السعودية المتعثرة عسكرياً.. هل تستطيع أن تُحبط الاستراتيجية الإماراتية في اليمن؟!

المرصاد نت - متابعات

منذ مطلع العام الحالي توسعت الحرب على اليمن خارج حدودها وشنّ اليمنيين هجمات صاروخية وغارات بطائرات مسيّرة على بلدات سعودية حدودية ومدن داخلية أيضا شملت العاصمة Ksa Sanana2019.8.12الرياض التطور المتسارع في قدرة اليمنيين على شن هجماتهم متجاوزة الدفاعات الجوية السعودية والإماراتية ومحققة أهدافها فرض حالة من الردع المتبادل وغيّر معادلة الحرب ودفع الفاعلين الرئيسيين إلى إعادة تقييم الحرب والتفكير في بدائل أخرى انتعشت معها مجددا الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى وقف لإطلاق النار.

بدأت الإمارات سحباً تدريجياً لقواتها من مواقع لها في اليمن بعد صفقة مع الحوثيين بضوء أخضر إيراني يلتزم خلالها هؤلاء بعدم مهاجمة الأراضي الإماراتية أو قصف مقرّاتها
"استمر انهيار العملية السياسية بعد أن غادر الملف اليمني حسابات الأطراف المتصارعة"ومعسكراتها جنوب اليمن تُوّج ذلك مطلع شهر أغسطس/ آب الجاري بتوقيع مذكرة تفاهم إماراتية إيرانية لتعزيز التعاون الأمني على الحدود.

فضّلت الإمارات عدم الاستمرار في دفع كلفة الحرب التي باتت تهدّد تماسك جبهتها الداخلية وركّزت على محادثات السلام نأيا بالنفس في ظل التوتر المتصاعد في المنطقة وقبل أن تجد نفسها في مواجهةٍ مباشرةٍ مع إيران هذه المرّة وليس مع حلفائها من الحوثيين وحسب سيما أنها تعتقد أن تدخلها في اليمن حقّق أهدافه في منع سيطرة الحوثيين على البلد بأسره وبالتالي حال دون سيطرة إيرانية على مضيق باب المندب الاستراتيجي. أما السعودية التي أنفقت في هذه الحرب مليارات الدولارات وباتت منشآتها الحيوية وبنيتها التحتية مستهدفة بانتظام من طائرات اليمنيين وصواريخهم المتطورة، بشكل متزايد، فإن المكاسب بالنسبة لها أقل وضوحًا.

خلال الأشهر الأخيرة استمرت صنعاء في استهداف مواقع سعودية حيوية في محاولة للضغط على السعودية لتحذو حذو شريكتها الإمارات فتبدأ سحب قواتها من اليمن. وأخيرا تلقت قوات التحالف في عدن ضربة موجعة بعد استهداف طائرة مسيّرة وصاروخ باليستي قصير المدى في الأول من أغسطس/ آب الجاري عرضاً عسكرياً في قاعدة الجلاء التي تسيطر عليها قوات الحزام الأمني المدعومة إماراتيا أدى إلى جرح العشرات ومقتل حوالي 49 شخصا من بينهم منير اليافي قائد قوات الحزام الأمني. واستهدف صاروخ باليستي بعيد المدى مدينة الدمام النفطية شرقي السعودية التي بدت مكشوفةً بشكل غير مسبوق أمام ضربات الحوثيين المتكرّرة.

طرح انسحاب الإمارات التي كانت أكثر كفاءة من الناحية العسكرية في اليمن تساؤلات عن إمكانية استمرار الرياض في إدارة الحرب بنفسها بعد أن بات قطع يد إيران على حدودها في اليمن أبعد من أي وقتٍ مضى وحتى حين دفعت السعودية في المناطق الحدودية الوعرة بين السعودية واليمن مئات من حلفائها اليمنيين لاستعادة نقاط عسكرية استراتيجية من المقاتلين اليمنيين كان حظّها من النجاح ضئيلا. ولم يعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قادرا على دعم حليفه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اليمن كما يجب بعد تراكم تقارير تتهم السعودية بارتكابها انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان في اليمن ولا عقد الصفقات معه لبيعه الأسلحة بسبب معارضةٍ شديدة من الكونغرس لا تتوفر معها فرص كبيرة لترامب للالتفاف على قراراته وليس من نيّة لدى أميركا وشركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) لشن حرب على الحوثيين الذين، على الرغم من هجماتهم في الخليج، لا يشكلون خطرا استراتيجيا تكتسب معه الحرب ضدهم شرعية دولية، على غرار الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

 صحيفة وول ستريت جورنال كشفت في السادس من أغسطس/ آب الجاري عن توجه سعودي إلى التفاوض مع الحوثيين مباشرة وسرّا لإنهاء الحرب في اليمن وبما يسمح للسعودية بالخروج من الحرب من دون أن ينظر إليها على أنها قد هُزمت أو أنها ضعيفة وأن السعودية رحّبت بعرضٍ طرحه الحوثيون يتضمن تعليق الهجمات باستخدام الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية على المنشآت السعودية.

أسست المبادرة الخليجية العام 2011 لفشل العملية السياسية في اليمن حين قامت على المقايضة والحلّ التوافقي التدريجي للأزمة اليمنية وتحاشت معالجة انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبتْ في انتفاضة العام 2011م ومنحت المبادرة الرئيس السابق علي عبد الله صالح ومعاونيه حصانةً من أي ملاحقة قانونية، ولم تشترط عليه التخلي، في المقابل، عن السياسة، ليستمر لاعبا سياسيا سلبيا حتى مقتله في ديسمبر/ كانون الأول العام 2017 م. وفشلت الجولات التفاوضية اللاحقة في ترجمة اتفاق سلام دائم، أو حتى وقف دائم لإطلاق النار إذ ظلت المسافة بعيدة بين ما تطالب به حكومة هادي وقوات التحالف من جهة وما يمكن للحوثيين وحلفائهم تقديمه أو القبول به من جهة أخرى (تركّز الخلاف في مراحل متقدمة حول رغبة قيادة التحالف بالاحتفاظ بسيطرتها على جنوب اليمن مع استعدادها للتخلي عن المناطق الشمالية بما في ذلك صنعاء للحوثيين الذين طالبوا بجلاء كامل لدول التحالف عن اليمن).

أهملت الجولات السياسية العديدة تمكين مؤسسات الدولة ودعم اقتصاد البلاد لتحسين ظروف معيشة اليمنيين. عوضاً عن ذلك، استمر اليمنيون فريسة الاستقطاب السياسي، وجهود التعبئة التي قامت بها الجماعات المسلّحة. استمر انهيار العملية السياسية بعد أن غادر الملف اليمني حسابات الأطراف الداخلية المتصارعة وأصبح جزءا من أوراق الصراع الدولي والإقليمي التي تجتاح المنطقة، وفي مقدمتها الصراع السعودي الإيراني. وقد عقّد اختطاف القرار اليمني المشهدين السياسي والعسكري وجعل قضية إيقاف الحرب وإحلال السلام مرهونة بمدى توافق الجهات الخارجية على تسوية سياسية ترضيها وتحقق مصالحها وأجنداتها، قبل أن تُرضي الأطراف اليمنية.

بعد فشلها عسكريا من المرجّح ألا تُفلح السعودية في مسعاها للخروج من المستنقع اليمني بمجرد مفاوضاتها مع الحوثيين المشكوك في قرارهم المستقل إلا إن كان هؤلاء وسيلة لتفاوض مع إيران ينزع فتيل الأزمة ويعمل على تسوية الصراع السعودي الإيراني تمهيدا لتحقيق استقرار شامل في المنطقة يمتد ليشمل اليمن. عدا ذلك تتفوق الإمارات على السعودية سياسياً بعد أن تفوّقت عليها عسكرياً.

معركة عدن: السعودية تُحبط استراتيجية الخروج الإماراتية؟Armyiuyttr2019.8.12

وجّهت السعودية رسالة تحذير شديدة وإن غير مباشرة إلى الجانب الإماراتي من خلال تبنّيها الكامل لفريق «الشرعية» في اليمن (أي حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي) ووقوفها الحاسم معه معلنة أن أي اعتداء على رموز هذه «الشرعية» لن يُسكَت عنه وأن الأخيرة تحظى بالدعم والغطاء السياسي والعسكري من الرياض، مشددة على أن شكل الحكم في اليمن، سواء الانفصال أو الوحدة، يُقرَّر بالأدوات «الشرعية» والرسمية (جدير بالذكر أن السلطات الدستورية الثلاث في اليمن محسوبة على السعودية). أرادت الرياض إذاً القول للأصدقاء قبل الأعداء إن تقرير مصير اليمن لن يكون إلا بعد الانتهاء من الحرب وإن أي قرار في شأن مصير البلد سواء شكل الحكم أو وحدة الأراضي اليمنية لن تقرّره مجموعات أو فصائل من خارج «الشرعية»، وإن أي عمل عسكري خارج مظلة الرئيس «الشرعي» يعدّ «تمرّداً».

تصدّرت الاشتباكات الدائرة في عدن منذ عصر الأربعاء الماضي المشهد اليمني والإقليمي. المعلومات المتوافرة تشير إلى أن شرارة المعركة كانت متعمّدة ومفتعلة من جانب «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً بزعم التعاون الاستخباري بين حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون) وحركة «أنصار الله» وهو ادعاء لم يستطع «الانتقالي» إثباته. أما الجانب الخفي من الصراع الدامي في عدن فهو أن دولة الإمارات باتت مستعجلة في حسم أمر استمرار مشاركتها في الحرب. تعتبر أبو ظبي أن التحالف حقّق مجموعة من أهدافه الاستراتيجية على رأسها صدّ محاولات تغيير التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، ويبقى أمامه مشروع الاستقرار السياسي واستدامته وفق تعبير أنور قرقاش وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية في حين يرى الجانب السعودي أن الحرب لم تحقّق أهدافها وأن الانسحاب منها يمثّل خطورة على المملكة في الوقت الراهن.

مطّلعون يرون أن أبو ظبي تبالغ في الادعاء بأنها حقّقت مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، والحقيقة أن مكاسبها في الإطار السياسي والتكتيكي مقابل عدم استقرار ووضع ضاغط وغير مريح على المستوى الاستراتيجي. وحتى تتحقّق الأهداف الاستراتيجية، فإن أبو ظبي بحاجة إلى تسييل سياسي للأهداف المذكورة وتثبيت الوقائع من خلال الفصائل المحلّية المقاتلة العاملة تحت إمرتها، بالإضافة إلى توافقات سياسية مع شركائها في «التحالف» وعلى رأسهم الرياض. أبو ظبي تدرك أن مسار خروجها من الحرب ليس بالأمر الهيّن وأن أمامها الكثير من العقبات والتحديات وأي خطأ في الحسابات سيؤدي إلى خسارة محتّمة وهذا ما أكده قرقاش نفسه بالقول إن بلاده فهمت التحدّيات في ذلك الوقت (بداية الحرب)، وفهمتها في الوقت الحالي، «فالنصر ليس سهلاً والسلام لن يكون سهلاً».

الجانب السعودي وإن لم يعلّق على الخطوات الأحادية الإماراتية (الانسحاب الجزئي) إلا أنه لا ينظر بعين الرضى إليها وسيعمد إلى وضع العراقيل أمامها. وجدير بالذكر أن الرياض أعدّت العدّة بعد أحداث عدن بداية عام 2018 بين «الانتقالي» و«الشرعية» والتي أدّت إلى حسم سريع لمصلحة «الانتقالي» فعمدت إلى تنفيذ خطّة شاملة على الصعد السياسية والعسكرية والإنمائية كافّة في المحافظات الجنوبية، بعدما أوكلت في السابق مهمّة إدارة الجنوب للشريك الثاني في «التحالف»: الإمارات.

ولعلّ مسارعة الأخيرة إلى إنشاء كيانات سياسية وعسكرية محلّية استفزت الجانب السعودي، وحفّزته على السير سريعاً في خطّته. فعلى الصعيد الإنمائي، أنشأت الرياض منتصف العام الماضي «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن» والمخصّص لمشاريع البنى التحتية. وُظّف البرنامج المذكور للاستثمار السياسي واستمالة القبائل وتطويع العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والقبلية. وكما أن البرنامج منصة لتواصل الرياض مع أبناء جنوب اليمن فهو كذلك أداة تنافسية مع «الهلال الأحمر الإماراتي» الذي ينفّذ المهمات نفسها وحيثما يوجد «الهلال الأحمر» يوجد البرنامج السعودي إلى جانبه.

في الجانب العسكري منعت السعودية أي تموضع للقوات الإماراتية في محافظة المهرة فضلاً عن منعها أبو ظبي من إنشاء فصيل عسكري هناك. كذلك منعت تمدّدها في محافظتي شبوة وحضرموت وشاركتها في احتلال جزيرة سقطرى في وقت قامت فيه بإعادة ترتيب القوى العسكرية التابعة لـ«الشرعية» ولا سيما ألوية «الحماية الرئاسية» وأشرفت على تدريبها وتزويدها بالسلاح والذخيرة ونشرها في محافظة عدن. وبمجرد أن أعلنت الإمارات الانسحاب الجزئي من اليمن باشرت الرياض في إرسال أرتال عسكرية سعودية للتموضع في محافظة عدن تحسّباً لأي طارئ.

وعليه فإن الجانب الإماراتي انسجاماً مع خطته الجديدة القاضية بالانتقال من الخيار العسكري إلى السياسة أولاً وخصوصاً بعد التطورات الإقليمية التي أملت عليه ترتيب أوراقه بما يتناسب مع تحدّيات بالغة الخطورة لأمنه وازدهاره وقوة اقتصاده، ولاستكمال انسحابه بالاتكال على وجود قوى صديقة تابعة له فإنه ملزم بالعبور من البوابة اليمنية الداخلية (المحلية). ومن هنا فإن المعارك في عدن هذه الأيام ليست سوى فصل من فصول طويلة ومتعدّدة سيشهدها جنوب اليمن.

في حال أخفق «المجلس الانتقالي» في تحقيق حسم واضح في الساعات والأيام المقبلة فإن الرياض تكون قد نجحت في إغلاق الباب على خطّة الإمارات القاضية بالانسحاب التدريجي من اليمن ولا سيما الجنوب وتكون الرياض قد أبطلت عملياً استراتيجية الخروج الإماراتية بعدما أعلنت أبو ظبي التهيئة والاستعداد لتولي أدواتها (90 ألف مقاتل) مسؤولية الأمن الداخلي في المحافظات الجنوبية وخصوصاً الغربية منها: عدن، لحج، الضالع وأبين.

المزيد في هذا القسم: