الدعوات الأمريكية لوقف الحرب ملغومة وتشعل الجبهات ولا تطفئها !

المرصاد نت - متابعات

انطلقت عجلة الدعوات إلى وقف الحرب على اليمن أمريكياً. من واشنطن تحددت ساعة انطلاقها عام 2015 ومن واشنطن أيضاً تُرسَم معالم نهايتها أقله كما يُروّج إعلامياً وعلى لسان أعلى M yemeneالمستويات السياسية والعسكرية في الإدارة الأمريكية. وبغض النظر عن جدية تلك الدعوات من عدمها لكنّ اللافت فيها هو السيطرة الأمريكية الواضحة على قرار الحرب في اليمن بحيث أن التصريحات لا سيما من قبل وزيري الدفاع والخارجية جايمس ماتيس ومارك بومبيو جميعها تشي بأن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من يملك قرار إيقاف الحرب أو الاستمرار بها مهمّشةً بذلك دور حلفائها لا سيما النظام السعودي والإماراتي ودور الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن مارتن جريفيث بحملها لغة أمرٍ وإلزامٍ بالتنفيذ في تصريحات مسؤوليها.

تقترب الحرب على اليمن من نهاية عامها الرابع ودخولها عامها الخامس ولا يزال تحالف العدوان الذي تقوده الرياض يفتقد الى الحسمين العسكري والسياسي. وتأتي الدعوات الأمريكية إلى وقف الحرب كحلقةٍ متسلسة في هذا السياق فافتقار تحالف العدوان لعنصر الحسم والذي كان هدفاً أساسياً مع بدء العدوان نتج عنه يأسٌ غربي من إمكانية تحقيق أي تقدمٍ ميداني أو سياسي ليصبح بذلك «الحل العسكري» الذي راهنت عليه وغطته معظم الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا خلال السنوات الماضية «غير ذي جدوى ولن يؤدي الى أي مكان» كما أعلنت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي الثلاثاء الماضي مؤكدةً أن بلادها تقوم «بمساعي مع الولايات المتحدة لهذا الغرض».

تتسلح أمريكا والدول الأوروبية بـ«ضرروة معالجة الوضع الإنساني في اليمن» للترويج لدعواتها إلى وقف الحرب في اليمن. هي الدول ذاتها التي لم توقف صفقات بيع الأسلحة لدول العدوان برغم التقارير الحقوقية الموثقة ومن منظمات أممية مختلفة والتي أكدت أن تلك الأسلحة تستخدم في قصف الشعب اليمني وفي ضرب المنشآت الاقتصادية والمدنية اليمنية والبنى التحتية بشكلٍ يومي ما يوضح أن «صحوة الضمير» الغربية ليست بالفعل كذلك بل تقرأ  بأسلوبٍ آخر إذا ما تمّ تجريدها من «الأقنعة الإنسانية».

تشي التطورات السياسية في الملف اليمني من وجهة نظرٍ غربية أن المُهل التي أعطيت لقوى تحالف العدوان قد انتهت والفرص لم تُستثمر ميدانياً كما يجب من قبل قوي تحالف العدوان والوقت ليس في صالح الأخير على وقع المتغيرات السياسية والعسكرية في المنطقة.

الى جانبِ ذلك فإن محاولات الرياض وأبوظبي المتكررة لجرّ الولايات المتحدة الى تدخلٍ عسكريٍ مباشرٍ وعلني في اليمن لا سيما مAlhodidah2018.Ye.6.22عارك الساحل الغربي تلقفتها الإدارة الأمريكية على أنها مؤشر خطير يثبت أولاً عجز تحالف العدوان عن الحسم وحده برغم الدعم اللوجستي والعسكري غير المحدود الذي يتلقاه من قبل واشنطن وهو ما تطال تبعاته الساحة الإقليمية بأكملها. وثانياً يشير إلى أن واشنطن ممكن أن تنزلق إلى مستنقعٍ خطيرٍ في حال استمرار الحرب إذا ما اضطرت الى إشراك قوات أمريكية على الأرض فيما لا تزال «تجربة العراق» وما رافقها من إخفاقات ماثلةً أمامها.

في المقابل وعلى الرغم من اختلاف الدعوات الأمريكية عن سابقاتها من حيث الشكل وما يرافقها من أحداثٍ سياسية ييقى جانب المناورة الأمريكي حاضراً. يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استغلال الدعوات لـ«ضرورة إيقاف الحرب» في الانتخابات النصفية المقبلة للكونجرس الأمريكي لا سيما مع ربطه رغبة إدارته في إيقاف الحرب بأن «الشعب الأمريكي بات على علمٍ بمجريات الأحداث في اليمن» وهو بذلك يعطي الناخب الأمريكي تصوراً أنه يشارك في صنع القرار، ليستميله إلى صالح حزبه «الجمهوري»، بعد الضجة التي أحدثتها مقتل جنود أمريكيين في عمليات «كومندوس» داخل اليمن.

إلى جانبِ ذلك فإن ترامب وبدعواته إلى وقف الحرب يقطع الطريق على منافسيه في «الحزب الديمقراطي» باستباقه أي نتيجة للإنتخابات سواء أكانت سلبية أو إيجابية في ظل ما تتعرّض له إدارته من ضغوط على خلفية «قضية الصحافي جمال خاشقجي» ودعمها لولي العهد السعودي محمد بن سلمان فيمكن الهروب منها من وجهة نظر ترامب «بمبادرة إنسانية في اليمن تقيّد السعودية».

في الميدان اليمني تبقى فرضية «المناورة» من قبل الجانب الأمريكي مطروحة أيضاً فالدعوات إلى وقف الحرب ممكن أن تكون تغطية سياسية لمحاولاتٍ أخيرة من قبل تحالف العدوان هدفها إحداث خرقٍ ميداني لصالحه يحمله إلى طاولة المفاوضات المفترضة. وقد عبّر رئيس الوفد الوطني محمد عبد السلام عن ذلك يوم الخميس الماضي بعد كشفه عن وجود «حشودٍ عسكرية لقوى التحالف والمتعاونين معها على جبهة الساحل الغربي بالتوازي مع الدعوات الأمريكية لوقف إطلاق النار» داعياً «أمريكا الى دعوة نفسها لوقف إطلاق النار» حسب تعبيره وهو ما أعلنته وسائل إعلامية سعودية صباح الجمعة بتأكيدها «بدء التحالف عملية عسكرية وحدوث اشتباكات عنيفة شرق مدينة الحديدة».

وبعد ساعات من إطلاقها أخذت الدعوات الأمريكية بشأن إيقاف الحرب في اليمن خلال 30 يوماً ومن ثم الذهاب نحو المفاوضات السياسية مساراً وبعداً آخرين من حيث المضمون ومن حيث التوقيت من جهة ومن حيث ردود الفعل التي تلت هذه الدعوات من جهة أخرى وعلى رأس ردود الفعل؛ التصعيد العسكري من قبل تحالف العدوان في الساحل الغربي والذي تنبأت به صنعاء مبكراً.

فمن حيث الترتيب لجولة مفاوضات خلال 30 يوماً ومن حيث المضمون الذي تضمنته الدعوات الأمريكية وعلاقة تلك الدعوات بجهود المبعوث الأممي مارتن جريفيث كشفت مصادر من مكتب المبعوث الأممي عن أن «الدعوات الأمريكية ليس لها علاقة بالترتيبات التي يقوم بها المبعوث وأن ما تضمنته الدعوات الأمريكية من مقترحات للحلول ومن بينها مسالة الحكم الذاتي تعرقل جهود المبعوث وتعقد من تقارب أطراف الأزمة اليمنية».

وأكدت المصادر على أن «المبعوث الأممي يحضّر لجولة مفاوضات خلال شهر ستتضمن ملف المعتقلين والبنك المركزي ومطار صنعاء الدولي وكلام المبعوث واضح تماماً بهذا الشأن فإين هو كلام الأمريكيين من حديث المبعوث هذا حتى نقول إن ما يدعون إليه وما يقوم به المبعوث الأممي واحد؟». وبشأن ترتيبات وملفات المبعوث الأممي أكدت المصادر على أن «خطوات إيجابية وجادة قطعها الرجل خلال الجولة الأخيرة التي قام بها إلى المنطقة والتقى فيها أطراف يمنية وإقليمية خصوصاً في ما يتعلق بملف المعتقلين وإنه حصل على موافقة وتجاوب من قبل صنعاء في مسألة الإفراج عن المعتقلين الذين لديها وعلى أن يقابل تلك الخطوة خطوة مماثلة من قبل الطرف الآخر».

وطبقا للمصادر فإن المبعوث الأممي وفي ترحيبه بالدعوات الأمريكية بشأن إيقاف الحرب كان «قاصداً في تناوله لنقاط المفاوضات القادمة وأراد توجيه رسائل بطريقة غير مباشرة» مفادها أن «ما تطرحه وتقترحه الدعوات الأمريكية من حلول ومن حكم ذاتي ليس لها علاقة بجولة المفاوضات القادمة التي يجري الترتيب لها والهدف منها أولاً بناء جسور ثقة بين الأطراف اليمنية».
وحثّ المبعوث الأممي في سياق ترحيبه بالدعوات الأخيرة للاستئناف الفوري للعملية السياسية «جميع الأطراف المعنية على اغتنام هذه الفرصة للإنخراط بشكل بنّاء مع جهودنا الحالية لاستئناف المشاورات السياسية على وجه السرعة من أجل التوصّل لإتفاق على إطار للمفاوضات السياسية وعلى تدابير لبناء الثقة والتي تتضمّن على وجه الخصوص: تعزيز قدرات البنك المركزي اليمني، وتبادل الأسرى وإعادة فتح مطار صنعاء» لافتاً إلى «الالتزام بجمع الأطراف اليمنية حول طاولة المفاوضات في غضون شهر كون الحوار هو الطريق الوحيد للوصول إلى اتفاق شامل».

وبحسب مصادر مطلعة في لندن فإن «تضمين الدعوات الأمريكية مقترحات حلول بما فيها مقترح الحكم الذاتي والتي تحدث عنها وزير الدفاع الأمريكي الهدف من ورائها تلغيم المحادثات القادمة، حيث وأن هذا المقترح وفي حال طرح فإنه سيقابل بالرفض بلا شك من قبل كل الأطراف». ولفتت المصادر إلى أن «المبعوث الأممي يحصل على دعم بريطاني بدرجة رئيسية وذلك نحو إنجاح مهامه إلا أنه يصطدم بتحركات أمريكية معرقلة له نوعاً ما حيث وان الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل مع الحرب في اليمن من منظور آخر ومن أبعاد تتعلق بمصالحها أولاً ويبدو أن استثمار الولايات المتحدة الأمريكية للحرب في اليمن باتت واضحة وبشكل كبير» ولهذا فأن كل موقف أو تطور في الموقف الأمGraiffiths2018.11.4ريكي في إطار الحرب والسلام في اليمن «لا ينسجم كاملاً مع موقف الدول العظمى والدول الراعية للسلام».

لكن وطبقاً للمصادر فإنه «لا يعني أن أمريكا لا تريد إيقاف الحرب والتوصّل إلى حل بل لا تريد الحل للازمة بشكل نهائي وشامل وانما بشكل جزئي». أما من حيث التوقيت فيبدو أن هناك إجماع على أن قضية خاشقجي جعلت السعودية والإمارات في موقع المستسلم ويسعي الأمريكان إلى استغلال هذه التصريحات داخلياً في الإنتخابات القادمة.

وأما بشأن ردود الفعل التي عبر عنها تحالف العدوان باستئناف العمليات العسكرية في الساحل الغربي وإطلاقه العشرات من الغارات الجوية على العاصمة صنعاء فهي وبغض النظر عن طبيعة التنسيق مع الأمريكيين تؤكد أن تحالف العدوان السعودي هو من يعرقل السلام ويعرقل الذهاب نحو المفاوضات. هذه المرة وبشكل واضح ظهر أنه المعرقل وذلك باستئنافه للعمل العسكري دون أي مقدمات بعكس المرة السابقة التي تزامنت مع الجولة التي كان من المفترض أن تنعقد في جنيف في السادس من سبتمبر الماضي.

وبحسب مراقبين فإن الإمارات تريد قبل أي مشاورات أو مفاوضات أن «تضمن بقاء الحديدة تحت سيطرة حليفهم العسكري الذي يتم الدفع به ويتمثل بطارق صالح ومن جهة يكونوا ضمنوا بقاء تلك المناطق الحيوية تحت سيطرتهم ومن جهة ثانية سيستطيعون المقايضة بنصيب صالح في المفاوضات القادمة». وطبقاً لمراقبين سياسيين فإن «أبوظبي والرياض ومن خلال استئناف العمليات العسكرية في الساحل الغربي وخصوصاً مع كل دعوة جديدة نحو الحوار وإيقاف العدوان والحرب تثبتان أن الهدف الرئيسي لحربهما على اليمن هو الدفع باليمنيين واليمن نحو الفوضى والتمزق والتقسيم وربما يتفق الأمريكيون معهما بهذه الرؤية أي أن يتحوّل اليمن إلى كانتونات».

ومع إعلان وزير الخارجية الأمريكي أخيراً ضرورة «وقف التحالف للغارات الجوية مقابل وقف صنعاء لإطلاق الصواريخ وغارات الطائرات المسيرة» تعود واشنطن إلى المربع الذي انطلقت منه «حكومة الإنقاذ» سابقاً للبدء بالمفاوضات إلا أن الأخيرة تنظر بعين الريبة للدعوات الأمريكية بانتظار أي خطواتٍ سياسية وعسكرية ملموسة يمكن البناء عليها وذلك بعد تجارب سابقة لعبت فيها واشنطن دور المعرقل برغم دعواتها العلنية للحل.

وفي الوقت ذاته يأتي ترحيب حكومة هادي بالدعوات الأمريكية كـ«تحصيلٍ حاصلٍ» بعد فقدانها لعوامل التأثير في مجريات الحرب لصالح تحالف العدوان ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية. في حين تنظر باقي «فصائل الحراك الجنوبي» بالارتياح لتلك الدعوات كونها تتماشى مع مطلبها الأساسي منذ بدء العدوان والحرب بغض النظر عن الانقسامات الحادة التي تعصف بها.

المزيد في هذا القسم: