انقلاب على البشير... والشعب : السودان أمام تحدّيات الثورة المضادة

المرصاد نت - متابعات

كما دأب منذ الاستقلال استغلّ الجيش السوداني دعوات المحتجّين والمعارضة له بحسم الموقف ضد نظام عمر البشير بانقلاب أطاحه وبانتفاضة الشعب معاً فارضاً حكماً عسكرياً بدلاً Albashair2019.4.11من مجلس مدني لإدارة المرحلة الانتقالية ما يفتح الباب أمام سيناريوات أقلّها خسارة طول أمد الأزمة السياسية وأكثرها سيادة السلاح المنتشر في الأقاليم على امتداد خريطةٍ قبليّةٍ هشة.

اصطدمت الاحتجاجات المستمرة في السودان منذ 115 يوماً بانقلاب عسكري أطاح الرئيس عمر البشير من دون أن يَسقط النظام الذي عاش تحت حكم عسكري أكثر مما عاش في ظل حكومات مدنية ديموقراطية منذ الاستقلال عام 1956م انقلابٌ لم يُلبّ تطلعات الشعب الذي يطالب بـ«انتقال ديموقراطي» وشاءت الظروف أن تبدأ بوادره في اعتصام مفتوح أمام مقر قيادة الجيش في الخرطوم بدءاً من السادس من الشهر الجاري في ذكرى الانقلاب على الرئيس الراحل جعفر النميري عام 1985م وكما استجاب آنذاك وزير الدفاع المشير عبد الرحمن سوار الذهب لانتفاضة جماهيرية واسعة طالبت بإسقاطه مثَّلت المطالبات للجيش بالتدخل وحسم الأمر هذه المرة أيضاً فرصة ذهبية للمؤسسة العسكرية للانقضاض على البشير ليس استجابة لمطالب الشعب بل ليعيد الكرة بالقفز على السلطة تماماً كما كانت تخشى قوى المعارضة والشعب.

إذاً هو انقلاب على البشير والشعب معاً قاده وزير الدفاع عوض بن عوف وهو نائب الرئيس المعيَّن حديثاً في خطاب إعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة في شباط/ فبراير الماضي راكباً موجة الشارع ليسيّرها في اتجاه حكم عسكري دشنه أمس بإعلان تعطيل العمل بالدستور و«الطوارئ» لثلاثة أشهر، وحل مؤسسة الرئاسة من نواب ومساعدين، وحل مجلس الوزراء وحكومات الولايات ومجالسها التشريعية وتعويضها جميعاً بتشكيل «مجلس عسكري انتقالي» يتولى إدارة حكم البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان تقودها لجنة أمنية عليا وقيادة الجيش ويتم خلالها وضع «دستور جديد دائم للبلاد»، كما ادعى بيانه.

هذه القرارات سرعان ما حوّلت فرحة المتظاهرين والمعتصمين في ساعات الصباح الأولى حين انتظروا بيان تنحّي الرئيس المتأخر، باحتفالات وهتافات تعلن «انتصار الثورة»، إلى خيبة أمل بعد طول انتظار، ليفاجأوا بانقلاب عسكري من شأنه «سرقة» الاحتجاجات، كما قال بيان «قوى الحرية والتغيير» الذي رفض خطوة «انقلابيي النظام» داعياً الشعب إلى مواصلة التظاهرات والبقاء في الشوارع في كل مدن البلاد ولا سيما الاعتصام القائم أمام مقر القيادة العامة للجيش حتى «تسليم السلطة لحكومة مدنية انتقالية تعبر عن قوى الثورة».

وبينما أبدى الجيش دفاعاً عن المحتجين أمام مقارّه قبل الانقلاب في مواجهة قوات الأمن والشرطة التي استشرست في محاولة فض الاعتصام، وجّه «تجمع المهنيين السودانيين»، الذي يقود الحراك الشعبي في البلاد نداء أمس إلى «جميع ضباط وضباط صف وجنود الجيش السوداني الشرفاء الذين انحازوا إلى الشعب ودافعوا عن المعتصمين إلى الوقوف مع الشعب ضد محاولة سرقة الثورة من سدنة النظام لإعادة إنتاج ذات حواضن الفساد والقهر والظلم» فهم لا يرون فرقاً بين البشير وبن عوف. وقد لخصت الموقف الناشطة السودانية آلاء صلاح، التي تحولت إلى رمز في التظاهرات بعد تداول صورها على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي خلال مشاركتها في التظاهرات بالقول: «الشعب لا يريد مجلساً عسكرياً انتقالياً... نريد مجلساً مدنياً يقود المرحلة الانتقالية».

في هذا السياق يقول نائب رئيس حزب «الأمة»، صديق إسماعيل إن بيان القوات المسلحة «محبط وسيؤزّم الوضع أكثر ويعقّد المرحلة السياسية الحالية» بينما يبدو أن المشهد قد تبدّل من المطالبة بتنحي البشير إلى المطالبة بإسقاط بن عوف كما بدا في ترديد المتظاهرين «تسقط تاني» عقب البيان الذي وصفه القيادي في «الحزب الشيوعي السوداني»، صديق يوسف بـ«المخيب لآمال المتظاهرين والقوى السياسية المعارضة التي قدمت الشهداء والجرحى». وأكد يوسف «الاستمرار في الاحتجاجات والاعتصام أمام مقر قيادة الجيش «حتى تتم الاستجابة لمطالب الشعب بإحداث تغيير جذري لنظام الرئيس السابق وانتقال الحكم إلى سلطة مدنية».

إزاء المشهد الجديد توقع أستاذ العلوم السياسية حسن الساعوري حدوث سيناريوين في المرحلة المقبلة جراء استمرار التظاهرات المنددة بالانقلاب. الأول هو أن تظل الأجهزة الأمنية موحدة وتستخدم القوة لتفريق المتظاهرين وحينئذٍ «يُمكن أن تتدخل ميليشيات حزب الأمة والحركات المسلحة الدارفورية وقوات قطاع الشمال للدفاع عنهم، ونصبح أمام سيناريو الفوضى في سوريا» وهنا لا يستبعد الساعوري أن «يحدث تدخل خارجي من دول الجوار مثل مصر وجنوب السودان». أما السيناريو الثاني فهو أن تحدث انشقاقات في أوساط الأجهزة الأمنية والجيش، لكنه يرجح أن تكون «خطوة الجيش قد تمت بالتنسيق مع جهاز الأمن والمخابرات الوطني والشرطة وقوات الدعم السريع» لتفادي ذلك.

وبدت مظاهر التنسيق أمس في كيفية تعامل الجيش مع قرار البقاء في الشارع ولا سيما أن وزير الدفاع أكد في إعلانه «حظر التجوال لشهر من العاشرة مساء إلى الرابعة صباحاً». لكن بعدما هاجم متظاهرون مركزاً لجهاز الأمن والمخابرات في مدينة كسلا شرق البلاد ومقراً آخر في مدينة بورتسودان حذر الجيش مساء من «المخاطر التي قد تترتّب على عدم الالتزام بحظر التجوال». مع ذلك، تمسك منظمو الاعتصام بالبقاء أمام مقر الجيش فيما دعت «قوى إعلان الحرية والتغيير» المحتجين إلى «عدم التفلت أو الاعتداء على أي ممتلكات حكومية أو شخصية»، مرددة شعار: «سلمية، سلمية».

سوى في الشكل لا يشبه انقلاب أمس الانقلابين اللذين توّجا انتفاضتَي 1964 و1985م وأديا إلى إطاحة نظامي إبراهيم عبود وجعفر النميري وولّدا أنظمة لاحقة. آنذاك، كانت القوة المهيمنة والمسيطرة هي القوات المسلحة من دون وجود قوات مسلحة وتشكيلات عسكرية موازية كما الحال اليوم فضلاً عن حالة من الانفصام باتت ظاهرة بين قيادة الجيش وقواته المقاتلة المكونة من الرتب الأقل ما قد يقود إلى تآكل الجيش والشرطة والأمن في ظل خلافات وغياب التنسيق والرؤية الواحدة لدى الأطراف في التعامل مع الأزمة المرشحة أن تطول.

السودان أمام تحدّيات الثورة المضادة
تعيد أحداث السودان التذكير بحقيقة بديهية، ظن البعض أن المآلات الكارثية التي انتهت إليها الموجة الأولى من الانتفاضات الشعبية في المنطقة العربية قد طمستها، وهي أن غالبية الأنظمة الحاكمة فيها قد تجاوزت عمرها البيولوجي. كان قد سبق للينين، وهو بين أبرز من كرسوا جهداً فكرياً جدياً لمحاولة فهم تفاعل الظروف الموضوعية والذاتية التي تفضي إلى الثورة أن عرّف الوضع الثوري بأنه ينجم عن «عجز الطبقات المسيطرة عن الحفاظ على سيطرتها كما في السابق، أزمة في القمة، أزمة في سياسة الطبقة المسيطرة... ورفض القاعدة للعيش كما في السابق».

لا يعني الفشل في إنجاز التغيير المنشود وبناء نظام جديد على أنقاض القديم أن كسر جدار الخوف من عشرات الآلاف الذين سرعان ما يصبحون مئات الآلاف بل ملايين وتدفقهم إلى الشوارع والساحات متحدّين الأجهزة الأمنية وقمعها الوحشي أن ما وقع ليس ثورة. فتاريخ الثورات هو تاريخ الثورات المهزومة التي عادة ما تمهد لغيرها في فترات لاحقة ولو بعد عقد أو عقدين. لا يشذ ما يحدث في السودان عن هذه القاعدة. تظاهرات ضد رفع أسعار الخبز والوقود وبعض المواد الاستهلاكية الأساسية تحولت بسرعة إلى انتفاضة شعبية مطالبة برحيل رئيس البلاد عمر البشير ونظامه.

ما يميز هذه الانتفاضة الشعبية عن سابقاتها في السودان أنها انطلقت من الأقاليم إلى العاصمة وليس العكس وأنها انتشرت في جميع أرجاء البلاد بلمح البصر. ميزة أخرى لها تجمع بينها وبين الانتفاضات الشعبية العربية التي سبقتها بعكس ما شهدته ليبيا وسوريا من تدخل خارجي مباشر منذ بداية «حراكهما» هي الإصرار على سلمية التظاهرات رغم قمع الأجهزة الأمنية لها وكذلك حمل المتظاهرين أعلام بلادهم وليس تغييرها، تأكيداً منهم للولاء للوطن ومطالبتهم جيشهم الوطني وليس قوى خارجية بالانحياز إلى مطالب الشعب.

بعد أربعة أشهر من الاحتجاجات الشعبية العارمة قرر كبار قادة الأجهزة الأمنية السودانية وفق المعلومات المتداولة في وسائل الإعلام خلال اجتماع عقد فجر أمس في مقر إقامة البشير، تنحية الأخير لأنه «لا يوجد بديل آخر». وكانت مصادر عدة قد لمحت في أوقات سابقة إلى بداية صراع صامت في رأس هرم السلطة نتيجة غياب التوافق على وريث للبشير عند مغادرته. والأوضاع الحالية في السودان تشبه في بعض أوجهها تلك التي سادت عند نتحية الرئيس المصري حسني مبارك. لكن الفارق الأساسي هو إعلان وزير الدفاع السوداني عوض بن عوف تعطيل الدستور وإعلان «حالة الطوارئ» ثلاثة أشهر وتشكيل مجلس عسكري لإدارة شؤون البلاد لفترة انتقالية مدتها عامان، تجرى في نهايتها انتخابات.

بكلام آخر: أطاح انقلاب عسكري حكم البشير لقطع الطريق على التغيير المنشود لدى الملايين المنتفضة. المعارضة السودانية أمام تحديات هائلة أولها تحديد السبل المناسبة لاستمرار نضالها من أجل هذا التغيير دون الوقوع في فخ الاحتراب الداخلي الذي قد يقود إلى تفكك السودان وغرقه في حروب لا تنتهي. التحدي الآخر المرتبط بالأول هو التنبه إلى مخططات القوى الخارجية التي لا تزال تسعى إلى تقسيم البلاد طمعاً بثرواتها بعدما نجحت في فصل جنوبه عن شماله.

«تجمّع المهنيين»... قائد بلا قيادة!
 بين جميع الأحزاب والقوى التي شاركت في التظاهرات خلال الأشهر الماضية برز اسم «تجمع المهنيين السودانيين» بوصفه محركاً وفاعلاً رئيساً في توجيه مطالب المسيرات وإدارتها. اسم «التجمع» لم يكن بارزاً على المستوى الدولي أو الإقليمي رغم أن نشاطه الفعلي، وفق تركيبته الرسمية بدأ من 2014م ومنذ انطلاق التظاهرات في المدن السودانية، كان «التجمع» حريصاً على إبقاء هوية أعضائه وتركيبته سرية خوفاً من الاعتقال وخلافه. ولم يُخرج إلى العلن سوى أسماء محدودة من المتعاطين في الشأن الإعلامي على رأسهم وزير الدولة لشؤون العمل سابقاً وأستاذ علم الاجتماع في جامعة الخرطوم محمد يوسف أحمد المصطفى.

الرواية التي ذكرها المصطفى عن تشكيل «التجمع» توضح أن عمله بقي حتى اندلاع التظاهرات مُركزاً على الجانب الاقتصادي والمعيشي في البلاد ولا سيما «إظهار الهوة بين الدخل وكلفة المعيشة والمطالبة بتغييرات بنيوية تغيّر تلك المعادلة». وحين خرجت التظاهرات ورفعت شعارات أوسع من تلك المضامين، وجد «التجمع» نفسه معنياً بتغيير سقف تطلعاته وانضم إلى موجة «إسقاط البشير»، مستفيداً من شبكة المهنيين التي تمتد بين الأكاديميين والأطباء والصحافيين والفنانين وقد انضمت إليهم لاحقاً قوى سياسية وجدت فيه قوة محورية قريبة من المسيرات ويمكن تحميلها مطالب سياسية كبيرة.

قام «التجمع» بدور بارز في تنظيم أماكن التجمعات والمسيرات منذ كانون الثاني/ يناير الماضي وساهم مناصروه (أو أعضاؤه) عبر وسائل التواصل الاجتماعي في نشر ما يخدم سياق التظاهرات ويضغط على نظام عمر البشير. ورغم ما روي عن مشاركة قوى إقليمية ودولية في تحريك دفّة الحراك لم يظهر جلياً ارتباط «التجمع» بأي طرف خارجي حتى اليوم سوى أن كثيرين من المتحدثين باسمه يعيشون في دول أوروبا أو الولايات المتحدة.

مع إزاحة البشير عن السلطة وقفت أوساط «التجمع» ضد انقلاب السلطات العسكرية التي تهيّئ نفسها لحكم البلاد لعامين (وفق قولها). وعبّر البيان الرسمي الصادر عن «التجمع» عن هذا الرفض بمطالبة السودانيين «بكسر حظر التجول والبقاء في الشوارع والمقاومة السلمية» وأيضاً حثّ ضباط الجيش على التصدي لـ«محاولة إعادة إنتاج النظام ذاته واختطاف الثورة الشعبية».

عوض بن عوف: صديق البشير اللدود
بتعيينه نائباً أول لعمر البشير، في خطاب أعلن فيه الأخير حالة الطوارئ وحل حكومة الوفاق الوطني (23/2/2019)، كان عوض بن عوف، الذي أدى القسَم للبشير ببزّته العسكرية في اليوم التالي، إحدى أهم الرسائل التي وجّهها الرئيس المخلوع إلى الداخل، بأن المرحلة المقبلة ستتسم بالحسم. خشيةُ البشير من انحياز الجيش إلى الشعب وإسقاط حكمه بانقلاب عسكري، كما حدث أمس، دفعته إلى الاحتماء بالمؤسسة العسكرية، أولاً بتعيين بن عوف بدلاً من بكري حسن صالح الذي لم يغب عن أي تشكيلة حكومية منذ ثلاثين عاماً، وهو آخر عضو في «مجلس قيادة ثورة الإنقاذ الوطني» التي أتت بالبشير إلى السلطة، وثانياً تعيين محمد طاهر إيلا رئيساً للوزراء، وهو الشخص الوحيد الذي أعلن الرئيس المخلوع صراحة قبل عامين أنه سيدعم ترشيحه للرئاسة.

بتعيين بن عوف، رأى مراقبون آنذاك أن الرجل يُهيَّأ لخلافة البشير، وخصوصاً أن هذا الخيار لم يكن بعيداً عن دوائر القرار في فرنسا وبريطانيا اللتين كانتا قد تحفظتا في مداولات مع الولايات المتحدة، قبيل إدانة البشير وأركان حكمه، حول قرار واشنطن عام 2007 فرض عقوبات على بن عوف على خلفية ارتكابه جرائم حرب في دارفور. ووفق ما تُظِهر وثائق موقع «ويكيليكس» (نشرها في 2013)، كانت الحجة أنه «مسؤول رفيع المستوى بالنسبة إلى النظام»، ولذلك اقترحتا على الأميركيين معاقبة ضباط أدنى رتبة منه، لترك الباب مفتوحاً أمام البشير ليتنازل بالسياسة. لكن الأميركيين رفضوا، فأصبح مجرم حرب ومطلوباً دولياً.

رغم أن البشير ليس بعيداً عن تلك الأجواء التي كشفت لاحقاً بالتسريبات، لم يكن يتوقع يوماً أن يكون وزير دفاعه ونائبه الأول خلفاً له بانقلاب عسكري رغم أنه وفق عارفيه «رجل عصبي مزاجي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته». مردّ اطمئنان البشير ليس إصرار الأميركيين على إدراج بن عوف في «القائمة السوداء» فحسب، بل ربما لأن الأخير أحد المقربين منه منذ استيلائه على السلطة عام 1989 ضد حكومة الصادق المهدي وقد أتاح له البشير الفرصة للترقي والتدرج في المناصب العسكرية والسياسية حتى آخر يوم من حكمه.

قرار تعيين وزير الدفاع نائباً أول جاء في إطار سعي البشير إلى «عسكرة السلطة»، والتوجه نحو صبغة تقرّبه أكثر من محور السعودية والإمارات الذي يتحسس من الأنظمة ذات الصبغة الإسلامية. لكن ما كان يخشاه صار على يدي صديقه المعروف بقربه من الرياض، كون بن عوف من أشد المتحمسين لمشاركة القوات السودانية في العدوان على اليمن. وهنا لا تبدو الضربة السعودية لحليفها الذي أرسل آلاف الجنود لدعمها وحيدة إذ كان قد لجأ إليها في الأزمات منذ 2013.

ففي ذلك العام قرر البشير تحدي موجة شعبية ضده وُصفت بأنها الأوسع جراء أسعار المحروقات بالبحث عن دعم خارجي عام 2014م فقرر التحول إلى المحور السعودي بغية الدعم المالي والمساهمة في إقناع إدارة الرئيس السابق باراك أوباما برفعَ العقوبات الاقتصادية والتجارية التي فرضتها إدارات أميركية تعاقبت على البيت الأبيض منذ 1997 حتى 2017م مقابل قطع العلاقات مع إيران والمشاركة في اليمن. لكن النتيجة كانت أن حصل البشير على رفع جزئي للعقوبات بما لم ينعكس انفراجاً اقتصادياً كما لم يلقَ دعماً سعودياً مالياً يحتوي الأزمة.

فاستمرت الأزمات وصولاً إلى تظاهرات وعصيان مدني عام 2016 إثر رفع الدعم عن الوقود والكهرباء والأدوية. حينذاك، انسحب الأمر إلى أزمة سياسية حَلّ البشير على إثرها حكومة «الوفاق الوطني» بعد أقل من عام على تشكيلها وقبل ثلاثة أشهر من الاحتجاجات الجارية. وكما لجأ إلى الدعم الخليجي سابقاً، سعى منذ اليوم الأول إلى استقطاب دعم خارجي، لكن ذلك لم يحل أزمات «النقود والوقود والقوت» وصولاً إلى ما حدث أمس.

واليوم لا يستبعد مراقبون أن تعمل السعودية على إطاحة بن عوف لاحقاً، في ظل صراع بين مركزَي القوة في السودان: الجيش الذي يتزعمه بن عوف والمخابرات التي يتزعمها صلاح قوش، باني جهاز «الأمن القومي». ويبدو الأخير الذي يصفه مراقبون بـ«سيسي السودان» مفضلاً لدى أبو ظبي ومصر. وإذا استطاع الشارع إجهاض انقلاب بن عوف، يبقى قوش الذي التقى قبل شهرين مدير «الموساد» يوسي كوهين على هامش «منتدى ميونيخ للأمن» خياراً حاضراً لدى هؤلاء لدعمه وصولاً إلى هدفهم في اقتلاع جذور «الإخوان المسلمون» من القوات المسلحة والدولة لقطع الطريق على أي احتمال أن يتعرضوا للابتزاز مستقبلاً كما فعل البشير في تنويع علاقاته المتناقضة، سواء مع تركيا وقطر، أو أبو ظبي والرياض.

قراءة :علي جواد الأمين , وليد شرارة  - من ملف : السودان: انقلاب على البشير... والشعب! الأخبار

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية