السودان في البازار الخليجي: خدعة التطبيع!

المرصاد نت - الأخبار

بعد أيام من لقائه رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، «بشّر» جنرال السودان عبد الفتاح البرهان بتشكيل «لجنة مصغّرة» لبدء مسار إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. «تبشيرٌ» ليس Doubia2020.2.15مستغرباً أن يأتي عبر إحدى وسائل الإعلام السعودية التي باتت البوق المعتمد للتطبيع العلني على رغم ادّعاء وزير خارجية المملكة، فيصل بن فرحان أمس أنه «لا علاقات بين السعودية وإسرائيل» وأن «المملكة تقف بكلّ قوة وراء فلسطين».

كيف ذلك؟ بالسعي على قدمٍ وساق في توسيع دائرة المتودّدين إلى إسرائيل توطئة لتحالف علني عربي - إسرائيلي يطمس شيئاً إسمه القضية الفلسطينية ويتجاوز حتى موضوعةً إسمها السلام لصالح علاقة خيانةٍ يُراد تصويرها وكأنها بديهية. هذا بالضبط ما جرى للسودان منذ ما قبل الانقلاب على عمر البشير حيث اشتُغل بجدّ على كسبه عضواً في نادي «الاعتدال العربي».

اشتغالٌ تصاعد بوضوح عقب الانقلاب برعاية سعودية - إماراتية تحديداً، أفلحت في اختطاف الحراك الشعبي، وتسليمه لطغمة عسكرية بلغت بها الوقاحة حدّ الادعاء أن التطبيع «يلقى تأييداً شعبياً واسعاً». يُغرى السودان اليوم، في إطار خطاب يُعمَل باجتهاد على تعميمه، بمكاسب سياسية واقتصادية وأمنية تبدو أشبه بـ«سمك في بحر»، فيما تستعدّ إسرائيل لقطف الثمار الحقيقية، المتمثلة أولاً في «تأمين» جبهتها البحرية الجنوبية من أيّ محاولات لدعم المقاومة الفلسطينية.

إسرائيل تنتظر التطبيع الكامل: نحو «تأمين» الجبهة البحرية الجنوبية
يُعدّ لقاء رئيس حكومة العدو الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس «مجلس السيادة» الانتقالي في السودان عبد الفتاح البرهان نجاحاً إسرائيلياً إضافياً في مساعي التطبيع مع الأنظمة العربية، التي باتت تمتهن الانصياع شبه الكامل والتبعية للثنائية الإسرائيلية - الأميركية الساعية إلى إنهاء القضية الفلسطينية. كما أن اللقاء هو واحد من مظاهر «قمة جبل الجليد» بين تل أبيب والأنظمة العربية، والتي تخفي وراءها عملاً ممتدّاً لسنوات. ينضمّ السودان، رسمياً، إلى قائمة متزايدة من الدول العربية التي تحابي إسرائيل، في مصداق لما يتحدث عنه المسؤولون الإسرائيليون علناً من وجود اتجاه عام لدى دول عربية وإسلامية وأفريقية نحو التطبيع، «من أجل التخادم البيني عبر العلاقة القوية التي تربط إسرائيل والولايات المتحدة، الأمر الذي يتيح تعزيز العلاقات وتطبيعها مع الدول العربية، وهو ما تتّسع دائرته باطّراد في السنوات الأخيرة» (صحيفة «ماكور ريشون» 04/02/2020).

التقارب السوداني - الإسرائيلي بدأ فعلياً قبل سنوات، في زمن الرئيس المخلوع عمر البشير، الذي قرّر إيقاف عجلة تقاربه مع إيران، والانسحاب من دائرة دعم القضية الفلسطينية، والانضمام إلى ما تسميه إسرائيل «المحور السنّي المعتدل في المنطقة» بقيادة السعودية والإمارات. وبعدما كانت الخرطوم مناصرة لفلسطين، باتت أداة في أيدي «الاعتدال العربي» الذي تخلّى عنها لاحقاً. هذه هي الركيزة التي يعمل النظام الجديد على استكمالها بدفعٍ من المحرّك الإماراتي الذي بات مقاوِل التطبيع في المنطقة. ولئن كُتب الكثير عن «الفوائد» التي يسوّق لها النظام الجديد في الخرطوم للقاء نتنياهو، ولاحقاً التطبيع الكامل الذي يُعدّ شرطاً للحصول على صفة «معتدل عربي»، فإن تسليط الضوء على المكاسب الإسرائيلية من التقارب جاء مقلّصاً أو مجتزأً.

واضحٌ أن لتنمية العلاقات وتطبيعها بين الجانبين أهمية لإسرائيل في مجالات حيوية متعددة، من بينها استغلال الموقع الجغرافي الاستراتيجي للسودان على ساحل البحر الأحمر، والذي يتيح لها أن تتمتع بحضور وإحاطة استخبارية أوسع في ممرّ بحري لطالما كان منتجاً لتهديدات أمنية وعسكرية، منها مثلاً تزويد فصائل المقاومة في فلسطين وحولها بالسلاح. فالتقارب مع السودان يتيح بنية تحتية مكانية من شأنها التأثير سلباً في هامش المناورة لدى الجانب الإيراني، عبر تمكين إسرائيل من تعزيز قدرتها على شنّ عمليات إحباط استباقية في منطقة بحرية باتت واسعة جداً.

كما أن التقارب بين الخرطوم وتل أبيب يقلّص عملياً أيّ إمكانية لدى الأولى للارتداد لاحقاً عن خياراتها الحالية. وفي هذا الإطار، تأمل إسرائيل أن تتعزّز خسارة إيران للسودان وإمكاناته ولذا فهي تعمل على تسهيل مهمة حكّام الخرطوم الجدد لتأسيس ما يتعذّر لاحقاً التراجع عنه، بعد الانضمام إلى «المحور السنّي، بالتعاون مع المعسكر الغربي» في المنطقة. أيضاً، تُعزّز العلاقات مع السودان فرصة نجاح استراتيجية إسرائيل في تعميق حضورها ونفوذها السياسي والأمني والاقتصادي والتكنولوجي في القارة الأفريقية، عبر التأسيس لمزيد من العلاقات مع دول القارة، إذ إن اللقاء، ولاحقاً التطبيع، يشجّعان دول القارة على تغيير موقفها التقليدي الذي اتّسم طويلاً بالعدائية في المحافل الدولية ضدّ إسرائيل. كما يؤدي إلى موازنة، وربما تقليص، نفوذ إيران في عدد من تلك الدول، فـ«إذا كانت الدول العربية نفسها تتقرّب من إسرائيل، فلن يكون أمام الأفريقية أيّ حرج في ذلك» («ذا ماركر» العبرية). يضاف إلى ما تقدّم أن التطبيع مع السودان يتيح لإسرائيل معالجة مسألة تدفّق المهاجرين الأفارقة الذين يشكلون عاملاً ضاغطاً ويستنزفون الموارد، لأنه «إذا أقام السودان وإسرائيل علاقات دبلوماسية، يصبح بإمكان إسرائيل أن تتوصّل إلى اتفاق مشترك يتعلق بترحيل عشرات الآلاف من المتسلّلين، إلى السودان نفسه» («غلوبوس» العبرية).

يُذكر أنه في أعقاب اللقاء بين نتنياهو والبرهان، تولّد جدل في إسرائيل حول نتائجه، إذ رأى البعض أنه جاء كما أراده نتنياهو، ربطاً باقتراب موعد الانتخابات، عبر تأكيد دور الرجل في تعزيز العلاقات الخارجية، ولا سيما مع العرب، ودفعها إلى العلن بعد أن كانت محصورة في الغرف المغلقة. لكن، في المقابل، ثمة من اعتبر أن اللقاء، وإن كان توقيته وشكله يخدمان نتنياهو، إلا أنه في الأساس تعبير عن اتجاه في العالمين العربي والإسلامي، وكذلك في أفريقيا، نحو التطبيع من دون اشتراطات مسبقة تتصل بالقضية الفلسطينية، الأمر الذي يُعدّ واحداً من أهم النجاحات الإسرائيلية (وربما الأميركية) في السنوات القليلة الماضية، بمساهمةٍ من عدد من الدول الخليجية التي ثبت أن ترويج التطبيع من أهمّ مبادئ سياستها الخارجية.

يقول الباحث في «معهد القدس للاستراتيجيا والأمن» عومير داستري في مقال تعقيباً على التقارب السوداني - الإسرائيلي، إن العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين لن تبصر النور قريباً، لأن «الكراهية متعمّقة في الشارع السوداني، ويصعب على القادة الجدد تجاوزها»، لكنه يشير إلى وجود «عدد كبير» من الأصوات في الشارع ترى أن الاقتراب من إسرائيل «خطوة ضرورية للتطور الاقتصادي والانضمام من جديد إلى المجتمع الدولي». هذه الرؤية - «الأمل» تختصر في الواقع استراتيجية الجذب الإسرائيلية لعدد من الدول بعد إفقارها وتأزيم وضعها، وذلك بدفعها إلى التخلّي عن خياراتها الوطنية والقومية والانصياع الكامل للولايات المتحدة. وهي استراتيجية تعبّر في حقيقتها عن الاتجاه والمبنى الفكريَّين لـ«صفقة القرن» الأميركية التي يراد من خلالها تصفية القضية الفلسطينية، عبر تحويلها إلى «تحسين وضع اقتصادي لسكان فلسطينيين»، بدلاً من أن تكون قضية تحرّر وطني من الاحتلال.

اكتمال القرن الأفريقي - الإسرائيلي: خدعة التطبيع توقع بالسودان
تتمتّع إسرائيل بعلاقات وثيقة مع دول في منطقة القرن الأفريقي، أهمّها إثيوبيا (الدولة الرئيسة في سياسة الأطراف التي دشّنها ديفيد بن غوريون في خمسينيات القرن الفائت، إلى جانب كلّ من تركيا وإيران كنقاط ارتكاز لمباغتة العرب) وإريتريا وكينيا وأوغندا. وتبرز علاقات إسرائيل بإثيوبيا كنموذج راسخ للتفاهمات العسكرية والأمنية والاستراتيجية، على رغم تقلّب أنظمة الحكم في الأخيرة بين إمبراطورية وشمولية وشبه ديمقراطية، إذ إن الثابت الذي يجمع الطرفين تخوّفهما المشترك والرئيس من تحوّل البحر الأحمر إلى «بحيرة عربية أو إسلامية».

كذلك، تحضر إسرائيل بقوة في ملف «جمهورية أرض الصومال» التي كانت من أوائل «الدول» التي اعترفت بها لدى إعلانها استقلالها في حزيران/ يونيو 1960م وتعهّدت في الأعوام الأخيرة بإعادة الاعتراف بها في ضوء دورها البارز الآني والمتوقع، في سياسات البحر الأحمر والقرن الأفريقي الأمنية. واخترقت إسرائيل البنى الأمنية في منطقة القرن كما في الحالة الأوغندية منذ عملية عنتيبي (تموز/ يوليو 1976) وتولّي تدريب القوات الإثيوبية في عهد آخر أباطرة إثيوبيا هيلا سيلاسي، ومستوى التنسيق الأمني الرفيع في نهاية العام 1984 لإجلاء اليهود الإثيوبيين عبر الأراضي السودانية في ما عُرف بـ«عملية موسى» في عهد الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري.

ولم تتراجع قطّ أهمية القرن الأفريقي (والبحر الأحمر) في السياسات الإسرائيلية، لا سيما عبر البوابة الإثيوبية، وصولاً إلى تأمين إسرائيل لـ«سدّ النهضة» الإثيوبي عبر منظومة مضادّة للصواريخ، وتنسيق أديس أبابا لجهود تل أبيب الإقليمية في المنطقة، ودعمها مساعي الأخيرة للانخراط الرسمي في شؤون القارة الأفريقية، والعمل الجماعي فيها عبر كسب صفة مراقب أو العضوية الكاملة في الاتحاد الأفريقي (بدعم من بضع دول أفريقية أبرزها إثيوبيا وكينيا وغانا وتشاد)، وتمرير الضغوط الإسرائيلية على السودان لدفعه إلى تطبيع علاقاته مع إسرائيل في هذه المرحلة البالغة الحساسية. وجاء الاجتماع المباغت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع رئيس «مجلس السيادة» السوداني عبد الفتاح البرهان، في أوغندا مطلع الشهر الجاري، والطريقة المألوفة التي سارعت من خلالها تل أبيب إلى الإعلان عن الاجتماع ومخرجاته، نتيجة طبيعية، وربما متوقعة تماماً، لجهود إسرائيل المستمرة في القرن الأفريقي، ومساعيها إلى إحكام حلقة وجودها هناك، بشمول السودان ضمن دائرة النفوذ والإخضاع.

لكن ثمة ملاحظات مهمة وموحية بخصوص توقيت بدء التطبيع. فقد جاء الاجتماع بعد أيام قليلة من إعلان نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب «صفقة القرن»، التي تعني ضمنياً مشروعاً لتصفية القضية الفلسطينية، ليمثّل صفعة مدوّية لـ«الرفض العربي» للصفقة حتى في حالته الشكلية، واستباقاً لزيارة تاق إليها كثيراً البرهان إلى واشنطن لحسم ملفات عالقة بدورها في تطبيع العلاقات الأميركية - السودانية، وأهمّها رفع العقوبات عن السودان، ودعم الأخير لجهود السلام في جنوب السودان، وإحلال السلام في مناطق النزاعات (لا سيما في دارفور وولايتَي النيل الأزرق وجنوب كردفان)، بما يتيحه من تخفيفٍ للضغط على القوات المسلحة السودانية، التي تصعب - في ظلّ الأزمة الاقتصادية - مواصلة تخصيص ما بين 17 - 20% من موازنة البلاد لها (مقابل أقلّ من 3% لقطاع التعليم على سبيل المثال). كما عَبّر التوقيت عن هيمنة إثيوبية واضحة على ملفات عديدة في مسار المرحلة الانتقالية السودانية، حيث جاء الاجتماع بعد دعوات إثيوبية إلى تطبيع عربي - إسرائيلي، وإن اختُصّت الإمارات بدعوة إلى اجتماع بين نتنياهو وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ينسّقه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد.

واجه البرهان ومن ورائه كتائب إعلامية مسلّحة بخطاب موحد يستلهم بشكل لافت للغاية تقنيات باول جوبلز الردود الشعبية السودانية الرافضة لهذه الخطوة بالتأكيد أنه لم يراعِ سوى «مصلحة بلاده الوطنية» وأنه يسعى إلى إخراج السودان من عزلته عبر البوابة الإسرائيلية، وأن قيادات في «قوى الحرية والتغيير» لا تعارض التطبيع سراً ولكن ترفضه علناً إلى جانب لجوئه أخيراً إلى تصريحات هزلية، من قبيل أدائه صلاة استخارة قبيل مصافحة نتنياهو. وفي ظلّ نجاح هذه الهجمة الإعلامية نسبياً، واستمرار الالتباس في مواقف مكونات «مجلس السيادة» والحكومة الانتقالية و«قوى الحرية والتغيير»، يمكن القول إن لقاء نتنياهو - البرهان عبّد الطريق أمام الأخير من أجل الانفراد بشؤون الحكم، في سيناريو شبه حتمي يقتضي أيضاً حصول البرهان على تفويض أميركي - إسرائيلي مقابل مزيد من التنازلات الاستراتيجية والاقتصادية ولا سيما أن إسرائيل غير معروفة بتقديم أيّ دعم اقتصادي ملموس للدول الأفريقية، والاكتفاء بتقديم دعم فني محدود أو تمرير برامج مساعدات دولية مشتركة ومحدودة التكلفة. وما يعزّز حظوظ ذلك السيناريو هو بروز تناقضات خطيرة وصعبة الاحتواء بين مكوّنات الحكم الانتقالي، تجلّت في تذبذب موقف الحكومة من خطوة البرهان وفي المقابل الدعم الكامل الذي لقيته من «كبار ضباط القوات المسلحة» وما بينهما تحشيد قوى الإسلام السياسي ضدّها بما يهدّد قدرة الحكومة والعسكر على السواء على احتواء تلك القوى مستقبلاً (لتوظيفها في أيّ استحقاقات شعبية، ولا سيما لناحية وضع الدستور السوداني الذي تحتمي الحكومة تكتيكياً خلف الإسلاميين في رفضها التسليم فيه بعلمانية الدولة).

من ناحية أخرى وعلى رغم وفرة وعود التطبيع الإسرائيلي - السوداني على الصعد السياسية والاقتصادية والعسكرية، إلا أن التجربة التاريخية لا تنبئ بإمكانية تحقّق مثل هذه الوعود. على سبيل المثال، يعاني قطاع الزراعة السوداني، الذي يفترض أن تعزّزه المعونات الإسرائيلية الفنية خللاً هيكلياً لم تنجح الاستثمارات الخارجية الخليجية سابقاً في معالجته لتتحوّل الاستثمارات برمّتها إلى استقطاع مساحات كبيرة مغلقة وتوظيف عمالة غير سودانية، لا سيما من سوريا واليمن ولبنان كما أورد تقرير لـ«بلومبرغ» في نيسان/ أبريل 2019م كذلك فإن مشكلات الزراعة في السودان (الذي يملك أكثر من 190 مليون فدان صالحة للزراعة بأقلّ الإمكانات) تتركّز في الفساد والسياسات المضطربة وعدم الاستقرار السياسي وليس في مشكلات فنية. وفي المقابل فإن الهدف الأهمّ من التطبيع سيكون المساعدة في رفع اسم السودان من «قائمة الدول الراعية للإرهاب» وضمان مساهمة إسرائيل في أيّ ترتيبات أمنية في البحر الأحمر عبر بوابة السودان، إلى جانب شراكتها المتميزة مع إثيوبيا وإريتريا.

البازار الخليجي
لم يكن لقاء عنتيبي يحتاج إلى أدلّة للكشف عمّن دفع السودان إلى الخطوة في ظلّ المسار الإماراتي ــــ السعودي الجلي الذي علقت به الخرطوم منذ الانقلاب العسكري على عمر البشير. أتت تسريبات منها في الصحافة الإسرائيلية حول ترتيب أبو ظبي للقاء البرهان ــــ نتنياهو، لتُعزّز الانطباع بأن المحور المهيمن على قرار الحكم الجديد في السودان يقف وراء الخيارات الجديدة.

في زمن الوصاية السعودية الإماراتية المطبقة على رجال الخليج في الخرطوم الضعيفة أن يلتزموا بالوصفة الخليجية، الإماراتية المنشأ والمستوردة سعودياً في عهد محمد بن سلمان: إسرائيل بوابة الرضى الأميركي. وإذ يجد حكام السودان الجدد أنفسهم عالقين في تركة العقوبات الأميركية وأمام استحقاقات اقتصادية في زمن ما بعد البشير، تقدّم أبو ظبي لهم تلك الوصفة تحت حجّة أنها الحلّ الوحيد لجميع الأزمات السياسية والاقتصادية والضمانة لبناء نظام محصّن فلن تنجح مصالحة واشنطن بغير التقرّب من إسرائيل واللوبي الصهيوني في واشنطن والعالم.

بالموازاة وبغضّ النظر عن «المصلحة» السودانية، فإن الهدف الحقيقي هو أن تحصد أبو ظبي (القادرة أساساً وحدها على تمويل عجز السودان الاقتصادي) عوائد الدور بأن تقول لإدارة دونالد ترامب إنها تلبّي مطالب هذه الإدارة برفد مشروع تكريس إسرائيل قوة مركزية في المنطقة وتبديد العداء والعزلة أمامها عربياً. أي أن جوهر الأمر تقرّبُ أبو ظبي والرياض لا الخرطوم من تل أبيب.

استُعمل السودان على توقيت «صفقة القرن» بما يشبه ما تفعله السعودية والإمارات مع نظام البحرين. أي أن المحور السعودي ــــ الإماراتي يدفع الخرطوم نحو خطوات تطبيعية متسارعة تخشى حتى الرياض القيام بها علانية وهذه الحال مع المنامة التي تُستعمل كمختبر أو صندوق بريد أو ورقة بديلة للتقرّب من واشنطن عبر البوابة الإسرائيلية تجنباً لأضرار العلاقة العلنية مع تل أبيب. وهو أمر أكثر صعوبة في مناطق نفوذ أخرى كليبيا واليمن.

ومرة جديدة يظهر استغلال أبو ظبي والرياضأزمات الحلفاء عبر الدفع نحو التطبيع كتوطئة لتطبيعهما الأكثر علانية وشمولية. إذ توحي هذه السياسة بوجود خريطة طريق توصل إلى تحالف اقتصادي أمني شيء منه لا يزال تحت الطاولة، تحلم به واشنطن وتدفع باتجاهه. كل ذلك بعد تهيئة الأجواء عربياً وترسيخ أن مقاطعة إسرائيل لها ثمن باهظ وعفا عليها الزمن وأن التطبيع أمر عادي وبديهي ومربح والكثير من العرب سبقوا إليه.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية