المرصاد نت - متابعات
تنطلق اليوم الجولة الثانية عشرة من محادثات «أستانا» بلا ضجيج إعلامي كبير وهي المُؤجّلة سابقاً لحساب قمة رؤساء «الدول الضامنة» في سوتشي، منتصف شباط الماضي. ولا تبدو الملفات المطروحة على طاولة النقاش في العاصمة الكازاخية مختلفة في الجوهر عمّا سبق نقاشه في الجولات الماضية سوى ما أشيع عن تحقيق تقدّم لافت في التوافق على تشكيلة «اللجنة الدستورية».
الجديد في هذا الاجتماع هو حضور المبعوث الأممي غير بيدرسن للمرة الأولى بعد إنجازه مشاورات واسعة مع معظم الأطراف السوريين والدوليين المعنيين بـ«التسوية» كان آخرها أمس مع ممثل وزير الخارجية الأميركي الخاص للتواصل بشأن سوريا جايمس جيفري في جنيف. حضور بيدرسن سيكون مدخلاً رسمياً له إلى أروقة المباحثات المتعددة الأطراف، وسيشكل فرصة أمام «الثلاثي الضامن» (روسيا، إيران، تركيا) لتظهير أهمية الدور الذي تلعبه منصّة المحادثات المرعيّة من قبلهم خاصة إذا ما تمّ الكشف عن «إنجازات» على صعيد تشكيل «اللجنة الدستورية».
ومنذ أمس بدأت وفود المشاركين في المحادثات الوصولَ إلى العاصمة الكازاخية من دون أن يخرج عنها أي تصريحات لوسائل الإعلام فيما يُنتظر ألا ترسل الولايات المتحدة أي ممثل لها إلى الاجتماعات، على رغم الدعوة المُوجّهة إليها للحضور بصفة مراقب. ولا يخرج اللقاء بين بيدرسن وجيفري أمس عن سياق العمل الأميركي الجاد لعرقلة مسار «أستانا/ سوتشي» وهو ما ظهر جلياً في بيان وزارة الخارجية الأميركية بعد اجتماع «أستانا 11»، أواخر تشرين الثاني الماضي.
حينها أصرّت واشنطن على ضرورة تحقيق تقدم في ملف «اللجنة الدستورية» حصراً عبر «محادثات جنيف»، واعتبرت أن «روسيا وإيران تواصلان استخدام مسار أستانا من أجل إخفاء رفض الحكومة السورية المشاركة في العملية السياسية». ومع بدء الولايات المتحدة استثمار أوراقها على طاولة «التسوية السورية»، ولا سيما عبر تشديد العقوبات الاقتصادية، ينتظر أن تدفع بثقلها لإنهاء انفراد «ثلاثي أستانا» بمقدّرات المحادثات وتعمل جهدها لنقل الملفات المهمة وعلى رأسها «اللجنة الدستورية»، إلى «مسار جنيف».
دأبت وسائل إعلامية عدّة على ضخّ الأخبار عن «تنامي الصراع الروسي الإيراني في سوريا» وتبويب كثير من تطورات المشهد السوري ضمن هذا الإطار. لكن المعطيات على أرض الواقع تشي بأن مفردة «صراع» تنطوي على مبالغات كبيرة وأن العلاقة بين الطرفين أقرب ما تكون إلى «سباق على جني الفوائد» يجاريهما في ذلك لاعب بارز صامت، هو الصين
«احتدام الصراع بين روسيا وإيران في سوريا». تمثّل الجملة السابقة عنواناً عريضاً لكثير من التحليلات والقراءات والمقاربات الإعلامية للملف السوري منذ شهور طويلة. وقد تزايد الضخّ الإعلامي المبني على العنوان المذكور منذ مطلع العام الحالي وصولاً إلى الحديث عن «معارك عسكرية طاحنة بين الطرفين» في الأيام الأخيرة الأمر الذي نفته «القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة» السورية. وعلى أهمية النفي السوري ولا سيما أنه حمل صبغة رسمية في خطوة نادرة فإن تتبع المعطيات الميدانية يبدو كفيلاً بتبيان فبركة تلك الأنباء ولو لم يصدر النفي.
ثمة سؤال واجب الطرح في هذا الإطار عن دقة إضفاء صفة «صراع» على العلاقة بين موسكو وطهران في الملف السوري. تتحفّظ مصادر سورية عدة عن الخوض في أي تفاصيل تتصل بعلاقة دمشق بحليفيها الأساسيين، فضلاً عن مناقشة العلاقة بين هذين الحليفين وتأثير كلّ منهما بعلاقة دمشق بالآخر فيما يكتفي مصدر دبلوماسي بالقول لـ«الأخبار» إن «الحلف الذي عرف كيف يخوض الحرب في ذروة احتدامها، يعرف تماماً كيف يُنهيها منتصراً ومتماسكاً». يبدو هذا الكلام متوقّعاً في ظل ما عُرف عن المصادر السورية من التكتم على كثير من التفاصيل والذهاب بدلاً من ذلك نحو عبارات عمومية مقتضبة.
حفل المشهد السوري على امتداد السنوات الماضية بتجاذبات بين أعضاء «حلف دمشق»، وتباينات في الرؤى حول الأولويات والضرورات ومسارات المعارك وتسخين الجبهات وتبريدها. إلا أن كل ما تقدم لم يصل حدّ «الصراع» ولا سيما أن الميدان كان كفيلاً في كل مرة بتقديم البراهين على توافق تام حول الأهداف المشتركة الأساسية. وبرغم أن رقعة المعارك قد انحسرت اليوم فإن تسخين بعض الجبهات ما زال أمراً وارداً. ويجدر التنبه دائماً إلى أن الدخول العسكري الروسي المباشر على خطّ الحدث السوري جاء بتنسيق عالي المستوى مع طهران بل إن مصادر مختلفة كانت قد تحدثت عن «دور إيراني أساسي في إقناع موسكو» بالإقدام على تلك الخطوة. وتتجاوز العلاقة بين موسكو وطهران حدود المشهد السوري إلى المشهدية الإقليمية العامة وصراع تغيير معادلة «أحادية القطب» الأميركية عالمياً، علاوة على مصالح اقتصادية شديدة الحيوية للطرفين. كذلك تؤدي طهران دوراً محورياً في معادلة «أستانا» التي منحت موسكو أوراقاً شديدة التأثير في «اللعبة السورية»، كما في سباق اجتذاب أنقرة بعيداً عن واشنطن.
وتبدو أي قراءة واقعية للمعطيات السابقة كفيلةً بـ«تصويب البوصلة» لدى الحديث عن علاقة موسكو بطهران في المشهد السوري وأخذه بعيداً عن خانة «الصراع». ولا ينفي ذلك وجود تنافر تام بين الطرفين في واحد من الملفات الحساسة في «الشرق الأوسط» برمّته وهو ملف «الصراع مع إسرائيل». ولم ينشأ التنافر المذكور على هامش الحرب السورية بل إن الطرفين كانا يعيانه تماماً منذ اللحظة الأولى لخوضهما الحرب إلى جانب دمشق. تأسيساً على ذلك لا يمكن عدّ «أمن إسرائيل» (الذي يشكل أولوية ثابتة في موازين موسكو) عاملاً مفجّراً لـ«الصراع» مع طهران. أكثر من ذلك تُدرك موسكو جيداً أن ورقة «الوجود الإيراني في سوريا» واحدة من أشد أوراقها فاعلية في الكِباش المستمرّ مع الغرب حول مستقبل سوريا. والأرجح أن استثمار هذه «الورقة» متى حانت ساعته لن يكون ممكناً من دون رضى دمشق وطهران على حدّ سواء.
من هذه الزاوية تمكن رؤية العلاقة بين روسيا وإيران (سوريّاً) بطريقة واقعية. وربما كان الأصحّ تبويب تلك العلاقة في خانة «السباق على القِطاف» وهو سباق ذو شقّين يبدو الاقتصاد حاملاً أساسياً لكليهما. أول الشقّين اقتصادي بحت، ويتمحور حول الاستثمارات والثروات الباطنية وإعادة الإعمار والعلاقات التجارية مع سوريا، سوقاً وممرّاً. أما الثاني فاستراتيجي ميدانه النفوذ السياسي و«حِصانه» النفوذ الاقتصادي. والواقع أن «السباق» المذكور ليس محصوراً في موسكو وطهران بل تُضاف إليهما معظم القوى المؤثرة في الصراع السوري بما في ذلك تركيا، ودول الخليج، والاتحاد الأوروبي وحتى الولايات المتحدة. لكن حليفتي دمشق تحظيان بميزة أساسية تخولّهما البحث عن المكاسب قبل الآخرين.
ثمة حليف ثالث لدمشق يمتلك الميزة ذاتها ويُغفل كثير من وسائل الإعلام دوره المؤثر في مرحلة الحرب و«ما بعدها»، هو التنين الصيني. وإذا كان الفوز الروسي بميناء طرطوس من وجهة نظر البعض «ضربة روسية لطهران»، فإنه في الواقع يبدو أقرب إلى كونه نقطة روسية على حساب الصين. وسبق لبكين أن أشارت إلى أهمية «طرطوس» للتنمية الاقتصادية وكان الميناء حاضراً في سياق توصيات صدرت عن «لجنة رسم السياسات والبرامج الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء» السوري أواخر عام 2017 حول العلاقات الاقتصادية مع الصين.
كذلك إن إعادة تأهيل ميناء طرطوس على يد موسكو كفيلة بقطع الطريق على خطط صينية لاستثمار ميناء طرابلس اللبناني وهو أمر تشير إليه بوضوح تصريحات وزير النقل السوري الأخيرة حول «مرافئ دول الجوار» من دون تسميات محددة. وتشكل سوريا وجهة حتمية لاستثمارات صينية في شتى المجالات وتعِد خطط الربط السككي الموعود بين سوريا والعراق فإيران بإمكانية التحول إلى جزء أساسي من المشروع الصيني الطموح «الحزام والطريق».
بكين و«الدعم الناعم»
يمكن وصف الدعم الصيني لدمشق خلال الحرب بـ«الدعم الناعم». وعلاوة على مشاركة بكين لموسكو في إحباط قرارات عدة لمجلس الأمن الدولي عبر استخدام حق «الفيتو»، قدمت الصين دعماً اقتصادياً وإنسانياً ولوجستياً لدمشق. ووعدت بكين بتمويل إنشاء مناطق صناعية ودعم مشاريع كهربائية، واستثمارات إنتاجية. وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن «فكرة الانخراط العسكري المباشر كانت قد طُرحت على الصين لتدخل الحرب بالتزامن مع دخول روسيا وبالتنسيق معها».
وآثرت بكين البقاء بعيداً عن الانخراط المباشر برغم الهاجس الكبير الذي يشكله «الحزب الإسلامي التركستاني» الطامح إلى تدشين «جهاد لتحرير تركستان الشرقية (إقليم شينغ يانغ)». وبلغ الاهتمام الصيني الاستخباري بهذا الملف أوجه في عام 2017م وتشير المصادر الدبلوماسية عينها إلى أن «فكرة الدخول العسكري قد راودت بكين بالفعل في ذلك الوقت بغية تصفية الحزب التركستاني بالدرجة الأولى». لكن تلك الفكرة لم تترجم إلى خطوة عملية «بفعل فيتو وضعته موسكو التي رأت أن هذه الخطوة كانت مقبولة عام 2015م لكنها مرفوضة الآن (وقت طرحها)» وفقاً للمصادر نفسها. وتُظهر واشنطن اهتماماً استثنائياً بالنشاطات الصينية المحتملة في سوريا وهو أمر تناولته تقارير إعلامية عدة من أبرزها واحد نشرته شبكة «CNBC» الأميركية مطلع الشهر الحالي.
المزيد في هذا القسم:
- فى العيد ال 43 لنصر أكتوبر ' تشرين ' .. استدعاء للأبطال الحقيقين من أجل استعادة اللحظه المرصاد نت - متابعات بدون مقدمات .. ينساب الكلام بعيداً عن تضخيم الذات لكن من أجل الحق والحقيقة وتقرير واقع البطوله الحقيقيه وتخليص حرب أكتوبر من الأدعاءات ور...
- أسرار الطلاق بين السعودية والولايات المتحدة المرصاد نت - متابعات صادق مجلس النواب الأمريكي الجمعة 9 سبتمبر/أيلول بالإجماع على مشروع قانون يسمح لذوي ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية طلبا لت...
- تركيا: حملة «عسكرية ــ انتخابية» على جبال «قنديل» المرصاد نت - متابعات يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى استغلال الظروف الأمنية التي تحيط بتركيا بهدف زيادة المزيد من الإنجازات إلى سجلّه الذي يستعرضه أمام...
- جزيرة سودانية لتركيا: البشير يبتعد عن الرياض وأبو ظبي؟ المرصاد نت - متابعات اختتم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان أمس زيارة «تاريخية» للسودان تُوّجت بمنح بلاده جزيرة سواكن الواقعة على البحر الأحمر تحت عن...
- القدس تنتصر: إعادة فتح أبواب الأقصى وآلاف المقدسيين يتوافدون إليه المرصاد نت - متابعات أعلنت دائرة أوقاف القدس الإسلامية مساء الجمعة عن إعادة فتح أبواب المسجد الأقصى المبارك أمام المصلين من كافة الأعمار دون قيد أو شرط. في...
- تسريبات سفارة لندن تزعج ترامب: داعمو «بريكست» أوائل المتهمين ! المرصاد نت - متابعات سارعت لندن إلى إعلان فتح تحقيق في البرقيات الدبلوماسية المسربّة لسفيرها في واشنطن التي يصف فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب بـ«المضطربة» و«...
- انطلاق أعمال قمة ال20 اليوم ودول البريكس تعقد اجتماعاً خلال القمة المرصاد نت - متابعات انطلقت أعمال قمة مجموعة العشرين في هانغتشو شرق الصين الأحد 4 سبتمبر/أيلول واستهل رؤساء وفود الدول المشاركة في القمة بفعالية التقاط الصور ...
- وزير الخارجية التركي: لن نسلح الأكراد ولن نسمح بعودتهم لمواجهة داعش في كوباني مولود تشاووش أوغلوعلق وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو على دعوة مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستفان دي ميستورا، للسماح للأكراد السوريين بالعودة إلى عين ا...
- انهيار الاستراتيجية الأميركية: الشمال السوري مسرحاً للأتراك! المرصاد نت - متابعات فتح انسحاب القوات الأميركية من جزء واسع من المنطقة الحدودية في شمال شرق سوريا نقاشاً ذا اتجاهين في عواصم المنطقة بحسب مجلة «فورين بوليسي»...
- خلافات الإماراتيين تطفو على السطح.. الشيخ راشد أول المنشقين المرصاد نت - متابعات دولة الإمارات المكوّنة من سبع إمارات متحدة تشوبها هذه الأيام بعض الصراعات الخفيّة والتوترات التي كانت حبيسة الكواليس لتصعد إلى السطح مؤخر...