عودة انقلابات «الإمبراطورية»: فنزويلا تقاتل عن العالم !

المرصاد نت - متابعات

إنها الساعة الصفر التي انتظرتها الولايات المتحدة بفارغ الصبر للانقضاض على الثورة البوليفارية التي كانت فاتحة عهد الاستقلال اللاتيني وركيزة انطلاق المشروع المناهض Madaora2019.1.25لسياسات الاستعباد بحق نصف مليار نسمة وتحويل أكثر من عشرين مليون كلم مربع إلى حديقة خلفية معزولة عن الخريطة السياسية الدولية.

تغيّرت الأزمنة كثيراً منذ 11 أيلول/ سبتمبر 1973. فلم تعد المخابرات المركزية الأميركية عند تنفيذ برامجها لإسقاط الأنظمة بحاجة إلى إخفاء دعمها للانقلابيين كما اضطرت إلى أن تفعل مثلاً خلال انقلاب الجنرال بينوشيه على حكومة الرئيس سيلفادور الليندي المنتخبة.

اليوم ينزل الانقلابيون علناً وكأنهم ذاهبون إلى حفل عام ويقفون أمام حشود المؤيدين ليعلن أحدهم خلع الرئيس المنتخب ديمقراطياً بإرادة أغلبية المواطنين وتسلّمه للسلطة رئيساً انتقالياً للبلاد. ولا يكاد هذا «الأحدهم» ينزل عن المنصة حتى يكون رئيسُ الولايات المتحدة شخصياً أول مهنئيه مُعلناً منحه الشرعية واعتراف «الإمبراطورية» به قبل أن يتسابق الحكام الفاسدون في الدول الدائرة في الفلك الأميركي إلى الإقرار بما يراه البيت الأبيض.

هذا تماماً كان سيناريو الانقلاب المتلفز الذي شاهده الملايين عبر العالم في بثّ حي ومباشر من العاصمة الفنزويلية كاراكاس أوّل من أمس. ردود الفعل تراوحت بين الإدانة والتأييد بحسب المرجعية الأيديولوجية لصاحبها. ومع ذلك، فإن الجميع اشترك في وصف الأوضاع الاقتصادية المتردية التي انتهت إليها فنزويلا وصعوبات العيش التي يعاني منها المواطن الفنزويلي العادي بعد عشرين عاماً على تولّي هوغو تشافيز السلطة في البلاد وإطلاقه ثورته البوليفارية ..

لم يصمد الحلم «الوحدوي» اللاتيني أكثر من عقد ونصف عقد. فالحرب الناعمة انتقت أهدافها بعناية ودقة؛ إذ رعت واشنطن بإداراتها المتعاقبة الانقلابات الدستورية حيث استطاعت.

أسقطت رئاسة القسّ فرناندو لوغو في الباراغواي عام 2011 ثم قادت عزل الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف عام 2015 وتسلّلت إلى الأرجنتين بالتأثير الاقتصادي والإعلامي. لكن فنزويلا التي ظلّت عصية على اختراق بنيتها السياسية والاجتماعية كانت ثمة حسابات أخرى إزاءها فبدأت اللعبة بسياسات الحصار والتجويع واستمرّت عبر إشاعة الفوضى والانقسام الداخلي، ولم تنتهِ بالتلويح بالخيارات العسكرية لإسقاط آخر قلاع اليسار في أميركا الجنوبية.

 يعتقد الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن الفرصة أصبحت سانحة للتخلّص من عدوه اللاتيني الأول نيكولاس مادورو خصوصاً بعد خسارة الأخير بُعده الإقليمي بفعل التحوّلات السياسية التي أنتجت أنظمة تتناغم مع المشروع الأميركي وجاهزية المعارضة الفنزويلية للمواجهة الداخلية بعد إرغامها على التخلّي عن خلافاتها الحادة في ما بينها وتوحيدها خلف رئيس «الجمعية الوطنية» خوان غوايدو وقطع الطريق أمام أي حوار داخلي لتنظيم الأزمة.

كلها إجراءات ترافقت مع إنهاك الشعب الفنزويلي بفعل الحصار المطبق وتضييق الخيارات أمامه ما أعطى المعارضة هامشاً شعبياً استثمرته في الانقلاب السياسي في انتظار تداعيات المشهد الداخلي، وقيادة المواجهة الحاسمة مع القوى الداعمة لمادورو خصوصاً المؤسسة العسكرية التي لا تزال متمسكة بخياراتها الوطنية على رغم التهويل الدولي الذي تمثّل في الاعتراف برئيس البرلمان المعارض رئيساً انتقالياً للبلاد.

في تفاصيل الأسباب التي أدّت إلى تداعي المشهد الفنزويلي بوتيرة سريعة يرجّح الخبراء أن ترامب يريد حسم هذا الملف الذي سيعطيه دفعاً داخلياً هو بأمسّ الحاجة إليه للحدّ من أزماته الداخلية الحادة كما سيشكّل إنجازاً استراتيجياً قد يستثمره على المدى البعيد خصوصاً في الانتخابات الرئاسية المقبلة إضافة إلى الأطماع الأميركية في النفط الفنزويلي لا سيما أن كاراكاس تستعدّ لبدء التنقيب في مياهها الإقليمية المحاذية لدولة غويانيا التي قد تحول هذا البلد اللاتيني إلى أكبر منتج للنفط في السنوات القليلة المقبلة.

الأهم من ذلك قطعُ الطريق أمام روسيا في إيجاد موطئ قدم خلف الأطلسي خصوصاً بعد ورود معلومات عن اتفاق روسي ــــ فنزويلي على إنشاء قاعدة عسكرية روسية على جزيرة لا أورشيلا الفنزويلية التي تبعد أقل من 1500 كلم عن ولاية فلوريدا الأميركية لاعتراض الصواريخ البعيدة المدى التي قد تستهدف المقاتلات والبوارج الروسية. المخاوف الأميركية أكدها هبوط أربع مقاتلات روسية حديثة من نوع «TU-160» في مطار سيمون بوليفار وسط كاراكاس أواخر العام الماضي إضافة إلى تصريحات وزير الدفاع الفنزويلي فالدمار بادرينو عن حق بلاده في إنشاء معاهدات الدفاع المشترك مع الأصدقاء.

وعلى رغم جدية الإجراءات الأميركية وتأثيرها في الداخل الفنزويلي إضافة إلى تحشيد الدول الموالية لواشنطن من أجل سحب شرعية مادورو فإن مطلعين يرون أن «سقوط فنزويلا» لن يكون أمراً سهلاً خصوصاً أن المعارضة لم تستطع خرق المؤسسة العسكرية التي لا تزال متماسكة خلف الرئيس بل رفض قياديوها الانصياع إلى ما رأوا فيها «مشاريع مشبوهة» واصفين تنصيب غوايدو بـ«المنافي للقوانين والقيم التاريخية».

لذلك قد تمتد الأزمة التي أرادت أن تحسمها واشنطن بسرعة قياسية إلى وقت يفوق الحسابات الأميركية التي قد تصطدم بمصالح حلفاء كاراكاس. هؤلاء أكدوا تمسكهم باحترام الديموقراطية الفنزويلية ورفض أي وصاية خارجية، وهي مواقف تصاعدت منذ أمس لتصل إلى تحذير صيني ــــ روسي للولايات المتحدة من الإمعان في توتير الساحة الفنزويلية أو التفكير في أي إجراء عسكري.

الجيش يصطفّ مع الرئيس: لا اعتراف بالانقلابUSA Amraica2019.1.25

تواصل الولايات المتحدة تزخيم محاولتها الانقلابية في فنزويلا وسط انقسام دولي على الأزمة. أما داخلياً، وإن بدأت كراكاس تستعيد زمام المبادرة في ظلّ مواقف الجيش والدول المتضامنة، فإن انفلاش الأزمة لا يوحي بحل في القريب العاجل

لا يبدو أن محاولة الانقلاب الأميركية التي ينفذها رئيس البرلمان الفنزويلي خوان غوايدو انتهت إلى الخواتيم التي يريدها نظام كراكاس في ظلّ استمرار التصعيد الداخلي والخارجي وتوسّع الاستقطاب الدولي حول الأزمة المفتوحة. مع ذلك فإن وزير الدفاع الفنزويلي فلاديمير بادرينو الذي ظهر أمس في مؤتمر صحافي محاطاً بكبار الجنرالات أوحى بميل الكفة داخلياً إلى فريق الرئيس نيكولاس مادورو. إذ شدّد الوزير على رفض الانقلاب على الشرعية وعدم القبول بـ«الاعتراف برئيس غير شرعي جاء بدعم خارجي ومن دون انتخابات ديموقراطية من قِبَل الشعب». وجدد بادرينو وصف ما يجري في البلاد بـ«الانقلاب» قائلاً: «أؤكد حدوث انقلاب ضد الهياكل المؤسساتية والديموقراطية والرئيس الشرعي نيكولاس مادورو».

من جهته رأى وزير الخارجية خورخي أريازا في تغريدة على «تويتر» أمس أن الإدارة الأميركية تقود الانقلاب وهي «لا تقف وراء محاولة الانقلاب بل أمامها». وكتب قائلاً: «لقد خططوا للانقلاب في واشنطن ويقومون بتطبيقه بشكل واضح عبر تعليمات أعطوها لدولهم التابعة لهم». في غضون ذلك، أعاد الرئيس مادورو، أمس، التأكيد على قرار قطع العلاقات مع واشنطن معلناً أن بلاده ستغلق سفارتها وجميع قنصلياتها في الولايات المتحدة.

مقابل الاستنفار في كراكاس تستنهض الولايات المتحدة قواها وحلفاءها لإبقاء الضغوط على فنزويلا وتصعيد الإجراءات ضدها. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن مصادر دبلوماسية أن واشنطن طلبت عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في فنزويلا وهو ما ترفضه موسكو معارِضةً عقد اجتماع يتناول «موضوعاً داخلياً» في فنزويلا.

بالموازاة أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون أن الإدارة تركز اهتمامها على قطع الإيرادات المالية عن الرئيس مادورو وحكومته. وكرر التهديدات الأميركية لكراكاس، بالقول إن ثمة «خطوات أخرى في الاتجاه ذاته تتم دراستها» من دون الإفصاح عن المقصود. ووصف وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو نظام مادورو بأنه «غير شرعي ومفلس أخلاقياً» معرباً عن استعداد بلاده لتقديم مبلغ 20 مليون دولار كمساعدات إنسانية للشعب الفنزويلي. وفي كلمة له أمس في واشنطن أمام المجلس الدائم لـ«منظمة الدول الأميركية»، دعا بومبيو جميع الدول إلى «سلوك الخيار الصحيح» والاعتراف بغوايدو محذراً من سماهم «فلول نظام مادورو» من استخدام العنف.

على المقلب الآخر وإلى جانب المواقف الداعمة والمتضامنة مع كراكاس من كوبا وسوريا وإيران وتركيا والمكسيك وبوليفيا برز الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الفنزويلي وأعرب فيه عن «دعمه للسلطات الشرعية في فنزويلا وسط تفاقم أزمة سياسية تسبّب بها الخارج» بحسب ما أورد الكرملين.

وفي الاتصال الذي اتفق فيه الجانبان على «مواصلة التعاون الروسي الفنزويلي في مجالات مختلفة» ندّد بوتين بـ«تدخل خارجي مدمر يقوّض في شكل صارخ المعايير المؤسِّسة للقانون الدولي» داعياً إلى «تجاوز التباينات في المجتمع الفنزويلي عبر حوار سلمي» والحلول «في إطار المجال الدستوري».

أما بكين وفي رد فعل مشابه فقد شددت على معارضة «التدخل الخارجي» في السياسة الفنزويلية. وقالت وزارة الخارجية إن «الصين تؤيد باستمرار مبدأ عدم التدخل في السياسة الداخلية للدول الأخرى وتعارض التدخل في الشؤون الفنزويلية من قِبَل قوى خارجية»، حاثة الأطراف على السعي إلى حل سياسي «عبر الحوار السلمي ضمن الإطار الدستوري».

أوروبياً وإن بدا المشهد مشتّتاً، فإن المواقف المتفرقة للدول أظهرت معظمها التحاقاً بالموقف الأميركي ولو بصور متفاوتة. وهو ما ظهر في مواقف كلّ من بريطانيا، التي أعربت عن «الدعم الكامل» للبرلمان الفنزويلي وغوايدو والتشكيك في الانتخابات وفرنسا حيث أشاد الرئيس إيمانويل ماكرون بـ«شجاعة مئات الآلاف من الفنزويليين الذين يتظاهرون من أجل حريتهم» في مواجهة «الانتخاب غير الشرعي لنيكولاس مادورو» مشيراً إلى أن أوروبا «تدعم إعادة الديموقراطية» إلى فنزويلا. وفي حين عبّرت ألمانيا عن دعمها للبرلمان الفنزويلي، اقتصر موقف إسبانيا على الدعوة إلى «انتخابات حرة».

كما صدرت أمس في لبنان والعالم العربي سلسلة ردود فعل دانت الدعم الأميركي للمحاولة الانقلابية في فنزويلا مُعلنة التضامن مع القيادة الشرعية المُمثّلة بالرئيس نيكولاس مادورو. وفي هذا الإطار استنكر الحزب الشيوعي اللبناني «المحاولات الأميركية الحثيثة لتقويض الأمن والاستقرار في فنزويلا عبر السعي بمختلف الوسائل لتغيير النظام المنتخب ديموقراطياً» معتبراً «اعتراف الولايات المتحدة برئيس انتقالي لم يكن حتى منافساً للرئيس الشرعي المنتخب دعوة مفتوحة لتفجير حرب أهلية في البلاد».

من جهته شدد حزب الله على أن «سلسلة الاعترافات الخاضعة للإرادة الأميركية لا يمكن أن تعطي شرعية للانقلابيين» لافتاً إلى أن «العالم بأسره يعلم أن الهدف الأميركي من التدخل... إنما هو السيطرة على ثروات ومقدرات البلاد، ومعاقبة الدول الوطنية على خياراتها السياسية المعادية للهيمنة الأميركية في العالم». ودانت حركة «حماس»، بدورها، «التدخل الأميركي السافر في الشؤون الفنزويلية والذي يأتي ضمن سلسلة مستمرة من السياسات الأميركية العدائية تجاه الشعوب وخياراتها وهو ما يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية