السباق نحو الحدود الشرقية لسوريا في موازين الميدان

المرصاد نت - متابعات

تمكّن الجيش العربي السوري من تثبيت مواقعه في الضفة الشرقية للفرات بعد أيام على عبور النهر بعد مقاومة عنيفة من تنظيم «داعش» وإجباره على الانكفاء باتجاه الضفةsyriaa2017.9.22 الغربية.


وسيطر الجيش بشكل كامل على قرية خشام وثبّت نقاطه في قريتي مرّاط ومظلوم وتمكنت آلياته الثقيلة من الانتقال باتجاه الضفة الشرقية مستفيدة من جسر حربي تم بناؤه لتأمين إمداد للقوات في منطقة العبور وتستعد وحدات الجيش للتقدم في محورين الاول باتجاه حقل كونيكو للغاز وحقل العزبة النفطي والثاني باتجاه الجهة الجنوبية للنهر باتجاه جديد عكيدات للوصول الى آبار النفط الرئيسة في المنطقة.

واللافت إعلان «قوات سورية الديمقراطية» المدعومة من «التحالف الأميركي» أنّها طوقت حقليّ كونيكو والعزبة بعد أن تقدمت إليهما من جهة دوار المعامل شمال غرب الفرات. مصادر ميدانية رجّحت أن «التقدم باتجاه حقول النفط والغاز ينتظر توافقاً روسياً أميركياً من خلال سلسلة اجتماعات عقدت بينهما في العاصمة الأردنية عمان وأنّ هذه الاجتماعات تهدف إلى منع التصادم بين الجيش و"قسد"، وتحدد إطاراً جغرافياً لعمليات كل طرف». وأضافت المصادر أن «الجيش العربي السوري سيتابع عملياته شرقاً ويمنع أي تقدم إضافي لقسد في الريف الشرقي لديرالزور».

لكن يبدو أنّ هذا التوافق لن تكون ترجمته على الأرض يسيرة إذ قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس إنَّ الولايات المتحدة تحاول منع تقدم الجيش في دير الزور. وأضاف، في لقاءٍ مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، «يسرنا أن نرى كيف يبدأ تعاوننا مع روسيا يثمر وأن الشعب السوري يقتنع بشكل متزايد بأن الروس يكتبون الفصل الأخير من الأزمة». وفي الوقت نفسه أشار إلى أنَّ الاجتماع في أستانا حول سوريا في منتصف سبتمبر كان ناجحاً معتبراً أن «هذا الانجاز مهم جداً لكن السؤال ما زال هو ما إذا كان الأميركيون مستعدين للإشادة بروسيا».

وفي السياق قال لافروف في مؤتمر صحافي إن بلاده أبلغت «الولايات المتحدة بأن محاولات عرقلة عمليتنا ضدَّ الإرهابيين في سوريا لن تبقى دون رد» لافتاً إلى أنّه «لا بد من إنهاء الحرب على الإرهاب ولا يسمح بأي تقسيم للأراضي السورية». وأشار إلى أنّ «القضاء على المسلحين يتطلب تنسيقاً بين روسيا وأميركا لكن واشنطن ترفض ذلك».
وفي تعليق في وقت متأخر من مساء أمس أكد قائد القوات الجوية الأميركية في الشرق الأوسط وآسيا الجنوبية الغربية الجنرال جيفري هاريغيان أنّ بلاده «لا تحارب في سوريا أيّاً من القوات المحلية الحكومية أو القوات الروسية... إنما نحارب تنظيم داعش».

وفي سياق المحادثات التي عقدت أول من أمس الخميس بين قيادات الجيشين الروسي والأميركي أشار هاريغيان إلى أنّ «الحوار سيستمر وستكون هناك مناقشات لتطوير نتائج الاجتماع السابق» وأضاف في الوقت ذاته: «لكنني أريد أن أشير إلى أننا نواصل عبر قنوات القوات الجوية استخدام خط منع الاشتباك كل يوم».
ولفت إلى أنّه لا يتوقع تسلّم دعوة من الجانب الروسي لزيارة قاعدة حميميم في سوريا ولكنه يعوّل على مواصلة العمل مع روسيا من أجل التوصل إلى «فهم مشترك لمنع سوء التقدير الاستراتيجي» أي الحوادث المحتملة بين عسكريي البلدين.
يأتي ذلك في وقت أكدت فيه تصريحات إعلامية للقيادي في «قسد» جودي عربو أن «مجلس دير الزور أطلق عملية عسكرية باتجاه الصور في ريف دير الزور الشمالي للقضاء على داعش». وأضاف أن «القوات ستتجه إلى بلدة مركدة في الريف الجنوبي للحسكة لتطهيرها بشكل كامل من داعش».
إلى ذلك سيطر الجيش على سلسلة قرى في الريف الغربي والشمالي الغربي لدير الزور والمحاذية للضفة الغربية لنهر الفرات (التبني وزلبية والكصبي وعدد من القرى والمزارع) وصولاً إلى معدان عتيق. ويسعى الجيش في عملياته المستمرة في المنطقة للسيطرة على بلدة معدان في ريف الرقة الشرقي والوصول إلى قرية غانم علي وربط جبهتي ريف دير الزور الشمالي الغربي بريف الرقة الشرقي ومحاصرة «داعش» بجيب يمتد من جبل البشري وصولاً إلى سلسلة من الأودية والمرتفعات الصحراوية بين ريفي الرقة الشرقي ودير الزور الغربي بهدف السيطرة عليهما بشكل كامل. يأتي ذلك في وقت يواصل فيه الجيش عملياته لتطويق المدينة فتمكّنت قواته من التقدم والسيطرة على أجزاء واسعة من حويجة صكر لإطباق الحصار التام على المدينة، تمهيداً لشنّ عمليات قضم ما تبقى من أحياء لا تزال واقعة تحت سيطرة التنظيم، لتأمين المدينة بشكل كامل.

إلى ذلك تستكمل الوفود الحكومية زياراتها للمحافظة إذ اطّلع أمس وفد من وزارة الكهرباء على حجم الاضرار التي لحقت بالمنظومة الكهربائية ووعدت «ببدء العمل قريباً لإعادة التيار الكهربائي إلى المحافظة بعد إعادة صيانة محطات التحويل وخطوط التوتر الواصلة إليها». كذلك بدأت باصات النقل الداخلي العمل في المحافظة لأول مرة منذ ثلاث سنوات، بسبب عدم توافر المحروقات ودعت وزارة التجارة الداخلية السورية جميع التجار إلى نقل إنتاجهم وبضاعتهم إلى المدينة بهدف إعادة الحياة إلى أسواقها.

لكن العامل المؤكد الوحيد حتى الساعة في السباق الدولي الجاري شرق سوريا هو وجود قرار استراتيجي وحاسم لدى الجيش العربي السوري وحلفائه بالتقدم نحو الحدود مع العراق بغطاء روسي كامل ما خلا ذلك يندرج في إطار التحليلات والتوقعات بفعل عدم وضوح الموقف الأميركي إزاء المكاسب الجمّة التي سيجنيها محور المقاومة في حال حقق هدفه من أخر المعارك الكبرى ضد داعش في سوريا و وَصَلَ الحدود مرورًا بمناطق الثروات الطبيعية قبل أن تبلغها أحلام "قوات سوريا الديموقراطية"؛ الذراع البرية للتحالف الأميركي.

قيل الكثير عن المصالح الإقليمية والدولية قبل هذه المعركة ومع إنطلاقها وتواصلها إبراز بعض الوقائع والمعطيات الميدانية قد يساعد على فهم المشهد بعيدًا عن التكهنات:

- المساحة الجغرافية التي ينطلق من خلالها الجيش العربي السوري وحلفائه لقتال داعش أوسع جغرافيًا من منطقة التماس التي يتحرك منها الأميركيون عبر "قوات سوريا الديموقراطية".

- كما أنّ سرعة التقدم على الجبهات السورية – الحليفة بمساندة روسية أكبر من تلك الخاصة بـ "قسد" بمساندة أميركية حجم ونوعية العتاد العسكري الذي أحضره الروس لدعم الجيش العربي السوري وحلفائه في المعركة يعكس بالتأكيد قرارًا حازمًا بالحسم بكافة الوسائل المُتاحة في حين أنّ استخدام السلاح لدى الطرف المنافس يخضع لتقديرات المستشارين والقوات الخاصة الأميركية التي تعود إلى قيادتها السياسية عند أي مفصل نظرًا لحساسية الوضع الميداني واقتراب القوات من بعضها مع الإشارة إلى ان نوع العتاد العسكري الذي تزود به واشنطن "قسد" حتى الساعة يحاكي بوضوح طبيعة المعارك ضد "داعش" لا الجيش العربي السوري.

- هناك إتفاق روسي – أميركي على إنشاء خط "فض إشتباك" يمتد من محافظ الرقة على طول نهر الفرات بإتجاه دير الزور. خط "فض الإشتباك" هذا لا يعني إستباق كل إحتكاك او تماس قد يحصل في الميدان، لكنه يعني ضمنًا وجود "تفاهم" بين موسكو وواشنطن على إحتواء الموقف وإدارة الأزمة في حال وقعت.

- حرص الأميركيون عند إطلاق "قسد" عملياتها في دير الزور في التاسع من شهر أيلول سبتمبر الجاري على إعطاء الخطوة طابع التكامل مع الهجوم السوري وإن تمّ ذلك بشكل غير مباشر وعبر التذرع بأن التوقيت مرتبط بـ"حصار" داعش أثناء إنشغالها بالمعركة مع الجيش العربي السوري في الوقت نفسه حرص الروس على نفي قصفهم تجمعًا لـ"قسد" التي باتت تُكثر من تصريحات "الوعيد" والتهديد في حال المسّ بقواتها في موقف هو أقرب إلى الإستثمار الإعلامي منه إلى حسابات موازين القوى.

- من المؤكد وجود سباق إعلامي بين الطرفين المتنافسين في خدمة قواتهما بهدف تثبيت المكاسب الميدانية بفارق وقت قصير من تحققها. على سبيل المثال أعلن "المجلس العسكري في دير الزور" (مؤلف من فصائل عديدة بعضها محسوب على الجيش الحر ومقربة من الأميركيين) قبل أيام أن حقل "كونيكو" للغاز صار تحت السيطرة النارية لـ"قسد" التي تقف على بُعد أربعة كيلومترات من الحقل. في الساعات القليلة الماضية قام الجيش العربي السوري بمساندة روسية بإنزالات ضخمة في الحقل المذكور نفسه ما يطيح بالكامل يالإعلان السابق.

- المصالح البعيدة المدى بالنسبة لروسيا وإيران وسوريا في السيطرة على دير الزور أكبر وأشمل من المصلحة الأميركية المهتمة بحصول على حصة من الثروة النفطية وضمانات معينة في التسوية السياسية في حين أن مصالح القوات والفصائل الحليفة لواشنطن تكاد تكون محصورة بالسيطرة على آبار النفط، في ظل عدم وجود مشروع حقيقي متكامل قادر على الإستمرار في السيطرة على مناطق واسعة من دير الزور.

لا تعني هذه المعطيات إنسحابًا أميركيًا مبكرًا من المعركة شرق سوريا ولكنها تعكس واقعًا ميدانيًا يتقدم فيه الجيش العربي السوري وحلفائه بشكل سريع نحو الحدود مع العراق حيث تنتظر أيضًا فصائل من "الحشد الشعبي" على بُعد كيلومترات قليلة من "البوكمال".

لن يبقى الموقف الأميركي ضبابيًا لوقت طويل ليرسم في الأيام القليلة وربما الساعات القادمة الشكل النهائي للمشهد في دير الزور.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية