الإندبندنت: ثُلث السكان يتضورون جوعًا.. الكارثة الإنسانية في اليمن مستمرة

المرصاد نت - متابعات

تقف الأم الشابة على الميزان في عيادة الطبيب. وحتى مع كل ملابسها السوداء لا تزن سوى 38 كجم فقط. ورغم أن اليمنية أم مزراح حامل إلا أنها تحرم نفسها من الطعام لإطعام Sana Homes2018.5.14أطفالها. وقد لا تكفي تضحيتها لإنقاذهم.

يعج مكتب الطبيب اليمني بعشرات الصور لأطفال يعتريهم الضعف والهزال الذين وفدوا عبر مستشفى الصدقة في عدن وهم ضحايا للعدوان والحرب مستمرة منذ ثلاث سنوات على اليمن تركت الملايين من الناس على حافة المجاعة وفق تقرير نشرته صحيفة «الإندبندنت» البريطانية.

وغالبًا ما تكون أمهات مثل أم مزراح هن جبهة الدفاع الوحيدة ضد الجوع الذي قتل الآلاف. لا يتناولون طعامًا قط وينامون هربًا من ألم الجوع في بطونهم. يخفون وجوهًا عظمية وأجسادًا هزيلة في عباءات عريضة سوداء وأغطية رؤوسهن.

يطلب الطبيب من الأم أن تعود إلى الميزان وهي تحمل ابنها، مزراح. لم يكن وزنه يتجاوز 5.8 كيلو جرام وعمره لم يتخط 17 شهرًا، حوالي نصف الوزن الطبيعي لعمره. تظهر على الطفل جميع علامات «سوء التغذية الحاد» وهي المرحلة الأكثر خطورة من الجوع. ساقاه وقدماه متورمتان لا يحصل على ما يكفي من البروتين.

بحسب تقرير الصحيفة البريطانية يعاني حوالي 2.9 مليون امرأة وطفل من سوء التغذية الحاد. ويصارع 400 طفل آخرين من أجل حياتهم وتتشابه حالتهم مع حالة الطفل مزراح. فحوالي ثلث سكان اليمن – 8.4 مليون من سكانها البالغ عددهم 29 مليون نسمة – يعتمدون كليًا على المعونة الغذائية وإلا فإنهم سيتضورون جوعًا. وقد ارتفع هذا الرقم بمقدار الربع خلال العام الماضي.

أشار التقرير إلى أن وكالات الإغاثة الإنسانية كانت قد حذرت من أن أجزاء من اليمن قد تبدأ قريبًا في رؤية الموت على نطاق واسع بسبب المجاعة. يعتمد عدد متزايد من الناس على المساعدات التي فشلت بالفعل في الوصول إلى الناس.

وقال التقرير إن رحى العدوان والحرب التي دخلت عامها الرابع تدور إلى ما لا نهاية بين القوات اليمنية المشتركة يسيطرون على شمال البلاد وتحالف العدوان السعودي الذي سعى - بدعم من الولايات المتحدة – إلى قصف اليمنيين من دون هوادة للاستسلام في حملة جوية لدعم حكومة هادي.

ونظرًا لأن السلطات غير قادرة على تعقب الحالات فإن هناك صعوبة في التعرف على عدد الوفيات. وقد قدرت منظمة أنقذوا الأطفال في أواخر العام الماضي أن 50 ألف طفل قد ماتوا في عام 2017 بسبب الجوع الشديد أو المرض. ونقل التقرير عن ستيفن أندرسون مدير برنامج الغذاء العالمي في اليمن، قوله: «لسوء الحظ، تعتبر اليمن الآن أكبر حالة طوارئ إنسانية في العالم». حوالي 18 مليون شخص لا يعرفون من أين تأتي وجبتهم القادمة.

حتى قبل العدوان و الحرب كانت أفقر دولة في العالم العربي تناضل من أجل إطعام نفسها. وهي بلد الصحارى والجبال حيث لا تزرع سوى 2 إلى 4% من الأرض لذلك يتعين على البلد استيراد جميع المواد الغذائية والإمدادات تقريبًا.

لقد حطم العدوان العسكري كل ما أبقى اليمن فوق مستوى المجاعة. قامت طائرات التحالف بتفجير المستشفيات والمدارس والمزارع والمصانع والجسور والطرق. كما فرض التحالف حظرًا بريًا وبحريًا وجويًا على المناطق التي يسيطر عليها الجيش اليمني واللجان الشعبية بما في ذلك ميناء الحديدة المطل على البحر الأحمر الذي كان في يوم من الأيام نقطة دخول 70% من واردات اليمن. ويسمح الآن لعدد أقل بكثير من السفن بالمرور حيث يسمح فقط للسفن التجارية المعتمدة من الأمم المتحدة والسفن التي تنقل المعونات بالمرور ولكن بوتيرة بطيئة.

ووفق ما رصده التقرير فإن الأغذية تتوافر في العديد من الأماكن في الأسواق ولكن الناس لا يستطيعون تحمل تكاليفها لأن الرواتب متوقفه ويصعب العثور على العمل ناهيك عن انهيار قيمة العملة اليمنية.

فبالنسبة لأم مزراح وزوجها اللذين لديهما ثلاث بنات شابات بالإضافة إلى مزراح فإنهم عادة ما يأكلون وجبة واحدة في اليوم وغالبًا ما تكون هذه الوجبة مجرد خبز وشاي. عندما يخبرها الطبيب في عدن أن سوء التغذية لديها يمكن أن يكون قاتلًا ترتجف. يشعر كلا الأبوين بالعجز. وتظهر حروق السجائر على بطن الطفل. ومع شعورهم باليأس فقد تحولت الأم اليمنية وزوجها إلى علاج شعبي يمني يدعى «ميسم»- باستخدام الحروق لطرد الأرواح الشريرة. ونقل التقرير عن أم مزراح قولها عنه: «لا أعرف ما هو الصواب. كان مرحًا عندما كانت حالته جيدة ثم بدأ يمرض وتوقف عن الرضاعة الطبيعية واللعب».

عبر جنوب البلاد حيث تسيطر حكومة هادي المدعومة من التحالف على المنطقة فإن العديد من المناطق هي الأكثر عرضة لخطر المجاعة الشاملة بحسب ما حذرت الأمم المتحدة.

التقرير رصد مشهدًا آخر للأيام الأخيرة من حياة الطفل اليمني فضل البالغ من العمر ثمانية أشهر. كان فضل يعاني من الجفاف الشديد. بطنه منتفخ. يمكنك بسهولة عد 12 صفًا من الأضلاع البارزة على صدره. أبواه اليائسان يلصقان رأسه بالحناء السوداء وهي صبغة تستخدم كعلاج شعبي.

ولد فضل في البرية. كانت والدته فاطمة حلبي حاملًا في شهرها الثامن عندما فرت هي والآلاف من الأشخاص من المنطقة المحيطة بحي الموازنة حيث كانت القوات الحكومية تنحدر من الحوثيين. انفصلت عن زوجها وقادت أطفالها الأربعة والماعز عبر الوادي العظيم والسهل القاحل الذي يمتد من الجبال نحو مدينة موكا على البحر الأحمر.

وقد شهد المستشفى 600 حالة سوء تغذية على مدى الأشهر العشرة الماضية، لكنه يعاني نقصًا في الإمدادات حتى إنه لا يوجد لدى المستشفى مسكنات ألم للصداع، كما يقول أحد الأطباء. لا يوجد بالمستشفى كذلك مركز تغذية علاجية. ولم يتم تدريب أي من الأطباء على علاج سوء التغذية. وقد نزح إلى منطقة موكا حوالي 400 ألف شخص.

وإذا ترك دون علاج فإن سوء التغذية المطول يسبب فقدان الجسم لمخزونه من الكربوهيدرات والدهون والبروتينات. يبدأ الجسم في التغذي على نفسه. يناضل الدماغ للعثور على الطاقة، وينكمش القلب ويتصدع الجلد مما يعرض الجسم للعدوى. تتوقف الكلية والكبد عن العمل بشكل صحيح، لذلك تتراكم السموم داخل الجسم مما يؤدي إلى حلقة مفرغة من المرض.

وكانت آخر زيارة قام بها فضل إلى المستشفى في 29 نوفمبر (تشرين الثاني). في عمر ثمانية أشهر كان وزنه 2.9 كيلوجرام وهو ثلث الوزن الطبيعي. غير قادرين على دفع تكلفة الإقامة في المستشفى فقد اصطحب والدا فضل ابنهم المريض إلى المنزل حيث لفظ أنفاسه الأخيرة هناك. وحتى في أجزاء من اليمن يستمر الجوع – أو يزداد سوءًا.

في أواخر فبراير (شباط)، قامت الأمهات اللواتي يحملن أطفالهن بالتوجه إلى مركز التغذية في المستشفى الرئيسي في الخوخة وهي بلدة صغيرة على البحر الأحمر وتوقعن الحصول على مخصصات شهرية من حليب الأطفال ومواد المغذيات إلا أنهم غادرن من دون الحصول على أي معونات وقال التقرير إن الإمدادات قد نفدت من المركز منذ أسابيع.

يقول عبد الله دوبالا رئيس قسم صحة الخوخة «ليس لدينا تطعيمات. هناك نقص في الأدوية. لقد توقفت المساعدات. ويتزايد العبء مع تدفق العائلات الفارين من القتال في أي مكان آخر إلى الخوخة». يقدر الأطباء أن 40% من الأطفال في المدينة يعانون من سوء التغذية. أطفال حفاة يملؤون ممرات المركز ويظهر الهزال على وجوه العديد منهم، وبعضهم مصاب بالملاريا أو الكوليرا. البعض بالكاد يقف.

وبحسب التقرير فإن المعاناة في اليمن لا تقتصر على أولئك الذين طردوا من منازلهم. معزولين في وادي جبلي يعاني 450 من سكان قرية القبلي من أوضاع مزرية. يركض الأولاد والبنات وهم حفاة في المسارات الترابية ويعانون من التقزم معظم الرجال هنا جنود، لم يتلقوا رواتبهم منذ شهور أو عمال المزارع الذين لم يعد بإمكانهم العثور على عمل.

وتذهب أي أموال في حوزتهم في مقابل البحث عن الطعام. يقع أقرب سوق على بعد ثمانية أميال مما يعني دفع أسعار مرتفعة للبنزين فوق تكلفة الطعام نفسه والتي تضاعفت خلال العام الماضي.

تجلس شيرين على أرضية منزلها وتغذي طفليها بقطع من الخبز مغموسة في صلصة من الطماطم والثوم. لقد تم تشخيص ابنتها أمل البالغة من العمر سنة واحدة بسوء التغذية الحاد ولم تعد قادرة على الوقوف. تعيش العائلة بشكل كبير على الخبز والشاي. وزوجها من بين صفوف الجنود الذين لا يتقاضون مرتباتهم. ولا يزال والده وهو جندي متقاعد يحصل على معاش هزيل ولكنه يستخدم ذلك لمساعدة جميع أبنائه وأحفاده، وهي أسرة مكونة من 16 فردًا.

لم تصل المعونة إلى القبلي منذ عام 2016 وفقًا لمتطوع الإغاثة رشيد الخشبي. توجد أربع عائلات فقط في المنطقة ضمن قوائم برنامج الأغذية العالمي للحصول على المعونة الغذائية. وفي المدينة الرئيسية في المنطقة، الملاح، لا يمكن رؤية الأطباء في أي مكان بالمستشفى. لا أحد يدفع لهم لذا لا يظهر الكثير من الموظفين في كثير من الأحيان.

 

المزيد في هذا القسم: