المرصاد نت - متابعات
في خطوةٍ لافتةٍ ومُستغرَبة أعلنت وزارة الدفاع الأميركية نيّتها خفض عديد قوات مُكافحة الإرهاب في أفريقيا بنسبة 10% بهدف تحسين بنية الجيش الأميركي لمواجهة التهديدات الجديدة التي تمثلها دول مثل الصين وروسيا وذلك تطبيقاً لسلّم الأولويات التي وضعتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في استراتيجية الأمن القومي حيث احتل الخطر الإرهابي المرتبة الثانية لأول مرة منذ عام 2001 بينما اعتبر "التنافُس مع القوى الصاعِدة، كالصين وروسيا" من أبرز التهديدات الأكبر التي تتعرّض لها الولايات المتحدة.
وبغضّ النظر عن الإعلان عن سحب المئات من الجنود الأميركيين، يبقى لأفريقيا مكانة هامة في التخطيط الاستراتيجي الأميركي، وقد عكس وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون الأسبق هذه الأهمية حين اعتبر " إن أمن بلادنا وازدهارها الاقتصادي مرتبطان بأفريقيا كما لم يحدث من قبل". وأشار إلى أن ستة من أسرع عشرة اقتصادات نمواً في العالم هذا العام ستكون أفريقية، وأضاف "لكي يفهم المرء الاتجاه الذي يسير إليه العالم، يجب أن يفهم أن أفريقيا هي المستقبل".
لماذا يُقلّص الأميركيون إذًا عديد قوات مُكافحة الإرهاب الأفريقية؟
عام 2007 أنشأت الولايات المتحدة قوّة "أفريكوم" AFRICOM وهي وحدة مكوّنة من قواتٍ مقاتلةٍ موحّدة تحت إدارة وزارة الدفاع الأميركية وهي مسؤولة عن العمليات العسكرية الأميركية، وعن العلاقات العسكرية مع 53 دولة أفريقية في أفريقيا عدا مصر، التي تقع في نطاق القيادة المركزية الأميركية.
ولقد توسّعت مهمة تلك الوحدة رويداً رويداً، لتشمل مهمّات غير قتالية؛ كالمساعدة على بناء الدولة والمجتمع والتنمية الشاملة. ولقد برّر الجيش الأميركي هذا التوسّع المستمر في نطاق مهام أفريكوم بأن بيئة المنطقة الرمادية بين المهام القتالية وبناء الدولة تبدو مُعقّدة وأن التهديدات الأمنية تنبع بشكلٍ أساسي من البطالة وعدم التنمية والحِرمان ، بالإضافة إلى أن مشاكل الفساد وتصرّفات قوات الأمن الحكومية المُسيئة تجعل المواطنين الأفارقة "أهدافاً رئيسية للاستغلال من قِبَل المُجرمين ومنظمّات الإرهابيين في جميع أنحاء القارة ".
وكان الرئيس باراك أوباما قد أعلن عام 2012 عن استراتيجية جديدة في أفريقيا تقوم على مفهوم الأمن الوقائي ، وذلك من خلال تنفيذ خطوات إستباقية في مجالات إنسانية واقتصادية واجتماعية عدّة جنباً إلى جنب مع الخطوات العسكرية والأمنية بهدف تجفيف منابع الإرهاب من جذورها.
وبدت أفريقيا أقلّ أهمية في الاستراتيجية الأميركية في إدارة ترامب، عندما وصف الرئيس ترامب البلدان الأفريقية بـ"الحُثالة"، إلا أنه عاد ووجّه رسالة إلى رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي أثناء تجمّعهم في أديس أبابا، وأرسل زوجته ميلانيا للقيام بجولةٍ في بعض الدول الأفريقية.
وعليه، يُدرك الأميركيون أن مُكافحة الإرهاب في أفريقيا هي جزء من الصِراع الدائِر بين القوى الكبرى على خيرات هذه القارة والسيطرة على مواردها وأسواقها، لذا لا يمكن أن يكون الإعلان عن تقليص عدد الجنود هو بداية انسحاب أميركي أو اتجاه لترك فراغ في أفريقيا سيهرع كل من الصينيين والروس لملئه بسهولة. لكن - باعتقادي - قد يقلّص الأميركيون العنصر العسكري ليحلّ محله العنصر المدني المُتخصّص، وذلك لعدم زيادة موازنة مُكافحة الإرهاب من جهة، وللعمل بفعالية أكبر خاصة بعد دخول الروس إلى الساحة الأفريقية، بعدما كان التنافُس أميركياً صينياً لفترةٍ طويلة.
لطالما أعلن الأميركيون أن مُكافحة الإرهاب في أفريقيا تحديداً لا تتطلّب عملاً عسكرياً بالدرجة الأولى إذ تشير الدراسات إلى أن البطالة وليس الدين هي ما تجذب الشباب للانخراط في بوكو حرام وممارسة الإرهاب (على سبيل المثال)، بالإضافة إلى استفادة الإرهابيين من ضعف الدولة المركزية وغياب التنمية والفقر والجوع وتعسّف السلطة لاستغلال الشباب وتجنيده خاصة في البيئات التي يستطيع فيها الإرهابيون أن يقدّموا المساعدات الاجتماعية. ولطالما شكا الأميركيون من أن الجيش الأميركي - وضمن نطاق عملياته في أفريقيا- يقوم بمهمات ليست من مهام الجنود أصلاً.
إذًا، إن انسحاب بعض الجنود الأميركيين من أفريكوم قد يكون هدفه إعادة تموضع وسحب لبعض العناصر العسكرية تمهيداً لاستبدالها بقوى ذات طابع غير عسكري ومن ضمن التنافس مع الصين وروسيا في أفريقيا أيضاً وليس خارجها.
كتب : ليلى نقولا - أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
المزيد في هذا القسم:
- تهديد سعودي بتجميد عضوية لبنان في الجامعة العربية المرصاد نت - متابعات الاتفاق الفرنسي مع السعودية على إطلاق رئيس الحكومة سعد الحريري لم يلجم الرياض عن اتخاذ خطوات تصعيدية إضافية تجاه لبنان فحرّكت مدّاحيها في...
- "جامعة الدول العربية" غربية بثياب عربية! المرصاد نت - متابعات وكما كان متوقعاً أتت القمّة العربيّة الهاربة من عاصمتها الرياض إلى مدينة الظهران من الصواريخ اليمنية البالستية مخيّبة للآمال العربية ح...
- التهويل الإسرائيلي على لبنان وحديث الأنفاق ! المرصاد نت - متابعات ما تعجزُ إسرائيل عن تحقيقِه في الحرب والعدوان تحقَّقُه بالدعاية والتهويل. العدوّ يعاني من معضلة في تعاطيه مع لبنان وهذه المعضلة لم تزدْها...
- التحالف الإيراني - الروسي تكتيكي أم استراتيجي؟ المرصاد نت - متابعات بعد الاعتداءات الجويّة المتكررة التي شنّها الكيان الصهيوني على سوريا طوال الشهور الماضية والتي ردّت عليها دمشق بـ 68 صاروخاً استهدفت مواق...
- مصر : تسارع التحضيرات للاستفتاء.. السيسي باقٍ حتى 2030 م! المرصاد نت - متابعات استقرّ البرلمان المصري على تمديد ولاية عبد الفتاح السيسي عامين لتنتهي في 2024م على أن يحق له الترشّح مجدداً لولاية واحدة فقط لا اثنتين في...
- الحريري ينهي الاستشارات النيابية لتأليف الحكومة اللبنانية المرصاد نت - متابعات أنهى الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اللبنانية سعد الحريري السبت الاستشارات النيابية التي أجراها تمهيدا لاختيار الوزراء الجدد وتوزيع الحقائب ...
- الجيش السوري يفتح محاور درعا: عزل الريف الشرقي يقترب المرصاد نت - فراس الشوفي فتح الجيش العربي السوري محاور جديدة في الريف الشرقي لمحافظة درعا واضعاً المسلحين بين كماشة تقدمه انطلاقاً من اللجاة نحو الجنوب ومن مد...
- سوريا : عدوان إسرائيلي جديد والجيش يوسع السيطرة جنوباً المرصاد نت - متابعات يستمر الجيش العربي السوري في توسيع سيطرته في المنطقة الجنوبية فبعدما سيطر على كامل الحدود مع الأردن باستثناء كيلومترات عدّة يسيطر عليها ف...
- الأمم المتحدة: لقاءات متواصلة بين الجيش الإسرائيلي والجماعات المسلحة المرصاد نت - متابعات بعد تقرير صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية الذي كشفت فيه عن دعم إسرائيل للجماعات الارهابية المسلحة المتمركزة جنوب سوريا بهد...
- بعد إسقاط الطائرة المسيّرة: كيف تتمركز البحرية الأميركية؟ المرصاد نت - متابعات تواصل حاملة الطائرات النووية "يو اس اس ابراهام لنكولن" انتشارها في مياه الخليج بالقرب من بحر عمان ترافقها المجموعة الهجومية بقيادة "يو أس...