كيف أثر التوتر في الخليج على التدخل السعودي الإماراتي في اليمن؟

المرصاد نت - متابعات

ألقى التوتر في مياه الخليج بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بظلاله على الأزمة اليمنية وطبيعة تدخل التحالف السعودي الإماراتي فيها وبدت مؤشرات ذلك في تصريحات وتحركات Alsoudan2019.7لمسؤولين من الدولتين خلال الأيام القليلة الماضية تلمح جميعها إلى إمكانية قبول حكام الدولتين بالحل السلمي في اليمن والتحاور مع سلطة صنعاء  لا تبدو مثل هكذا تحولات سلبية بشأن إدارة التحالف للأزمة اليمنية بالأمر الملفت بل فقد كان مآل الأزمة متوقعا منذ وقت مبكر بالنظر إلى أجندة السعودية والإمارات في اليمن والتي بدت ملامحها بالبروز منذ الأشهر الأولى لعملية ماتسمي ب "عاصفة الحزم" العسكرية وتحرير بعض المدن اليمنية تتمثل هذه الأجندة في سعي الدولتين إلى تمزيق وإنهاك اليمن والقضاء على كل معالم "الدولة" و"الشعب" من خلال تشكيل مليشيات مسلحة بدائية تحمل ثقافة "ما قبل الدولة" وتزيد من حدة الخلافات بين أبناء المجتمع وتفكيكه إلى مكونات قبلية ومناطقية ومذهبية وعائلية متناحرة.

 انتهى زمن التصريحات العنترية لقادة السعودية والإمارات منذ بدء ماتسمي ب "عاصفة الحزم" بشكل مفاجئ منذ أول لحظة للتصعيد الأمريكي-الإيراني في مياه الخليج خاصة بعد تهديد إيران بأن مضيق هرمز لن يكون آمنا لعبور ناقلات النفط والتهديد بإغلاقه ثم تعرض بعض ناقلات النفط لـ"أعمال تخريبية" بالقرب من مضيق هرمز، وأخيرا أزمة احتجاز ناقلات النفط المتبادل بين إيران وبريطانيا، فضلا عن استمرار القوات اليمنية في قصف منشآت مدنية سعودية بواسطة طائرات مسيرة وصواريخ يمانية والتهديد بأن المدن الإماراتية لن تكون بمنأى عن القصف.

 وأمام هكذا تطورات وجدت السعودية والإمارات نفسيهما أمام تحديات كبيرة لا تقويان على مجابهتها فبرغم تحالفهما مع الغرب وامتلاكهما أسلحة حديثة ومتطورة إلا أن الافتقاد للخبرة العسكرية والاقتصاد الريعي الهش القائم على صادرات النفط فضلا عن فشلهما العسكري في اليمن كل ذلك جعل الدولتين تفضلان الميل للتهدئة وهي تهدئة -إذا تمت- ستكون مقابل تنازلات تقدمها الدولتان في اليمن وغيرها وهو ما يعني الهزيمة أمام إيران وحلفاءها في المنطقة.

 وبما أن تعقيدات الصراع في اليمن وتعقيدات أزمة إيران مع الخليج والمجتمع الدولي متشابكة في أكثر من ملف فإن ذلك جعل الصفقات والعروض السخية تتم من وراء ستار وبتكتم شديد قبل أن ينكشف ذلك على الملأ ولعل أبرز نموذج في هذا السياق الانسحاب الإماراتي المفاجئ من بعض جبهات الحرب في اليمن.

 ورغم أن الإمارات وصفت ذلك فيما بعد بأنه "إعادة انتشار" وأنها ستظل باقية في اليمن إلا أن مستشار وزير الدفاع الإيراني كان أكثر صراحة عندما فضح خفايا الانسحاب الإماراتي من بعض الجبهات عندما قال: ‫"الإمارات أوفدت إلينا أشخاصا يتحدثون عن السلام وهذا سببه فشلهم الذريع إقليمياً" لكنه لم يفصح عن مزيد من المعلومات ومن المؤكد أن التصرف الإماراتي كان دافعه المخاوف الكبيرة من تبعات أي مواجهة عسكرية في منطقة الخليج بين إيران والولايات المتحدة والخشية من تعرض مدنها الهشه لهجمات تنسف مبانيها الزجاجية وتأثير ذلك على اقتصادها ومن هنا كان البحث عن "سلام خفي" مع إيران بعيداً عن أعين السعودية وهذا السلام يقتضي تنازلات ميدانية ولو من طرف واحد.

 من جانبه كشف نائب الأمين العام لحزب الله اللبناني نعيم قاسم عن وجود قنوات تواصل سرية بين جماعة الحوثي والنظام الإماراتي لبحث مسألة الانسحاب من اليمن. وقال قاسم خلال لقاء مع قناة الميادين اللبنانية الأربعاء الماضي إن "هناك لقاءات تحصل بين مسؤولين إماراتيين وآخرين من الحوثيين لتنظيم خطوات لاحقة للانسحاب من اليمن".

 أما الناطق الرسمي باسم الحوثيين محمد عبد السلام فقد قال إن استهداف جماعته للمطارات في السعودية أحد أسباب انسحاب القوات الإماراتية من اليمن. وأكد عبد السلام في حوار مع تلفزيون "روسيا اليوم" الأربعاء الماضي الأستمرار في استهداف المنشآت الحيوية في السعودية وكذلك العمق الإماراتي ما لم يتوقف "العدوان". وتابع قائلا: "بالفعل هناك تراجع للقوات الإماراتية نحن نشجع الخطاب الإماراتي مؤخراً .. توقفنا عن استهداف الإمارات منذ اتفاق السويد بعد توقفها عن التصعيد في الساحل الغربي".

 لم يكن البحث عن سلام مع صنعاء رغبة إماراتية فقط ولكنه أيضا رغبة سعودية ويتضح ذلك من خلال تصريح المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة عبد الله المعلمي قبل أسبوع الذي أكد أن بلاده لا تريد حربا مع إيران وأن الوقت حان لأن تضع الحرب في اليمن أوزارها . وأفاد السفير السعودي في تصريحاته التي أدلى بها للصحفيين بمقر الأمم المتحدة بنيويورك بأن "السعودية لا تريد حربا مع إيران سواء في اليمن أو في أي مكان آخر". وكشف أن "هناك اتصالات جرت مع طهران من خلال مؤتمر القمة الإسلامية الذي عقد في مكة المكرمة" مطلع يونيو الماضي دون مزيد من التوضيح. وقال المعلمي إن بلاده على استعداد للدبلوماسية في التعامل مع إيران مستدركاً بالقول: "لكن ذلك يحتاج إلى أرضية مشتركة".

 تبدو اليوم السعودية و الإمارات في موقف ضعف أمام قوة إيران وحلفاؤها في المنطقة بعد خمس سنوات من العدوان والحرب والتدخل العسكري في اليمن بذرايع كاذبه غير أن مآلات خمس سنوات من العدوان و الحرب كانت عكس ما أعلن عنه تماما فلا ذريعة الانقلاب تم القضاء عليه ولا ذريعة عودة سلطة هادي عادت بل فقد تم منعها من العودة للبلاد ويبدو أن إيران هي من ستقطع يد السعودية والإمارات من اليمن ما لم تحدث مراجعات في سياسات الدولتين تفرض عكس ذلك.Ben zaid2019.7.27

 تدخلت السعودية والإمارات في اليمن وهما مثقلتان بأهداف خفيه وتنفيذ سياسة البيت الأبيض وتل أبيب بالأضافة إلى هواجس ومخاوف ما بعد ثورات الربيع العربي مما أثر كثيرا على مسار الأزمة وطريقة إدارتها بينما التدخل الإيراني في اليمن ومختلف بلدان المشرق العربي يأتي بدوافع توسعية بهدف استعادة الإمبراطورية الفارسية في مناطق رخوة وبدافع ثأر تاريخي من العرب الذين دمروا الإمبراطورية الفارسية أثناء حركة الفتوحات الإسلامية.

 وهنا يتضح الفرق بين حكام يفكرون بعقلية إمبراطورية وآخرين يفكرون بعقلية بدوي الصحراء الذي يهمه حماية مصالح أسياده الغربيين ولا يعرف كيف يحققها أو يحافظ عليها وهو ما يتضح من خلال ممارسات السعودية والإمارات في اليمن حيث يتم إفراغها من قوتها الذاتية وتفتيتها بما قد يؤدي إلى تسليمها لإيران على طبق من ذهب ..

ما دلالات سحب السودان بعض قواته من اليمن؟
بعد أيام قليلة من سحب الإمارات جزءا من قواتها المشاركة ضمن عمليات التحالف السعودي باليمن؛ سحبت السودان أيضا بعض قواتها من أربع مناطق في الساحل الغربي على البحر الأحمر وحلت مكانها ألوية عسكرية تابعة للقوات التي تدعمها الإمارات. وبحسب إفادة مصدر مسؤول في وزارة الدفاع التابعه لحكومة هادي فإن هذه الخطوات تحدث دون أي تنسيق رسمي مع سلطة هادي وهو الأمر ذاته الذي حدث عند تقليص الإمارات قواتها في المنطقة خلال الأيام الماضية.

 وتتزامن هذه الانسحابات المتتالية للقوات الإماراتية والسودانية مع وصول وانتشار قوات سعودية لليمن وأحاديث وتصريحات متفرقة تتحدث عن فتح الإمارات قنوات تواصل مع إيران والحوثيين أيضا وهو الأمر الذي يثير التساؤلات عن الدلالات الفعلية التي تقف خلف كل هذه التطورات وما إن كان الانسحاب ممهدا لاتفاق سياسي وشيك بعد خمس سنوات من الحرب.

 ويرى الخبير العسكري اليمني علي الذهب أنه ووفقا لهذه المستجدات وانسحاب القوات السودانية؛ تكون معركة الحديدة والعمليات العسكرية فيها التي كانت تسعى للتغلب بالقوة على القوات اليمنية المشتركة قد انتهت وتراجع التحالف كليًّا عن خيار الحسم العسكري وذلك نتيجة الضغوط الدولية التي تواجهه خاصة الضغط البريطاني على الإمارات. ووفقا لحديث الخبير العسكري فإن انسحاب القوات الإماراتية والقوات السودانية بعدها بأيام من الساحل الغربي يمثل في الواقع جزءا من التنفيذ العملي وغير المباشر للانسحاب الذي نص عليه اتفاق ستوكهولم الخاص بالحديدة، ووقف عمليات إطلاق النار.

 وحول إن كانت هذه التطورات تمهد للذهاب نحو حل سياسي شامل أوضح الذهب أن الترتيبات الأخيرة التي تمثلت في دخول قوات سعودية خلال الأيام القليلة الماضية وانتشارها في مدينتي عدن وأبين ومناطق أخرى؛ تؤكد بالفعل أن هناك محاولات جدية تبذل أولا من أجل الاقتراب من الحل السياسي وثانياً لمنع أي انزلاقات نحو أزمة عسكرية خشنة بين سلطة هادي والتشكيلات العسكرية التي شكلتها الإمارات جنوب البلاد.

 وبحسب الذهب فإن خطوة انسحاب القوات السودانية تمثل استكمالا لعملية انسحاب القوات الإماراتية من الساحل الغربي التي لا يستبعد أنها جاءت نتيجة تفاهمات بين إيران والإمارات والحوثيين من أجل الضغط على السعودية. وطبقاً للذهب فإن أبرز ما يمكن قوله إزاء كل هذا التخبط إن التحالف السعودي الإماراتي خدع اليمنيين واستنزف قدراتهم البشرية من الشباب في معارك شتتت قواتهم وقسمت البلاد وكانت غاية الإمارات تحديداً احتلال جنوب اليمن من خلال وضعها للمجلس الانتقالي الجنوبي في الواجهة وهي الآن لا تزال باقية في الجنوب ولم تنسحب وتتقاسم النفوذ مع السعودية أيضاً.

في المقابل يرى المحلل السياسي ياسين التميمي أنه من السابق لأوانه ربط انسحاب القوات السودانية بأي تحركات سياسية مؤثرة باتجاه إحلال السلام وانتهاء الحرب باليمن في المدى المنظور. ووفقا للتميمي فإن القوات السودانية رغم أنها تعد جزءا من التزام السودان تجاه اليمن كما صرح بذلك الرئيس السوداني السابق عمر البشير فإنها تظل ملحقة بالتحالف السعودي الإماراتي ولا تمتلك إمكانية الاستمرار في المشاركة من دون دعم يغطي كلفة مشاركتها من ناحية الإمداد والتموين.

 ويمثل انسحاب القوات السودانية أحد التداعيات المتوقعة المرتبطة بالانسحاب الإماراتي من المنطقة ذاتها خاصة إذا تم النظر بأن مهمة القوات السودانية كانت في معظمها لوجستية ومرتبطة بالعمليات العسكرية للقوات الإماراتية. وبذلك فإنه من الواضح أن انسحاب السودان يظهر الأثر الميداني المباشر للتحركات العسكرية الإماراتية في جبهة الساحل الغربي والتي ترتكز حالياً على خليط من القوات التي أنشأتها الإمارات ووصفها فريق خبراء مجلس الأمن بأنها قوات محلية تقاتل بالوكالة.

 ويخلص التميمي إلى أن تراجع الدور العسكري للإمارات في اليمن له علاقة بالتحديات المحدقة بها والتي دفعتها للتحرك باتجاه تقليص مشاركتها ضمن صفقة مع إيران اقتضت تنسيقًا ميدانيا مع الحوثيين كما كشفت عن ذلك قيادات بارزة في حزب الله اللبناني ومصادر إيرانية أيضاً مؤخراً.

المزيد في هذا القسم: