الخطاب الطائفي والقطيعة مع اليسار بوابة العودة لقوى النفوذ التاريخي!

m.almqalehمع فرار اللواء علي محسن الأحمر، وسقوط مقر قيادة الفرقة الأولى مدرع، مساء 21 سبتمبر 2014، على أيدي مقاتلي "أنصار الله" واللجان الشعبية للثورة، متزامنا مع سقوط الجرعة وحكومة الوفاق، واضطرار أطراف سلطة المبادرة الخليجية الى التوقيع على اتفاق السلم والشراكة، مع "أنصار الله"، أدركت القوى التي حكمت اليمن، وتحكمت بمصيرها فترة طويلة من الزمن، أنها قد هزمت هزيمة كبيرة، بل وقاصمة، ولن تستطيع بعدها العودة الى السلطة بسهولة، وعلى المدى المنظور، قبل تغيير كل تكتيكاتها السابقة.

ومثلما أدركت هذه القوى أنه لم يعد ممكنا الوقوف عسكريا أو ميليشياوياً أمام تنامي تيار "أنصار الله"، وتعاظم قوتهم العسكرية والميدانية، أدركت أيضا أن العودة إلى السلطة بقوة الدولة، أصبحت فرصها معدومة تقريبا، كما أن العودة باسم العملية السياسية والانتخابات العامة، هي الأخرى غير متيقنة، ومشكوك فيها كثيرا، خصوصا أن هذه القوى التي كانت سقطت سياسيا خلال 3 سنوات مضت من السلطة، ترسخ في وعي شعبها أنها لم تخن تضحيات اليمنيين في ثورة 11 فبراير 2011، وحسب، بل غير قادرة على تمثيل كل اليمنيين وطنيا، بقدر تمثيلها لجماعتها المغلقة، وتسخير كل إمكانيات الدولة والمجتمع لتمكينها في الحكم على حساب بقية اليمنيين خارج إطار الجماعة.

كل هذا دفع ولا يزال يدفع مراكز عديدة في التجمع اليمني للإصلاح، ومراكز عديدة من قوى النفوذ المشيخي والأصولي المتحالفة معه، إلى التفكير جديا بضرورة تغيير كل أساليبها وتكتيكاتها السابقة، إن كانت تريد الحفاظ على كينونتها التنظيمية والمالية والسياسية -التي ظلت محتفظة بها- تمهيدا للعودة من جديد الى السلطة، إن أمكن، ولو بنصف قوتها، وإن شئت ولو ببعدها الطائفي إلا السياسي!

والمتابع لطبيعة الخطاب السياسي لهذه القوى، وطريقة التعاطي مع تطورات الأحداث الدراماتيكية لما بعد سقوط الفرقة والحكومة، يكتشف بسهولة أن التكتيك الذي تتبعه لمواجهة هذه التطورات الدراماتيكية، يسير هذه المرة باتجاه الانسحاب تكتيكيا عن المواجهة المباشرة مع "أنصار الله" عسكريا وميدانيا، في صنعاء ومحافظات أخرى للحوثيين فيها نفوذ.

مقابل الدفع بأطراف أخرى لمواجهتهم عسكريا -بالإرهاب والطائفية- من ناحية، وتسخير أدواتها السياسية والإعلامية والتنظيمية لبعض من تعتبرهم حلفاء في المشترك، وفي مؤسسات صحافية ومنظمات مدنية ونشطاء، لعمل حملات سياسية وإعلامية وشعبية واسعة، هدفها تواكب أعمال الإرهاب القاعدي، وتغطيتها، وبما يشوه سمعتهم، ويعيد تعريفهم كحركة طائفية ومذهبية وميليشية، ومنع أي شريك وطني قد يتحالف معهم، أو يجد نفسه أقرب إليهم في هذه المرحلة بالذات.

ووفقا لهذا التحليل، نستنتج أن ثمة عنوانين لتحركات هذا التحالف المهزوم،لمحاولة العودة من جديد الى السلطة، يمكن التوقف عندهما على النحو التالي:

العنوان الأول: محاصرة "أنصار الله" في المربع الطائفي:

تقضي السياسة في هذا السياق العمل إعلاميا وميدانيا على رفع حدة الخطاب الطائفي والمناطقي بين اليمنيين، واعتماد مصطلحات جديدة ودخيلة على مجتمعنا، لتوصيف الصراع على السلطة كثنائية "السنة" مقابل "الشيعة"، أو "إيران" مقابل "السعودية"، أو "مطلع" مقابل "منزل"، وأخيرا الشمال مقابل الجنوب... الخ.

حيث تعتقد هذه القوى في طرحها لعنوان الطائفية في مواجهتها للحوثيين -وهي على حق في ذلك- أنه إذا ما ارتفعت حدة الخطاب الطائفي، وتم البناء عليه في تقديم "أنصار الله" باعتبارهم يمثلون "الشيعة"، أو حتى الزيود في المناطق الشمالية، فسيكون من الطبيعي في هذه الحالة أن يمثل "الإصلاح" وتحالفاتهم السلفية وغيرها من الأطراف الدينية، "السنة"، أو حتى "الشافعية" في محافظات وسط وجنوب اليمن، في السلطة المفترضة، والتي ستكون -حسب هذا الصراع- تقاسما بين مكونات مغلقة وطائفية وغير وطنية.

إن فشل القوى الأصولية والمشيخية في تقديم نفسها كأحزاب سياسية تمثل كل اليمنيين، خلال 3 سنوات مضت من الفشل والاستحواذ، قد دفها للاعتقاد بأن عودتها إلى السلطة من جديد لا يمكن أن يتم إلا باعتبارها خيارا طائفيا لا سياسيا، وكممثلة "للسنة"، حسب زعمها، لا كممثلة لكل اليمنيين.

وهي عندما تعاظم مما تسميه "خطر الحوثيين الشيعة" في إب أو في تعز، أو حتى في الجنوب، فما ذلك إلا من أجل أن تعيد تعريف نفسها في وعي اليمنيين في تلك المناطق، كنقيض لهذا الخطر الطائفي، باعتبارها هي وليس أحد غيرها هي الطائفة المقابلة، أو التي ستعيق لوحدها تقدم هذا الخطر الحوثي الرافضي الشيعي، نيابة عن جميع أبناء تلك المناطق، ومن يريد أن يصد خطر الشيعة فما عليه إلا أن يقاتل تحت لواء التحالف "السني"، حسب مفرداتها التحريضية بهذا الخصوص.

وعند هذه النقطة بالذات، يصبح الصراع أولا، والتمثيل في السلطة ثانيا، قائماً على أساس الهوية المذهبية والدينية، وإلى حد ما المناطقية، وبهذا تغيب الأحزاب الأخرى، وتتلاشى، وتتسرب عضويتها الى طرفي الصراع الطائفي، بعيدا عن خياراتها السياسية.

وبذلك يتحقق هدف مزدوج مضمونه "محاصرة "أنصار الله" في المربع المذهبي، ومنعهم من التمدد وطنيا من ناحية، وضرب البدائل الوطنية والسياسية الأخرى نهائيا في المناطق التي سيتم "إجلاء" "أنصار الله" أو "تطهيرها" منهم.

يعتقد أصحاب هذه السياسة التي تبدو مكشوفة للعيان، ولكن معومة من دول عديدة في الإقليم، بأن "أنصار الله" أمام هذه الحملة الظالمة التي تهدف الى عزلهم ومحاصرتهم سياسيا، وتوصيفهم طائفيا أو مناطقيا، سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، وكلاهما يحققان نفس الغرض:

- إما العودة إلى الانكفاء كحالة دينية ومذهبية في شمال الشمال "الزيدية"، والتخلي عن وطنيتها تحت الشعور بأن الجميع يستهدفهم خارج المنطقة والطائفة، وبالتالي الحفاظ على كيانها بمزيد من العزلة المذهبية والمناطقية، والبحث عن نصيبها من السلطة الهشة على هذا الأساس، مقابل عودة الإصلاح والقوى الأصولية والمشائخية المتحالفة معه الى واجهة السلطة، كممثلة للجنوب والوسط مذهبيا وطائفيا ومناطقيا، وهو ما تسعى إليه، وتغري من أجله القوى الإقليمية تحديدا، ويستغل الإصلاح -للأسف- هذه المؤامرة الإقليمية لإعادة تقديم نفسه لدى تلك الدول من جديد، كممثل محلي لتسعير الطائفية في هذا الاتجاه، والمؤسف أيضا أنك تجد له في بعض منتسبي "أنصار الله" أو المحسوبين عليهم قبولا أو تجاوبا إلى حد ما؛ إما بسبب الضغط المتواصل عليهم بهذا الاتجاه من قبل الخصوم، وغياب الشريك الوطني، أو بسبب وجود نزعة مذهبية مغلقة لدى بعض المحسوبين عليهم، والمتحالفين معهم -مؤخرا- مع التأكيد بأن مركز قوة "أنصار الله" وشعبيتها وتصاعد ألقها الشعبي، هو وطنيتها وثوريتها، وشعورها بالاعتزاز بيمنيتها أكثر من أي شيء آخر.

- أو دفع "أنصار الله" -كخيار بديل- تحت هذه الضغط، وفي ظل غياب الشريك الوطني سياسيا، إلى الدخول في تحالفات مشابهة للتحالفات التي بناها الإصلاح نفسه مع قوى النفوذ والتسلط التقليدية، وكان ولا يزال جزءاً من تركيبتها الاجتماعية والسياسية. أي دفع "أنصار الله" دفعا إلى التحالف مع قوى النفوذ والاستبداد في النظام السابق، أو بالأصح التحالف مع نصف النظام السابق، لمواجهة النصف الآخر، وبما يدخل حركة "أنصار الله" في مأزق الفساد والاستبداد نفسه، وهو ما سيضرب شعبيتها، ويقلل من ألقها، ومن تصاعد نفوذها في أوساط غالبية أبناء الشعب البسطاء، فضلا عن الأطراف الحليفة احتمالا، وبالتالي يتحقق نفس الغرض، وهو إضعاف "أنصار الله"، وضرب مكانتهم كقوة ثورية كسرت بعنفوانها كل مراكز الفساد والاستبداد في وعي الناس، وهذا ما بدأ فعلا يظهر في بعض تصرفات اللجان الشعبية التابعة لـ"أنصار الله" هنا أو هناك، كما ظهر في إب وبعض مديريات صنعاء، وغيرها، وبدفع من طرفي النظام اللذين يعملان -ربما بدون اتفاق مكتوب- على ضرب ومحاصرة أكبر حركة فتية صاعدة يعتقد الجميع بأنها تمثل البديل لكل مفردات النظام الشائخ، والنقيض الموضوعي لمنظومة النظام السابق برمتها.

العنوان الثاني: منع أي لقاء أو تحالف بين ضحايا النظام السابق:

بالإضافة إلى العمل على عنوان الطائفية لمحاصرة "أنصار الله" في مربعهم المراد تسويره من قبل هذه القوى، تتخذ في نفس الوقت ضمن سياسة العودة الى السلطة، عنواناً آخر مكملاً للعنوان الأول، ويحقق الغرض ذاته، والمتمثل بافتعال خلافات صراعية بين قوى اليسار عموما، و"أنصار الله" من ناحية، وبين "أنصار الله" وقوى الحراك الجنوبي من ناحية أخرى، وبما بمنع أي تواصل أو لقاء، فضلا عن التحالف، بين هذه الأطراف مجتمعة، والذي إن تم، فهو الأمر الطبيعي والمفترض، لأسباب وعوامل موضوعية وذاتية عديدة تتعلق بنشأة هذه القوى من ناحية، وبطبيعة القوى التي استهدفتهم تاريخيا من ناحية أخرى.

ما يساعد في إنجاح هذه السياسة التي تتبعها القوى المهزومة للعودة الى الواجهة من جديد، هو أن "أنصار الله" -وهم القوة الأكبر على الأرض اليوم- لا يستطيعون، ولا يريدون أن يحكموا اليمن بمفردهم، ويعون جيدا أنهم بحاجة دائمة -بسبب خلفيتهم الدينية- إلى شريك وطني آخر، ليس فقط في الجنوب، بل وفي الشمال أيضا.

من الواضح أن الشراكة الوطنية بين أطراف سياسية، أو التحالف السياسي بينها تجاه أية قضية تكتيكية أو استراتيجية، يفترض حليفا أو شريكا سياسيا قريبا من خيارات الحليف الآخر سياسيا ووطنيا، وبالتالي يكون الشريك الأقرب إلى "أنصار الله" هي أحزاب اليسار -كلها أو بعضها- وفصائل الحراك الجنوبية عموما، والتي مثلت معها وطوال تاريخ نشأتها -وإن بدرجات متفاوتة- نقيضا جذريا وموضوعيا لهذه القوى التي تريد العودة الى السلطة من جديد، ولذلك فهي تعمل على حرمان كل هذه الأطراف معا من هذا الشريك، عبر افتعال خلافات بينها، إن لم تكن موجودة، وتوسيع شقة هذه الخلافات -إن وجدت- وتحويلها إلى خلافات صراعية تفضي الى القطيعة إن أمكن، وبذلك تضمن محاصرة "أنصار الله" في ما تعتبره هذه القوى مربعها الاجتماعي، وإبقاء قوى اليسار ضعيفة ومترددة، وحبيسة التوجس والحذر من الجميع من ناحية أخرى.

إن منع "أنصار الله" من الشريك الوطني ينطبق أيضا، وبذات الدرجة، وربما أكبر، على اليسار اليمني عموما، تجاه "أنصار الله" كحركة ثورية وشعبية ووطنية، بغض النظر عن خلفيتها المذهبية، فضلا عن فصائل الحراك، التي تحتاج بالفعل الى شريك سياسي قوي وقادر على حماية هذا التحالف المفترض، وبالذات في مرحلة بناء الدولة، وحل معضلاتها الكبرى، كالقضية الجنوبية وغيرها، والتي توفرت لحلها فرص واسعة بعد سقوط أهم المراكز التي حالت ولا تزال دون حلها.

ولأن هذه القوى تدرك أن حليف اليسار الطبيعي، وكذلك الجنوبي، لن يكون، ولا يمكن أن يكون هي نفسها، ممثلة بالقوى الأصولية والمشيخية التي تسببت في كل هذا الخراب للمشروع الوطني الديمقراطي، ومنعت وبالحديد والنار طوال تاريخ الحركة الوطنية، وحتى بعد ثورة 11 فبراير 2011، قيام الدولة اليمنية الحديثة، وقيام شراكة وطنية مع الجنوبيين، بل هي التي سعت ولا تزال بهذه السياسة تسعى الى الإجهاز على كل فرصة قد تلوح في الأفق لنهوض هذه الأطراف من جديد، وهذا ما تعمله اليوم حثيثا عبر إبقاء هذه الأطراف في أحضانها، خوفا ورعبا وترددا من ناحية، وتوجسا وصراعا مع حلفائها الطبيعيين كما هو مفترض من ناحية أخرى.

ولهذه الأسباب مجتمعة، فإن مهمة القوى التقليدية المهزومة خلال المرحلة القادمة، هي حرمان "أنصار الله" واليسار والحراك الجنوبي معا، من الشريك الطبيعي المحتمل في التحالف، ومنع أي لقاء جدي بينها، خصوصا وأن القوى التقليدية سبق أن حاربت "أنصار الله"، ونكلت بهم فكرا ووجودا وحروبا وتآمرا واغتيالا، مثلهم مثل بقية قوى اليسار وفصائل الحركة الوطنية الأخرى، والفرق أن الأول انتصر عليها، والثاني خرج مهزوما في مواجهته لها.

إن اللقاء بين القوى التي تضررت من قمع النظام السابق، وصاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير اليوم، لن يؤدي فقط الى بناء دولة المواطنة والشراكة وحسب، بل سيحول دون عودة مراكز النفوذ الاجتماعي والأصولي من جديد الى السلطة، وربما إلى زمن غير منظور، ولهذا فهي تعمل كل ما أمكن للحؤول دون هذا التحالف، ولهذا تعمل قوى عديدة، وفي مقدمتها القوى التي هزمت في 21 سبتمبر، دون قيام هذا التحالف، بشتى الصور والأساليب، وهو ما نلاحظه هذه الأيام، ومنذ فترة ليست قصيرة أيضا!

سياسة الثأر والانتقام الأعمى!

وعودة إلى الموضوع الطائفي، وتسعير الحروب الطائفية بين اليمنيين، ندرك نحن أنه إذا نجحت هذه القوى في تسعير حروبها بين اليمنيين -ونحن نشك في ذلك لأسباب وعوامل عديدة تمنع الحروب الطائفية بين أبناء شعب واحد لا طوائف أو طائفية بين مدارسهم الدينية أصلا- إلا أن الذي سيحصل في مثل هذه الحالة من الحروب الافتراضية، هو أن يكون ممثل الطائفة هو أكثر أبنائها تطرفا، وليس أكثرهم اعتدالا، وبالتالي لن يكون هذا الممثل المفترض لا الاشتراكي ولا الليبرالي، بل هو "داعش" نفسه، وأكثر التعبيرات "المذهبية" تطرفا ووحشية، وهذا ما حصل بالفعل حين غابت جماعة الإخوان المسلمين تماما في المناطق التي برز فيها "داعش" و"النصرة" كممثلين للسنة المزعومة في كل من سوريا والعراق!

أي أن غياب المعتدلين في هذا الصراع الطائفي المفترض، والذي يعمل له من قبل أكثر من طرف داخلي وخارجي، سيشمل غياب أو تغييب الإصلاح نفسه كحزب سياسي، أو بالأصح غياب تياره السياسي لصالح "الدواعش" والتيارات الجهادية والتكفيرية والسلفية الوهابية الأخرى.

إلا أن كثيراً من قيادات الإصلاح تمارس السياسة اليوم، وربما منذ سقوط معسكر اللواء 310 في عمران، بدوافع "الثأر والانتقام"، أكثر من أي بعد آخر، وبالتالي لم يعد بمقدور الثأريين "طالبي الدم" قراءة نتائج مثل هذه الصراعات المغلقة على حزبهم، وعلى كيانهم التنظيمي والسياسي، ولذلك تجدهم اليوم منخرطين فيه الى فروات رؤوسهم في جبهاته، رغم أنه سيرتد عليهم في نهاية الأمر.

أما لماذا؟ فربما لأن المهم لدى هؤلاء هو كسر "أنصار الله" -القوة السياسة الصاعدة- بأي ثمن، وبأية وسيلة كانت، والعمل على تشويه سمعتهم، وتعريفهم كجماعة مذهبية، وبوسائل عدة، بما في ذلك الحرص على أن تكون أكثر الأصوات حدة وعدائية ضد "أنصار الله" هي أصوات تبدو يسارية وقومية، ومن أبناء تلك المناطق التي يخطط الإصلاح لتمثيلها طائفيا، في حالة احتداد الصراع مع "أنصار الله" على هذا الأساس الطائفي المفترض والخطير في آن!

لا مصلحة للحراك ولا لليسار بالطائفية!

يفهم مما سبق أنه لا مصلحة لكل الأحزاب، وفي مقدمتها أحزاب اليسار، من تسعير الخطاب الطائفي، أو في معاداة "أنصار الله"، والعمل على تحويلهم أو توصيفهم كحالة طائفية أو مناطقية، كما تعمل القوى المهزومة بدوافع عدة، ولأسباب تبدو مفهومة وإن كانت غير مقبولة، والأمر كذلك ينطبق على جميع فصائل الحراك الجنوبي، التي لن تجد فرصة مواتية لحل القضية الجنوبية، وفقا لما يراه غالبية الجنوبيين، مثلما هي اليوم متوفرة بعد سقوط أهم مراكز النفوذ في صنعاء، على أيدي "أنصار الله" والقوى الثورية الأخرى.

من هنا نفهم -وكل من يريد أن يفهم- أن بعض الأصوات المحسوبة على الاشتراكيين والناصريين والحراكيين، في الحملة التحريضية الواسعة ضد "أنصار الله"، أو رد فعل بعض المحسوبين على "أنصار الله" المعادية لهذه الكيانات بحدة، لا يعني بالضرورة أن هذه الأصوات، ومن كل الأطراف، تمثل بالفعل سياسة هذه الأطراف ومواقفها، بقدر ما تعبر -بهذه العدائية المفتعلة- عن خطة القوى التقليدية المشار إليها، للعودة إلى السلطة، وتعد مؤشرا إلى مدى نجاحها في إحداث اختراقات هنا أو هناك، في بعض مراكز القرار بين هذه الأطراف مجتمعة، وبفعل سياسة الترويع بالإرهاب تارة، وتشغيل أدوات الفساد والمال السياسي تارة أخرى... وإلا كيف نفهم أن أصوات اشتراكية وناصرية وحراكية بدت -منذ سقوط مقر الفرقة الأولى مدرع، وفرار الجنرال علي محسن الأحمر- أكثر عدائية من أصوات إصلاحية وسلفية تجاه "أنصار الله" الذين لم يقتلوا قادتهم، ولم ينكلوا بمشروعهم، ولم يفتوا بكفرهم، ولم يجوسوا خلال ديارهم حروبا وصراعات، بل جاؤوا على رافعة مظلوميتهم ومظلومية اليمنيين عموما!

ينبغي التأكيد أيضا بأن كثيراً ممن يشاركون في هذه الحملة التحريضية ضد "أنصار الله"، ليسوا جمعا يستهدفون بذلك خدمة القوى التقليدية، فضلا عن عودتها الى السلطة، بقدر ما قد يكون لهم وجهات نظر مستقلة تجاه "أنصار الله"، وبعض عناوين تحركاتهم، وهذا ما يجب على "أنصار الله" أن يبذلوا فيه جهودا كبيرة لتوضيح هذه العناوين، وتصحيحها إن أمكن، بعيدا عن المكابرة والاصطفاف بغباء في ذات الجبهة التي يخطط لهم فيها خصومهم.

كما أن الصحيح أيضا أن تلك الأصوات العدائية المفتعلة تجاه الأطراف المشار إليها، بعضها ضد بعض، قد لا يكون لها علاقة بتلك الاختراقات الموجودة في كيانات هذه الأطراف، بدرجة أو بأخرى، بقدر ما هي حالات توظيف فردي، ليس فقط لدى حيتان الفساد الأحمري المهزومة والموتورة، بل ولدى بعض الأجهزة الاستخبارية الداخلية والإقليمية التي لها مصلحة بالفعل في وصول اليمنيين الى حالة من حالات التمزق والصراعات المغلقة والدائرية التي لا نهاية لها ولا حدود، ومن ينظر الى الدور الذي تضطلع به قناتا "العربية" و"الجزيرة" وغيرهما بهذا الخصوص، لا يستبعد هذا أبدا.

والسؤال هو: هل تدرك القوى الوطنية صاحبة المصلحة في التغيير، وفي توفر فرصه الواسعة، ربما لأول مرة منذ عقود، أم أنها لا تجد نفسها معنية، وأنها لا تزال تمارس، بوعي وبدون وعي، السياسة اليومية المرتجلة، ولكن لتحقيق مشروع تمزيقي لا علاقة لها به إلا من كونه يستهدفها هي، ومعها يستهدف اليمن أيضا؟!

البديل هو الإرهاب!

كثير ممن ينخرطون اليوم في حملة التشويه الإعلامي والسياسي ضد "أنصار الله"، وإلى حد تحريض قوى الإرهاب القاعدي لقتالها، لا يدركون أن الفراغ الذي سيتركه "أنصار الله" في الشارع اليمني سياسيا وثوريا -إن حدث- وفي بعض المحافظات تحديدا، هي الجماعات الأصولية والإرهابية وأمراء الحروب، وليس أي طرف سياسي آخر، بما في ذلك الإصلاح نفسه.

وربما لا يعي هؤلاء أن "أنصار الله" لن يضعفهم هذا الخطاب من الناحية الطائفية، بل إنه يقويهم، ويجعلهم أكثر تماسكا، وأكثر تعصبا وتطرفا، وإن كان بالضرورة سيضعفهم وطنيا وسياسيا، وأية خسارة لهم هنا هي خسارة لليمن، وللهوية الوطنية الجامعة، وللعملية السياسية، وهي كذلك ضمور محتم ونهائي للأحزاب السياسية عموما، والأحزاب اليسارية والقومية، فضلا عن العلمانية خصوصا!

المزيد في هذا القسم:

  • تطور إرهابي .. انتحاري في الذاري! أقدم انتحاري على تفجير سيارته المفخخة بعد أن قادها إلى قرب مقر أنصار الله، عشية اليوم الأول من شهر رمضان المبارك في منطقة الذاري التابعة لمديرية الرضمه بمحافظة ... كتبــوا