المرصاد نت - نور أيوب
طوى العراق صفحة 2017، بانتصاره على «داعش» الأمر هنا ليس حدثاً بعينه إنما تحوّلٌ في مسار المشاريع المتصارعة في بلاد الرافدين منذ سقوط النظام السابق في نيسان 2003.
ثمّة فراغٌ في المشهد الميداني تركه التنظيم إثر هزيمته المدوّية ذلك أن التقديرات الغربية أملت أن تمتد «الحرب على الإرهاب» لعقود ثلاثة! السؤال هنا: هل من «خلفٍ لدولة الخلافة؟»
في مثل هذه الأيام، منذ سنواتٍ سبع (أواخر كانون الأوّل 2011)، خرجت القوات الأميركية من العراق بعد احتلالٍ دام سنواتٍ ثمان. يمكن اختصار العوامل المسرّعة «للخروج المذلّ» لتلك القوات في ثلاثةٍ: 1) موقف «حاسم» للمرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني) يرفض بقاء قوات الاحتلال. 2) ضرباتٌ قاسية لفصائل المقاومة ضدها. 3) إرادة سياسيةٍ «واضحة» لمعظم القوى وعلى رأسها حكومة نوري المالكي تطالب بخروجها.
يصف مرجعٌ سياسيٌّ كبير المشهد آنذاك: «لقد أخرجنا القوات الأميركية من الباب»، متأسّفاً في حديثه إلى «الأخبار»، من «عودتهم وبقوّة، من خلال شبّاك محاربة تنظيم داعش، نتيجة سياسة الحكومة الحالية (برئاسة حيدر العبادي)».
أحدث خروج القوات الأميركية «ثلمةً» في كرامة قيادتها وهو أمرٌ لم يكن مستساغاً بالنسبة إليها. رواية «عودة» الأميركيين إلى الحضور الفاعل في الميدان العراقي يراها البعض مع تصدّي العبادي لرئاسة الحكومة الاتحادية المؤمن بضرورة «الاستعانة بالغرب ــ وتحديداً واشنطن ــ في الحرب على الإرهاب، والقضاء عليه».
بمعزلٍ عما جرى طوال السنوات الأربع الماضية من تمدّد «داعش» واستحواذه على ثلث مساحة العراق ومن ثم استيعاب محور المقاومة لصدمة سقوط الموصل وتداعياتها (حزيران 2014)، وخوض بغداد غمار حربٍ أسفرت عن نصرٍ نهائي على أكثر التنظيمات تطرّفاً في العالم (كانون الأوّل 2017)، ثمّة فراغٌ خلّفه «داعش» في الخارطة الميدانية ما يدفع بالسؤال عن «خليفة دولة الخلافة»؛ بخاصّة أن «بلاد الرافدين» تشكّل عقدة الوصل بين دول محور المقاومة والدور الذي رُسم لـ«داعش» كان بكسر هذا الخط الممتد من طهران، إلى بغداد، فدمشق... وصولاً إلى بيروت.
لا نريد «حزب الله»... عراقياً
قبل أشهرٍ عدّة (حزيران 2017) ومع اقتراب بغداد من حسم انتصارها في معركة الموصل وإطلاق دول «المحور الأميركي» تحذيراتها من إمكانية وصول قوات «الحشد الشعبي» إلى الحدود العراقية ــــ السورية جال وفدٌ أميركي على القيادات العراقية للتباحث في شؤون البلاد.
سأل مرجع سياسيٌّ كبير: ماذا تريدون منّا؟ كان الردُّ «نريد تحقيق نقطتين»: الأولى أن لا تتحول قوات «الحشد الشعبي» إلى قواتٍ مماثلةٍ لحزب الله اللبناني التي «تلتزم بالأجندة الإيرانية في الصراع القائم في المنطقة». والثانية زيادة عدد القواعد الأميركية وعديد قواتها وأماكن انتشارها في العراق وتحديداً في وسط البلاد وغربها.
فُسّر المسعى أن الهدف ضبط الحدود العراقية ــــ السورية ومنع «حلفاء إيران» من الوصول إلى هناك. تريّث المرجع في الرّد لكنه استدرك ضيوفه بالتالي: «بالنسبة للنقطة الأولى، لا يمكن للحشد أن يتحوّل إلى قواتٍ مماثلةٍ لحزب الله لأسبابٍ وعوامل عدّة» ذلك أن «طبيعة الصراع هنا تختلف عن الصراع في لبنان وطبيعة المكوّنات الطائفية والسياسية مختلفة أيضاً، ومهام الحشد محدّدة، وهو مؤسسة أمنية ــــ عسكرية ملتزمةٌ بالقرار الحكومي». تطرّق المرجع إلى النقطة الثانية استند إلى مزاج الشارع العام الرافض لوجود أي قوّة أجنبيّةٍ في البلاد، ليسأل: «هل تظنون أن الإيرانيين سيقبلون بمثل هذا الطلب؟ طهران تحافظ على أمنها القومي، بالدخول في مواجهةٍ معكم وتأكّدوا أن الحشد والشعب من سيهاجمكم، وسيدمّر تلك القواعد...».
كان الجواب «صاعقاً» على الأميركيين. ردّوا على تساؤلات ذلك المرجع «لاحقاً»، بأن «نصيحته» بغضّ الطرف عن تلك المطالب كانت «صحيحة» وأن علاقة واشنطن ــــ بغداد يجب أن تتّسم بالوضوح والشفافية واحترام الأولى لسيادة الثانية وعدم التدخّل في شؤونها.
لم يكن ذلك المرجع هو وحده من سمع هذه المطالب، فمن جال عليهم الوفد سمعوا مطالب «العم سام». وبمعزلٍ عن «النصيحة» كان الطلب الأميركي متأخّراً بعض الشيء، بعد تمكّن «الحشد» من الوصول إلى عددٍ من النقاط الحدودية وملاقاته قوات الجيش السوري الأمر الذي شكّل صفعةً لواشنطن وحلفائها. إذ تنقل مصادر أمنية عراقية رفيعة أن الأميركي وجد في احتلاله فرصةً لضرب محور المقاومة، خاصةً أن الحدود العراقية ــ السورية تشكّل العمق الاستراتيجي لهذا المحور. سياسة واشنطن اقتضت العمل على فك الارتباط الجغرافي بين تلك الدول والشروع في تفتيتها الواحدة تلو الأخرى ومن ثم استمالتها إلى محور «الاعتدال العربي» في مرحلةٍ لاحقة.
الأميركيون في ازدياد... دائم
يوجب الفراغ الذي أحدثه «داعش» ميدانياً ملؤه سريعاً. ثمّة من يذهب باعتقاده الى أن «الحشد» سيقوم بهذه المهمة وهو «اعتقادٌ خاطئٌ» وفق قيادات «الحشد» فـ«نحن لا يمكن أن نتحوّل إلى جهةٍ معاديةٍ للشعب العراقي» تقول مصادره هنا تتقاطع الردود عند نقطةٍ مفصليّة بأن القوات الأميركية وحدها من تستطيع ملء هذا الفراغ، لعديدها وطبيعة انتشارها وتوزّعها من جهة وعدم تقبّل الشارع العراقي لتواجدها من جهةٍ أخرى بالرغم من تمسّك حكومة العبادي ببقائها، و«إن خرج الأخير بتصريحاتٍ داعية إلى خروجها مع إعلان الانتصار على داعش» وفق مصدرٍ أمنيّ عراقي .
وبحسب تقديرات حكومة العبادي فإن عدد القوات الأميركيّة في البلاد لا يتجاوز الثمانية آلاف، في وقتٍ يُنقل فيه عن قائد «قوّة القدس» في «الحرس الثوري» قاسم سليماني إن «عديد القوات الأميركية في العراق يناهز العشرين ألفاً... وأكثر»، وهو رقمٌ لم يكن موجوداً قبل عام 2014 إنما بات واقعاً مع «تمدّد داعش» واعتقاد العبادي بأن واشنطن وحلفاءها قادرون على «تقديم دعمٍ قيّم في الحرب على الإرهاب... خاصّةً أن إمكاناتنا ضعيفة» كما ينقل عنه الأمر الذي يعارضه فريقٌ عراقيٌّ واسعٌ ذلك أن «القضاء على داعش كان بجهدٍ عراقي خالص والأميركيون أعاقوا كثيراً تقدّمنا لصالح التنظيم المتطرّف» .
المواجهة؟
لن يكون عام 2018 عاديّاً بالنسبة الى العراق والعراقيين استحقاقات سياسية بـ«الجملة» لكن للميدان واقعه الخاص. قد يفرض التواجد «المستفز» للقوات الأميركية في العراق مواجهةً بينها وبين فصائل المقاومة ومن خلفها إيران (راجع «الأخبار»، عدد 3313) . وأمام هذه الفرضية، ثمّة تساؤلات يفترض طرحها أبرزها: هل يقبل العراق والعراقيون عودة جديدة للاحتلال الأميركي بمسمّيات جديدة وعناوين مختلفة؟ («تحالف دولي»، مستشارون، شركات أمنية...) وهل يترك البعض سلاحه لمصالح انتخابية على حساب تاريخه المقاوم؟ وهل تمتلك الطبقة السياسية حلّاً جذريّاً لمثل هذه المعضلة خاصّةً أن الانفتاح (سياسياً، عسكرياً، أمنياً، اقتصادياً...) على بلاد الرافدين وصل حدّاً يفرض امتلاك العبادي ــ تحديداً ــ رؤيةً واضحة المعالم للمرحلة المقبلة، وتحدياتها!
المزيد في هذا القسم:
- السيسي في الخرطوم: زيارة تتجاوز «سدّ النهضة» المرصاد نت - متابعات منذ أعوام قليلة تسعى القاهرة للعودة إلى منطقة القرن الأفريقي. في مسعاها، تواجه خصوماً تقليديين مثل إثيوبيا التي تنازعها على حصتها من مياه...
- ترامب يتراجع... وإيران تحذّره من «غضب أنصار الثورة» المرصاد نت - متابعات لا يبدو الرئيس الأميركي دونالد ترامب على حسابه في «تويتر» مُغرِّداً بالأحرف الكبيرة هو نفسه أمام قدامى المحاربين الأميركيين ف...
- العراق : 283 قتيلاً منذ انطلاق الاحتجاجات! المرصاد نت - متابعات أعلنت «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» في العراق أمس مقتل 23 شخصاً جرّاء «أعمال العنف المرافقة للاحتجاجات الشعبية»، خلال الفترة الواقعة بي...
- الحكومة اللبنانية المقبلة .. هل تكون الأطول عمراً؟ المرصاد نت - متابعات من المرجّح أن لا تطول فترة تكليف دولة الرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومة لبنانية جديدة وذلك بالرغم من بروز كلام عن بعض العراقيل أمام هذا الت...
- الحكومة التونسية ترتمي في الحضن السعودي: الوهابية حليفتنا ! المرصاد نت - متابعات بعد أيام على تبني الخارجية التونسية للبيان السعودي الذي اتهم اليمنيين بمحاولة استهداف منطقة مكة بصاروخ بالتسي وبالتالي اتخاذ موقف غير محق...
- «مؤتمر روما» يخفف عجز «الأونروا»... وواشنطن «تبكي» على غزة المرصاد نت - متابعات بينما قدّم مؤتمرٌ للمانحين عُقد في روما 100 مليون دولار من أصل عجز قدره 446 مليوناً تعاني منه «الأونروا» كانت واشنطن تجمع عشر...
- الانظمة العربية تتقارب.. بالأمر! هل آن زمن العودة إلى الذات؟ المرصاد نت - متابعات حفل الأسبوع الماضي بسلسلة من التطورات السياسية والدبلوماسية الملفتة والمؤشرة في تزامنها إلى تغيير او تعديل في سياسات بعض "دول القرار الكو...
- مقتل 37 من داعش بدير الزور وتواصل تقدم الجيش السوري بريف حماة حقق الجيش السوري تقدماً في الجهة الجنوبية لبلدتي كفرزيتا واللطامنة بريف حماة الشمالي بعد اشتباكات مع الجماعات المسلحة، حيث فرض سيطرته على على المداجن من الجهة ا...
- رئيس وزراء اليابان يزور الشرق الأوسط رغم التوترات! المرصاد نت - متابعات يمضي رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي قدماً في رحلته المزمعة إلى الشرق الأوسط في مطلع الأسبوع رغم احتدام التوتر، وتشمل الرحلة السعودية وال...
- الهند واليابان تواجهان ترامب: نحو «التوحد ضد السياسات الحمائية» المرصاد نت - متابعات اختتم رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي زيارة إلى العاصمة اليابانية طوكيو استمرت ثلاثة أيام التقى خلالها نظيره شينزو آبي. وتطرقت محادثات ا...