مهزلة المحاكمات السعودية .. خاشقجي قتل نفسه!

المرصاد نت - متابعات

قالت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة، آغنيس كالامار، إن جريمة اغتيال جمال خاشقجي تُعتبر بموجب القانون الإنساني الدولي «إعداماً خارج نطاق القضاء تتحمّل السعودية مسؤوليته».Khassajai2019.12.24 وأضافت المحقّقة الفرنسية التي كتبت تقريراً خلص إلى اعتبار محمد بن سلمان مسؤولاً عن هذه الجريمة أن «الحصيلة هي: المنفذون مذنبون حكم عليهم بالإعدام. الرؤوس المدبّرة ليست حرّة فحسب بل لم تتأثر تقريباً بالتحقيق والمحكمة. هذا هو نقيض العدالة. إنها مهزلة».

في السياق حثّت الخارجية البريطانية، الرياض، على ضمان محاسبة جميع المسؤولين عن الجريمة. وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب في بيان إن «مقتل خاشقجي جريمة وحشية، وأسرته تستحقّ أن ترى العدالة تأخذ مجراها» مضيفاً: «يجب على السعودية ضمان محاسبة جميع المسؤولين وعدم تكرار مثل هذه الجرائم البشعة». وتابع راب: «تدين المملكة المتحدة استخدام عقوبة الإعدام في جميع الظروف باعتبارها مسألة مبدأ».

أحكام أولية بالإعدام في قضية خاشقجي... القحطاني والعتيبي وعسيري «أبرياء»!
بعد مرور أكثر من عام على حادثة اغتيال الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول والمحاولات السعودية الحثيثة لاحتواء الأزمة التي ولّدتها تلك الجريمة أعلنت النيابة العامة في الرياض يوم أمس أحكاماً أولية بالإعدام لخمسة أشخاص في القضية رغم أنّها اعتبرت أنّ الجريمة المروّعة، التي تخلّلها تقطيع جسد خاشقجي «لم تتم بنيّة مسبقة» بل كانت وليدة اللحظة.

وقالت النيابة في مؤتمر صحافي إن المحكمة حكمت بـ«قتل خمسة من المدّعى عليهم قصاصاً وهم المباشرون والمشتركون في قتل المجنيّ عليه... سجن ثلاثة من المدعى عليهم لتستّرهم على هذه الجريمة ومخالفة الأنظمة، بأحكام سجن متفاوتة تبلغ في مجملها 24 عاماً». كما وتم «حفظ الدعوى في حق 10 عشرة أشخاص والإفراج عنهم لعدم كفاية الأدلة». وأضافت النيابة أن هذه الأحكام الصادرة عن المحكمة الجزائية في الرياض هي أحكام «ابتدائية وليست نهائية، ويمكن استئنافها»، معلنة أن المحكمة ردت طلب عقوبات تعزيرية على ثلاثة متهمين.

وأعلنت السلطات السعودية براءة اثنين من كبار مساعدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهما سعود القحطاني، والنائب السابق لمدير الاستخبارات اللواء أحمد عسيري، إضافة إلى القنصل السعودي في إسطنبول محمد العتيبي، إذ لم تُوجه لهم أي اتهامات وتم الإفراج عنهم. وقال المتحدث باسم النيابة العامة شعلان الشعلان، إن القنصل السعودي في إسطنبول أُفرج عنه بعد ورود إنابة قضائية من الجانب التركي تضمنت شهادات لمواطنين أتراك بوجوده معهم يوم وقوع الجريمة وأن عسيري خضع للتحقيق وصدر حكم في إخلاء سبيله لعدم ثبوت إدانته في القضية.
وأضاف الشعلان في المؤتمر الصحافي أن «القحطاني تم التحقيق معه ولم يُوجه له أي اتهام في القضية لعدم وجود أي دليل ضده وأن جريمة قتل خاشقجي لم تتم بنيّة مسبقة».

ويثير إطلاق سراح العسيري وعدم توجيه اتهام القحطاني، الأسئلة مجدّداً حول من أمر بتنفيذ العملية التي قالت السلطات في الماضي إنّ هدفها كان إعادة خاشقجي إلى السعودية، خاصة أن دبلوماسيين حضروا جلسات قالوا إنّ المتهمين قالوا خلال اعترافهم إن العسيري الذي أعفي من منصبه بعد أيام من وقوع الجريمة «هو الذي أصدر الأوامر». وورد اسما العسيري والقحطاني في لائحتَي العقوبات اللتين أصدرتهما واشنطن في حق مشتبه بتورطهم في قضية قتل خاشقجي.

ووفقاً لبيان سابق من مكتب المدعي العام السعودي فإن القحطاني المعروف بأسلوبه الهجومي على وسائل التواصل الاجتماعي، التقى المجموعة قبل سفرها إلى تركيا بهدف مشاركتها في معلومات متّصلة بالمهمة. ورغم ذلك لم تُوجّه له أي تهمة. ويقول سعوديون إن المستشار السابق لا يزال يتمتع بالقدرة على التأثير بعيداً من الأضواء بينما يشير آخرون إلى أنه فضّل الابتعاد إلى حين تراجع وتيرة ردود الفعل الغاضبة في العواصم الكبرى.

ولم تعلن السلطات أسماء الذين صدرت في حقهم أحكام الإعدام والسجن. والمعروف أنّ ماهر المطرب، المسؤول السابق في جهاز الاستخبارات والذي كان يرافق ولي العهد في رحلاته الخارجية، هو واحد من المتهمين الـ11. وقد ورد اسمه على لائحتَي عقوبات أميركيتين عرّفتا عنه بأنّه يعمل تحت إمرة القحطاني. وبين المتهمين الذين جرت محاكمتهم أيضاً خبير الأدلة الجنائية صلاح الطبيقي، والعضو في الحرس الملكي فهد البلوي.

بن سلمان: لنتخلّص من طيف خاشقجي
جمال خاشقجي انتحر ثم ذوّب جثّته بالأسيد بنفسه. هذا ما كان ينقص الأحكام القضائية الأولية الصادرة أن تقوله بخصوص القضية. خرج قضاء مملكة آل سعود أمس ليؤكد في مناسبة جديدة أنها مملكة للقتل والقهر وكذلك للدجل الذي بات يُحرج حتى حلفاء هذا النظام وأنصاره. يراهن محمد بن سلمان على تفهّم دونالد ترامب النوع الفريد من القذارة لدى هؤلاء الحكّام ما دامت آلية الابتزاز والحلْب المهين تعمل بلا معوّقات. يريد الأمير لمملكته عاماً هادئاً يرمم ارتدادات الجريمة الزلزال على العلاقات مع الغرب، فيمرّر استضافة حدث قمة العشرين أواخر 2020 (تشرين الثاني)، ويُحيي مشاريعه الاستثمارية المتعثرة. لكن كما أراد التخلّص من خاشقجي، المنشقّ الذي خرّب عليه عمليات تجميل الصورة بعيون الولايات المتحدة، فارتدت الجريمة عليه عكسياً، ليس مستبعداً أن يحصد ابن سلمان نتائج معاكسة من أحكام وقحة وهزيلة كادت أن تقول إن ماهر المطرب ورفاقه، فريق اغتيال خاشقجي وتقطيعه، حضروا في تشرين الأول 2018 إلى تركيا ومعهم «بالمصادفة» ليس إلا، منشار عظم!

طوال عام على مقتل جمال خاشقجي ظلّت تعليقات المتابعين تتراوح بين الاستفظاع والتهكّم من الجريمة وأسلوبها الجامع بين الغباء والوحشية. أحبّ محمد بن سلمان أن يقدّم أمس مادة هزلية جديدة من باب محاولة لفلفة القضية وإغلاق الملف، ليأتي الإخراج بقالب لا يقل غباوة عن أصل الجريمة وإن كان ثمّة توقيت يظن أنه مؤاتٍ وسيغطي هذه المرة على تهافت الرواية القضائية. يوم قرّر ولي العهد السعودي التنازل أخيراً وتوقيف كل من سعود القحطاني وأحمد عسيري بعد ضجيج دولي لا مسبوق كان الأمير الشاب ينحني مع العاصفة التي أتت على كثير مما بناه منذ وصول آل سلمان إلى العرش. أموال طائلة ضُخّت في مشاريع وبرامج في الخارج والداخل، انكبت عليها القيادة الجديدة أملاً في تحسين الصيت وتلميع الصورة لدى الغرب بما يمتّن العلاقة معه ويرمّم الشراكة مع الأميركيين أو يجددها بصفقة أكثر استقراراً وأطول أمداً.

قيل يومذاك إن الأب الملك، سلمان، كبح جماح نجله المدلّل وأعاد ترتيب آلية الحكم ململماً تداعيات الجريمة. وقيل إن ابن سلمان نفسه، الذي وقف «وحيداً» برباطة جأش وعناد لافتين في منتدى «دافوس الصحراء» غير آبه بالمقاطعة الغربية لمنتدى أريد منه أن يكون عُرس «رؤية 2030»، أدرك سريعاً هول التداعيات من الصفعة الأولى التي تلقاها على سياسته المتهورة. شعر بـ«طعنة» من الغرب جرّاء فداحة ردود الفعل، وهو الآتي قبل أشهر (نيسان 2018) من الولايات المتحدة في إحدى أطول الزيارات التي قد يقوم بها مسؤول إلى الخارج (دامت 3 أسابيع!).

ويلاحظ المتابعون أن المملكة، بعد مقتل خاشقجي، دخلت طوراً جديداً من السلوك في سياستها الخارجية جنحت فيه أكثر إلى الهدوء والتعقّل. فلم تكن جريمة قنصلية إسطنبول سوى القشة التي قصمت ظهر البعير ففتحت المسكوت عنه من الملفات كحرب اليمن واختطاف سعد الحريري ومقاطعة قطر وظهّرت في آن هشاشة العلاقة بالغرب وخصوصاً بريطانيا والولايات المتحدة.
طوال العام الماضي ظل ابن سلمان حبيس طيف خاشقجي الذي لم يكفّ عن ملاحقته.

منذ الجريمة وإلى اليوم لم يزر أي دولة غربية. هو ممنوع، لا بالمعنى الرسمي للكلمة، من أن يزور الولايات المتحدة أو أوروبا، فاختار أن يجري جولات آسيوية وعربية بدأها برحلة «فك الحصار» كما بدت وقتها حين قادته جولة عربية إلى المشاركة المثيرة للجدل في قمة العشرين في الأرجنتين. لم يمر كل ذلك بهدوء كما ظن البعض. على سبيل المثال، يروي لـ«الأخبار» مصدر مطّلع، أنه في المدة التي تلت جريمة القنصلية، أقدمت المملكة على فتح أولى الاتصالات من نوعها مع إيران، قادتها إلى عقد اجتماع سرّي عالي المستوى بين الطرفين في سلطنة عمان.

اجتماع ظهرت خلاله «إيجابية» سعودية غير مسبوقة باتجاه ملفَّي حرب اليمن والعلاقة مع طهران، ليتبيّن لاحقاً حين لم تستكمل الجهود، أن الاتصالات كانت من دون علم الأميركيين الذين دخلوا على الخط ومنعوا الرياض من استكمالها. يقود ذلك إلى تأكيد أن مقالة المقرّب من المحمّدين،ابن سلمان وابن زايد تركي الدخيل (هدّد فيها بالتحالف مع الصين وروسيا وإيران و«حماس» وحزب الله، في حال فرض عقوبات أميركية ضد المملكة على خلفية جريمة خاشقجي) لم يكن مبالغة من الإعلامي الذي عُيّن بعد أسابيع سفيراً لبلاده لدى الإمارات، بل حلقة في خطة دفاعية قرّرتها الرياض لتخفيف التداعيات.

يستعجل ولي العهد إغلاق الملف والقول إنه أتم ما يطالب به من تحقيق ومحاكمة ولو كلّف الأمر عدم التخلّي عن «رجاله» الأقربين وحصر من ينطبق عليهم صفة «كبش فداء» في خمسة من الموظفين العاديين حُكم عليهم بالإعدام وثلاثة آخرين بالسجن المؤقت من لائحة 11 متهماً والغامض أنه لم توضح أسماء المشمولين بالأحكام. وفي حين لم ينجح في نفي التهمة لدى الرأي العام عن مسؤوليته شخصياً ومباشرة عن العملية يحاول ابن سلمان إبعاد الجدل حول المسؤولية عن نفسه ونقلها إلى الدائرة المقرّبة منه. وفي تجاهل لتحقيقات تركيا والأمم المتحدة، قرّر القضاء السعودي أمس أن «تحقيقات النيابة العامة أظهرت أنه لا توجد أي نية مسبقة للقتل... كان القتل لحظياً». كما قال إن أوامر مستشار ابن سلمان ونائب جهاز المخابرات عسيري كانت إعادة خاشقجي من تركيا لكن قائد مجموعة الاغتيال أو «فريق التفاوض» كما سمّاه القضاء (المطرب) هو من اجتهد في وقت لاحق وقرّر قتل الرجل. خلاصةٌ فتحت الباب على تبرئة كبار المسؤولين المتبقّين: عسيري، والمستشار المقال من الديوان الملكي سعود القحطاني. وضمّت إلى تلك الاستنتاجات رواية أخرى لتبرئة ثالث الثلاثة الكبار على لائحة الـ11: القنصل محمد العتيبي بالقول إنه كان في إجازة يوم الجريمة.

يسجّل في اختيار الأسلوب والتوقيت للأحكام ملاحظات بينها:
ــــ تعجّل النظام السعودي إصدار القرارات قبل بداية العام الجديد. فهو يفترض أنه بذلك يغلق الملف إذ يريد أن يتخلّص بما تيسّر من تداعيات القضية وإعادة الهدوء والثقة من حول النظام في عام 2020 التي يريدها ابن سلمان سنة «هادئة» ومليئة بإنجازات اقتصادية تأخّرت. فيمرّر فيها سابقة استقبال «العشرين» على أراضي المملكة، الحدث المهم، وتعويض الخسارات الفادحة التي تبدأ بتعثّر طرح «أرامكو» الدولي ولا تنتهي بفشل ذريع لاستدرار الاستثمارات الأجنبية، على غرار ما حدث في «دافوس الصحراء» وتأثير الجريمة في هرب الاستثمارات. هذه الاستحقاقات هي جانب مما يدفع الرياض للتهدئة مع قطر وتثبيت هدنة طويلة الأمد في اليمن. وتجلّت الاستراتيجية الجديدة بوضوح في اللقاء الأخير في الإمارات الشهر الماضي بين ابن سلمان وابن زايد. وقد كانت المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة المعنيّة بحالات القتل خارج نطاق القضاء والتي ترأّست تحقيقاً حول قضية خاشقجي أغنيس كالامار قد دعت في مقالة في «واشنطن بوست» إلى إعادة النظر في عقد «العشرين» في السعودية في حال لم تتم محاسبة مرتكبي الجريمة.

ــــ بات ابن سلمان منذ مدة واثقاً بالانحياز الكامل لترامب إلى صفّه ولا مبالاته بالقضية مع ثباته الواضح، رغم مواقف الإعلام والكونغرس وباقي المؤسسات، على اعتباره أن ثمن العلاقة المربح يستوجب التستّر على الجريمة. وهو ما ترسّخ أكثر مع إسقاطه بالفيتو كل جهد للكونغرس لفرض تشريعات ضد السعودية. وإن كان لتستّر ترامب ثمن، فالابتزاز الأميركي أمر لا مناص منه لدى النظام السعودي ما يجعل الاستفادة من وجود ترامب في البيت الأبيض أمراً ضرورياً. يريد الأمير السعودي أن يقول للمعترضين إنه أنجز المطلوب منه عبر محاكمة المتهمين. وكذلك بإمكان ترامب أن يواجه بعد الآن خصومه بهذه الحجة حتى لو كانت سخيفة لا فقط استخدام اللازمة البالية لتبرير شكل علاقة الطرفين: مصالح متبادلة لا قيم مشتركة. وستكون هذه القرارات مقدّمة لتمرير هادئ لاستقبال قمة العشرين أو استئناف زيارات ابن سلمان. فاستبدال الأميرة ريما بنت بندر بالسفير لدى واشنطن، شقيقه خالد كان أول مؤشر على ترقيع الأزمة بعد انحسارها نسبياً وإن لم تكن كافية لتهدئة الكونغرس.

ــــ ثقة ابن سلمان بترامب دفعته إلى استعجال أحكام تتجاهل حتى من وردت أسماؤهم في لائحة العقوبات الأميركية على المتورّطين الـ17، التي اكتفت بها إدارة ترامب. وهو ما يعني تجاهل غضب الكونغرس وإمكانية تفعيل ملف خاشقجي في إطار الحرب المفتوحة على البيت الأبيض أي مزيد من الأضرار السعودية. وهذا يعني أن محاولة إغلاق الملف قد ترتد سلباً لتكون مناسبة لإثارته من جديد لو إعلامياً. أول المؤشرات على هذا الاحتمال ردود الفعل الأولية غير المقتنعة بالأحكام والمسخّفة لها باعتبارها تمويهاً للحقيقة. فمحاولة إغلاق الملف بدت للجميع أنها تشبه الجريمة نفسها إذ تتم بطريقة وقحة وغير مقنعة!

تركيا تطالب بمحكمة دولية

انتقدت تركيا الأحكام التي أصدرها القضاء السعودي في قضية اغتيال جمال خاشقجي معتبرةً أنها «لا تحقّق العدالة». وبحسب بيان وزارة الخارجية التركية فإنّ الأحكام التي قضت بإعدام خمسة أشخاص وبرّأت اثنين من المشتبه فيهم الرئيسيّين «لا تلبّي رغبة بلادنا والمجتمع الدولي في الإضاءة على كل جوانب هذه الجريمة وإحقاق العدالة». وأضافت أن «مصير جثة خاشقجي وتحديد هوية المحرّضين على القتل والمتعاونين المحليين المحتملين، كلّها أسئلة لا تزال من دون أجوبة وهذا يشكِّل فجوة أساسية في مسار العدالة». من جهته قال المتحدث باسم حزب «العدالة والتنمية» التركي عمر جليك إن قرار القضاء السعودي غير مرضٍ ويؤكّد أن مخاوف بلاده كانت محقّة، داعياً إلى الشفافية في تحقيقات مقتل الصحافي السعودي في قنصلية بلاده في اسطنبول، وإقامة قضاء محترم وإلى «ضرورة عقد محكمة بمعايير محكمة عليا في إسطنبول تحت إشراف المؤسسات الدولية». وأضاف «كنّا نأمل أن يلبّي قرار القضاء السعودي العبارات الواردة في تقرير الأمم المتحدة».

البيت الأبيض يُصدّق على الرواية: MBS في حماية ترامب
بالخفَّة إيّاها، تلقّفت الإدارة الأميركية الأحكام السعودية في قضية اغتيال جمال خاشقجي. مرّة أخرى أكّدت أنها لا تزال راضية عن المسار الذي خطته حليفتها. راضية إلى درجة أنها رأت في الأحكام بإعدام خمسة مجهولين «خطوة مهمة» يمكن البناء عليها في مسار متشابك يعيد الجدل في حادثة القنصلية إلى النقطة الصفر. استدعت الأحكام الهزلية التي برّأت رجالات محمد بن سلمان لتزجّ بآخرين لم تُذكر أسماؤهم، اقترفوا ما اقترفوه في لحظةِ تخلٍّ ومن دون نيّة مسبقة بياناً سريعاً من مسؤول أميركي «كبير» رحّب باسم الإدارة بخطوة المملكة ودعاها إلى «المزيد من الشفافية».

من الأصل دأبت إدارة دونالد ترامب طوال العام الماضي على انتهاج سياسة قائمة على تقديم المصالح الاستراتيجية بين البلدين على أيّ اعتبار آخر وإن كان ذلك على حساب انقسام داخلي برز بوضوح بين الأولى والكونغرس، وبينها وبين وكالة الاستخبارات المركزية، إذ خلصت الأخيرة إلى تحميل ابن سلمان مسؤولية الجريمة. هذا التجاذب على أهميّته في سياق قضية غاية في التعقيد كهذه لم يمنع من رجحان كفّة سياسة ترامب في إدارة العلاقة مع الرياض على نحو لا يفسد الودّ القائم إذ يعكس موقف الإدارة المرحّب بأحكام «مثيرة للسخرية» وفق وصف المقرِّرة الأمميّة الخاصة أغنيس كالامار ما دأب ترامب على ترسيخه منذ زياته الأولى إلى المملكة ربيع 2017م حين توصّل باكراً إلى مقايضة بدا أنها ترضي الطرفين: ادفعوا المزيد لنحميكم. ذلك لم يتغيّر بعد جريمة القنصلية التي شكّلت اختباراً صعباً للإدارة وسط حملة دولية مناوئة للمملكة، مضافاً إليها الضغوط التي مارستها المؤسسات الأميركية ممثّلةً في الكونغرس و«سي آي إيه»، بعدما نحَت إلى مواقف مناقضة لتلك التي عبّر عنها الرئيس ما أنتج ردود فعل أميركية متباينة إزاء القضية ألقت بثقلها على العلاقات بين الحليفتين.

وعلى رغم تبنّي الكونغرس مشاريع قوانين تحظر تصدير أسلحة إلى الرياض ووقف الدعم العسكري الذي تقدمه الولايات المتحدة إلى «التحالف» السعودي ــــ الإماراتي في حربه ضد اليمن للضغط على المملكة وخلاصة وكالة الاستخبارات إلى تحميل ابن سلمان مسؤولية الاغتيال اكتفت واشنطن عبر وزارتها للخزانة، بفرض عقوبات مالية وحظر سفر في حقّ 17 من الواردة أسماؤهم في التحقيقات بينما بنى ترامب سرديّته على قاعدة: «ربما كان يعلم وربما لم يكن يعلم». التبرير الذي يسوقه الرئيس الأميركي ينبع من إيمانه بأنه إذا اتخذ أي موقف مغاير، سيتجه السعوديون بأموالهم إلى روسيا والصين ما يعني خسارة أهمّ مشترٍ للسلاح الأميركي.

في تشرين الأول/أكتوبر الماضي قال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر في جلسة استماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب إن هناك تقصيراً في العملية القضائية في السعودية لمحاسبة المسؤولين عن مقتل خاشقجي، مشيراً إلى إبلاغ السعوديين بذلك. دلّل ذلك على استعجال إدارة ترامب للإسراع في المحاكمات التي تجريها الرياض وإيجاد كبش فداء لتقديمه إلى الرأي العام العالمي كي تُعتَق المملكة من المأزق الذي دفعتها إليه حادثة القنصلية. لكن المحاكمات الهزلية التي قدّمت الرياض بموجبها خمسة «متورطين» لم تسمِّهم للإعدام قد لا تساعدها في إغلاق الملف بل على العكس خطوة كهذه ستعيد القضية مجدداً إلى الواجهة. تثير هذه القضية قلق الكونغرس إذ أشار السناتور الديمقراطي كريس ميرفي أخيراً إلى أن المعلومات التي في حوزة مجلس الشيوخ تشير إلى تورط ولي العهد السعودي مباشرة محذراً من تحوّل الرياض إلى طرف مهيمن في العلاقة مع واشنطن إذا سمحت إدارة ترامب للنظام السعودي بالإفلات من العقاب. أما رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي فرأت أن مقتل خاشقجي يُعدُّ أحد الأسباب لرفضها تقديم أي دعم إلى السعودية للرد على هجمات منشأتي «أرامكو».

ويرى بروس ريدل المسؤول السابق في «سي آي إيه» والباحث في معهد «بروكينغز» أن «شبح خاشقجي سيظلّ جاثماً على صدر السعودية» وأن ابن سلمان «دمّر العلاقات الأمنية التي جمعت السعودية بالولايات المتحدة على مدار الأعوام الـ75 الماضية بقراره قتل خاشقجي». ومستشرفاً طبيعة العلاقات يقول ريدل: «الحاضر والمستقبل ليسا في اتجاه الماضي في ما يتعلق بعلاقة واشنطن بالرياض». لكن وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير توصّل خلال ندوة في «مجلس العلاقات الخارجية» في نيويورك إلى ما يفيد بأن «طبيعة تحالفنا مع الولايات المتحدة لن تتغيّر بسبب قتل خاشقجي».

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية