المرصاد نت - متابعات
لم تدم طويلاً خيبة الأمل الشعبية من الردّ الرسمي والفصائلي الباهت على «صفقة القرن» إذ سرعان ما استحالت غضباً بدأ من باب الزاوية في الخليل جنوب الضفة المحتلة وامتدّ إلى بيت لحم (جنوب) والقدس (وسط)، وصولاً إلى جنين (شمال). أربع وعشرون ساعة فقط كانت كفيلة بقلب المشهد. ارتقى عدد من الشهداء في عمليات وخلال مواجهات بالحجارة والزجاجات الحارقة، وفي المقابل وقعت إصابات بالجملة طاولت الإسرائيليين وتحديداً من الجنود. والعدد الأكبر من هؤلاء أصيبوا عندما كان الجنود الذين انضمّوا حديثاً إلى لواء النخبة «غولاني» وأنهوا دورتهم قد ذهبوا إلى أداء قسمهم أمس أمام حائط البراق، فكان في انتظارهم شابٌّ بسيارته التي دهس بها مجموعة منهم ذهاباً وإياباً، من دون أن يقوى متخرّجو «لواء النخبة» على إطلاق رصاصة واحدة. خلّفت العملية 14 جريحاً، فيما لاذ المقاوم بالفرار باتجاه بيت لحم، وسط أنباء من مصادر عبرية مساء أمس عن إلقاء القبض عليه.
ما أشعل الموقف تحديداً هو ارتقاء عدد من الشهداء أمس وأول من أمس؛ ففي اشتباكات اندلعت عقب اقتحام جنود العدو حيّ البساتين في جنين، استشهد طارق بدوان (25 عاماً) ويزن منذر أبو طبيخ (19 عاماً) خلال تصدّيهما لهدم منزل الأسير أحمد القمبع، وذلك بعد ساعات قليلة على استشهاد محمد الحداد (17 عاماً) في الخليل، الذي أطلق جنود الاحتلال النار عليه خلال اشتباكات وقعت عند مدخل شارع الشهداء أو ما يُعرف بنقطة باب الزاوية. وارتقى في القدس شهيد آخر من مدينة حيفا المحتلة بعدما أطلق النار من مسدس على عناصر «حرس الحدود» قرب باب الأسباط داخل البلدة القديمة في القدس. وقبل أن تُعرف هوية الشهيد، عمدت سلطات الاحتلال إلى تقديم روايتها عنه بالقول إنه «مسيحيّ غيّر دينه إلى الإسلام أخيراً وهو معروف للشرطة الإسرائيلية نظراً إلى شبهات في ارتكابه جرائم جنائية». روايةٌ يبدو واضحاً استهدافها إبعاد فلسطينيّي الداخل عن مشهد العمليات بأيّ طريقة، حتى ولو بتشويه صورة الشهيد ونسج قصص مختلقة حوله.
وليست بعيدة عن ذلك، الرواية التي سبق أن قدمها الاحتلال حول الشهيد نشأت ملحم، ابن مدينة عارة في المثلث، الذي نفذ عملية إطلاق نار في تل أبيب في الأول من كانون الثاني/ يناير 2016. آنذاك، صوّرته سلطات العدو «جهادياً دولياً مؤيّداً لتنظيم القاعدة» تارة، و«مجنوناً» تارة أخرى، و«سكّيراً وعربيداً» تارة ثالثة، في إطار محاولتها لجم تداعيات العملية وانعكاساتها على فلسطينيي الـ48 تحديداً.
وأفيد في وقت لاحق بأن من بين الجنود الـ14 المصابين في القدس اثنين في حال الخطر. وهؤلاء كان فاجأهم المقاوم من خلفهم وهم متّجهون إلى محطة المواصلات المركزية بعدما أدّوا قسم اليمين لإنهائهم رسمياً دورة الخدمة في «غولاني». اللافت أن الشاب تمكّن من دهسهم ذهاباً وإياباً من دون أن يطلق أيّ جندي النار عليه. وورد في بيان جيش العدو أنه «عُثر على السيارة التي استُخدمت في الدهس داخل بلدة بيت جالا قرب بيت لحم، وأن منفذ العملية معروفٌ لدى أجهزة الأمن». وفي أعقاب العملية، فتح الجيش تحقيقاً للوقوف على أسباب عدم إطلاق جنوده النار، ولا سيما أنهم من لواء «مُميّز»، وجُنّدوا في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي. ووفق نتائج التحقيقات الأولية، فإن «الجنود لم يردّوا على منفّذ إطلاق النار، لأنهم لم يكونوا معتادين هذا النوع من السيناريوات في إسرائيل»!
أما الجندي الذي أصيب خلال عملية رام الله (إطلاق نار) ظهراً، فوُصفت جروحه بالطفيفة علماً بأن العملية نُفّذت قرب موقع عسكري. وبحسب ما ذكر موقع «واينت»، فقد تعرّض الجنود «لإطلاق نار بالقرب من موقع بين قريتَي خربثا بني حارث، ورأس كركر شمال غرب رام الله». وعلى إثر ذلك استنفر العدو في مستوطنتَي «دولف» و«طلمون» غربي المدينة، مجرياً عمليات بحث مكثفة عن مطلق النار الذي انسحب من المكان أيضاً. وفي أعقاب تلك التطورات، اندلعت مواجهات في بلدة بيت جالا في بيت لحم جنوب الضفة المحتلة، أدت إلى إصابة قرابة 79 فلسطينياً بجروح وحالات اختناق. كذلك اندلعت اشتباكات في بلدة عزون في قلقيلية شمال الضفة في خلال تشييع جثمان الشهيد بدوان، تسبّبت في سقوط 11 جريحاً بحسب «جمعية الهلال الأحمر الفلسطينية». في غضون ذلك، أعلن الجيش الإسرائيلي رفع حالة التأهب و«تعزيز فرقة الضفة بقوات إضافية من المحاربين». وفيما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ألغى مؤتمراً كان من المقرر أن يعقده الرابعة بعد العصر، وهو يجري «تقييماً أمنياً للوضع»، سارع وزير الأمن، نفتالي بينِت، إلى عقد جلسة مشاورات مع القادة والمسؤولين في «الكرياه» فور وصوله إلى تل أبيب قادماً من واشنطن.
في المقابل رأت «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس) أن «الثورة المشتعلة في مدن الضفة والقدس هي تطبيق لقرار الشعب طرد الاحتلال من الضفة وتحريرها من المستوطنين»، مؤكدة في بيان أمس أنه «لا يمكن لقوة في الأرض أن تقف في وجه ثورة شعبنا المقاتل وإرادته الصلبة، وأن قراره بانتزاع حريته لا رجعة عنه». من جهتها، اعتبرت حركة «الجهاد الإسلامي» أن «العمليات الفدائية... تدفن مؤامرة صفقة القرن»، مضيفة أن «ما يحدث من ملاحقة لجنود العدو في جنين، والانتقام منهم في القدس، والشهداء الذين يرتقون في كلّ محطات الوطن سيدفن المؤامرة في جبال الضفة ووديانها... كما ستدفنها غزة وسيدفنها أهالي أراضي الـ48 والشتات».
إلى ذلك تواصل إطلاق البالونات المتفجرة من قطاع غزة. وأفاد الإعلام العبري بسماع دويّ انفجارات قوية في مستوطنة «سديروت» ناجمة عن انفجار بعض البالونات، في وقت ذكر فيه «راديو الجنوب» أن بينِت ورئيس الأركان أفيف كوخافي، وكلّ قيادات الأجهزة الأمنية، «يوافقون على شنّ حملة عسكرية واسعة ضدّ غزة (لكن) لا يمكن الحديث عن تفاصيلها الآن، علماً بأنها ستكون في الوقت المناسب».
تأجيل زيارة الوفد «الفتحاوي» لغزّة: لا شيء تَغيّر في «عقلية» السلطة
بعيداً مما قيل عن أسباب تأجيل زيارة وفد «منظمة التحرير الفلسطينية» لغزة، علمت «الأخبار» بمجريات الاجتماع الأخير الذي تَقرّر بناءً عليه تأجيل الزيارة إلى أجل غير مسمّى. إذ تداعت القوى والفصائل لعقد اجتماع في مقرّ «منظمة التحرير» في رام الله ظهر الثلاثاء الماضي، حيث أعلم رئيس الوفد، القيادي «الفتحاوي» عزام الأحمد، الحاضرين، رفضه عقد أيّ لقاء في القطاع تحضره «فصائل غزة»، في إشارة إلى تنظيمات تدعمها «حماس». وقال الأحمد، خلال الاجتماع الذي شاركت فيه للمرة الثانية بعد الاجتماع الذي تلا إعلان «صفقة القرن» كلّ من «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، إلى جانب «الصاعقة» و«الجبهة الشعبية ــــ القيادة العامة»، إن ترحيب «حماس» بزيارة الوفد عبر الإعلام «إهانة، لأن فتح لم تتلقّ رداً على مستوى أعضاء اللجنة المركزية، ولا سيما مسؤول فتح في غزة أحمد حلس».
لكن السبب الأساسي في تأجيل الزيارة هو اشتراط «فتح» اقتصار اللقاء على فصائل المنظمة و«حماس» و«الجهاد» دون غيرها. وقد حاول نائب الأمين العام لـ«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» وممثلها في الاجتماع، قيس أبو ليلى، حلّ هذه المشكلة، باقتراح استقبال الوفد بحشد جماهيري وفصائلي بحضور الشخصيات المستقلة وبقية الفصائل، ومن ثمّ عقد اجتماع لـ«الفصائل الخمسة الأساسية». لكن الأحمد رفض مقترح أبو ليلى، الذي أبدى امتعاضاً من أداء القيادة الفلسطينية بعد إعلان «صفقة القرن»، ومن مستوى خطاب رئيس السلطة، محمود عباس، في اجتماع الوزراء العرب في القاهرة. من جهتها، طالبت «الجهاد»، التي حضر ممثلاً عنها سعيد نخلة، بضرورة «وقف الاستدعاءات والاعتقالات وفتح الحريات وتهيئة الأجواء أمام ظروف المصالحة»، ليردّ الأحمد بأنه رفع توصيات بذلك إلى عباس ورئيس المخابرات ماجد فرج، «لكن الأخير تذرّع بوجود استدعاءات لعناصر جهازه في غزة». وبالنتيجة، لم تخرج الفصائل من الاجتماع إلا بالحدّ الأدنى المتمثل في تعهّد الأحمد بوقف أيّ توتير إعلامي.
وفيما حرص القيادي «الفتحاوي» على تأجيل الزيارة إلى ما بعد خطاب عباس أمام الأمم المتحدة في الحادي عشر من الشهر الجاري على الأقلّ، طلبت الفصائل، وفي مقدّمها «الديموقراطية»، إتمام الزيارة خلال الأسبوع الجاري، أي قبل خطاب رئيس السلطة، الأمر الذي ربطه الأحمد بترتيبات حلس في غزة. كذلك، طلب أبو ليلى المساهمة الجماعية في إعداد محتوى كلمة الرئيس في الأمم المتحدة أو في الحدّ الأدنى الاطلاع عليها، مبرّراً طلبه بـ«(أننا) لا نريد أن نفاجأ بتنازلات (جديدة) في الخطاب». كما اقترح أن يكون الخطاب كلّه مكتوباً، من دون إفساح المجال أمام «أبو مازن» للارتجال. وهنا قال الأحمد: «لا تقلقوا، لن يكون هناك جديد في كلمة رئيس السلطة»، مضيفاً إن الأخير «سيؤكد المواقف السابقة من رفض للصفقة، والمبادرة العربية، وضرورة وجود أطراف دولية راعية للسلام شريكة لواشنطن في رعاية أيّ مفاوضات لاحقاً». يشار إلى أن وفداً عربياً سيزور رام الله قريباً، إلى جانب مسؤولين من الاتحاد الأوروبي وعدوا بالقدوم الأسبوع المقبل، وهو ما رأى فيه الأحمد سبباً إضافياً لتأجيل زيارة الوفد «حتى تجري هذه التحركات السياسية بما لا يُقيّد حركة السلطة».
وبالتوازي مع اجتماع الفصائل الثاني في رام الله، عقد عباس، قبل أيام، لقاءً مع مسؤولين في المخابرات، شمل مديري الدوائر ومسؤولي مفاصل الجهاز، وأخبرهم فيه نيته العمل على نقل المسار من السلطة إلى «بناء الدولة واستكمال الانضمام إلى المؤسسات الدولية»، مؤكداً لهم أنه لا يزال «غير واثق بحماس». وتعقيباً على ذلك، يرى النائب الثاني لرئيس «المجلس التشريعي»، حسن خريشة، أن «فتح لم تكن جادّة أساساً في زيارة غزة أو إجراء حوار مع الفصائل»، معتبراً أن «قيادة السلطة لا تزال تتخبّط في التعامل مع مواجهة صفقة القرن، وهناك قسم حول عباس يشير عليه بعدم الذهاب إلى غزة، كونه معنيّاً باستمرار الانقسام».
المزيد في هذا القسم:
- ليفني تدعو من الأردن للتطبيع مع "إسرائيل" المرصاد نت - متابعات شاركت عضو الكنيست الإسرائيلي ووزيرة الخارجية الإسرائيلة السابقة تسيبي ليفني في المؤتمر الاقتصادي العالمي المنعقد في الأردن وقالت إن "هناك...
- دروس من معركة إدلب.. كيف تم إيقاف جموح إردوغان؟ المرصاد نت - نور الدين إسكندر لم تكن الأسابيع الماضية سهلة بالنسبة إلى اللاعبين المعنيين بالوضع القائم في إدلب السورية. احتدم الصراع بصورة دراماتيكية، من دون ...
- ذا هيل الامريكي : اليهود أصبحوا في مكة المرصاد نت - متابعات إقامة علاقة بين الكيان السعودي والكيان الإسرائيلي يثير العديد من النظريات والفرضيات والحجج المشحونة عاطفيا وبعض هذه الحجج يكون لها ما يبر...
- العجز الاقتصادي في الكويت: قلق وتحذيرات غير مسبوقة المرصاد نت - متابعات لا يختلف اثنان على أن الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة والعالم منذ حوالي العقد من الزمن لا تزال تتربّع على سلّم الأزمات العالمية. ...
- العرب يعودون إلى جاهليتهم قبائل وطوائف وأعراقاً مقتتلة المرصاد نت - السفير ها هم «العرب» يغادرون العصر عائدين بفعل أنظمة القمع والتخلف إلى جاهلية جديدة أقسى بما لا يقاس من جاهليتهم الأولى لاختلاف الزمان...
- المسارات بين واشنطن والرياض تفترق .. الرياض تطلب الوساطة مع طهران ! المرصاد نت - متابعات بكل الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية والاقتصادية حوار الرياض وطهران ضرورة مشتركة. لعبة التأجيل التي اعتمدتها السعودية في السنوات الفائتة ك...
- «اتفاق الخرطوم»: تسوية سياسية... لا تسليمُ سلطة ! المرصاد نت - متابعات أنهت ثلاثة أيام من المفاوضات ما يقارب ثلاثة أشهر من المعارك السياسية والميدانية بين المجلس العسكري وقوى «إعلان الحرية والتغيير» باتفاق بد...
- الإندبندنت: السعودية أكثر عدائية وخطراً من داعش المرصاد نت - متابعات اعتبرت صحيفة الإندبندنت البريطانية في مقال جديد لها أن السعودية تعد أكثر دول العالم عدوانية وتطرفاً واصفة السعودية بـ"المنحطة الخبيثة ...
- عملية «عوفرا» تؤلم العدو: ضربة لصورة «الاقتدار» الإسرائيلي ! المرصاد نت - متابعات تعد عملية مستوطنة «عوفرا» شمال الضفة المحتلة، واحدة من سلسلة عمليات ناجحة نفذها الفلسطينيون في الأشهر القليلة الماضية ضد العد...
- بعد صمت طويل وتوطؤ في شتي القضايا العربية ..إجتماع للوزراء العرب المرصاد نت - متابعات أستضفت القاهرة اليوم اجتماع استثنائياً لوزراء خارجية الدول العربية وذلك بطلب من النظام السعودي لادانة ما أسمته التدخلات الايرانية في شؤون...