المرصاد نت - متابعات
تساؤلات عديدة بشأن تحرّك عناصر لداعش أمام مراكز تواجد عسكري أميركي من دون أي ردة فعل أميركية وسط تمايز كبير في المواقف بين واشنطن وباقي العواصم الدولية تمايز قد ينذر ببدء أفول قوة عظمى وانقضاء عصرها.
كرّر العسكريون الروس شكواهم واستفساراتهم أكثر من مرّة بشأن تغاضي الأميركيين عن تسلّل مسلحي داعش من نقطة مراقبة أميركية قرب قاعدة التنف التي ينتشر فيها جنود أميركيون. ونبّه الجانب الروسي الأميركيين إلى أنّ تحويل قاعدة التنف الواقعة على الحدود السورية – الأردنية إلى «ثقب أسود» أمر مخالف للقانون الدولي الذي اعتادت الولايات المتحدة على انتهاكه منذ عقود.
أكّد الروس أنّ نحو 600 إرهابي خرجوا بأسلحتهم على متن سيارات رباعية الدفع أمام أعين العسكريين الأميركيين من منطقة التنف باتجاه غرب سوريا وطالبوا بتقديم تفسير للتجاهل المقصود للمسلّحين الذين ينشطون أمام أعين العسكريين الأميركيين.
وبالقياس على مثال التنف، وفي مراجعة سريعة لكلّ الحروب التي بدأتها الولايات المتحدة خلال العقود الثلاثة الماضية، والتي راح ضحيّتها الملايين من البشر الأبرياء، نتوصّل إلى نتيجة مبدئية وسريعة وهي أنّ الأماكن التي حلّ بها الجيش الأميركي، مدّعياً محاربة القاعدة أو الإرهاب أو القضاء على أسلحة دمار شامل، أو تعزيز حقوق الإنسان، أو إنقاذ الأقليات، وإلى ما هنالك من وصفات إعلامية جاهزة، مليئة بـ الثقوب السوداء"، وأنّه لو تمّت متابعة ودراسة حقيقية لِما قام به الجيش الأميركي في كلّ هذه المناطق، لوجدنا أنّ الإرهابيين والمرتزقة في كلّ هذه المناطق قد نعموا بدعم أميركي من أجل تحقيق أهداف سياسية تخدم مصالح فئات النخبة الحاكمة في الولايات المتحدة من مالكي مصانع السلاح وشركات المال والنفط والإعلام أو لمصلحة الحليف الأول لها في العالم وهو الكيان الصهيوني. وإلّا كيف نفسّر فجأة ظهور متشدّدين في ميانمار والدعوة إلى إنقاذ حياة المدنيين هناك، وكيف نفسّر التحرّك المفاجئ للإسلاميين المتشدّدين في الفلبّين بعد أن استلم الرئيس الجديد «رودريغو دوتيرتي» زمام الرئاسة الذي زار موسكو وعبّر عن توجهات لا ترضي الكاوبوي الأميركي.
لم يعهد العالم أيّ تواجد لتنظيم القاعدة في العراق إلّا بعد الاحتلال الأميركي عام 2003، ولم تشهد العراق وسوريا تنظيم ما يُسمّى بالدولة الإسلامية إلّا بتمويل وتسليح ودعم من الولايات المتحدة وتوابعها من مشيخات النفط العربي، بهدف خلق كيان صهيوني وهّابي جديد يقوم بخدمة إسرائيل، ولولا تمكّن الجيش العربي السوري وحلفائه من دحر الإرهاب في مناطق عديدة ربما لما تمكّن أحد من تعرية ورؤية ما يحدث في قاعدة التنف، وقد رأى العراقيون مثال ذلك.
حين شعر الأميركيون أنّ الجيش العربي السوري وحلفاءه يمكن أن يوجّهوا ضربة قاصمة للإرهابيين ويفتحوا الحدود العراقية السورية لما فيه خير البلدين والشعبين، تدخّلوا وقصفوا وسمحوا لهؤلاء الإرهابيين بالتحرّك بحرّية وتحت غطاء وحماية أميركيتين.
إنّ دراسة معمّقة لما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا واليمن تكشف، دون أدنى شكّ أنموذجاً متكرراً من استخدام أدوات إرهابية محلية بتمويل سعودي وتعبئة وهّابية من أجل تحقيق مصالح جيوسياسية، ونهب ثروات، وفرض أجندات تخدم الإمبريالية والصهيونية، وتعمل على تحقيق أهدافهما في الإقليم والعالم.
ولكنّ هذا الأسلوب المكشوف اليوم والذي ينبّئ عن نوايا أميركية لإبقاء سيطرتها على جزء من سوريا والعراق عبر خلق الدولة الكردية بديلاً عن دولة داعش لتحقيق الهدف نفسه؛ أي خلق كيان متصهين يتحالف عملياً مع إسرائيل ويخدم مصالحها، ويترافق ذلك أيضاً ويتزامن مع سياسات في ملفات أخرى لا تمثّل ثقوباً سوداء فقط ولكنّها تعبّر عن تخبّط في مرحلة أفول حتمية لقطب عالمي استفرد بالعالم على مدى عقدين ونيّف، وفقد اليوم الكثير من رصيده السياسي والأخلاقي، وحتى المالي، ولم يبقَ لديه سوى القوة العسكرية والدعاية الإعلامية والمال النفطي السعودي التي تفقد تأثيرها شيئاً فشيئاً. فالدارس لانهيار الإمبراطوريات، وأهمها انهيار الإمبراطورية الرومانية للكاتب المؤرخ غيبنز، يرى في ردود الفعل الأميركية، على نجاح محور روسيا وسوريا وإيران والعراق والمقاومة في دحر الإرهاب، يرى بها ردود فعل متشنّجة وغير عقلانية.
لا شكّ أن العدوّ الصهيوني يعيش اليوم أزمة وجودية بعد أن أثبت محور إيران وسوريا ولبنان أنه محور مقاوم قادر على دحر أيّ إرهاب وأنّ السياسة التفتيتية التي أمل بتنفيذها من خلال حرب الربيع العربي قد قلبت السحر على الساحر فإذا هو أمام جبهة مقاومة أشدّ صلابة وأعمق خبرة وأكثر تصميماً على استكمال حرب التحرير ليس من الإرهاب فقط، وإنما من أيّ تبعية أو تنازل أو صفقة غير محمودة.
وهنا يأتي انسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو عبارة عن ردّة فعل متهوّرة على تنامي وعي الشعوب بأحقّيّة الشعب الفلسطيني في أرضه ودياره وتنامي الغضب ولا سيّما في أوروبا على الأساليب الصهيونية الاستعمارية المشينة بحقّ هذا الشعب الصامد الصابر.
كما أنّ ردّة فعل الرئيس ترامب على الاتفاق النووي الإيراني لا تقلّ تهوراً غير محسوب النتائج. فإذا كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول أنّ «إيران تنفّذ التزاماتها بموجب الاتفاق النووي وهي تخضع لأشدّ نظام للتحقق النووي في العالم» وإذا كانت مفوَّضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي تقول "لا سلطة لدى ترامب لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، ولا يحقّ لأيّ دولة إلغاء هذا الاتفاق"، وإذا كانت فرنسا وألمانيا وبريطانيا قد أعلنت في بيان مشترك أنّ الحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران يصبّ في مصلحتنا الوطنية، وإذا كانت الخارجية الروسية تقول "العودة إلى فرض الأمم المتحدة لعقوبات على إيران غير ممكنة مهما كان الموقف الأميركي"، فكيف يمكن لترامب أن ينفّذ ما يريد؟! ولماذا يريد أن يلغي الاتفاق؟ فقط كي يبقى الكيان الصهيوني الوحيد الذي يمتلك الطاقة النووية في المنطقة؟ ولماذا يزيل ترامب الأعلام الروسية عن البعثات الدبلوماسية الروسية بعد أن انتهكت حكومته الحرمة الدبلوماسية للقنصليات الروسية منذ أسابيع؟ وهل قرّر ترامب أن يدفع بكلّ قوته كي ينقذ الكيان الذي يراه آخذاً في الغرق ولم يحسب حساباً أنّ الغريق يُغرِق من يحاول إنقاذه، أم أنها مظاهر حتمية لأفول مضطرب لقوة عُظمى تغيّر العالم من حولها من دون أن تتغيّر، وتغيّرت الوقائع في كلّ المناطق التي تريد أن تفرض هيمنتها عليها؟
وبدلاً من دراسة هذه الوقائع والتعامل معها بحكمة تمضي إدارة ترامب في مخططاتها متجاهلةً أنه من المستحيل عليها أن تعيد عقارب الساعة إلى الوراء. لا شكّ أنّ صمود سوريا والعراق واليمن وحلفائها وانتصارها الميمون بإذن الله في هذه المعركة المصيرية للوجود القوميّ العربي والتنسيق على هذه الجبهات قد مثّل ضربة سبّبت عدم توازن للكيان الصهيوني الغاصب والولايات المتحدة ولكن وبدلاً من الهدوء والإمعان في الخطوات المحسوبة يزيدون من عدد الثقوب السوداء ويخطّون سياسات متهوّرة لا يمكن لها أن تصل إلى المآل الذي يريدون.
وما تشجيعهم وحرصهم الخفيّ على خلق كيانات إثنية وعرقية في المنطقة إلّا استمرار لسياسات الإنكار هذه والتي لا شكّ سوف يضطرون إلى التخلّي عنها عاجلاً أو آجلاً ربما بعد أن يكونوا قد فقدوا كلّ أوراقهم حتى مع حلفائهم الأوروبيين. أوَ ليست كلّ هذه دلالات واضحة لأفول مضطّرب لامبراطورية الحروب التي تجاوزها الزمن؟
كتب : د . بثينة شعبان - المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية
المزيد في هذا القسم:
- تسجيل 100 ألف حالة إصابة بكورونا حول العالم! المرصاد نت - متابعات تخطى عدد الاصابات المؤكدة بفيروس كورونا في العالم حاجز المئة الف فيما تجاوز عدد الوفيات ثلاثة الأف وأربعمئة حالة، ياتي ذلك في وقت انتشر ا...
- لافروف: لا يجوز تقسيم الإرهابيين الى "طيبين" و"أشرار" لفت وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من جديد انتباه الولايات المتحدة والدول الغربية إلى أنه لا يجوز التفريق بين الإرهابيين، وكأن هناك "طيبين" و"أشرار" بينهم. ...
- رحلة غامضة بين تل أبيب والرياض.. هل كان نتنياهو فيها! المرصاد نت - متابعات ذكر موقع «إينتل تايمز» العبري أنه وثّق رحلة تنفيذية غامضة ليلة الـ23 من الشهر الجاري انطلقت من تل أبيب فعمّان وصولاً إلى الرياض. وبعد الف...
- سفراء بن زايد: عُمان تسانِد قطر... والمطلوب ثنيها «بالترغيب أو الترهيب»! المرصاد نت - الأخبار يوماً بعد يوم يتأكد أن السعودية والإمارات أخطأتا في حساباتهما بخصوص منطقة الخليج ما بعد فرض المقاطعة على قطر. كان في ظنهما أن حملة منسّقة ...
- الغارديان : الجبير سيخاطب شخصيا البرلمان البريطاني لعدم حظر مبيعات أسلحة لبلاده. المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة “الغارديان” البريطانية أن وزير الخارجية السعودي سيُخاطب مجلس العموم البريطاني شخصيا لحثهم على عدم حظر مبيعات الأسل...
- واشنطن تحرج حليفتها : «ورطة» 11 أيلول تلاحق الرياض ! المرصاد نت - متابعات بعد يومٍ واحد من الذكرى الـ 18 لهجمات 11 أيلول/ سبتمبر أعلنت وزارة العدل الأميركية قرارها الكشف عن هوية مسؤول سعودي متّهم بمساعدة اثنين م...
- صراع دولي على فنزويلا : الرئيس مادورو صامد ! المرصاد نت - متابعات يشعر الرئيس اليساري بأنه امتصّ صدمة المحاولة الانقلابية. نيكولاس مادورو أكثر اطمئناناً اليوم بعد أيام من تصعيد الهجوم الأميركي، في ظلّ ال...
- الانقلاب على الاشتراكية العربية .. انتصار الريع! المرصاد نت - متابعات المنحى الثابت لصعود الصراع الطبقي في الإقليم لم يتعثّر إلا حين بدأت الضربات تتوالى على المشروع الاشتراكي العربي. لم تكن البداية في عام 19...
- استشهاد العميد عصام زهر الدين قائد قوات الحرس الجمهوري بدير الزور المرصاد نت - متابعات أستشهد العميد عصام زهر الدين قائد قوات الحرس الجمهوري بدير الزور بانفجار لغم أرضي بحويجة صكر أثناء تقدّم القوات التي يقودها. كان له دو...
- شتاء فرنسا... الطبقة الوسطى تريد إسقاط النظام ! المرصاد نت - بيار أبي صعب الحشود الغاضبة في شوارع فرنسا منذ أسبوعين غافلت القوى السياسيّة التقليديّة وأدهشت العالم في ظلّ تراجع المعارضة التقليدية من حزبيّة و...