فلسفة الصراع الدولي.. الحرب على سورية .. وفي سورية

 لا يختلف شخصان في تعريف و توصيف الحرب على سورية بأنها حربا ً كونية و صراعا ً دوليا ً بإمتياز...
و لا بد للمرء أن يطرح سؤاله هل هي حقا ً كذلك ؟ أم هي حرب أهلية و داخلية ؟ أم صراع على السلطة ؟ أم حربا ً وصراعا ً إقليميا ً و دوليا ً على سورية و في سورية ؟ خاصة ً بعد التدقيق فيSyria20166.4.4 ملفاتها و يومياتها و نتائجها المرحلية حتى الاّن .. و كيف سيكون عليه الحال في المستقبل القريب والبعيد مع كثرة التحاليل و التوقعات , وفي خضم الكم الهائل من التداعيات والتبعات على المستوى الداخلي في سورية والمنطقة والعالم , وسط تصريحات و مواقف اللاعبين الأساسيين و غير الأساسيين , ممن شاركوا فيها مع هذا الطرف أو ذاك , ولمن تأثروا بها سياسيا ً و إقتصاديا ً و إجتماعيا ً, و ممن طالهم الإرهاب قصدا ً وعمدا ً أو كانوا من ضحاياه .
 
و لا نعتقده طرحا ً متأخرا ً فالحرب لا تزال مستمرة , ولم تبح بكل أسرارها , و لم تتبلور بعد أيا ً من نتائجها و أقله لم يتمكن أي طرف ٍ من تحقيق كل أهدافه وغاياته , و نستطيع القول أن درجة التعقيد و الغموض تلف الزمان و المكان , و تبقى من الثوابت الواضحة و المعول بها حتى الاّن أن الإرهاب و الفوضى لا زالت تضرب في سورية و اليمن و العراق وليبيا و أغلب دول المنطقة , و تنعكس نتائجها المرحلية على كامل مساحة الكرة الأرضية .
 
يقول الفيلسوف الإنكليزي توماس هتوس : " إن الفوضى هي الحالة الطبيعية لحياة الإنسان , و أن المجتمع المنظّم هو مجتمع ٌ صناعي بطبيعته ".
 
ففي الحديث عن الصراعات الدولية الحديثة لا بد من معرفة أن الصراع لا ينحصر بين دولة ٍ وأخرى فقط ,أو بين عدة دول , إنما يمكنه أن يكون صراعا ً في مجتمع ٍ واحد وأن يتخذ شكلا ً محليا ً ظاهريا ً و مضمونا ً إرهابيا ً محلي المصدر أو مستوردا ً بطرق مختلفة و من أماكن مختلفة , أو أن يجمع بين الإثنين معا ً.
 
فقد يكون الصراع عاما ً وخاصا ً في نفس الوقت و تختلط فيه أدوات الصدام الإجتماعية المحلية , و تكتسب حلة ً خارجية في مسعى ً لتغيير أسس اللعبة الدولية و لعبة الصراعات المختلفة التي تنمو و تتزايد يوما ً بعد يوم في عالمنا .
 
فلو نظرنا إلى خارطة العالم فسنجد أن الصراعات تطال دولا ً عديدة , و أن هناك دولاً جديدة قد تظهر وأخرى قد تختفي ومصالح مختلفة تتصارع , وظهور جماعات عرقية و طائفية تطالب " بحقوقها " فجأة ً .. في بيئة ٍ عالمية متغيرة و في عالم ٍ يزداد فيه العنف و يتضاءل فيه منسوب السلام.. و يتأكد تقاعس أو ضعف و فشل العالم في قدرته على إنتاج الحلول في الماضي والحاضر و ربما المستقبل , فعلى سبيل المثال لم يستطع الروس و الأمريكان الحفاظ على علاقتهما كحلفاء منتصرين بعد الحرب العالمية الثانية , وانتقلا إلى حالة ٍ تكاد تكون أشبه بالتنافس القريب من العداء و بما يتخطى الخصومة .. كذلك الحلول التي أنتجها العالم لحل الصراع العربي – الإسرائيلي عموما ً و الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي تحديدا ً.
 
وعليه فقد تجد الدول نفسها مجبرة ً على تبديل أدواتها و تغيير مواقفها في مختلف أشكال الصراع, و قد يتحول أعداء اليوم إلى أصدقاء الغد و العكس صحيح.
 
وإذا ما حاولنا السير بين نظرية المؤامرة و رافضيها , نجد أن أعلب الصراعات تنشأ على المستوى العملي و ليس لرغبة و مصلحة البعض في الوقوف بوجه السلام في العالم و التسامح و الديمقراطية و احترام حقوق الإنسان , ولا يعود لغياب سياسات ٍ خارجية للبعض الاّخر لا تستطيع عبرها الدول ضبط التوازن العالمي سلميا ً هذا من جهة .. في الوقت الذي يتطلب التأكيد على وجود الإستثناءات لتشمل دولا ً و شعوبا ً تُعرف بطبيعة ٍ عداونية بحكم أهدافها و طريقة تفكيرها ( الولايات المتحدة الأمريكية و الكيان الإسرائيلي الغاصب و غيرهم ) , و بالتالي و كنتيجة ً لكلا الطرحين تقع الدول فريسة الفهم الخاطئ للآخرين و بعدم القدرة على تفهّم مصالحهم فتنشأ فكرة الإجبار و الفرض بالقوة السياسية أو العسكرية أو كليهما معا ً .
 
فعندما تغيب الحلول المنطقية و العقلانية في حل الصراعات الدولية , فقد تتدخل الشعوب نفسها و تقوم بردود أفعال ٍ قد تسبق حكوماتها في أغلب الأحيان , تلك التي تحاول أن تبحث عمن تلومه و تلقي المسؤولية عليه , و ينحصر تفكيرها في ضبط ردود الأفعال و تطمين الرأي العام الداخلي بشكل يفوق إهتمامها بفهم الأسباب و إنتاج الحلول المناسبة .
 
كما أن ما تعرضه وسائل الإعلام ( المغرضة أو الحيادية ) من مشاهد بؤس ٍ مؤلمة لأطفال من سورية و العراق و اليمن و غيرها , فبدون شك سوف تؤدي بالنتيجة لتحريك ردود الأفعال سلبا ً أم إيجابا ً , كذلك لتسليط الضوء على النتائج المرحلية للصراع كإنهيار الإتحاد السوفيتي و قرار الرئيس الأمريكي " بوش الأب " بشن الحرب على " القاعدة " بعد أحداث أيلول الشهيرة , وعرض مشاهد الدماء و الخراب و الخوف في فرنسا بعد أحداث شارلي إيبدو الإرهابية و مشاهد تفجيرات بلجيكا مؤخرا ً ... إلخ .. الأمر الذي يدفع لتبرير السياسات الخاطئة في الحل و اللجوء إلى القوة العسكرية .. دون الإكتراث بعدد الضحايا و المنكوبين و التكلفة الباهظة للحروب , وبما يحرف الأنظار عن الأسباب الحقيقية لما يجري , و تحميل الإرهاب مسؤولية ما يحدث , فيأتي طرح الحول الخاطئة حول ضرورة إنهاء الحرب في سورية و المنطقة عن طريق دعم الإرهابيين أنفسهم بثوبهم الشعبي المعارض المسلح , و تتحول الأنظار نحو هدف ٍ مزور غير حقيقي و تحميله نتيجة الفشل في إنتاج الحلول أو تحريفا ً مقصودا ً لها , فيعود التركيز على رحيل الرئيس السوري بشار الأسد , دون التدقيق في دوره الأساسي و الذي ظل وحيدا ً لخمس سنوات ٍ يواجه الإرهاب و يحاربه نيابة ً عن العالم أجمع و الإنسانية كلها .
 
إن القراءة المتأنية لملف الصراع العربي – الإسرائيلي تحتاج بالضرورة البحث و التعمق والعودة لبداية نشوء فكرة الوطن البديل و تاريخ نشوء الحركة و الفكر الصهيوني وصولا ً إلى مؤتمر بازل ووعد بلفور إلى يومنا هذا , و تحليلها و إنتاج الحلول المناسبة لها من خلال الثوابت العربية و القومية و الحق العربي و الفلسطيني بعيدا ً عن التسرع و التهور و اليأس و الإستسلام و بواقعية .
و لا بد لنا  الإهتمام بصانعي القرار أنفسهم و خلفياتهم و أهدافهم و خياراتهم المتاحة , و كذلك الإهتمام بمن حولهم و نوعية النصائح و الضغوط التي تردهم و تطبق عليهم .. فالحديث عن " عقيدة " أوباما يبدو مضحكا ً في هذا السياق إلا ّ إذا اعتبرنا أنه يعيش بمفرده في أمريكا .. فالأشياء تُحسب إذا ما أردنا حسابها.
 
كذلك ما تحاول بعض الدول تقديمه لشعوبها كبديل حقيقي لإنتاجها الحلول يتمثل – كما يحث اليوم – بتقديم إحصاءات رقمية جامدة لا تفسر ما حصل في التاريخ و في الحروب و الصراعات السابقة و الحالية , كتقديم إحصاءات عدد إرهابيي "داعش" في سورية و العراق و حصة و نسبة الدول الأوروبية في الإستحواذ على جنسياتهم , وكان الأجدر بهم تحليل و معالجة أسباب ظهور و انتشار الإرهاب في صفوف مواطنيهم , و العمل على وقف هذه المهزلة .
 
و لا بد لجملة الإهتمام ألاّ  تُغفل في بحثها الإعلاميين والإرهابيين أنفسهم , بهدف إيجاد طريقة التأثير عليهم و دراسة خلفياتهم وأسباب وأسرار حياتهم وخياراتهم المتاحة والمتوقعة منهم , ورصد كافة العناصر غير المحسوبة عادة ً كعوامل العناد والغطرسة و العنجهية و المرواغة والسمات الشخصية كالحقد والكراهية و دوافع الإنتقام الشخصي و لا نجد مثالا ً أوضح من حكام الخليج العربي بمختلف ممالكه و مشيخاته و دوله – إن جاز التعبير – و يدرك القاصي و الداني في عالمنا العربي أهمية هذه العوامل واعتمادها أسبابا ً رئيسية لقبول آل سعود و من لف لفهم التاّمر على سورية , و الدفع بكل قوتها و مالها و شبابها و مقدراتها لخدمة المشروع الصهيو- أمريكي ضد سورية .. و لمن يعترض على هذا الكلام نقول قالت العرب: و من الحب ما قتل.
 
و قد يسأل سائل كيف استطاعت الدولة السورية و الرئيس الأسد الصمود والبقاء بعد ست سنوات من الحرب الدولية – المركبة عليها و في أرضها ,  فلا بد لنا من معرفة أن القيادة الحكيمة أدركت منذ اللحظات الأولى حجم المعركة و نوعيتها و لجأ سيادة الرئيس لحساب مصلحة الدولة والشعب السوري بميزان التكلفة والعنفوان والشجاعة , وإتخذ قرار المواجهة ليقينه أن ثمن المواجهة أقل بكثير من ثمن الإستسلام , و مضت الدولة بقيادته نحو التعايش مع الصراع لحين الحل , فقد طرح الرئيس الأسد منذ اليوم الأول الحوار و تعديل وتغيير الدستور و المصالحات الوطنية و الشعبية و سلسلة ً واسعة من الطروحات التي تشكل حلا ً مناسبا ً لما يدعوه البعض " الأزمة السورية " , و انتظرت سورية إنصاف العالم ووعيه و و إدراكه خطر تفشي الإرهاب و إرتداده على صانعيه و نحو الكثير من الأبرياء حول العالم , واتجهت نحو محاربة الإرهاب و الإصلاح و محاربة الفساد و المصالحات , في الوقت الذي حرصت على استمرار حياة الدولة بكافة مؤسساتها , و إنطلقت نحو إعادة الإعمار الذاتي بأيادي السوريين , وضربت مثلا ً رائعا ً لكافة دول وشعوب العالم حول كيفية إدارة الصراع والتعايش معه والتقدم نحو النصر السياسي والعسكري , أو إنكفاء المشروع المهزوم برمته تلقائيا ً.
 
المهندس : ميشيل كلاغاصي

المزيد في هذا القسم:

  • السيرة الذاتية لـ " الأباليس" لايوجد في نظري مايسمى " استقرار " مادام إبليس موجود ، فيما يلي نموذج للسيرة الذاتية لأباليس الأنس.الاسم: إبليس الإنس • تاريخ الميلاد: فترة الصقيع ال... كتبــوا
  • توقفوا عن ضرب الخُرج   كتب: عبدالباسط الحبيشي    رغم كل الأحداث الجارية في العالم بين جائحة وهمية وفيروس وهمي وتلقيحات تحتوي على اسلحة بيولوجية لخفض عدد سكان الع... كتبــوا