المستبدون العرب يتآمرون لإحباط آمال الإصلاحيين في السودان!

المرصاد نت - متابعات

نشرت صحيفة الغارديان مقالاً تحليلياً لسايمون تيسدال بعنوان "المستبدون العرب يتآمرون لإحباط آمال الإصلاحيين في السودان" رأى فيه الكاتب أنه ليس من قبيل الصدفة أن تكون الحملة Alkhrtum2019.6.4العنيفة المفاجئة على المتظاهرين في وسط الخرطوم مسبوقة بسلسلة من الاجتماعات بين زعماء المجلس العسكري السوداني والأنظمة العربية الاستبدادية التي تحاول بنشاط إحباط تطلعات الإصلاحيين في السودان.

ويوضح تيسدال أن المحللين يرون أن حكام مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة يعملون بجد لإحباط تطلعات حركة الإصلاح السودانية. وأضاف كاتب المقال أن هذه الدول الثلاث حاولت دعم نظام عمر البشير، ومنذ الإطاحة به في نيسان/أبريل الماضي جراء الاحتجاجات الشعبية، تآمروا لإشعال ثورة مضادة.

وتابع بالقول إنه بالنسبة للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن العنف الذي شهدته الخرطوم يعيد له الذكريات القديمة، إذ أنه قاد في عام 2013 – حين كان جنرالاً ووزيرا للدفاع- الهجمات على المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في الساحات العامة في القاهرة، مما أسفر عن مقتل المئات.

وأشار كاتب المقال إلى أن السيسي سحق الربيع العربي في مصر، جراء الاعتقالات الواسعة النطاق والإعدامات، مضيفاً انه على الرغم من عمليات القتل في الخرطوم فإنه لم يحدث شيء على هذا النطاق في السودان لكن منطق التسامح لشهور مع الاحتجاجات العامة السلمية انتهى فجأة الاثنين.

ونوه كاتب المقال إلى أن الجيش السوداني لديه بالفعل علاقات قوية مع ممالك الخليج، بعد أن ساعد في الحرب السعودية الإماراتية في اليمن. ويقول إن الولايات المتحدة غير مهتمة بالشأن السوداني كما أنه يتساءل عن بريطانيا، القوة الاستعمارية السابقة عندما تحتاج لها السودان.

وختم بالقول إن ايرفن صديق، السفير البريطاني في الخرطوم، حاول التوصل إلى تسوية سلمية عن طريق التفاوض، إلا أن الحكومة البريطانية تبدو غير مكترثة.

دعم المجلس العسكري السوداني مقابل البقاء في اليمن

وفي بيانٍ أصدره المجلس العسكري السوداني "إنّ السودان يقف مع المملكة ضد كافة التهديدات والاعتداءات ". كما أعلن عن "كامل الاستعداد للدفاع عن أرض الحَرَمين الشريفين في إطار الشرعية وأنّ القوات السودانية ستظلّ موجودة وباقية في السعودية واليمن وسنقاتل لهذا الهدف". لقد ظهرت مساعدات (سعودية وإماراتية) في الأسابيع الماضية حين أودعت السعودية 250 مليون دولار في المصرف المركزي السوداني في إطار حزمة مساعدات تعهّدت بها المملكة وحليفتها الإمارات لصالح السودان الذي يشهد اضطرابات في خضمّ عملية انتقال للسلطة. وكانت الإمارات والسعودية قد أعلنتا، في 21 أبريل/ نيسان الماضي تقديم دعم مالي، قيمته ثلاثة مليارات دولار للسودان.

منذ إعلان السودان مشاركته في حرب اليمن بجانب التحالف السعودي والإماراتي، ظل شدّ وجَذْب داخلي يعتري مسيرة المشاركة السودانية في تلك الحرب مع ضغوط داخلية وخارجية عديدة.

هنا يرى مراقبون أن قفزة الحكومة السودانية في العام 2015 بين المعسكرات المختلفة أيديولوجياً إنما تقف وراءها آمال كسر العزلة الدولية وتخفيف حدّة التدهور الاقتصادي الخانق الذي تمر به البلاد إضافة للضغوط المكثفة التي مارستها السعودية ومصر على السودان بتطبيقهما حظراً تجارياً على التحويلات البنكية إلى السودان في العام 2014م الأمر الذي أضاف عبئاً هائلاً على الخرطوم بجانب الحظر الأميركي المفروض منذ عشرين عاماً. ورغم المساعدة السعودية للخرطوم في رفع الحظر الاقتصادي الأميركي إلا أن الخرطوم لم تحصل على ما تريده من الرياض وأبوظبي في ظل استمرار أزماتها الاقتصادية.

هل هي الحاجة الاقتصادية والمناورات الاستراتيجية؟ هنا يكشف مركز دراسات (أفريكا أنتلجنس) في تقرير له أن الخرطوم تشعر بالخذلان من عدم التزام السعودية التزاماتها تجاهها الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ موقف وسطي تجاه الأزمة الخليجية والتلويح بالانسحاب ويقول التقرير إن المملكة أبدت تحفّظات على سلوكيات قوات الدعم السريع التي أرسلت من قِبَل السودان تحت قيادة ضباط من القوات المسلحة للمشاركة في حرب اليمن مشيراً إلى وجود خلافات مكتومة بين الخرطوم والرياض رغم ما تقدّمه الحكومة السودانية من حوافز لاثبات حُسن نيّتها تجاه المملكة إلا أن الحكومة السعودية ما تزال تشكّك في نوايا الخرطوم وتعتقد بأنها ما تزال على علاقات سرّية أمنية مع طهران إضافة للتقارُب بين الخرطوم والدوحة الذي يمثل عامل إزعاج للسعودية.

يمضي التقرير للإشارة إلى أن السودان الذي يعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة، وما يزال يأمل في تلقّي الدعم الاقتصادي من دولتي السعودية والإمارات. وقدّمت السعودية خدمة غير مسبوقة للخرطوم إذ ساهمت بشكلٍ فعّال في إقناع الجانب الأميركي برفع العقوبات الاقتصادية طويلة الأمد على الخرطوم في 2017، إضافة لوعدها الخرطوم بدفع 2.2 مليار دولار مقابل مشاركتها في الحرب.ويتزامن الصعود والهبوط في تمسّك الخرطوم المشاركة بعاصفة الحزم في اليمن الآمال المبطّنة والمكاسب التي يسعى لتحقيقها من خلال هذه المشاركة.

من السعودية إلى الإمارات حليف حرب اليمن ظهر محمّد بن زايد يدعو إلى حوار يحقّق "الوفاق" في السودان وذلك خلال استقباله عبد الفتاح البرهان الذي وصل الإمارات آتياً من القاهرة، وكان المجلس العسكريّ الانتقاليّ السوداني قد أكّد أن زيارة نائب رئيس المجلس الفريق حميدتي للسعودية جاءت لتأكيد بقاء القوات السودانية في اليمن "ولدعم الرياض" ضدّ ما وصفه بالتهديدات الإيرانية.

العسكر يترقّب ما بعد المجزرة: السودان في متاهة الانقسام الدولي

نقلت مجزرة الاثنين الماضي السودان إلى مرحلة جديدة أنهت مسار المفاوضات القائمة تحت ضغط الشارع، ليصبح العصيان المدني ورقة الضغط الأخيرة، في حين يسعى المجلس العسكري إلى امتصاص بيانات التنديد الدولية، بالدعوة إلى صفحة جديدة، يبدو أنه ــــ إن فتحت ــــ سيكون هو الطرف الأقوى فيها، في ظلّ الانقسام الدولي، وخسارة الحراك أقوى أوراقه.

لا يزال المجلس العسكري يحاول التملص من مجزرة فضّ الاعتصام بالقوة الاثنين الماضي، وسط تنديد دولي بالهجمات التي راح ضحيتها أكثر من مئة قتيل، متراجعاً عن إعلانه وقف التفاوض مع قوى «الحرية والتغيير»، وتشكيل حكومة انتقالية لتنظيم انتخابات عامة في غضون 9 أشهر، بإعلان أعقبه بساعات لرئيس المجلس، عبد الفتاح البرهان، أكد فيه استعداده «للتفاوض مع جميع القوى... وفتح صفحة جديدة»، بالتزامن مع دعوة الرياض وأبو ظبي إلى «استئناف الحوار بين القوى السودانية المختلفة»، كما جاء في بيانين نشرتهما وكالتا البلدين. ويعكس الإعلان الأخير للمجلس تخبّطاً لدى العسكر وحلفائه الخارجيين، زاده تعليق الاتحاد الأفريقي عضوية الخرطوم إلى أن تتولى البلادَ سلطة مدنية، وعزّزته «استفاقة» دول غربية ترفع شعارات حقوق الإنسان على المجزرة، لتطالب المجلس باستئناف الحوار وتشكيل حكومة يقودها مدنيون.

وبالتوازي مع مساعي المجلس السياسية لإعادة المشهد إلى ما كان عليه قبل فضّ الاعتصام، يبرر «العسكري» الهجوم بأنه كان يستهدف منطقة كولومبيا المجاورة لمقرّ الاعتصام، لكنه في الوقت نفسه يشيد بـ«إنجازات» قوات «الدعم السريع» المتهمة بالهجوم، والتي يرأسها نائب رئيس المجلس، محمد حمدان دقلو، الملقب بـ«حميدتي»، متهماً «جهات هدفها إشاعة الأكاذيب» حول الميليشيا. وهو اتهام يعززه «حميدتي» نفسه بالقول إن قواته «تتعرض لاستهداف مرتب ومنظم»، زاعماً أن «هناك من ينتحل شخصية أفراد الدعم السريع ويروّع المواطنين»، على رغم أن قواته لا تزال تنتشر بكثافة في شوارع العاصمة، وتقوم بإزالة المتاريس التي وضعها المتظاهرون، وسط إطلاق كثيف للرصاص الحي جواً، ما جعل مناطق عدة في العاصمة تبدو كمدينة أشباح خالية من حركة الناس.

تبريرات «العسكري» لم تنطلِ على قوى «الحرية والتغيير»، التي لا تزال ترفض العودة إلى طاولة المفاوضات، وتشدد على أربعة إجراءات رداً على الجريمة: «العصيان المدني الشامل»، و«إغلاق الطرق الرئيسية والكباري والمنافذ بالمتاريس» (مع عدم البقاء بجانبها أو حراستها لتجنب وقوع قتلى وإصابات)، و«الإضراب السياسي المفتوح في القطاعين العام والخاص»، و«التمسك بالسلمية» علماً بأن انكشاف وجه «العسكري» واستمراره في ترويع المواطنين لم يغيّرا من نظرة زعيم حزب «الأمة القومي»، الصادق المهدي (سبق أن أبدى استياءه من عدم التنسيق معه في المسيرات وطرح الوثيقة الدستورية)، الذي يرى أن العسكر «قام بدور مفصليّ في الثورة». ومن هذا المنطلق، هو يدعو قادة الحراك إلى مناقشة تسلّم النظام الانتقالي البديل، معتبراً أنه للوصول إلى ديموقراطية توافقية، على الأحزاب الاستعداد لها بإصلاحات في داخلها.

وفي ظلّ انسداد أفق الحوار تنشط وساطات محلية وإقليمية لعودة الطرفين إلى المفاوضات من ضمنها وساطة يعتزم رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، قيادتها خلال زيارة للخرطوم تبدأ اليوم (الجمعة) وتنتهي السبت وذلك بعد أيام من زيارة عبد الفتاح البرهان لإثيوبيا، في إطار جولة خارجية شملت مصر والسعودية والإمارات نهاية الشهر الماضي.

وبحسب مصدر دبلوماسي في سفارة إثيوبيا في الخرطوم سيجتمع أحمد مع أعضاء من «العسكري» وآخرين من تحالف «الحرية والتغيير». أيضاً يأتي تعليق الاتحاد الأفريقي عضوية الخرطوم في هذا الإطار بحسب ما يوضح مبعوث الاتحاد إلى السودان بالقول إن القرار «يهدف إلى دفع مختلف الجهات إلى الحوار»، مؤكداً أن «إرادة الاتحاد تشجيع التوصل إلى اتفاق لنقل السلطة» إلى المدنيين علماً بأن الاتحاد الذي يرأسه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والذي يعتبر نموذجاً للسيطرة العسكرية على السلطة، كان من أوائل المؤيدين للحكم المدني بعد سقوط البشير لكنه سبق أن أمهل «العسكري» شهرين لتسليم السلطة.

ومن بين الوساطات كذلك تلك التي تَقدَّم بها حزب «المؤتمر الشعبي» (منشق عن حزب «المؤتمر الوطني» الحاكم في عهد البشير) لكن تحالف «الحرية والتغيير» رفضها مساء أول من أمس. وبعد اجتماع خاص عقده لبحث الوساطة أعلن عضو «تجمع المهنيين السودانيين» أحمد ربيع أنهم لن يقبلوا بأي وساطة قبل التمكن من التواصل مع بعض أعضاء التجمع المفقودين والكشف عن هوية الجثث المنتشلة من النيل في ما يبدو شرطاً أولياً لاستئناف المفاوضات.

وفي ظل الأزمة السياسية الداخلية لا يبدو السودان في قلب صراع المحاور الإقليمي فحسب بل وسط صراع دولي بدأ يتكشّف في بيانات التنديد من الولايات المتحدة ودول أوروبا والصين وروسيا. ويبرز، من خلال هذه البيانات أن ثمة قطبين متقابلين: الأول يتماشى مع الدعم السعودي والإماراتي والمصري لـ«العسكري» (وإن كان يسجّل مواقف مناوئة لسياسات الأخير على استحياء)، تعبّر عنه واشنطن وباريس ولندن والثاني يرفض التدخل الدولي في الشأن السوداني وإن كان يدعم بدوره المجلس في اتجاه تعبر عنه موسكو وبكين.

هذا الانقسام انعكس أمس في مجلس الأمن حيث فشلت الأطراف في تبني بيان حول الوضع في السودان في جلسة مغلقة في نيويورك بعد رفض الصين وروسيا النص الذي أعدّته الدول الغربية في حين يقارن المسؤولون الروس ما يحدث في السودان بالأحداث في أوكرانيا بحسب ما ذكرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية ناقلة عن مصدر دبلوماسي روسي قوله إن القوى الغربية «حرّضت المحتجين والمتظاهرين على عدم المضي لملاقاة العسكريين».

وفي السياق نفسه يعتبر الأستاذ المساعد في قسم التاريخ العام في الجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية سيرغي سيريوغيتشيف في حديث إلى الصحيفة عينها أن العسكر يريدون «تقاسم السلطة مع المعارضة المنظمة، مع عدم السماح للنقابات أي الجزء الأكثر جماهيرية من حركة المعارضة بالوصول إلى السلطة» في إشارة إلى «تجمع المهنيين» المنظم للتظاهرات متوقعاً حدوث تحول في الموقف في المستقبل القريب: «إما أن يتمكن العسكريون بالاعتماد على المعارضة المنظمة والسعودية والإمارات ومصر من إزاحة النقابات وإخراجها من الحياة الاجتماعية السياسية لعدة سنوات أو تكنس النقابات العسكريين، بمساعدة الغرب وتعيد بناء جمهورية برلمانية في البلاد».

في ضوء ذلك يبدو الرهان على موقف دولي موحد في السودان مستحيلاً شأنه شأن ليبيا. أما بيانات التنديد فلا تبدو فعالة في الضغط على «العسكري» لتسليم السلطة من سبيل وصف مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، أعمال العنف في الخرطوم بأنها «بغيضة»، في وقت تعطي فيه واشنطن حلفاءها الإقليميين الضوء الأخضر في دعم «العسكري». أما داخلياً، فتبدو الأمور أكثر تعقيداً مع خسران الحراك إحدى أقوى أوراقه التي أطاحت البشير: الاعتصام أمام مقارّ الجيش ما يحرم قوى «الحرية والتغيير» زخم الشارع، الذي كان العنصر الأقوى في المفاوضات في جولاتها الثلاث في حين لا يبدو أن «العسكري» مستعد بعد للتنازل في النقاط الخلافية الأساسية وأهمها «المجلس السيادي» الذي يمثل رأس الدولة.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية