لقاءات جنيف التشاورية.. بصيص أمل يلوح لليمن لتحقيق السلام

المرصاد نت - متابعات

وضعت القوى السياسية في صنعاء اللمسات الأخيرة على تشكيلة وفدها إلى مشاورات جنيف والذي سيكون ذا طابع حكومي ـــ حزبي جامع وسيضمّ وجوهاً جديدة لم يسبق لها أنGraift2018.9.5 شاركت في أي جولة من جولات التفاوض. وفي انتظار بدء المشاورات رسمياً غداً الخميس أرسلت صنعاء إشارات متتالية إلى أنها تضع الملفّ الاقتصادي على رأس أولوياتها، في ظل الآثار المأساوية التي خلّفها قرار نقل «المركزي» إلى عدن.

على بعد يوم وأحد من انطلاق الجولة الجديدة من مشاورات السلام اليمنية في جنيف تَكَثّفت الاتصالات السياسية في العاصمة صنعاء من أجل إقرار النسخة النهائية للوفد التفاوضي الذي سيتوجّه إلى المدينة السويسرية، في وقت واصل فيه المبعوث الأممي مارتن غريفيث الذي وصل السبت إلى الرياض آخر لقاءاته التمهيدية قبيل الجلوس إلى طاولة التفاوض. وعلى رغم إبداء الطرفين استعدادهما لحلحلة الملفات التي ستشكّل محاور المشاورات لا يزال تشاؤم يطغى على الأوساط المتابِعة لعملية إعادة إطلاق المحادثات خصوصاً في ظلّ استمرار التصعيد العسكري على أكثر من جبهة.

ودخلت المباحثات بين القوى السياسية في صنعاء أمس مراحلها الأخيرة مع تحديد صنعاء أسماء مُمثِّليها في الوفد التفاوضي الذي يضمّ 12 شخصاً مُوزَّعين مناصفةً على «أنصار الله» و«حزب المؤتمر الشعبي العام» الذي أقرّت لجنته العامة أول من أمس المشاركة في مفاوضات جنيف بعد تلقّي رئيس الحزب صادق أمين أبو راس دعوة من قِبَل المبعوث الأممي لحضور المفاوضات في خطوة أثارت امتعاض بقية الأجنحة «المؤتمرية» المُوزَّعة ما بين الرياض والقاهرة.

ووفقاً لمصادر مطّلعة من صنعاء فإن «أنصار الله» حرصت هذه المرة على تطعيم وفدها بوجوه حكومية وحزبية جديدة (من حكومة الإنقاذ والحلفاء) ترجمةً لما كان الناطق باسم الحركة محمد عبد السلام أعلنه من أن «الوفد الوطني» لن يكون حزبياً بل مُمثِلّاً لحكومة الإنقاذ والمجلس السياسي الأعلى بكل ما يضمّانه من مكونات.

وأعلن رئيس المجلس السياسيّ الأعلى مهدي المشاط تشكيل وفد صنعاء إلى مشاورات جنيف من 12 عضواً الوفد سيترأسه محمد عبدالسلام من أنصار الله وينوب عنه جلال الرويشان من المؤتمر الشعبيّ العام ويضمّ  خالد الديني وإبراهيم حجري ويحيى نوري من المؤتمر وعبد الملك العجري وسليم مغلس من أنصارالله وغالب مطلق وسقاف علوي من الحراك الجنوبي وحميد عاصم من التنظيم الناصري وعبدالملك الحجري وعبد المجيد حنش من الأحزاب المناهضة للتحالف السعودي.

  في المقابل أعلنت حكومة هادي أمس اكتمال استعداداتها للمشاركة في محادثات جنيف. وأعاد وزير الخارجية في حكومة هادي خالد اليماني خلال لقائه المبعوث الأممي في الرياض التذكير بما ستتمحور حوله المحادثات قائلاً إن «الحكومة ستتعامل بإيجابية مع كل الأفكار المتعلقة بإطلاق سراح المعتقلين والسجناء وآلية صرف رواتب موظفي القطاع العام».

ملفان يمثّلان كذلك أولوية لدى صنعاء التي أبدت تكراراً استعدادها لحلحلة مسألة أسرى الحرب مُتّهمةً «التحالف» ـــ لا سيما الإمارات ـــ بعرقلة أي عملية تبادل بين الأطراف المحليين ودعت مراراً إلى تحييد مؤسسة البنك المركزي عن الصراع. لكن هذه المرة أيضاً وعلى رغم «الإيجابية» الملحوظة في تصريحات مسؤولي الحكومة الموالية للرياض لا تبدي صنعاء تفاؤلاً خصوصاً في ما يتصل بالشقّ الاقتصادي إذ إن حكومة هادي تطالب بتحويل العائدات المالية والضريبية في المناطق الخاضعة لسيطرة سلطة صنعاء إلى البنك المركزي في عدن وهو ما لا يمكن سلطات صنعاء القبول به بالنظر إلى حجم الفساد المهول داخل حكومة هادي من جهة وحقيقة ما تؤكده التجربة من جهة أخرى من أن حلفاء الرياض وأبو ظبي نكثوا بوعدهم بتحييد رواتب موظفي الدولة من تبعات النزاع وحوّلوا لقمة عيش اليمنيين إلى أداة ضغط على صنعاء.

وما يضاعف من تلك المخاوف هو توارد معلومات عن أن حكومة هادي ستحاول خلال مشاورات جنيف استغلال التدهور المتواصل في سعر العملة اليمنية من أجل طلب قرض تمويلي من المؤسسات الدولية بقيمة 3 مليارات دولار.

هذا في ما يتصل بالملفات الإنسانية التي ستبحثها مشاورات جنيف أما على مستوى الملف الأمني ـــ السياسي الذي يُفترض أن تُمهّد له هذه المشاورات الأرضية فلا يبدو إلى الآن أن ثمة دفعاً دولياً حقيقياً ولا سيما من قِبَل الإدارة الأميركية في اتجاهه. صحيح أن آخر التصريحات تفيد بأن «الجميع يعمل كل ما باستطاعته لإقناع الأطراف (...) بالتخلي عن الاستراتيجية العسكرية والجلوس لإجراء محادثات سياسية» وفقاً لما نقلته أمس «فرانس برس» عن مصدر دبلوماسي إلا أنه من غير الواضح إن كانت السعودية والإمارات اللتان تمتلكان قرار الحرب والحصار، مشمولتَين بأولئك الأطراف.

كما أن الولايات المتحدة التي لا تفتأ تؤكد تشجيعها الجلوس إلى طاولة التفاوض لم يبدر منها حتى اليوم ما يؤشر إلى ضغوط جادة على حليفَيها من أجل وقف العدوان والإيعاز إلى القوى المحلية المقاتلة تحت لوائهما بتهدئة الجبهات توطئة للحوار السياسي.

وشهدت مدينة عدن جنوبيّ البلاد أمس إضراباً عاماً وتظاهرات غاضبة احتجاجاً على تدهور سعر صرف الريال اليمني وارتفاع الأسعار. وقَطَع عشرات المحتجين الشوارع الرئيسة في مديريات المعلا والشيخ عثمان والمنصورة وخور مكسر والشعب والبريقة مردِّدين شعارات مندِّدة بتردّي الأوضاع المعيشية في مناطقهم الخاضعة لسيطرة قوي تحالف العدوان.

وشهدت محافظات لحج والضالع وشبوة هي الأخرى احتجاجات مماثلة توازياً مع إغلاق المحالّ التجارية. وجاءت هذه التحركات بعدما هبط سعر العملة المحلية إلى مستوىً قياسي جديد مُسجِّلاً أكثر من 600 ريال للدولار الواحد. وعلى رغم تسبّبها في أضرار بالغة إلا أن الحكومة الموالية للرياض واصلت طباعة الأموال من دون غطاء نقدي في ظل عجزها عن التصرف بالوديعة السعودية في البنك المركزي.

في سياق آخر خرجت أمس الثلاثاء تظاهرات حاشدة في مدينتي سيئون والمكلا في حضرموت جنوب البلاد احتجاجاً على تدهور سعر صرف الريال اليمني وتزامت هذه الاحتجاجات في حضرموت مع حالة عصيان مدني وقطع الطرق الرئيسية بإطارات السيارات الحارقة والحجارة كما ردد المحتجون هتافات تطالب بإسقاط حكومة هادي.

وفي وقت سابق شهدت 6 محافظات يمنية هي تعز وعدن ولحج والضالع وأبين وحضرموت جنوب وشرق البلاد مظاهرات لنفس الأسباب حيث رُفع مطلب رحيل التحالف السعودي.

وعلّق الناطق باسم أنصار الله محمد عبد السلام أمس على ما يجري بالقول: «الاحتلال يشعل حرب العملة ويفاقم الأوضاع الاقتصادية على كل الشعب في ظل انتهازية مفرطة لدى أطراف داخلية ظنت أن الأجنبي الطامع عبارة عن جمعية خيرية فلم تحصل حتى على فتات دولة».

أبو ظبي ترحب بـ«جنيف 3»: لحلٍّ سياسي ينهي الحرب

وفي انتظار بدء مشاورات «جنيف 3» اليمنية غدٍ الخميس يبدو أن الإمارات باتت تطالب بـ«حلّ سياسي» تقوده الأمم المتحدة لإنهاء الحرب فيما دعت جميع الأطراف اليمنيين إلى المشاركة «بشكل بنّاء» في المفاوضات.

هذا ما عبّر عنه وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الذي كتب في تغريدة: «معاناة اليمن ستنتهي فقط من خلال عملية سياسية تقودها الأمم المتحدة» وفي وقت تتعامل فيه صنعاء بجدية مع الجولة التفاوضية المرتقبة على رغم عدم تفاؤلها بنتائجها غرّد قرقاش عبر حسابه على «تويتر» مشيراً إلى أنّ الإمارات وكجزء من «التحالف» الذي تقوده السعودية «ترحّب بمحادثات السلام التي ستبدأ في جنيف، الخميس» كما حثّ جميع الأطراف اليمنيين على المشاركة «بشكل بنّاء» في عملية الأمم المتحدة.

وفي تغريدة أخرى أثنى قرقاش على جهود المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث إذ قال إن «حماسة غريفيث وقيادته جعلتا من المحادثات شيئاً ممكناً». وعن دور «التحالف» أشار إلى أن «القوة العسكرية الشرعية التي يستخدمها الائتلاف كانت دائماً ما تريد دعم الحل السياسي وقرار مجلس الأمن الرقم 2216» كما رأى أن محادثات جنيف «بإمكانها تقريب النتيجة» في اليمن.

وتطلق الأمم المتحدة في جنيف غدٍ الخميس مشاورات جديدة بين الأطراف اليمنيين هي الأولى منذ آخر جولة مشاورات في آب/ أغسطس 2016 في الكويت في محاولة للتفاهم حول إطار لمفاوضات سلام تنهي الحرب. ونقلت «فرانس برس» عن «مسؤولين يمنيين» قولهم إنّ المحادثات ستكون «غير مباشرة» إلا أنها قد تتحوّل إلى مفاوضات مباشرة في حال حصول «تقدّم ما» وهو ما أكده أيضاً مصدر أممي تحدّثت إليه «الأناضول» مضيفاً إن المشاورات المقرّر إجراؤها ستتناول ثلاثة ملفات على مدار ثلاثة أيام.

وذكر أن جدول أعمال المشاورات «سيكون حول الأسرى والمعتقلين والمختطفين والمخفيين قسراً وفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين المتضررين من الحرب، بالإضافة إلى إعادة فتح مطار صنعاء» في حين تضع سلطات صنعاء الملفّ الاقتصادي على رأس أولوياتها في ظل الآثار المأسوية التي خلّفها قرار نقل «المركزي» إلى عدن.

المزيد في هذا القسم: