المرصاد نت - متابعات
كثيرون شكَّكوا بأن واشنطن لن تُقدِم على الانسحاب من سوريا، انطلاقاً من نظريةٍ ثابتةٍ تتمثّل بأهمية الشرق الأوسط ومركزيّته السياسية والعسكرية، خاصة أولئك الذين يرون في التواجد الأميركي في سوريا، دعماً لموقفهم وتوجّهاتهم. من هنا وصف هؤلاء الانسحاب الأميركي من سوريا بالكارثي. وفي تصريحٍ أدلى به المُلحَق العسكري السابق في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، الجنرال إيلي بن مير، أقرَّ خلاله بأن هذا الانسحاب "لا يُعتَبر أفضل نتيجة من وجهة نظر إسرائيلية، لكن للولايات المتحدة الأميركية مصالحها المشروعة". هذا التصريح يؤكِّد بأن الوكيل الإقليمي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، هو أكثر مَن يشعر بتغيّر الأولويات الأميركية حيال قضايا المنطقة.
ومن المؤكَّد أن الزيارة الخاطِفة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى "إسرائيل" تأتي في سياق طَمْأنتها، فقد أكَّد بومبيو أن انسحاب القوات الأميركية من شمال شرق سوريا لم يُعرِّض أمن "إسرائيل" للخطر.
في المقابل، فإن دونالد ترامب لم يُخف يوماً رغبته بالانسحاب من سوريا، مُعتبراً أن هذا التواجُد هو تورّط. خاصة وأن ترامب أعلن مِراراً أن الحروب في ليبيا والعراق كانت لها الآثار الكارثية على واشنطن، في حين ينبغي على الإدارة الأميركية وبحسب نظرة ترامب، تركيز جهودها على روسيا والصين، ومواجهة صعودهما إقليمياً ودولياً.
الوقائع أثبتت أن الانسحاب الأميركي من سوريا بات أمراً واقعاً، فالولايات المتحدة لم تعد قادِرة على خوض صِراعاتٍ مُتعدِّدةٍ في الآن نفسه، وباتت ضرورية جَدوَلة مهامها دونما الاعتماد على النظريات العسكرية، نظراً إلى تعاظُم قوّتي روسيا والصين.
في هذه الجزئيّة، فرضت التطوّرات المُتسارِعة في الشرق الأوسط، نَمَطاً أميركياً جديداً في التعاطي مع المُستجدات، خاصة تلك المُتعلّقة بالجوانب العسكرية، فالحروب الشرق أوسطية أدخلت واشنطن في نفقٍ لا نهاية له، وهذا ما أكَّده ترامب حين قال "غرقت واشنطن في حروب الشرق الأوسط التي لا نهاية لها". لتكون النتيجة تحوّلات كُبرى في موازين القوى، والسعي الأميركي الحثيث لمواكبتها.
من هنا، لا يمكن بأية حال من الأحوال وضع الانسحاب الأميركي من سوريا خارج هذا الإطار. لكن التبريرات التي سوَّقتها الإدارة الأميركية للبقاء في سوريا عقب القضاء على "داعش"، كمحاولة منع "داعش" من الظهور مُجدَّداً، أو التصدّي لإيران في المنطقة، أو التركيز على الكرد وتعزيز النزعة الانفصالية لديهم، بُغية حِرمان الدولة السورية من مواردها النفطية شمال شرق سوريا، وللتأثير على طبيعة الحل السياسي. تُظهر أن ما يتم التسويق له، مُخالف بالكلية لطبيعة الظروف السياسية والعسكرية التي تؤطّر شمال شرق سوريا.
فانتصارات الدولة السورية مع حلفائها أظهرت محدودية القدرة الأميركية على التأثير في سياق الملف السوري، وأفرغت مضمون التبريرات الأميركية للبقاء في سوريا، مع مفاعيلها وتأثيراتها، فالتطوّرات المُتسارِعة التي فُرِضَت أثناء وقبل التدخّل الروسي في سوريا، كذَّبت قدرة واشنطن على صوغ معادلات سياسية وأخرى عسكرية في سياق الحرب على سوريا.
اليوم بات واضحاً أن التخلّي الأميركي عن الكرد وتركيا، جاء في توقيتٍ استراتيجي تمّ استثماره سورياً وروسياً. فحين يُعطي ترامب الضوء الأخضر لتركيا لاجتياح مناطق الكرد، فهو حُكماً قد كَسَرَ التحالف مع الطرفين، وهنا يكمُن الفرق الاستراتيجي بين السياستين الروسية والأميركية في سوريا.
هذه إشكالية أظهرت بوضوحٍ العجز الأميركي على التعامُل مع الأزمات لاسيما بين حلفائها، بينما روسيا فقد تميّز أداؤها بالدفاع عن حلفائها الأفرقاء، ومن ثم السعي الحثيث إلى إيجاد حلٍ سياسي لهم.
الهجوم التركي على شمال شرقي سوريا، أظهر جلياً التبايُن بين الدورين الروسي والأميركي في سوريا، فلحظة التخلّي الأميركي قابلها دخول روسي مؤثّر على خط الأزمة لخَفْضِ التصعيد بين الأفرقاء، ونجحت موسكو في ذلك. فتقريب وجهات النظر بين الدولة السورية والكرد، ولاحقاً بين سوريا وتركيا، هو خير دليل على أن موسكو باتت عرَّابة الحل السوري. هذا الأمر سيفتح الباب واسعاً أمام إعادة ترتيب النظام الإقليمي، والاستراتيجية الروسية تعتمد على تقريب وجهات النظر بين كافة الأفرقاء وإرساء نُظُم التعاون وتبادُل المنافِع، في حين ساهمت واشنطن في تدمير هذا النظام، عبر التجييش ضد إيران خليجياً وكذا تركيا، إضافة إلى جملةٍ واسعةٍ من التناقُضات في التعاطي السياسي مع حلفائها.
ضمن هذا الإطار، باتت دول الشرق الأوسط التي تماهت مع السياسة الأميركية، تبحث عن شراكاتٍ استراتيجيةٍ تضمن أمنها، وفي جانبٍ آخر تضمن الانخراط في مُعادلة التفاوض للتوصُل إلى حلول. وفي ظلّ الانسحاب الأميركي من سوريا والجُزئي من الشرق الأوسط، تحاول واشنطن التركيز على محاولاتها لوقف صعود الصين وروسيا.
يُكرِّس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه رقماً صعباً في مُعادلات الشرق الأوسط، وهو ما تبدَّى في تمكّنه من فرض شروطه السياسية في سوريا. والواضح أن النفوذ الروسي تخطّى القدرة على التأثير في الورقة السورية، ليصبح التأثير الروسي فاعِلاً ومؤثّراً في جُلّ قضايا الشرق الأوسط.
بعد ثلاثة عقود على انهيار الاتحاد السوفياتي، بات واضحاً أن النُخب السياسية في واشنطن، بدأت تُدرِك أن الحُقبة التي برزت فيها الولايات المتحدة كقوّةٍ سياسيةٍ وعسكريةٍ لا يمكن تطويقها في الشرق الأوسط، قد انتهت، وأن هناك مُنافِساً قوياً بات من الضروري التعامُل معه. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أظهر قدراً كبيرا من القوّة والنفوذ والمصداقية، خلافاً لما يُظهره ترامب. من هنا موسكو تتحوَّل شيئاً فشيئاً إلى وجهةٍ أساسيةٍ للقادة الإقليميين الراغبين في حل مشاكلهم.
قراءة : أمجد إسماعيل الآغا - كاتب سوري
المزيد في هذا القسم:
- اضراب الحرية والكرامة في تصاعد.. بوادر انتفاضة تلوح في الافق المرصاد نت - متابعات يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معركة جديدة من معارك الأمعاء الخاوية يجوعون ويتألمون بل ويصيبهم الإعياء في سبيل الحفاظ على كرامت...
- الجيش السوري يمتلك مكالمات بين الاميركيين وداعش قبل غارة دير الزور المرصاد نت - متابعات كشفت رئيسة مجلس الشعب السوري هدية عباس عن وجود معلومات هامة لدى دمشق حول الغارات الأمريكية على القوات الحكومية بدير الزور معلنة أن الج...
- تبون يتسلّم مهامّه رسمياً: تعهّد بتقليص صلاحيات الرئيس! المرصاد نت - متابعات دخلت الجزائر، رسمياً، عهد الرئيس الثامن في تاريخها، باشر الرئيس الجديد فوراً صلاحياته، بقبوله استقالة الوزير الأول نور الدين بدوي، في انت...
- بن سلمان في الكويت: هاتوا نفطكم لنرضي ترامب المرصاد نت - متابعات تحت الضغوط الأميركية المتزايدة على السعودية والتي تجلّى آخرها في تصريح دونالد ترامب أمس بأن بلاده لا تحصل من حليفتها على «ما يجب أن...
- هل يتجاوز لبنان نفق التأليف بعد التكليف؟ المرصاد نت - متابعات تنفس كثير من اللبنانيين الصعداء بعد اعلان رئيس الجمهورية ميشال عون تسمية وزير التربية والتعليم الاسبق حسان دياب لتشكيل الحكومة الجديدة. ل...
- مجلس الشيوخ يبرئ الرئيس ترمب من تهمة التحريض على مهاجمة مبنى الكونجرس المرصاد - خاص لم يتمكن فريق الإدعاء على مدى خمسة أيام من المرافعة من إثبات التهمة على الرئيس ترمب أنه قام بتحريض مناصريه لمهاجمة مبنى الكونجرس في اليوم ال...
- فلسطين : حوارات القاهرة: تمخّض الجبل فولد... «بياناً» المرصاد نت - هاني إبراهيم عادت وفود الفصائل الفلسطينية الـ13 من القاهرة محمّلة بخيبة أمل جديدة وتأجيل إضافي سببهما «ضغوط أميركية» على السلطة. أيضاً...
- بعد الزلزال....150 ألف شخص تحت الأنقاض في إندونيسيا المرصاد نت - متابعات رجحّت وزارة الخارجية الإندونيسية أن يكون نحو 150000 لا يزالون تحت الأنقاض جرّاء الزلزال والتسونامي اللذين ضربا البلاد نهاية الشهر ا...
- الأتفاق النووي يباعد بين أوروبا وواشنطن ... أجتماع خماسي في فيينا المرصاد نت - متابعات يباعد الموقف من الاتفاق النووي يوماً بعد آخر بين كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وفي وقت تواصل واشنطن مسلسل العقوبات ضد إيران ل...
- بطاريات باتريوت الناتو على الحدود التركية السورية المرصاد نت - روسيا اليوم بدأت قوات حلف شمال الأطلسي (ناتو) أعمال نشر بطاريات نظام الدفاع الجوي (باتريوت) في ولاية قهرمان مرعش جنوبي تركيا للتصدي لهجمات محت...