديان» أشارت في مقال صادر في 25 كانون الثاني/ يناير الماضي، إلى أن مصادر وثيقة الارتباط بمجموعة «فاغنر» الأمنية الخاصة ذات الصلة العضوية بالجيش الروسي والتي لعبت دوراً مهماً في أوكرانيا وسوريا والناشطة في عدة دول أفريقية كالسودان وجنوب أفريقيا وجمهورية أفريقيا الوسطى قد أطلعتها على وصول قوة منها إلى فنزويلا. وبحسب هذه المصادر فإن مهمتها محصورة بالمساهمة في حماية المسؤولين السياسيين من مخاطر تعرّضهم لمحاولات اغتيال.

تصرّ أوساط سياسية وإعلامية غربية على أن الموقف الروسي من فنزويلا محكوم أولاً باعتبارات اقتصادية ومالية. فديونها لروسيا تصل إلى 3.1 مليارات دولار وشركة «روزنفت» الروسية استثمرت مليارَي دولار في قطاعها النفطي وتعتزم توسيع استثماراتها في المستقبل.

وعلى الرغم من أن هذه المعطيات لا تغيب عن بال صانع القرار الروسي، إلا أنها ليست الدافع الأول لقراره بالتدخل. فإذا كانت الأزمة السورية قد فتحت نافذة فرص أمام روسيا للالتفاف على استراتيجية الاحتواء والتطويق التي اعتمدتها حيالها الولايات المتحدة وحلف الـ«ناتو» والعودة إلى الساحة العالمية من بوابة الشرق الأوسط، فإن الأزمة الفنزويلية تفتح نافذة فرص للتموضع في ما تنظر إليه واشنطن على أنه حديقتها الخلفية.

هي سياسة شبيهة بتلك التي اتبعها الاتحاد السوفياتي مع اختلاف الخلفيات الأيديولوجية والسياسية، لمواجهة الاحتواء الأميركي والغربي عبر التحالف مع حركات التحرر الوطني في بلدان العالم الثالث ودعمها، من مصر الناصرية وصولاً إلى كوبا. وإذا كانت الخطط الأميركية الراهنة ترتكز على نشر القوات العسكرية والمنظومات المضادة للصواريخ في جوار روسيا والصين فإن الأولى لم تتردد في الوجود عسكرياً ولو بعديد محدود حتى اللحظة، في جوار الولايات المتحدة.

أما الصين فقد كان لافتاً تصريح الناطق باسم وزارتها الخارجية جنغ شوانغ بأن «بلدان أميركا اللاتينية هي دول ذات سيادة، ويحق لها أن تحدد سياساتها الخارجية، وأن تقيم علاقات تعاون متبادلة مع البلدان التي تختارها... هي ليست حديقة خلفية لدولة ثالثة»، وذلك دفاعاً عن استقبال فنزويلا لقوات روسية. يشكل الرفض الصيني لاعتبار أميركا اللاتينية حديقة خلفية للولايات المتحدة رداً مباشراً على التصريحات المستمرة للمسؤولين الأميركيين والتي تكرر معارضة واشنطن اعتبار بحر الصين الجنوبي حيث تدور مواجهة استراتيجية بين واشنطن وبكين «بحراً صينياً».

الحسابات الجيوسياسية تطغى على تلك الاقتصادية في تحديد مواقف روسيا والصين. تقرير نشرته «نيويورك تايمز» في 8 آذار/ مارس الماضي عن اجتماع عقد في بدايات ذلك الشهر بين مسؤولين سياسيين بارزين وآخرين من شركات النفط الروسية الأهم، أظهر تبايناً في الآراء حول الموقف الواجب اتخاذه من الأزمة الفنزويلية ومطالبة جناح «معتدل» بتبني مقاربة «براغماتية» لا تعارض من حيث المبدأ عملية انتقالية في فنزويلا إذا تمت على قاعدة التفاوض الذي يقود إلى تسوية تحفظ مصالح جميع الأفرقاء المحليين والدوليين. لكن مواقف صانع القرار في الكرملين لم تعكس أي تأثر بهذه الآراء.

بعض التحليلات في بداية الأزمة راهنت أيضاً على أن تكون المقاربة الصينية «براغماتية» نظراً إلى ضخامة مصالحها في فنزويلا، ولكن المواقف الصادرة من بكين بدّدت هذه الرهانات. نحن أمام مواجهة جيوسياسية تسعى فيها موسكو وبكين إلى إفشال مشروع تغيير النظام في فنزويلا بعد إفشاله في سوريا وفرض احترام مبدأ السيادة الوطنية للدول.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية