الشعب العربي يستنقذ غده الأفضل : من تونس إلى العراق!

المرصاد نت - متابعات

ليست الثورة نزهة او “كزدورة” في أوقات الفراغ ولا هي “فورة غضب” تنتهي بترضية معنوية وقبلات نفاق على الخدين..ALiraq Talla2019.11.30

الثورة تعبير واع بأسباب الغضب وإرادة بضرورة تغيير الأوضاع البائسة التي تتهدد الإنسان في كرامته ومعها لقمة عيشه التي تشغله في يومه حول غده ومستقبل أبنائه.

ومن غرائب عصرنا أن الدول العربية الأعظم ثروة بنفطها (السعودية، مثلا) لم تعترف يوماً بأن بالملايين من “الرعايا” المخضعين لحكم الأسرة المذهبة والذين يعيشون في البلاد التي أنجب بعض بيوت الفقراء من أهلها رسول الله النبي محمد بن عبدالله.. كما أنجب أهلها، عموماً، السرايا الأولى في جيوش الفتح..

وليس إلا مع نهاية القرن الواحد والعشرين، وبعد أكثر من الف وأربعمائة سنة على رسالة الأسلام وبعد أن اندلعت الثورات في مغارب الأرض العربية، كتونس، وبعدها الجزائر، ثم في السودان، وصولاً إلى المشرق في لبنان ومعه عراق الرافدين حتى أنتبهت الأسرة الحاكمة بالسيف إلى أن من حق رعاياها أن يتنفسوا بلا رقابة “المطاوعة” ومن حق نسائهن أن يتولين قيادة سياراتهن.. بغير محلل!

بالمقابل فان هؤلاء “الرعايا” العرب الذين قسمت الدول الإستعمارية وبالذات بريطانيا وفرنسا، بلادهم ضد إرادتهم وفي تحد معلن لوطنيتهم وأعتزازهم بأرضهم ذات التأريخ، يشعرون اليوم أن من حقهم أن يعودوا إلى العصر فيستعيدوا بلادهم وحقوقهم فيها وحقها عليهم في تحريرها.

…وهاهم العرب يستعيدون بلادهم ويحاولون تأكيد جدارتهم بحفظها وبناء مستقبلها الأفضل عبر الصبر.

عن العرب الأفارقة..

إن شعب الجزائر الذي دفع دماء أغلى أبنائه وبناته من أجل استعادة هويته العربية التي كانت وبقيت هويته برغم الدهر الطويل للاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي دام حتى 20 ايلول 1962 حين قامت جمهورية الجزائر الديمقراطية بقيادة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وأنتخب شعبها أحمد بن بللا كأول رئيس لهذه البلاد التي استعادها شعبها بدماء مليون من الشهداء، كذلك فان تونس التي شهدت أول انتفاضة عربية قبل عشر سنوات مع استشهاد البوعزيزي قد أسقطت حكم العسكر بقيادة الجنرال زين العابدين بن علي الذي هرب مع زوجته الراقصة وجواهرها وكنوز الذهب، ليموت في السعودية..

وها هي تونس اليوم قد أنجزت إعادة بناء نظامها الديمقراطي وأنتخبت رئيساً جديداً وسط منافسة محترمة بين مجموعة من المرشحين. والرئيس الجديد قيس سعيد شهادة لشعب تونس ووعيه وحسه الديمقراطي الذي جعله يندفع لانتخاب رجل قانون محترم ذي ثقافة عالية وتجربة ممتازة في مجال العمل العام (جامعة الدول العربية..)، وعبر معركة ديمقراطية تنافس فيها مع أكثر من مرشح.

ومن أسف فأن علينا تجاوز ليبيا التي غيبتها الصراعات العبثية على السلطة في بلد منقسم على ذاته وكأنما يراد إعادته إلى ماضي المملكة التي كانت بولايات ثلاث (شرق ـ بنغازي ـ وجنوب ـ سبها ـ وغرب ـ طرابلس).. وتخضع لاحتلال ثلاث دول غربية: ايطاليا في طرابلس وفرنسا في سبها والولايات المتحدة الأميركية في الشرق وتحديداً في طبرق وجوارها بقاعدة عسكرية فخمة، وتأثير سياسي واقتصادي على “المملكة” ككل.

والحرب التي تحرق ليبيا الآن بشعبها ومدنها وثروتها المحترمة من النفط والغاز “قضية مفتوحة” أمام الأمم المتحدة التي عينت موفد دولياً سبق أن شغل منصباً وزارياً في لبنان وهو من كبار المثقفين.

وبرغم الصعوبات الجمة فقد أنتصر شعب السودان بثورته على الدكتاتور عمر البشير مما أجبر الجيش على التحرك لخلعه خضوعاً للإرادة الشعبية. وبعد مواجهات حفلت بشي من العنف أمكن استنقاذ الثورة الشعبية والتوافق على حكومة مشتركة بين الجيش والثوار..

الشعب “يسقط” نظامه الطوائفي

أما في المشرق العربي فان لبنان يشهد انتفاضة شعبية رائعة وحدت شعبه الذي فرض عليه الانقسام بالأمر وعلى قواعد طائفية ومذهبية، وزعت على اساسها المناصب القيادية مع تحصين موقع رئيس الجمهورية بدعوى تأمين الاقليات الطائفية في لبنان وطمأنتها إلى دوام الكيان بالرعاية الدولية المستمرة حتى لو تبدلت الادوار وتم التسليم بقيادة الولايات المتحدة للغرب عموماً والعرب ضمنه وبين أهدافه المقدسة حماية الكيان الإسرائيلي وشهيته المفتوحة على التوسع.

وها هو هذا البلد الجميل الذي طالما تغنى به الشعراء وكبار المطربين والمطربات يعيش الذكرى الخامسة والسبعين لاستقلاله السياسي ينتظر، عبثاً، تشكيل حكومة جديدة، بينما المجلس النيابي مغلق ورئيس الجمهورية الذي أسلم القيادة لصهره (وزير الخارجية الدائم منذ دهر) جبران باسيل يتهرب من تحديد موعد للاستشارات الملزمة لتسمية من يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة بعد استقالة رئيس الحكومة السابقة سعد الحريري واعتذر عن قبول تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.

لا أحد يدري إلى متى سيستمر الفراغ وسيظل لبنان بلا حكومة تحاول انتشاله من الوهدة التي انحدر اليها بأفضال طبقته السياسية والتي من أخطر نتائجها الأزمة الأقتصادية التي يعيش شعبه تحت وطأتها.

الجرح العراقي المفتوح..

أما العراق فيبقى الجرح المفتوح في جسد الامة العربية: شعبه في الشارع منذ اسابيع يملأ ساحات بغداد وكربلاء والناصرية و…

أما حكومته الائتلافية فتبدو عاجزة يهتز ائتلافها الهش ويتجاهلها وزير الدفاع الأميركي خلال زيارته لبعض القواعد العسكرية الاميركية في بعض انحاء العراق.

ليس من وسيط عربي مؤهل لبذل مساعيه الحميدة من أجل التوفيق بين الأطراف السياسية (والمذهبية)، في ظل تمايز موقف المرجعية الشيعية العليا في النجف عن مواقف الأطراف السياسية التي تتلهى بصراعاتها، ودعوتها الملحة إلى ضرورة الإتفاق على حكومة جديدة في أسرع وقت… بينما مقتدى الصدر متردد في الانتساب إلى أي معسكر، كما في الضغط لإنهاء الفراغ المدوي في السلطة.. بينما الشعب في الشارع لا يغادره.

وفي الأفق ترتسم معالم الصراع الأميركي ـ الإيراني، بينما الشعب العراقي هو من يدفع الثمن.

لهذا كله نفهم أسباب تعسر ولادة الغد العربي الأفضل.

لكن الشعب في هذه الأقطار العربية التي طالما حكمها “الأباطرة” من قادة الفرص المذهبة فيها، يحاول حماية حقه في القرار بشأن حاضره، ثم مستقبله بطبيعة الحال.

قراءة : طلال سلمان - صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني 2017م.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية