كيف دمر التحالف السعودي الإماراتي الأقتصاد اليمني؟

المرصاد نت - متابعات

يدفع اليمن فاتورة ضخمة بسبب بقاء مواقع اقتصادية سيادية خارج سيطرة الدولة وتحت "الاحتلال" الإماراتي منذ خمسة أعوام ما أدى إلى توقف شبه تام لإنتاج وتصدير النفط والغاز وخروج Aden airpoart2019.10.31ميناء بلحاف الاستراتيجي عن الخدمة، بالإضافة إلى تعطيل الموانئ واستمرار عمل مطارات خارج الإطار الرسمي.

ورضخت حكومة هادي للضغوط السعودية الشديدة التي أجبرتها على الموافقة على مسودة اتفاق جدة قبل تضمينها لمطالبها الرئيسية التي تأتي في طليعتها ضرورة انسحاب الإمارات من المواقع الاقتصادية التسعة التي تبسط أبو ظبي سيطرتها عليها في اليمن. كما أن اتفاق الرياض الذي اقتربت الأطراف المتصارعة من الوصول إلى تفاهمات نهائية حوله حسب مصادر مطلعة ما زال غامضا في ما يخص كيفية التعامل مع احتلال الإمارات لهذه الأماكن الاستراتيجية. وحسب مراقبين ومسؤولين تتمثل المواقع التسعة التي تسيطر عليها أبو ظبي في المخا وباب المندب ومدينة عدن وميناء العاصمة المؤقتة ومطار عدن ومطار الريان في المكلا وسقطرى وجزيرة ميون وميناء بلحاف في محافظة شبوة جنوب اليمن.

ونظرا لعدم تشغيل المواقع الاقتصادية الاستراتيجية وتبديد الموارد العامة للدولة يغرق اليمن في كومة ديون مالية ثقيلة إذ تشير بيانات أوردها تقرير مشترك بين قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط اليمنية والبنك الدولي ومنظمة يونيسف إلى ارتفاع الدين الخارجي لليمن من 6 مليارات و765 مليون دولار عام 2014 إلى 9 مليارات دولار حاليا بينما ارتفع صافي الدين الداخلي من 3 تريليونات ريال إلى 6 تريليونات.

 إهدار ثروات النفط

حسب تقديرات غير رسمية فإن اليمن خسر ما يزيد عن خمسة مليارات دولار مباشرة كان من الممكن أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية جراء توقف تصدير النفط والغاز. وغادرت اليمن مطلع 2015 نحو 10 شركات عالمية مستثمرة في قطاع النفط والغاز وتوقفت عشرات الشركات المحلية العاملة في هذا القطاع وقطاعات اقتصادية أخرى وحلت الإمارات في مواقعها منذ منتصف 2016م ويشهد اليمن عدواناً عسكرياً وحرباً مدمرة بدأت في 26مارس عام 2015م.

الخبير الاقتصادي عبد الواحد العوبلي يقول في هذا الإطار إن التحالف السعودي الإماراتي يحرص منذ خمس سنوات على منع المورد الاقتصادي الأول لبلد مثل اليمن فيعرقل كل جهود استئناف تصدير النفط الخام وإعادة الشركات الأجنبية لعملياتها. ولم يعمل من الشركات سوى شركتي بترومسيلة وصافر الوطنيتين في حدود التشغيل الدنيا رغم أن الحال لم يكن كذلك مع شركة "أو أم في النمساوية" المملوك ربع أسهمها للإماراتيين.

ويوضح العوبلي أن هذه الشركة المرتبطة بالإماراتيين تم إقرار استئناف العمل فيها وتنفيذ ذلك وإعادة التصدير في مدة لم تتجاوز الأسبوع ولأجلها ذللت كل العراقيل ومهدت كل الطرق. وبالتالي كما يكشف العوبلي خسر اليمن ما يزيد عن خمسة مليارات دولار كان ممكناً أن تضخ إلى خزينة الدولة خلال السنوات الخمس الماضية وهذا بحساب الأسعار السابقة في تعاقدات بيع الغاز المسال أما لو تم تعديل الأسعار فإن المبلغ سيتضاعف عدة مرات.

وأكدت مصادر في شركة صافر للإنتاج والاستكشاف النفطي بمحافظة مأرب (وسط اليمن) انفجار الخزان الرئيسي الثاني للنفط الخام وذلك خلال أقل من خمسة أيام عقب انفجار أحد خزانات النفط أيضاً التابع للشركة. وحسب حديث مصادر في الشركة فإن هذا الخزان الأخير والذي انفجر أول من أمس الأربعاء في حقل ريدان التابع لشركة صافر المملوكة للحكومة اليمنية كان يتم استخدامه لحفظ الماء الراجع من الحقل بعد أن يتم فصله من الخام ولكن الشركة قامت بترميمه بشكل مستعجل خلال الفترات الماضية وقامت بإعادته للعمل مجدداً ليصب فيه المواد الخام من آبار النفط.

ومن جانبه يؤكد العوبلي أن الموانئ اليمنية جميعها دون استثناء خارج سيطرة السلطة اليمنية وتخضع لحصار كامل من قوات التحالف العسكري السعودي وبالتالي لا إيرادات تجنيها البلاد من هذا المورد المهم. ونفس الحال حسب العوبلي بالنسبة للمطارات اليمنية وشركة الطيران الوطنية التي تمنع طائراتها من المبيت داخل اليمن وتخضع لقيود غير منطقية تفرضها قيادة التحالف وتقيد حركة الناقل الوطني. وبالنسبة للغاز المسال يقول العوبلي إنه كلما كانت تلوح في الأفق جهود أو بوادر محاولات لاستئناف تصدير الغاز المسال من ميناء بلحاف النفطي كانت هذه الجهود تعرقل بواسطة حوادث مفتعلة كان آخرها تفجير أدى إلى حريق أصاب أجزاء من ميناء بلحاف لإرسال رسالة أن المنطقة غير آمنة ومن غير الممكن استئناف تصدير الغاز.

 دور إماراتي مشبوه

تاريخيا يُعد ميناء "قنا" أو بلحاف حديثا من أهم الموانئ على الإطلاق في شبه جزيرة العرب وكان البوابة الأولى لطريق الحرير الرابط بين أجزاء حواضر ومدن الجزيرة العربية وصولاً إلى موانئ غزة بفلسطين للانطلاق بعدها إلى شواطئ أوروبا وكذلك مدينة شبوة التاريخية التي تقع في تخوم الصحراء على طريق الحرير التي تزمع الصين على إحيائه من جديد.

من جانبه يؤكد وكيل وزارة النقل السابق عامر عوض البرعام أن الإمارات وكيل لدول كبرى للتصدي لمشروع الصين الضخم لإحياء طريق الحرير لهذا فإن بلحاف وميناءي عدن والمخا أهم أهدافها في اليمن. ويضيف البرعام : لهذا كانت الصين الدولة الوحيدة من الدول الخمس الكبرى التي كان موقفها واضحا عقب أحداث عدن وشبوة في دعم الحكومة ووحدة اليمن عززته الأسبوع الماضي في تصريحات صحافية لوزارة الخارجية الصينية تدعو الحكومة اليمنية إلى الالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها قبل الحرب بخصوص ميناء عدن.

ويلفت إلى أن ميناء بلحاف الذي يقع عليه أكبر ميناء لتصدير الغاز المسال في الجمهورية اليمنية يعد المنطقة الأهم التي تلهث الإمارات خلفها ويسيل لعابها لأجلها وتصر على إبقائها تحت سيطرتها مهما كان الثمن. بدوره يقول الباحث في المنظمة اليمنية للتنمية الاقتصادية عمار السماوي إن هدف الإمارات الأساسي في مشاركتها ضمن دول التحالف العسكري الذي شكلته السعودية ضد اليمن كان الانقضاض على موانئ اليمن وتعطيلها وبسط نفوذها على مضيق باب المندب الاستراتيجي والاستحواذ على جزيرة سقطرى الاستراتيجية (شرق) وتفتيت اليمن ليسهل لها تحقيق هذه الأهداف المشبوهة.

 تدمير الاقتصاد

واستبقت الإمارات خطوة التوقيع على اتفاق الرياض بتحركات ميدانية للتصعيد في سقطرى أول من أمس والتي حاولت أبو ظبي تنفيذ محاولات تلو الأخرى لبسط نفوذها فيها. وقامت الإمارات بتحريك مليشيات مدعومة منها للانتشار في الشوارع وإقامة اعتصام أمام بوابة مقر السلطة المحلية في المحافظة للمطالبة بالإطاحة بالمحافظ رمزي محروس.

ويرى الباحث الاقتصادي عمار السماوي أن أحد الأهداف التي عملت "دولتا التحالف" على تنفيذها منذ أول يوم من تدخلها في اليمن يتمثل في عزل البلاد اقتصاديا ورفع يد الدولة عن التحكم في مواقعها الاقتصادية السيادية وإدارة الموارد العامة وتم ذلك كما يقول بالتوازي مع خطة محكمة لإفقار الشعب وربطه بشكل تام بالمساعدات الإغاثية عبر مركز الملك سلمان والمنظمات الإغاثية الدولية.

في السياق يقول عميد كلية الاقتصاد والأعمال في الجامعة الأهلية الخاصة مصعب الأغبري إن الإمارات عملت على تقويض عمل الحكومة في عدن منذ أن اتخذتها عاصمة مؤقتة في 2016 وإنشاء كيانات عسكرية خارج إطار السلطة اليمنية بالإضافة إلى منعها من إنتاج وتصدير النفط والغاز وإدارة موارد الدولة نتيجة تحكم الإمارات بمواقع الإنتاج ومنافذ وموانئ التصدير.

ويشير إلى أن هذه التصرفات منعت الحكومة من إعادة تكوين احتياطي نقدي وإعادة الدورة النقدية إلى البنك المركزي في عدن وتبديد الموارد العامة التي تجري في قنوات مالية غير رسمية. ويؤكد الأغبري أن التحالف يستهدف تدمير اليمن وتفتيته وإغراقه بالحروب والفوضى والفتن ومنذ بداية الحرب يقوم بإجراءات وممارسات تعيق قدرة اليمن على استعادة اقتصادها وحمايته من مزيد من التهاوي والانحدار.

صلاح المليكي مهندس في شركة نفطية يشير إلى أن توقف التصدير وخروج الشركات الدولية والمحلية من مواقع الإنتاج كانا السببين الرئيسيين في توقف النشاط الاقتصادي في اليمن وتعطيل مواقعها ومنافذها السيادية وتبديد الموارد العامة رغم أن هذه المواقع في محافظات ومناطق لم تصل إليها الحرب أو تم تحريرها مبكرا مثل عدن والمحافظات الجنوبية والشرقية من البلاد. ويؤكد المليكي جاهزية الشركات المحلية والدولية للعودة للعمل رغم ما أحدثه التوقف من خسائر باهظة لليمن بالدرجة الأولى وللشركات العاملة في حقول الإنتاج والتصدير لكن كما يوضح، هناك العديد من المعوقات أغلبها أمنية نتيجة غياب الأمن وتقويض الدولة ووجود تشكيلات عسكرية في بعض مواقع الإنتاج والتصدير.

ويتحدث المليكي عن مشروع الغاز الطبيعي المسال الذي يتعرض لعبث إماراتي يتم بحقد كبير. ويضيف: بلحاف أكبر مشروع اقتصادي في تاريخ اليمن المعاصر ونقطة تحول مهمة ومحطة رئيسية في مسار الاقتصاد الوطني الذي يحتاج لدفعة نمو قوية، لكن مع الأسف ما يتعرض له من عبث يتطلب جهدا شاقا وهو مكلف ماديا لإصلاحه وإعادة تشغيله.

ويؤكد أن إنشاء المشروع كلف اليمن 5.4 مليارات دولار، إذ تصل كمية الإنتاج الكلية للمشروع إلى 6.7 ملايين طن متري سنويا، ويتوقع مساهمة المشروع في رفد الإيرادات العامة بحوالي 30 - 50 مليار دولار خلال السنوات الثلاثين القادمة.

وحولت الإمارات أهم منشأة اقتصادية في اليمن إلى ثكنة عسكرية حسب محافظ شبوة محمد صالح بن عديو في تصريحات صحافية الشهر الماضي قال فيها: طلبنا من هادي مخاطبة الإخوة السعوديين لإقناع الإماراتيين بإخلاء منشأة الغاز في بلحاف لأنها أكبر مشروع اقتصادي على مستوى اليمن لافتا إلى أن الإماراتيين حولوها ثكنة عسكرية وكدسوا فيها جميع أنواع الأسلحة. وقدّر تقرير حديث صادر عن قطاع الدراسات الاقتصادية في وزارة التخطيط بالتعاون مع منظمة اليونيسف تكلفة الفرص الضائعة في الناتج المحلي الإجمالي في اليمن جراء العدوان العسكري والحرب المستمرة على اليمن منذ نحو 5 سنوات بحوالي 66 مليار دولار الأمر الذي أدى إلى تقليص فرص العمل وتفاقم معدلات البطالة والفقر.

السعودية تهيمن على نفط اليمن.. وتمنع وصوله للمدنيين

بالرغم من امتلاكها ثاني أكبر احتياطي نفطي بالعالم، تصرّ “السعودية” على الإستحواذ على ثروات اليمن النفطيّة واحتجاز سفن النفط لمنع وصولها إلى ميناء الحديدة في الوقت الذي تمرّ فيه البلاد بأزمة إنسانيّة خانقة. تُقدّر ثروة اليمن بحوالي 3 و4 مليارات برميل أي ما لا يتجاوز 1.5% من الإحتياطي السعودي ومع ذلك تمضي “السعودية” قدماً بمشاريع التنقيب عن النفط والغاز في مناطق واعدة باليمن.

الكثير من المراقبين يؤكدون أن “السعودية” تقف وراء عدم الإستكشاف والتنقيب عن الثروة النفطية في بعض المناطق اليمنية بل تذهب إلى أن الرياض أجبرت اليمن على عدم الإنتاج من مناطق أكدت عمليات استكشاف أنها تحتوي على نفط كما في محافظة الجوف الواقعة شرقي البلاد والمتاخمة للحدود السعودية. تتجلّى أيضاً أبرز مشاهد الإستيلاء على النفط في اليمن، بمواصلة التحالف السعودي احتجاز السفن النفطية لأكثر من 77 يوم لمنعها من الوصول إلى ميناء الحديدة وتغطية احتياجات المواطنين، مع العلم أن إجمالي الكميات المحتجزة من المشتقات النفطية يبلغ 19,718 طن بنزين و117,308 طن ديزل.

وسبق أن قال المتخصص بالشأن الإقتصادي اليمني هشام البكيري : أن “القطاع النفطي في اليمن ما يزال بِكراً وواعداً”، مشيراً إلى أن “هناك تقارير لمؤسسات غربية تتوقع وجود كميات نفطية كبيرة في باطن الأراضي اليمنية إلا أن ضعف سلطة الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية والاقتصادية من أكبر العوائق التي تمنع الاستكشافات النفطية”.

البكيري لفت في نفس الوقت إلى أن “السعودية” قد تعرقل استخراج النفط كونه لديها سوء نية تجاه اليمن. وذكر أنه منذ قيام الثورة اليمنية في فجر 26 سبتمبر 1962م وهي تتدخل بكل ثقلها في تشكيل البنية السياسية والعسكرية والإقتصادية لليمن.

يذكر أن دبلوماسي يمني أعلن بوضوح أن “السعودية” تقف وراء منع التنقيب ليس فقط في محافظة الجوف بل الحُديدة أيضاً مؤكداً أنها استغلت ضعف إمكانات البلد الذي لا يستطيع تحمُّل نفقات عمليات التنقيب والاستكشاف الضخمة كما أنها كانت تعرقل أي محاولة اتفاق مع شركات أجنبية أخرى.

المزيد في هذا القسم: