المرصاد نت - متابعات
هل فرض حالة الطوارئ في مصر كان ضرورياً؟ بقدر المصارحة تكتسب الإجابة جديتها.
لم يكن في ما قاله رئيس الوزراء شريف إسماعيل أمام المجلس النيابي ما يؤكد فرضية أنه لم يكن هناك سبيل آخر غير «الطوارئ» وما تنطوي عليه من إجراءات استثنائية. ما حجم الخطر بالضبط؟ هذا هو السؤال الأكثر إلحاحاً. في توقيت متزامن روّعت مصر بعملين انتحاريين استهدفا كنيستَي طنطا والإسكندرية وكشفت الصور عمق المأساة بذات قدر أوجه القصور.
الأمن المطلق وهم مطلق. هذه حقيقة تظل حاضرة في مثل هذا النوع من الأعمال الإرهابية غير أن النقص الفادح في المعلومات يسمح للانتحاريين بأن يصلوا بسهولة نسبية إلى المواقع نفسها التي يستهدفونها.
لو أن الإجراءات الأمنية على أبواب كنيسة الإسكندرية كانت بذات درجة التراخي، التي تبدت في طنطا، لجرى الوصول إلي البابا تواضروس الثاني، حيث يصلي بداخلها. وكانت تلك كارثة محتملة لا مثيل لها في التاريخ المصري وتفضي إلى فتن بلا نهاية.
إذا لم يتم الاعتراف بأوجه القصور الأمني والتعرف إلى أسبابه والعمل على سد ثغره فإن مثل هذه الجرائم الإرهابية سوف تواصل ضرباتها في مناطق الوجع، ولا يكون هناك أي جدوى من فرض حالة «الطوارئ».
«الطوارئ» بذاتها رسالة سلبية للعالم بأن الأوضاع غير مستقرة وغير طبيعية، بما يؤثر سلباً على فرص جذب الاستثمارات الأجنبية ورفع معدلات تدفق السياح، التي تراجعت في السنوات الأخيرة.
بأي قدر من الرشد السياسي، لا بد من مصارحة الرأي العام بحيثيات فرض «الطوارئ» والسعي إلى اختصار مدتها بقدر ما هو ممكن. كما أنها لا تمثل حلاً دون إعادة نظر جذرية في الوضع العام كله والسعي إلى بناء استراتيجية متماسكة، تغيب بفداحة، تدرك طبيعة حربها مع الإرهاب وأين الثغر الحقيقية لا المتوهمة، بقدر ما تدرك ضرورات التماسك الوطني وضمانات حقوق المواطنين.
من أسوأ ما يتردد تحت قبة البرلمان، أو على بعض الشاشات، التلويح بقبضات «الطوارئ» ضد أي قدر من الحريات الصحافية والإعلامية. بمعنى آخر: أين ميدان المواجهة؟ ــ صالات التحرير في الصحف والفضائيات أم تمركزات العنف والإرهاب؟! مثل ذلك التلويح يسحب أي تماسك وطني ضروري في مواجهة الإرهاب، ومن كل تضحية تبذل بفواتير الدم.
إذا ما أردنا مواجهة جادة مع خطر وجودي يمثله الإرهاب، فإن أي إجراءات استثنائية لا يصح أن تتعدى دائرة المشتبه في ضلوعهم بالإرهاب إلى الذين يناهضونه.
ثم أن إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، التي أبطلها حكم نهائي من المحكمة الإدارية العليا، إلى لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بالمجلس النيابي في ذات يوم إعلان «الطوارئ» يثير تساؤلات ويذكي مخاوف استخدام «الطوارئ» لغير الحرب مع الإرهاب.
أي حرب تحتاج إلى شرعية أخلاقية تضفي على التضحيات معناها وعلى الدماء قداستها. باليقين فإن خلط الأوراق لمصلحة الإرهاب والإرهابيين.
حتى تلك الجماعات التي ترتكب أبشع الجرائم الإنسانية وأكثرها توحشاً، تحتاج ــ أحياناً ــ إلى ذرائع أخلاقية لتبرير عملياتها.
أرجو ألا ننسى أن الذين اغتالوا الرئيس الأسبق أنور السادات سوّغوا إقدامهم على مثل هذا العمل بتوقيع اتفاقية «كامب ديفيد» وما ترتب عليها من نتائج، كما قالوا في التحقيقات والمحاكمات. لم تكن تلك هي الحقيقة، فقد كانوا يكفرون المجتمع كله ويعملون على تقويض الدولة لبناء أخرى وفق ما يعتقدونه من أفكار وعقائد شاردة.
هل هناك أي حكمة في ضرب ثقة المجتمع في أسباب «الطوارئ»؟ لا يمكن الكلام بجدية عن بناء استراتيجية جديدة كفؤة وقادرة على حسم الحرب مع الإرهاب بمثل تلك التصرفات السلبية والتصريحات المتفلتة.
التفلت بذاته مؤشر على هشاشة الوضع العام وهو ما لا تحتمله مصر ولا تستحقه. الضيق بالحريات العامة يقوّض أي قدرة على صناعة التوافقات الضرورية، أن يحتمل الناس باقتناع ويضحون عن رضى.
وذلك يصب بدوره في طاحونة الإرهاب الذي يتطور نوعياً ويتمركز في الداخل المصري على نحو منذر، فلم يعهد المصريون الأعمال الانتحارية.
ما شخصية الانتحاري؟... ومن أين يأتي؟ هناك إجابات عدة، لكنها لا تستوفي الصورة الكاملة. هشاشة الوضع السياسي العام، أحد الممرات التي يعبرون خلالها إلى حيث يقتلون ويروعون. التفلتات التي تحرض على الحريات العامة وتنال من قيم العدالة على نحو لا يليق بأي دولة تحترم نفسها تحريض صريح على الإرهاب باسم الحرب عليه.
ثم إن الثغر الاجتماعية، وهذه أخطر وأفدح، توفر أحد ممرات العنف والإرهاب بضغط اليأس من الحياة نفسها، كأن قتل الأبرياء والضحايا جسر مرور من الأزمة إلى الانعتاق حسب وعود وتفسيرات ضالّة للدين الحنيف. الممرات الفكرية لعبور الانتحاريين هي الأكثر تأثيراً وتشويشاً في الوقت نفسه.
إذا لم يكن هناك التزام جدي بقواعد الدولة الدستورية، التي تفصل بين الديني المقدس والسياسي المتغير وتؤسس لدولة مدنية ديموقراطية حديثة، فإنه لا الإصلاح السياسي ممكن ولا العدل الاجتماعي متاح ولا تجديد الخطاب الديني وارد ولا أمل في كسب أي حرب مع الإرهاب.
خلف الأبواب المغلقة يتمركز الانتحاريون قبل أن يداهموا مجتمعهم بأصوات التفجيرات وأشلاء الضحايا.
من أين يأتي الانتحاريون؟
*من انكشاف المجتمع وهزال الأداء العام والاستهانة بالدستور والتحرش به والتحريض عليه.
من بين الممرات الماثلة، الوضع المشتعل في الإقليم وسيناريوات ما بعد الحرب على «داعش». وقد بدأت تتعالى مخاوف أن تشهد مصر ظاهرة «العائدون من سوريا»، مثلما شهدت في تسعينيات القرن الماضي ظاهرة «العائدون من أفغانستان».
إذا لم يكن المجتمع محصناً ومتماسكاً ولديه أمل في مستقبله، فإن الأمن وحده ليس بوسعه مواجهة تلك الظاهرة.
في تسويغ فرض «الطوارئ» تردد رسمي أن هناك دولاً إقليمية تمول وتسلح جماعات العنف والإرهاب من دون تقديم أي أدلة، أو اتخاذ أي مواقف. الإبهام لا يصلح للإقناع العام، أو بناء أي سياسات على قدر من الفاعلية. ومن بين الممرات التي يأتي منها هؤلاء الانتحاريون سيناء نفسها.
أحد تفسيرات إعادة تمركزهم في الداخل المصري محاولة الإفلات من تضييق الخناق عليهم في سيناء. هذا تفسير محتمل، وعليه شواهد، لكن الأيام المقبلة وحدها سوف تثبت مدى دقته.
هكذا تتعدد الممرات الخطرة التي يأتي عبرها الانتحاريون، والبيئة العامة مفتاح الموقف كله في الحرب الضارية مع الإرهاب.
عبدالله السناوي - كاتب وصحافي مصري
المزيد في هذا القسم:
- بريطانيا : خسارة المحافظين في انتخابات فرعية: جونسون يتلقّى الضربة الأولى ! المرصاد نت - متابعات مُني رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون بأول نكسة انتخابية أول من أمس مع هزيمة حزبه في انتخابات فرعية أدت إلى حصر غالبيته البرلما...
- اليونسكو يصوت على مشروع قرار تاريخي ينفي قدسية الحرم لليهود المرصاد نت - متابعات تصوت اليوم الثلاثاء لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) على مشروع قرار فلسطيني – أر...
- تقرير إسرائيلى: العرب يأكلون أنفسهم .. وعلينا فقط أن نتفرج المرصاد نت - متابعات لست خائفًا من مليارات العرب التى ينفقونها على شراء الأسلحة لكنى سأصاب بالرعب فى حال وقفوا طابورًا حين يركبون الحافلة. تلك عبارة لوزير ...
- بكين وموسكو : الاستراتيجية الأميركية إمبريالية ومن ذهنية الحرب الباردة المرصاد نت - متابعات وصفت «استراتيجية الأمن القومي» الأميركية الجديدة روسيا والصين بالـ«القوتين الغريمتين» لذا ندّدت كلّ من بكين وموسك...
- ضحايا في انفجار داخل مفاعل نووي شمال فرنسا المرصاد نت - متابعات أعلنت الشرطة الفرنسية اليوم الخميس سقوط عدد من الجرحى بسبب انفجار وقع في أحد المفاعلات النووية شمالي البلاد. وأوضحت سائل الاعلام الفرن...
- المصالحة الفلسطينية: سلاح حماس لن يُستخدم داخلياً المرصاد نت - متابعات تسير المصالحة بين حركتي «فتح» و«حماس» ببطء. لم ترفع الحكومة الفلسطينية التي عقدت أول اجتماع لها في غزة منذ ٢٠١٤ ا...
- اليونسكو: "القدس مدينة محتلة".. هل تغيّر في المعادلة شيء؟ المرصاد نت - متابعات دول ومنظمات تحمي وتضمن الحريات، وتكافح من أجل حقوق الإنسان ومجتمع دولي وضع السيف على رقاب كل من يعاند ويرفض تطبيق القرارات الدولية لا ...
- واشنطن بوست: السعودية من رعاية الارهاب الى رعاية المهرجانات الهزلية المرصاد نت - متابعات أعتبرت صحيفة واشنطن بوست الامريكية أن السعودية تعيش مرحلة الانتقال من رعاية الارهاب والتشدد الى رعاية الفنون والحفلات الموسيقية والمهرجان...
- مصر : سدّ النهضة إلى التدويل؟ المرصاد نت - متابعات أفشلت المماطلة الإثيوبية السودانية بشأن سدّ النهضة الجولة الأخيرة من المفاوضات في الوقت الذي تناقش فيه جهات مصرية عدة سيناريوات التصعيد ع...
- العدو يصعّد إجراءاته: كاميرات إلى جانب البوابات المرصاد نت - متابعات لا تريد إسرائيل أن تظهر بمظهر من تراجع لكن تصاعد الأحداث وتوالي العمليات (آخرها في مستوطنة قرب رام الله) يضيّقان هامش المناورة لديها. كذل...