هدوء حذر في عدن : أبعد من الانتقام .. مخطَّط انقلاب مبيَّت!

المرصاد نت - متابعات

تشهد مدينة عدن هدوءاً حذراً بعد صدور بيان للتحالف السعودي الإماراتي وصف خلاله الأحداث في المدينة بـ"التطورات الخطيرة" معلناً "الرفض القاطع" للتصعيد وذلك بعد أن Ademnnnanag2019.8.8كانت المدينة ساحة لاشتباكات متقطعة أمس الأربعاء. وكان المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات قد نفذ أمس محاولة انقلابية جديدة على حكومة هادي متخذاً من الهجوم على معسكر الجلاء والذي أدى إلى سقوط قتلى ذريعة لإطلاق "هبة شعبية" لإٍسقاط الحكومة.

وأفاد سكان اليوم الخميس بأن المدينة تعيش هدوءاً حذراً مع استمرار الانتشار العسكري بالقرب من المناطق التي شهدت توتراً بين قوات "الحماية الرئاسية" الموالية للحكومة من جهة و"الحزام الأمني" المدعوم إماراتياً وغيره من التشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة أخرى. ويأتي الهدوء، في أعقاب صدور بيان رسمي لمتحدث التحالف السعودي الإماراتي العقيد تركي المالكي أعلن فيه "الرفض القاطع" لما وصفه بـ"التطورات الخطيرة في عدن"وقال إن قيادة التحالف "لن تقبل بأي عبث بمصالح الشعب اليمني".

كان التوتر بلغ أوجه عصر أمس الأربعاء عندما أعلن نائب رئيس ما يسمى بالمجلس الانتقالي الجنوبي القيادي السلفي الموالي لأبوظبي هاني بن بريك "النفير العام" والزحف لاقتحام القصر الرئاسي الذي يعد بدوره المقر الرئيسي لمسؤولي حكومة هادي.وشهدت عدن حرب شوارع، تحديداً في منطقتي كريتر وخور مكسر المتلاصقتين بعدما استأنف الانفصاليون الذين تدعمهم أبوظبي، استهدافهم للقوات الخاضعة لحكومة هادي وذلك بالتزامن مع وصول رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي" عيدروس الزبيدي أمس الخميس إلى عدن آتياً من أبوظبي لينضم بذلك إلى نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك والقائد الفعلي لقوات "الحزام الأمني" المدربة والممولة إماراتياً الشيخ السلفي عبد الرحمن شيخ الذي ظهر منذ الأربعاء في الميدان في خطوة نادرة تعكس دفعاً من الإمارات بأبرز رجالاتها في اليمن للوجود في عدن لإدارة التمرد على الرغم من موقف الرياض المناهض للخطوة والذي انعكس في استمرار وجود قوات سعودية في قصر المعاشيق (مقر الحكومة والرئاسة) فضلاً عن تغطية وسائل الإعلام المحسوبة عليها لما يجري على أنه انقلاب جديد.

ومع وصول الزبيدي إلى عدن قادماً من الإمارات اشتعل الوضع بقوة على الأرض إذ اندلعت اشتباكات بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في خور مكسر، وسط عدن فيما وقعت انفجارات بالقرب من معسكر 20 التابع لـ"المجلس الانتقالي" في منطقة كريتر. وذكرت مصادر أن الاشتباكات أدت إلى قتلى وجرحى بينما قالت مصادر إن عددهم ثلاثة أشخاص فضلاً عن إصابة تسعة أشخاص بجروح خطيرة. وأظهر شريط فيديو عناصر من "الحزام الأمني" يحاولون الدخول إلى منازل المدنيين واتخاذهم دروعاً بشرية لمواجهة قوات الحماية الرئاسية فيما صدرت مناشدات لتحييد المدنيين والمساجد عن المعارك.

 وتأتي أهمية كريتر من أنها الأقرب إلى منطقة المعاشيق حيث يقع القصر الرئاسي كما أنها تضم البنك المركزي ومقر مصلحة الهجرة والجوازات. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن المسلحين الموالين للإمارات هاجموا مقر البنك المركزي ما أدى إلى تفجر اشتباكات مع حراس البنك. من جهتها، تضم منطقة خور مكسر ألوية تابعة للشرعية وفيها إدارة أمن عدن، بالإضافة إلى جبل حديد الذي يربطها بمدينة المعلا وكريتر. ويضم جبل حديد مقر اللواء أول مشاة التابع لـ"المجلس الانتقالي". ويحوي المقر أكبر مخزن للعتاد والأسلحة التابعة للقوات الموالية للإمارات. كما تضم منطقة خور مكسر مقرات بعض البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية. واستطاعت قوات "الانتقالي" السيطرة على مقر الحكومة والمجمع القضائي القريب من جبل حديد.

وسبق وصول الزبيدي إلى عدن ظهور القائد الفعلي لقوات "الحزام الأمني" المدربة والممولة إماراتياً الشيخ السلفي عبد الرحمن شيخ على الأرض في عدن بعد فترات قضاها بعيداً عن الأضواء. وأهمية ظهور شيخ بالتزامن مع تواصل حملة التمرد لا تنطلق فقط من كونه عضواً في هيئة رئاسة "المجلس الانتقالي الجنوبي" الذي يعد من مؤسسيه أو لكونه فقط من يدير أكثر التشكيلات الأمنية التابعة للإمارات بطشاً وإثارة للجدل أو لكونه من المؤسسين لمقاومة الحوثيين في عدن ومحافظات عدة فالعارفون بشيخ الذي يوصف بأنه رجل الظل الإماراتي في عدن يدركون خطورة الأدوار التي يؤديها للأخيرة منذ سنوات.

ولذلك يبدو صعباً عدم ربط وجوده على الأرض بالتزامن مع حملة التمرد الجديدة بوجود غطاء من أبوظبي للتصعيد ليس فقط ضد سلطة هادي بل أيضاً ضد الرياض وهو الأمر الذي ردت عليه الأخيرة بطرق عدة بما في ذلك فتح الهواء في وسائل الإعلام المحسوبة عليها لمهاجمة تمرد عدن وغض الطرف عن الانتقادات التي كانت توجه على الهواء للإمارات مع تجنب تسميتها. وظهر شيخ الأربعاء الماضي على الأرض وهو يتنقل ليشرف على انتشار قواته فيما بدا واضحاً حرص وسائل الإعلام المدعومة من الإمارات على إبراز صورته إلى جانب نائب رئيس "المجلس الانتقالي" هاني بن بريك.

وكانت السعودية قد تحركت بسرعة أول من أمس لإحباط التصعيد العسكري الإماراتي في مدينة عدن عقب ساعات من الاشتباكات المتقطعة التي شهدتها المدينة أول من أمس الأربعاء. وحمل بيان المتحدث باسم التحالف السعودي العقيد تركي المالكي لهجة قوية بـ"الرفض القاطع" للتصعيد ودعوة مختلف الأطراف إلى "تحكيم العقل" والعمل مع "حكومة هادي". كما صدرت تصريحات سعودية أخرى أبرزها عن السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر الذي شدد على أن المستفيد الوحيد من التصعيد في عدن هو ما سماه بـ"المليشيات الحوثية المدعومة من إيران" فيما بدا تلميحاً إلى أن المسؤولين عن التصعيد يخدمون جماعة الحوثيين. وجاءت التحركات السعودية عقب بلوغ التصعيد أشده الأربعاء الماضي عندما أعلن حلفاء أبوظبي على لسان هاني بن بريك "النفير العام" للزحف باتجاه قصر المعاشيق حيث مقر الحكومة، بعدما اتهم قوات الحرس الرئاسي بإطلاق النار على متظاهرين تابعين لـ"المجلس الانتقالي" توجهوا للتظاهر قرب مقر الحكومة.

وعكست تطورات الـ48 ساعة الماضية على الأقل ما اعتبره يمنيون ملامح معركة سعودية إماراتية إذ إن التصعيد جاء عبر أدوات أبوظبي الانفصالية وتشمل "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذراع السياسي الانفصالي والتشكيلات العسكرية والأمنية التابعة للإمارات وأبرزها قوات "الحزام الأمني". وفي المقابل جاءت التحركات السعودية مبكرة، إذ بدأت الرياض منذ أيام بإرسال آليات عسكرية إلى عدن كما أصدرت موقفاً باسم التحالف عقب ساعات من دعوة هاني بن بريك لـ"اقتحام القصر الرئاسي" في حين بدت أبوظبي في حالة من الإرباك وسط سيل من الإدانات اليمنية وخرجت بتصريح لوزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش يتنصل فيه من التصعيد على الرغم من أنه لا يكاد يختلف اثنان على أن القوات المسؤولة عن التصعيد مدعومة إماراتياً وتتلقى تعليماتها من أبوظبي.AdenAirport2019.8.8

أبعد من الانتقام: مخطَّط انقلاب مبيَّت
وقع عصر أمس ما كان متوقعاً بتفجّر الاشتباكات في عدن جنوب البلاد بين «المجلس الانتقالي الجنوبي»، المموّل من دولة الإمارات والرافع خطاب انفصال الجنوب وألوية الحماية الرئاسية التي يقودها مهران القباطي والتي تتبع لما يسمى «الشرعية» (حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي). الاشتباكات وقعت بعد الانتهاء من تشييع قتلى معسكر «الجلاء» وعلى رأسهم منير اليافعي (أبو اليمامة)، بعملية لقوات صنعاء.

وكانت أوساط حكومية تابعة لحكومة هادي قد قالت أمس إن اختيار مقبرة القطيع في كريتر القريبة من قصر معاشيق الرئاسي لدفن القتلى إنما يأتي في سياق مخطط مدروس يقضي بحشد الناس بالقرب من القصر، تمهيداً لاقتحامه في محاولة للانقلاب على «الشرعية» وفق أجندة خارجية معدّة مسبقاً.

جاءت اشتباكات معاشيق عشية وصول الدفعة الثانية من تعزيزات عسكرية سعودية إلى عدن مؤلفة من 20 قاطرة تحمل على متنها مدرعات وسيارات رباعية الدفع وتجهيزات ميكانيكية وفنية ولوجستية، وكانت الدفعة الأولى قد وصلت إلى عدن وباشرت في بناء قاعدتين، الأولى في منطقة العريش شرق عدن، والثانية قريبة من صلاح الدين غرب عدن، بموازاة الإعلان الإماراتي للانسحابات «التكتيكية والاستراتيجية».

وكان «المجلس الانتقالي الجنوبي» قد اتخذ من أحداث عدن الأخيرة ذريعة للتصعيد السياسي والإعلامي لفريق «الشرعية» وحزب «الإصلاح» الإخواني، ذلك برغم أن العمليتين اللتين حصلتا صباح الجمعة الماضي في معسكر «الجلاء» تبنت حركة «أنصار الله» إحداهما، وتبنى «داعش» عملية قسم الشرطة في منطقة الشيخ عثمان. «الانتقالي»، ومعه النخب المحسوبة على الإمارات، وظّفوا عمليتي عدن (معسكر «الجلاء» وقسم شرطة الشيخ عثمان) وشنوا حملة تحريضية واسعة على أكثر من اتجاه، ابتداءً بـ«الشرعية» و«الإصلاح» وانتهاء بالسعودية التي لم تسلم من الانتقادات واللوم بسبب دعمها لـ«الشرعية» ورفضها تبني دعوات الانفصال.

الوضع الحالي الراهن بين القوى المحسوبة على طرفي التحالف السعودي - الإماراتي (أي «الانتقالي» و«الشرعية») ينذر بالانزلاق إلى دورة عنف جديدة شبيهة بعشية اندلاع الاشتباكات التي دارت بين الطرفين في كانون الثاني من عام 2018 وأدت إلى سيطرة شبه تامة للقوات التابعة لـ«الانتقالي» على عدن، وكاد قصر معاشيق الرئاسي أن يسقط لولا تدخل لجنة مشتركة من السعوديين والإماراتيين أعادت الوضع إلى ما قبل اندلاع الاشتباكات.

ويوم الثلاثاء عقد نائب رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي»، هاني بن بريك، مؤتمراً صحافياً قال فيه إن ما حصل في عدن الجمعة الماضي «كان مخططاً له من جانب الإصلاح منذ ثلاثة أشهر». غير أن الدفع باتجاه انفصال الجنوب أو التقسيم أو القول «إن اليمن لم يعد موحداً بعد اليوم» إنما صدر قبل العمليتين الأخيرتين صباح الجمعة الماضي من قبل مسؤوليين إماراتيين قريبين من دوائر الحكم في أبو ظبي (المستشار السابق لولي عهد أبوظبي محمد بن زايد عبد الخالق عبد الله، وضاحي خلفان مسؤول شرطة دبي السابق الذي كرر تغريداته التحريضية الداعية إلى انفصال الجنوب) بالإضافة إلى صحافيين وناشطين إماراتيين آخرين. وقد استغل «الانتقالي» أحداث عدن الأخيرة برفع النبرة الإعلامية وتشنيج الخطاب السياسي وتوتير الوضع الأمني ضمن خطة مبرمجة مسبقاً تمهيداً للانقلاب على هادي. وجاءت أحداث عدن لتعطي فرصة لـ«الانتقالي» للانقضاض على خصومه وقد سُجّل في الأيام الماضية العديد من الأحداث والمواقف جاءت على النحو الآتي:
- زيادة ملحوظة وغير مسبوقة من قبل القيادات والنشطاء التابعين لـ«الانتقالي»، أو الذين يدورون في الفلك الإماراتي، في المطالبة بانفصال جنوب اليمن بالطرق السلمية والسياسية، وإن لم يكن فبالطرق العسكرية.
- في ما كأنه يشبه توجيهات عليا، تعمّد أعضاء «المجلس الانتقالي» وقوات «الحزام الأمني» تجاهل تبني «أنصار الله» استهداف جنود «الحزام الأمني» في معسكر «الجلاء»، رغم تبني صنعاء الصريح للعملية وتوجيه الاتهامات إلى «الإصلاح» (الإخوان المسلمون). أو على الأقل الإصرار على الربط بين «الإصلاح» وعملية الاستهداف في معسكر «الجلاء» وتفجير قسم الشرطة في الشيخ عثمان.
- إيجاد دافع قوي لأبناء عدن، وخاصة قوات «الحزام الأمني»، للقيام بحملات تهجير باسم الثأر لـ«أبو اليمامة» من العمال البسطاء من أبناء المحافظات الشمالية ليتطور الأمر إلى طرد كل شمالي في عدن وإعلان الانفصال بعد خلق فجوة كبيرة من الكراهية بين أبناء الشمال والجنوب.
- رفض التعامل مع لجنة التحقيق التي شكلتها حكومة هادي في عمليتي عدن يوم الجمعة والاقتصار على لجنة تابعة لـ«الانتقالي». وقد نشر هاني بن بريك ظهر الثلاثاء نتائجها التي تتوافق مع سردية «الانتقالي» في الربط بين عمليتي الجمعة و«الإصلاح».
-استغلال عملية «داعش» التي استهدفت قسم شرطة الشيخ عثمان في عدن واعتبار أن «داعش» هي الجناح المسلح لحزب «الإصلاح».
- استغل طرفا النزاع سيطرة «القاعدة» على مديرية المحفد في محافظة أبين وتسهيل هذه السيطرة ثم الانسحاب منها خلال ساعات في مسرحية مكشوفة فيما اتهم «الانتقالي» حكومة هادي بأنها وراء انقضاض تنظيم «القاعدة» على قاعدة «الحزام الأمني» في المحفد التي سقط فيها 19 قتيلاً.
- تقديم أكثر من 200 عضو في حزب «المؤتمر العام» في مودية في محافظة أبين بمن فيهم رئيس الحزب استقالتهم والانضمام إلى «المجلس الانتقالي» احتجاجاً على أحداث عدن.

المزيد في هذا القسم: