تثبيت قواعد الاشتباك تمهيداً لـ«حوار جدة»: نحو «مجلس إنقاذ» جنوبي رفضاً للاحتلال !

المرصاد نت - متابعات

مع انسحاب مقاتلي «النخبة الشبوانية» الموالية للإمارات، أمس، من آخر معاقلها في منطقة بلحاف الساحلية في مديرية رضوم في محافظة شبوة تكون المعركة في هذه المحافظة قد حُسمت Shabowah2019.8.27بشكل كامل لصالح القوات الموالية لهادي. حسمٌ لم يكن ممكناً لو لم تتدخل السعودية خلافاً لما كان عليه موقفها في معركتَي عدن وأبين وتلقي بكلّ ثقلها خلف حلفائها في شبوة لصدّ هجوم التشكيلات التابعة لـ«المجلس الانتقالي الجنوبي» على اعتبار أن المحافظة المذكورة إلى جانب حضرموت والمهرة تُعدّ مناطق نفوذ سعودي وأي محاولة من قِبَل حلفاء الإمارات للسيطرة عليها ستكون تجاوزاً للخطوط السعودية الحمر.

لكن مع ذلك لا يبدو أن الرياض ستسمح للقوات التابعة لفريق «الشرعية» باستغلال انتصار شبوة من أجل التحرك صوب أبين وعدن واستعادة المواقع التي خسرتها هناك. وهذا ما تجلّى بوضوح في الاتفاق الذي أبرمته اللجنة السعودية - الإماراتية التي وصلت أمس إلى مدينة عتق مركز شبوة حيث دعت إلى وقف إطلاق النار وامتناع قوات هادي عن اقتحام مدينتَي أبين وعدن الأمر الذي أكده أيضاً بيان وزارة الدفاع في حكومة هادي والذي دعا إلى «وقف إطلاق النار في شبوة وأبين وعدن استجابة للجنة المشتركة السعودية - الإماراتية». هكذا يحاول التحالف تثبيت قواعد اشتباك جديدة بين الطرفين، قائمة على تقاسم مناطق النفوذ بين الرياض وأبو ظبي ثم الذهاب إلى «مؤتمر جدة» الذي دعت إليه السعودية قبل أيام. وكرّر البيان المشترك الصادر ليل الأحد - الإثنين عن وزارتَي خارجية السعودية والإمارات التشديد على «سرعة الانخراط فيه» والذي من المتوقع أن يسفر عن تشكيل حكومة مناصفة بين حلفاء كلّ من الدولتين.

أفرزت الحرب الدائرة منذ أسبوعين بين «الانتقالي» وحكومة هادي واقعاً جديداً وثبّتت حدود النفوذ على الخارطة الجنوبية حيث ضمنت أبو ظبي من خلالها حصتها المتمثلة في السيطرة على مدينة عدن التي يمثل ميناؤها أحد أهم هواجس الإمارات لكونه يُعدّ منافساً لميناء دبي فضلاً عن سيطرتها على الممرّ الدولي المهم في باب المندب والجزر الجنوبية المطلّة على البحر الأحمر والبحر العربي والمحيط الهندي والقرن الأفريقي.

وفي المقابل ضمنت الرياض السيطرة على المناطق الشرقية الغنية بالنفط والغاز إضافة إلى محافظة المهرة المحاذية لسلطنة عمان والتي حوّلتها السعودية إلى منطقة عسكرية وشرعت في تدشين مشروع مدّ الأنابيب النفطية عبرها من أراضي المملكة إلى البحر العربي. والجدير ذكره هنا أن هذا المشروع كان حلماً سعودياً منذ عقود وقد وجدت الرياض حالياً فرصتها الأمثل لتحقيقه مستغلّة ظروف الحرب وهشاشة حكومة هادي.

في خلاصة المشهد يبدو أنه لا غالب ولا مغلوب، فيما تتنازع مدنَ الجنوب الميليشيات الموالية لـ«التحالف» ويُستخدم شبانها وقوداً لحروبٍ المستفيد منها طرف خارجي ولا يظهر أن ثمة أملاً في عودة السلام إليها. إلا أنه وفي خضمّ كل ذلك الاحتراب والعبث والفوضى تبرز مكونات سياسية وشخصيات قبيلة وسياسية لتجدّد رفضها «الاحتلال الأجنبي للبلاد». وفي هذا الإطار أعلنت تلك المكونات قرب تشكيل «مجلس إنقاذ وطني» لمواجهة سياسات «التحالف». ومن بين أبرز شخصيات المجلس زعيم الحراك الجنوبي حسن باعوم والشيخ القبلي علي الحريزي واللواءان أحمد قحطان وعوض محمد فريد. ووفقاً لبيان صادر عن الزعيم باعوم فإنه «خلال أيام سيتم إشهار المجلس في إحدى المدن الجنوبية». ورفض البيان «التدخل الخارجي والاحتلال واقتطاع أي جزء من البلاد»، مشدداً على «ضرورة إنقاذ البلاد من حالة التشظي والتقسيم، والحفاظ على الثروة»، داعياً إلى «الشراكة الوطنية بين كل فئات ومكوّنات الشعب».

ويقول رئيس «اللجنة التحضيرية لمجلس الإنقاذ» أزال الجاوي إن «المجلس عبارة عن جبهة عريضة تضمّ عشرات الشخصيات والمكوّنات السياسية التي ترفض تحول مدن الجنوب إلى ساحة معركة لأطراف إقليميين بدماء الجنوبيين» مضيفاً أن «المهمة تتمثل في إنقاذ البلاد عبر التخاطب مع أطراف الصراع (أنصار الله، حكومة هادي، المجلس الانتقالي) والدول الإقليمية ذات العلاقة» متابعاً أن «الجبهة تسعى لإنقاذ البلاد بكل الوسائل المشروعة».

السعودية تعيد ضبط بوصلة الأحداث في الجنوب
بعدما عاش «المجلس الانتقالي الجنوبي» خلال الأسابيع الماضية نشوة الانتصارات التي حقّقها على فريق «الشرعية» في محافظتَي عدن وأبين تعرّض المجلس الموالي للإمارات في اليومين الماضيين لانتكاسة عسكرية كبيرة في محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز. فقد حسمت قوات هادي وميليشيات حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون) المعركة لمصلحتها من خلال إسقاطها كامل مديريات المحافظة بأيديها. وتُعدّ السيطرة على محافظة شبوة مفتاحاً للسيطرة على محافظة حضرموت التي يوجد «الانتقالي» في مدن ساحلها وعلى رأسها المكلا فيما تتركز «الشرعية» في مناطق واديها الغنية بالنفط.

الحرب الدائرة بين وكلاء العدوان في جنوب اليمن حرب ممنوع الانتصار فيها لأي طرف وقد أثبتت الأحداث أنها محكومة في نهاية المطاف بالخطوط الحمر السعودية. تحوّلت معارك عدن وأبين وشبوة إلى نزاع مناطقي بين ما كان يُعرف سابقاً بـ«الطغمة والزمرة»، اللتين تتمثلان في الوقت الراهن بمحافظتَي الضالع ولحج من جهة ومحافظات أبين وشبوة وحضرموت من جهة أخرى. واستعان «المجلس الانتقالي» في الأيام الماضية بـ«الحزام الأمني» (المتشكّل من أبناء الضالع وردفان ويافع) لمؤازرة «النخبة الشبوانية» مطلِقاً عملية عسكرية مشتركة تحت اسم «الأرض المحروقة» في محاولة للسيطرة على مركز المحافظة، مدينة عتق الأمر الذي عدّته قبائل شبوة استفزازاً كبيراً لها ما دفعها إلى التضامن مع فريق «الشرعية» وحزب «الإصلاح» وأدى بالتالي إلى فشل الهجوم وطرد المهاجِمين من كامل مديريات المحافظة. والجدير ذكره هنا أن «الشرعية» استنفرت كامل قواتها لهذه المعركة واستقدمت تعزيزات من محافظة مأرب الشمالية في وقت وصل فيه رئيس وزراء حكومتها معين عبد الملك ووزير داخليته أحمد الميسري بمواكبة سعودية إلى مدينة عتق عصر الأحد الماضي.

بخسارة وكلاء الإمارات محافظة شبوة تكون أبو ظبي قد فقدت التطابق بين حسابات الحقل وحسابات البيدر فيما نجحت الرياض في فرملة طموحاتها إلى انتزاع حصّتها أحادياً بعدما تبنّت خطة انسحاب أحادية أيضاً. صحيح أن السعودية بدت في معارك عدن وكأنها تراجعت خطوةً إلى الخلف بغية استرضاء الإمارات، وذلك من خلال الإحجام عن مساعدة ألوية «الحماية الرئاسية» والاكتفاء بسحب الضباط الموالين لها في اللحظات الأخيرة للمواجهات، بينما ظهر الإماراتيون طرفاً صلباً وقادراً على فرض أجندته إلا أن المملكة أدركت أن الذهاب بعيداً في هذه اللعبة سيعقّد مهمة إدارتها للشأن اليمني ويزيد من الضغوط الإقليمية والدولية عليها.

من هنا وقفت الرياض بقوة ومن دون تردد مع وكلائها في معركة شبوة التي جاء انتصار فريق «الشرعية» فيها ليثبت مرة أخرى أن الجغرافيا اليمنية رمال متحركة، تتبدّل فيها المواقع العسكرية وتتغيّر الخرائط دائماً فيما تبقى الأطراف عاجزة عن الحسم العسكري أو الاستثمار السياسي. وفي ضوء تطورات الأيام الأخيرة يمكن القول إن خريطة السيطرة في جنوب اليمن ما بين السعودية والإمارات استقرّت على النحو الآتي: تمركز إماراتي في مدن السواحل الجنوبية الغربية وأبرزها عدن وعبر الوكلاء في الساحل الغربي، فضلاً عن تقاسم جزيرة سقطرى مع الجانب السعودي.

وفي المقابل تكثيف للوجود السعودي في المناطق الصحراوية وتحديداً في محافظتَي مأرب وشبوة، ووادي حضرموت، وأيضاً محافظة المهرة. وعلى رغم استمرار الحملات الإعلامية الشرسة بين مؤيّدي الطرفين السعودي والإماراتي إلا أن البيان الأخير الصادر عن «التحالف» في شأن أحداث الجنوب انطوى على محاولة استرضاء سعودية واضحة لأبو ظبي، باستنكاره «الاتهامات وحملات التشويه التي تستهدف دولة الإمارات العربية المتحدة على خلفية تلك الأحداث». مع ذلك استمرّ الإعلام السعودي الرسمي في مهاجمة «المجلس الانتقالي» مشيراً إلى أن معركة شبوة كشفت نيّاته التوسّعية في جميع المحافظات الجنوبية.

قراءة : أحمد الحسني ‘ لقمان عبدالله - الأخبار

المزيد في هذا القسم: