المرصاد نت - متابعات
انطلقت في الكثير من المناطق السودانية ولا سيما العاصمة الخرطوم تظاهرات حاشدة تلبيةً لدعوة المعارضة لتنظيم مسيرات مليونية تحت شعار "تسليم الحكم لسلطة مدنيّة".
وكان قضاة سودانيون قد أعلنوا أنهم سيخرجون في مسيرة بعد ظهر اليوم الخميس من المحكمة العليا في الخرطوم إلى مقر الاعتصام خارج وزارة الدفاع لينضمّوا للمرة الأولى إلى الاحتجاجات.
واتفقت قوى إعلان الحرية والتغيير مع المجلس العسكريّ الانتقاليّ في السودان على تشكيل لجنة مشتركة من ممثلي المجلس والقوى لمناقشة القضايا الخلافية العالقة.
كما قررت قوى الحرية والتغيير تأجيل إعلان أسماء مرشحيها للسلطة المدنية الانتقالية معلنةً في بيان أنها تقدمت بطلب للمجلس العسكريّ لإسقاط الأحكام الجائرة في حقّ قادة حركات الكفاح المسلح والإفراج عن الأسرى وردّ المجلس بأنه شرع فعلياً في هذه الإجراءات عبر لجنته القانونية التي ستفرغ من عملها خلال أيام.
إلى ذلك حذّر زعيم حزب الأمة السوداني المعارض الصادق المهدي من انقلاب مضادّ إذا لم يتوصّل المجلس العسكري والمعارضة إلى اتفاق بشأن تسليم السلطة.
ورجّح المهدي أن تسلّم السلطة للمدنيّين في حالة الخروج من المأزق، وقال إنه سيترشّح للرئاسة في حال إجراء انتخابات لا خلال الفترة الانتقالية.
إلى ذلك أعلن المجلس العسكري الانتقاليّ في السودان تأليف لجنة مع المعارضة لحل القضايا الخلافيّة في حين هناك دعوات إلى المشاركة في مليونية السلطة المدنيّة.
و أكد المجلس أنه ينظر في استقالة ثلاثة من أعضائه بينهم رئيس اللجنة السياسية الفريق أول ركن عمر زين العابدين.
المتحدّث باسم المجلس شمس الدين كباشي قال إنه تمّ الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير على وضع أسس جديدة لبناء السودان مضيفاً أنه لا خلاف بين الجانبين ما دام الهدف واحدا.
وفي وقت سابق أعلن القضاة السودانيون أنهم سينضمون الى المحتجين. كما قال رئيس المجلس العسكري السوداني عبد الفتاح البرهان في مقابلة مع "سبوتنيك" إن المجلس لن ييأس من محاولة الاتصال بالقوى المدنية والحوار معها.
خصائص سودانية: أحزاب متجذّرة ومرونة في السياسة !
في السودان تمّ إسقاط الحكم العسكري ثلاث مرات من خلال تظاهرات في الشارع في 26 تشرين الأول/ أوكتوبر 1964م 6 نيسان/ إبريل 1985م 11نيسان/ إبريل2019م في المرة الأولى احتاج الأمر فقط إلى عريضة قدّمها خمسة وستون ضابطاً متوسطو الرتب لرئيس المجلس العسكري الفريق ابراهيم عبود لكي يقتنع الأخير بالاستجابة لضغط الشارع في حلّ المجلس العسكري الذي حكم لستّ سنوات.
في المرّتين الثانية والثالثة لجأ الجيش تحت ضغط الشارع، في استجابة لإيقاع الأخير عام 1985وعلى الأرجح في الثالثة كإجراء وقائي من حرب أهلية يتورط فيها الجيش ضد المدنيين بعد اتخاذ عمر البشير القرار بقمع المتظاهرين إلى الانقلاب العسكري وقام بعزل الديكتاتور.
عام 1964م اختفى العسكر من المشهد بعد عزل ابراهيم عبود، تاركين الحكم الانتقالي لحكومة مدنية برئاسة سر الختم خليفة ضمّت «الجبهة الوطنية للهيئات: الطلاب والمحامون والأطباء وأساتذة الجامعة والنساء والتجار والعمال والمزارعون» وأخذت ثمانية وزراء كان منها خمسة لأعضاء الحزب الشيوعي أو لمقرّبين من الحزب و«جبهة الأحزاب» التي نالت خمسة مقاعد أخذتها أحزاب «الأمة» و«الوطني الاتحادي» و«الشعب الديموقراطي» و«الشيوعي» و«الإخوان المسلمون» فيما ذهبت ثلاثة مقاعد للجنوبيين.
هذه الحكومة هي التي أشرفت ولو بعد تعديل وزاري في شباط/ فبراير لمصلحة الأحزاب على حساب الهيئات، على انتخابات الجمعية التأسيسية في نيسان/ إبريل 1965. في عام 1985م تسلّم «المجلس العسكري الانتقالي» برئاسة الفريق عبد الرحمن سوار الذهب السلطة بعد النميري وكانت الحكومة التي تألّفت أواخر نيسان/ إبريل برئاسة الجزولي دفع الله تحت سلطة المجلس العسكري وعبرهما تمت الانتخابات للجمعية التأسيسية في نيسان/ إبريل 1986ومن ثم تسليم السلطة لحكومة مدنية نتجت من ائتلاف حزبَي «الأمة» و«الاتحادي الديموقراطي» رأسها الصادق المهدي.
في مرحلة ما بعد 11 نيسان/ إبريل 2019م هناك تنازع للسلطة بين «المجلس العسكري الانتقالي» وقائد تظاهرات 19 كانون الأول/ ديسمبر 2018 ــــ نيسان/ 10 إبريل2019م أي «تجمّع المهنيين» الذي هو واجهة لأحزاب «الأمة» و«الشيوعي» و«المؤتمر الشعبي» و«الحركة الشعبية ــــ قطاع الشمال» وهناك كباش كبير بين العسكر والشارع لن يستطع فيه العسكر تكرار تجربة سوار الذهب بسهولة ولن يستطيع المدنيون على ما يبدو تكرار تجربة الانتقال من حكم ابراهيم عبود إلى الحكم البرلماني الانتقال الذي كان بقيادة مدنيين.
احتاج عزل المجلس العسكري برئاسة عبود إلى خمسة أيام فيما استغرق ذلك أحد عشر يوماً ضد النميري وضد عمر البشير استغرقت الاحتجاجات مئة وثلاثة عشر يوماً ما يدلّ بالتتابع وكمرآة، على مدى قوة الجذور القائمة للسلطة رغم أن التظاهرات ضد البشير كانت أقوى من سابقتيها وكانت أكثر ديمومة وهو ما يدل على مدى قوة نظام عسكري كان منذ 30 حزيران/ يونيو 1989 واجهة لتنظيم إسلامي (الجبهة القومية الإسلامية بزعامة حسن الترابي رغم خلاف الأخير مع البشير وعزله من السلطة عام 1999) رسخ نفسه في السلطة على مدى ثلاثة عقود، فيما لم يكن عبود متمتعاً بقاعدة حزبية بينما تنقل النميري من اليسار إلى اليمين على مدى ستة عشر عاماً وقد كان سهلاً إسقاطه بعد شهر من انهيار تحالفه مع زعيم إسلاميي السودان حسن الترابي.
يدلّ ما سبق على مدى ترسخ العمل الحزبي في السودان وعدم استطاعة العسكر تصحير السياسة من خلال القضاء على الحياة الحزبية. يبدو أن الأحزاب التي يطلق عليها أحزاب تقليدية بحكم استنادها إلى بنى قديمة (حزب «الأمة» الذي يستند إلى طائفة الأنصار والحزب «الاتحادي الديموقراطي» المستند إلى طائفة الختمية وهو كان عام 1967 حصيلة اندماج «الحزب الوطني الاتحادي» مع «حزب الشعب الديموقراطي»)، أو أحزاب حديثة لا تستند إلى بنى قديمة طائفية أو قبلية (الشيوعيون ــــ الإسلاميون ــــ البعث... إلخ) ما زالت هي منابر وقنوات السياسة الأساسية في سودان 1956 ــــ 2019م وهذا شيء لم نجده في مصر وسوريا والجزائر ما بعد عام 2011م بل هناك مؤشرات كما في عام 1964م على أن «تجمع المهنيين» هو واجهة للأحزاب التي يلفت النظر الآن أن خلفاء عبد الخالق محجوب وحسن الترابي والهادي المهدي وجون غارانغ يجتمعون معاً في «تحالف قوى الإجماع الوطني» الذي تم تأسيسه عام 2009م هذا التحالف هو الذي كان القوة المحركة وراء («تجمع المهنيين»: طلاب ــــ محامون ــــ منظمات المرأة ــــ أكاديميون... إلخ) الذي كان القوة المنظمة في التظاهرات التي دفعت العسكر إلى إسقاط البشير وتفكيك مؤسسات نظامه.
ليس في السودان بقايا أحزاب كما في بلدان عربية قام العسكر بتحويلها إلى «ممالك صمت» من خلال شلّ الأحزاب السياسية فيها، بل هناك أحزاب سياسية ذات جذور اجتماعية قوية استطاعت أن تسقط الحكم العسكري عام 1964 وأن تهز الحكم العسكري مرتين في 1985 و2019 عبر تظاهرات الشارع وأن تدفع العسكر إلى نزع رأس المؤسسة العسكرية. في هذا الإطار، يجب تسجيل مرونة السياسة السودانية في نسج التحالفات وعدم الالتفات إلى آلام الماضي، كما يفعل الشيوعيون الآن من خلال تحالفهم مع إسلاميي «المؤتمر الشعبي»، الذي أسسه الترابي بعد خلافه مع البشير ويرأسه علي الحاج منذ وفاة الترابي عام 2016، فيما كان الترابي هو صاحب اقتراح حل الحزب الشيوعي ونزع عضوية نوابه في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر 1965 وهو كان القوة الكبرى في نظام الترابي ــــ البشير الذي لاحق الشيوعيين وعرّضهم لضربة كبرى في التسعينيات توازي ضربة النميري عام 1971. في الحياة الحزبية السودانية هناك اجتماع عند بعض قادة الأحزاب، وهو شيء مفتقد في البلاد العربية الأخرى، لثالوث (فكر ــــ سياسة ــــ تنظيم) عند شخص واحد كما يمكن تلمس ذلك عند عبد الخالق محجوب ومحمد ابراهيم نقد وحسن الترابي، فيما هناك اجتماع لاثنين من الثلاثة عند قائد سياسي (السياسة والتنظيم من دون الفكر: خالد بكداش ورياض الترك وسلام عادل، مثلاً) أو لأحد الثلاثة (التنظيم: يوسف فيصل ومرشد الإخوان المسلمين في مصر محمد بديع... إلخ).
يمكن تلمّس فرادة الحياة السياسية السودانية من خلال المثال الآتي: ضد انقلاب 19 ــــ 22 تموز/ يوليو 1971 الذي قاده الضابط الشيوعي الرائد هاشم العطا بالتعاون مع العقيد عثمان حاج حسين (أبو شيبة) قائد الحرس الجمهوري الذي خبأ عبد الخالق محجوب في إحدى غرف القصر الجمهوري بعد هربه من السجن في 29 حزيران/ يونيو 1971م وقف أنور السادات ومعمر القذافي وحكومة الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي والحكومة البريطانية والأمين العام للحزب الشيوعي السوفياتي ليونيد بريجنيف. بعد إعدام عبد الخالق محجوب إثر فشل انقلاب هاشم العطا تم تسريب تقرير سري لصحيفة «لو موند» (عدد 12 شباط/ فبراير 1972) قدمه باجتماع حزبي عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي التشيكوسلوفاكي فاسيل بيلاك ورجل موسكو في براغ، ينتقد محجوب بسبب «مواقفه المتشنجة»من النميري وينتقد الانقلاب الذي أضر بعلاقات موسكو مع القاهرة (انظر كتاب محمد أبو القاسم حاج حمد: «السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل» دار الكلمة، بيروت 1980، ص 470 ــــ 471).
فراءة : محمد سيد رصاص - كاتب سوري
المزيد في هذا القسم:
- في الذكرى الـ 40 للثورة: الإمام الخميني حين تحدّى الغرب وانتصر! المرصاد نت - متابعات في العام 1987 وكنت وقتها في المراحل الأخيرة من إنهاء رسالتي للدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة وكانت عن "الإحياء الإسلامي في م...
- ماذا سيفعل القادة العرب والمسلمون في حال فوز ترامب ؟ المرصاد نت - متابعات باتت المنافسة في الانتخابات الرئاسية الامريكية المقررة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل شبه محسومة بين هيلاري كلينتون عن الحزب الديمقرا...
- فى ذكري رحيله: لماذا بقي "ناصر" حيّاً ؟ المرصاد نت - متابعات اليوم (28 أيلول /سبتمبر ) تمرّ الذكرى السابعة والأربعين لوفاة الزعيم القومي جمال عبدالناصر وفي ظلالها ثمة سؤال يطرح نفسه كلما جاءت سيرته ...
- قيود إسرائيلية على دخول المصلين الى الاقصى فرضت الشرطة الإسرائيلية قيوداً على دخول المصلين لاداء صلاة الجمعة في المسجد الاقصى المبارك، وذلك غداة مواجهات في القدس الشرقية المحتلة. وقالت الناطقة باسم الشر...
- العراق : 283 قتيلاً منذ انطلاق الاحتجاجات! المرصاد نت - متابعات أعلنت «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» في العراق أمس مقتل 23 شخصاً جرّاء «أعمال العنف المرافقة للاحتجاجات الشعبية»، خلال الفترة الواقعة بي...
- ميركل قلقة من تطورات الأوضاع في تركيا المرصاد نت - متابعات أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي تستعد لزيارة تركيا أن بعض التطورات في هذا البلد تشكل مصدر “قلق شديد” ووعدت بب...
- السعودية.. "الشورى" يوافق على مشروع تعديل نظام العلم والنشيد الوطني المرصاد-متابعات أقر مجلس الشورى السعودي، اليوم الاثنين، تعديلاً على نظام العلم الوطني، بجانب تعديل نظام الشعار (التوحيد والسيف)، والنشيد الوطني أيضاً. وأعلن م...
- سي آي إيه تدافع عن تنظيم الاخوان المسلمين وتطالب ترامب بعدم تصنيفهم كأرهابيين المرصاد نت - متابعات حذرت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA) الإدارة الجديدة للولايات المتحدة من تداعيات خطيرة قد يسفر عنها تصنيف السلطات الأمريكية &l...
- تعقيدات المشهد الحكومي بلبنان تترافق مع تصعيد الشارع! المرصاد نت - متابعات مازال المشهد الحكومي في لبنان على حاله من المراوحة بعد تعثر التأليف الذي بات مُلحا حسب المراقبين نتيجة تزايد ضغط الاحتجاجات التي أخذت منح...
- الجيش العربي السوري يتقدم نحو الباب وقطع طريق أمدادات الارهابيين المرصاد نت - متابعات كشفت وزارة الدفاع الروسية أن القوات الحكومية السورية وصلت إلى الخط الفاصل مع تشكيلات "الجيش السوري الحر" جنوبي مدينة الباب حيث تم التنسيق...