قائد الثورة الإسلامية الإيرانية يُبدِّد رهانات إخضاع عمق المقاومة

المرصاد نت - علي حيدر

يتجاوز الرفض الحاسم لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي لخيار المفاوضات مع الولايات المتحدة الأميركية في أبعاده ومفاعيله الساحة الداخلية الإيرانيةAlamam2018.8.21 ويعكس تأكيده أن واشنطن تدرك عواقب أيّ حرب تشنّها على إيران وهو ما سيحوّل من دون تورطها بخيار كهذا الرؤية التي تنطلق منها إيران في سياساتها ومواقفها في مقابل التهويل والعقوبات الأميركية. وبدّدت لاءاته الرهانات المتفائلة بشأن إمكانية إضعاف موقع محور المقاومة في معادلات الصراع مع إسرائيل في سوريا ولبنان وفلسطين في سياق الحرب الاقتصادية الأميركية وتشير أيضاً إلى المسارات التي قد تسلكها التطورات في هذه المنطقة.

حسم الخامنئي الموقف من الاقتراحات الأميركية ومن سياسة التهويل التي تتبعها ضد إيران بهدف جرّها إلى طاولة المفاوضات من أجل فرض اتفاق جديد عليها يتناول القضايا النووية، والصاروخية الإقليمية المتصلة بالموقف من فلسطين والمقاومة... ووجّه ضربة حاسمة إلى الذين رفعوا السقف عالياً واستعجلوا نتائج فورية استناداً إلى فرضية أن القيادة في إيران ستهرول من أجل تفادي سيناريوات الانهيار الاقتصادي أو الحرب للقبول بالمعادلة التي تسعى واشنطن إلى فرضها.

وتستند هذه التوقعات إلى قراءة وتقدير يروِّج له نتنياهو منذ سنوات وينصّ على معادلة مفادها أنه عندما يرى النظام الإسلامي في طهران نفسه بين خيارين، إما السقوط أو التنازل الإقليمي، من الطبيعي أن يختار الخيار الثاني.

مع أن هذا التقدير - الرهان، ينطوي للوهلة الأولى على قدر من الاعتبار، لكنه يستند إلى تصوّر أنّ بالإمكان حشر إيران بين هذين الخيارين، وأيضاً إلى فرضية أن الطرف المقابل سيبقى ومصالحه وأمنه، في مأمن من الرد الإيراني... والخطأ الأساسي الذي تقع فيه هذه التقديرات، أنها تخلط بين إيران في واقعها وقدراتها الحالية، وامتداداتها الإقليمية، وبين إيران خلال فترة الثمانينيات.

لا يقتصر الموقف الذي أعلنه «الولي الفقيه» بأنه لن تقع حرب مع الولايات المتحدة على طمأنة الشعب الإيراني وهو مطلب كان ضرورياً للقيادة الإيرانية بل هو أيضاً رسالة إلى الخارج، لجهة أن طهران تدرك أن مؤسسة القرار الاميركي لن تجرؤ على الانتقال إلى مرحلة شنّ حرب عسكرية عليها وهو ما أوضحه بالقول: «لن يبدأوا الحرب لأنهم حسب ظني يعلمون هم أيضاً أنهم إذا بدأوا حرباً هنا فستنتهي بضررهم مئة بالمئة». وأهمية هذا الموقف أنه يتجاوز كونه تقدير لخيارات العدو انطلاقاً من أن هناك فرقاً جوهرياً بين قيادة تنتهج سياسات وتتخذ مواقف استناداً إلى تقدير بأن عدواً بحجم الولايات المتحدة سيشنّ حرباً عليها نتيجة تمسكها بثوابتها وبين سياسات ومواقف تستند إلى ثقة كبيرة بمفاعيل قدرتها الردعية وتأثيراتها في صناع القرار لدى أعدائها.

خطورة هذه الرؤية بالنسبة إلى تل أبيب وواشنطن، أنها تشكل منطلقاً لتحصين خيارات إيران التي تنتهجها، وهو السلوك الإقليمي الذي تقول واشنطن إنها تسعى إلى تغييره. بل يمكن التقدير أيضاً إلى حد الجزم أن هذه الرؤية تشكّل مؤشراً قوياً على حجم الرد الذي قد تبادر إليه إيران في مواجهة أي رسالة عسكرية محدودة (وهي تختلف عن الحرب التي استبعدها الخامنئي) يمكن أن تبادر إليها الولايات المتحدة، لتعزيز صدقية تهديداتها ورفع مستوى ضغوطها وهو ما أكده مرشد الجمهورية الإسلامية، بالقول: «قد يوجه (العدو) ضربة ما، لكنه سيتلقى هو الضربة الأكبر».

وكان واضحاً أن احتمال وقوع الولايات المتحدة في خطأ ما في التقدير كان حاضراً لديه أيضاً («صحيح أنهم قد لا يفهمون بعض الأشياء»)، لكنه عاد ورجّح ألّا يكونوا على هذا القدر من الغباء، «أخال أنهم ليسوا إلى تلك الدرجة التي لا يفهمون معها هذا الشيء» في إشارة إلى الرد الذي سيتلقونه والأضرار التي ستترتب عنه. ويفترض أن تكون هذه الرسائل وما انطوت عليه قد حضرت بقوة على طاولة القرار في واشنطن، وتحديداً لدى الجهات العسكرية التي يفترض أنها تدرس مفاعيل أي خيار عدواني أميركي وتداعياته.

نقطة الارتكاز الأساسية التي يستند إليها النظام الإسلامي في إيران، في تمسكه بخياراته الإقليمية، تعود بالدرجة الأولى إلى متانة التفاف أغلب الشعب حوله، وهو ما أكدته مراحل الصراع التي مرت بها طوال العقود السابقة وتحديداً منذ ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003. ويعكس حقيقة أن النظام يتعامل على أنه انتصر في معركة الأجيال التي راهن عليها أعداءه. ويحضر في هذا السياق أن من هم دون الأربعين، تقريباً لم يشهدوا نظام الشاه ولا انتصار الثورة في عام 1979 ومن هم دون الـ29 عاماً لم يشهدوا الإمام الخميني ولا فترة الحرب الإيرانية ــ العراقية وهم أغلب من استند إليهم النظام في كل مراحل الصراع التي مرت بها المنطقة. وعلى هذه الخلفية كانت إشارة الخامنئي قبل أيام إلى أن إيران «انتصرت في الحرب الثقافية وانهزم العدو في هذه الحرب» مشيراً إلى أن «مواليد عقد التسعينيات (من القرن الماضي) يذهبون الآن ويضحون بأرواحهم كمدافعين عن المراقد المقدسة... لقد تفتحت هذه الأزهار في روضة الجمهورية الإسلامية في تلك الفترة التي شُنَّ خلالها ذلك الهجوم الثقافي الواسع».

في الخلاصة هدفت إدارة دونالد ترامب، ومعها تل أبيب، من خلال العقوبات المقرونة بالتلميح والتسريب، عن خيارات عسكرية (تحديداً في تل ابيب) إلى وضع النظام الإيراني بين خيارات محدَّدة: إما الخضوع للمطالب الأميركية أو تقويض النظام من الداخل. وإذا سُدَّت السبل يبقى الخيار العسكري كورقة يُلوَّح بها كخيار أخير بهدف دفع الشعب الإيراني إلى الضغط على النظام من أجل «تغيير سلوكه» الإقليمي.

لكن رفض الخامنئي الحاسم للمفاوضات والتشديد على أن الولايات لن تجرؤ على شنّ حرب عسكرية على يران كسر هذه الحلقة وبدّد رهانات صناع القرار في تل أبيب وواشنطن على إمكانية تحقيق طموحاتهم المستعجلة خاصة في ما يتعلق بإمكانية الجلوس إلى طاولة مفاوضات مع إدارة ترامب وثبَّت مجدداً وجهة إيران الإقليمية والاستراتيجية في ظل الهجمة الأميركية.

لن يطول الوقت حتى تظهر مفاعيل حضور هذا الموقف في تل أبيب وواشنطن اللتين ستجدان نفسيهما ملزمتين بدراسة الخيارات المجدية إلى جانب العقوبات. وإلا فنحن أمام جهات دولية وإقليمية لم ينضج فهمها حتى الآن لواقع إيران الحالي بكافة عناصره وامتداداته وآلية صناع القرار فيها، وخلفية تمسكها بخياراتها الاستراتيجية.

مع ذلك ليس من المستبعد أن يبقى الرهان في واشنطن وتل أبيب وعواصم إقليمية حليفة، متمحوراً حول هذا الخيار، بفعل الكلفة الهائلة للخيارات البديلة، أو بفعل قراءات خاطئة للواقع الإيراني والمرجَّح أن يكون الإسرائيلي مباشرة ولوبيات في واشنطن تُسوِّق لتقديرات متفائلة بهدف شرعنة هذه الخيارات، واستمرارها على أمل يراود تل أبيب وتسعى إليه، بتوريط الولايات المتحدة في مواجهة إيران التي تشكل العمق الاستراتيجي لمحور المقاومة بعد فشل الرهان على الجماعات الإرهابية والتكفيرية وفي ظل إقرار بمحدودية خياراتها لإحداث تغيير جذري في المعادلة الإقليمية بالاستناد إلى قدراتها الذاتية.

النتيجة الفورية والمباشرة لمواقف الخامنئي أنّ التصعيد الأميركي ضد إيران لن يُضعف معادلة الردع الإقليمي في مواجهة إسرائيل بل عزَّزت مجدداً حقيقة أن بإمكان المقاومة في لبنان والمنطقة التأسيس على صلابة عمقها الاستراتيجي وثباته في طهران.

«توتال» تغادر «بارس»: الصين بديل إيران الجاهز

خرجت «توتال» رسمياً من أكبر مشاريعها الاستثمارية في إيران. وتحت ضغط العقوبات الأميركية تلاشى مشروعها المُقدَّر بقيمة 4.8 مليارات دولار لتطوير حقل بارس الجنوبي في قسمه الإيراني أكبر حقل غاز في العالم. الشركة الفرنسية كانت أعلنت قبل أسابيع قرارها تاركة إمكانية العودة عنه لما تفضي إليه اتصالات الحكومة الفرنسية مع واشنطن للاستحصال على استثناء من العقوبات الأميركية. لكنّ تعنّت الأميركيين في رفض إعطاء باريس أي استثناء حتّم على الشركة عدم المغامرة بمصير استثماراتها الأميركية التي تبلغ ضعفَي ثمن حصتها من «بارس» (10 مليارات دولار) ومشاركة المصارف الأميركية في 90 في المئة من عملياتها المالية وذلك على الرغم من أن الشركة تكلّفت بإنفاق ما يُقدَّر بـ 40 مليون يورو حتى مرحلة قريبة.

ومن المرجّح أن تستفيد الشركة الصينية (شركة البترول الوطنية الصينية «CNPC») الشريكة لـ«توتال» في الاستثمار من غياب الشركة الفرنسية كما يؤكد مسؤولون إيرانيون رغم تشكيك فرنسي في قدرة باقي الشركات على تقديم تكنولوجيا متطورة لإنتاج الضغط اللازم لاستغلال الغاز. لكن عملياً ووفق اتفاق «بارس»، تستحوذ الشركة الصينية على حصة الشركة الفرنسية وتعمل مكانها كرئيسة للكونسورتيوم.Toatal2018.8.21

سياسياً تنظر كل من طهران وباريس إلى الأمر بسلبية كبيرة ولو من زاويتين مختلفتين؛ فالإيرانيون يلمسون بذلك عدم قدرة دول الاتحاد الأوروبي على حماية شركاتها من العقوبات الأميركية وبالتالي انحسار جدوى التعاون مع أوروبا للحفاظ على مكتسبات الاتفاق أو اقتصاره على شركات صغيرة ومتوسطة لا تحدث الفارق المأمول اقتصادياً. أما الفرنسيون فكانوا حذّروا من أن عدم إعطاء شركاتهم الحماية اللازمة سيفتح الباب واسعاً أمام الشركات الروسية والصينية لتكون الدول الغربية الخاسر الوحيد من السياسة الأميركية لحساب تقدم تجاري لكل من موسكو وبكين.

ويبدو أن الموقف الصيني من العقوبات الأميركية لا يقتصر على الاستفادة من غياب الشركات الأوروبية بل يتخذ أشكالاً أكثر تطوراً في رفض العقوبات والالتفاف عليها، بنظام مشابه لما كان مُتَّبعاً في العقوبات الماضية بين عامي 2012 و2016 إذ نقلت «رويترز» عن مصادر أن مشترين صينيين للنفط الإيراني بدأوا بتحويل شحناتهم إلى سفن مملوكة لشركة الناقلات الوطنية الإيرانية لنقل وارداتهم. وتُعدّ السياسة التجارية الصينية تأكيداً لإصرار الصين على عدم الالتزام بالعقوبات من جهة وفي الوقت نفسه تجنيب شركات الشحن الكبرى العقوبات من جهة أخرى. كذلك الأمر، فإن بكين لن تكون رهن شركات الشحن والتأمين الكبرى التي غادرت مخافة العقوبات. ونقلت «رويترز» عن مسؤول تنفيذي كبير في قطاع النفط الصيني قوله إن «التغيير بدأ منذ فترة قريبة جداً وكان مطلباً متزامناً من الجانبين».

في غضون ذلك جدّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مهاجمة سياسة العقوبات الأميركية مُعترِفاً بخطأ الرهان على تغيّر في سياسة واشنطن «المريضة بإدمان العقوبات». وقال ظريف في مقابلة مع «سي. أن. أن.» الأميركية إنه «حتى خلال إدارة أوباما ركّزت الولايات المتحدة أكثر على إبقاء العقوبات التي لم ترفعها بدلاً من تنفيذ التزاماتها بموجب العقوبات التي رفعتها». وأضاف: «شعرنا أن الولايات المتحدة تعلمت أنه على الأقل فيما يتعلق بإيران فإن العقوبات تؤدي إلى صعوبات اقتصادية ولكنها لا تعطي النتائج السياسية التي كانوا يتوخّونها». وتطرّق ظريف إلى تجربة المفاوضات مع الأميركيين قائلاً: «كنت أعتقد أن الأميركيين تعلموا الدرس. لكنني للأسف كنت على خطأ».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية