مستقبل صقور الشرعية.. هل سيرجحون كفة الأحداث في المشهد اليمني؟

المرصاد نت - هدن الغد

نتج عن الأحداث الأخيرة التي عاشتها البلاد خلال الستة الشهور الماضية استقطاباتٌ واستثناءاتٌ متباينة ضربت صلب المكونات السياسية والعسكرية في المشهد اليمني. كانت المواقف عقب Aden almisri2020.2.17تلك الأحداث حادة وجذرية ووصلت إلى مستوى التناقض في أكثر الكيانات تماسكاً - كما كانت تبدو على الأقل - وظهر ذلك جلياً في مواقف الرجالات والشخصيات السياسية وحتى العسكرية.

نقصد هنا ما حدث لجبهة حكومة هادي من تصدعٍ لم يخفَ على أحد وبدا واضحاً من تصريحات أبرز رموزها والتي كانت في واجهة المواجهات التي جرت في عدن خلال أغسطس الماضي، وتصدرت مشهد ومهمة الذود عن حياض السلطة في مواجهة خصومها.

فالنتائج التي أسفرت عنها أحداث عدن الماضية أفرزت مواقف عديدة في جبهة سلطة هادي وقسمتها إلى صنفين: "الحمائم والصقور" كان صوت الصقور فيها عالياً بينما خفتت أصوات الحمائم أو هكذا فضّلت. بادر الصقور إلى الكشف عن خفايا الأحداث ومسبباتها وخلفياتها وكيف آلت نتيجة المواجهات لصالح الانتقالي ومن يقف خلفها من داعمين ومساندين.

كانت نبرتهم عالية ونافح كلٌ من نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري ووزير النقل صالح الجبواني عن مواقف السلطة وتعرضها للالتفاف وناشدوا السعودية للوقوف إلى جانب حكومة هادي وتصدروا لمهمة كشف ما تعرضت له خلال الأحداث. وتسببت هذه المواقف القوية التي تبناها هؤلاء الرجال بتصنيفهم في خانة الصقور الموالين لسلطة هادي والمتحدثين بلسانها ضد خصومها بحسب رأي الموالين لهم.

غير أن تلك المواقف لم تعجب الكثير من القوى المناهضة لسلطة هادي واعتبروا أن أولئك الصقور يحاولون السيطرة علىها من خلال تصريحاتهم الموالية كما أن بعض الجهات اتهمتهم بالارتزاق للاعبين دوليين آخرين يسعون للعب دورٍ في الأزمة اليمنية. ومهما كانت مواقف الصقور جدلية إلا أن أحدًا لن يستطيع أن ينفي مقدرتهم على ترجيح كفة المشهد اليمني لصالح من يقفون إلى جانبهم كما أن أحدًا لن يقدر التقليل من تأثيراتهم على تطورات الأمور والأوضاع في البلاد.

دفع الميسري والجبواني ثمن مواقفهم وظلوا خارج البلاد منذ أحداث أغسطس الماضي رغم عودتهم المتقطعة إلى الداخل اليمني حتى أنهم تعرضوا للهجوم من قبل "حمائم" السلطة؛ تحت مبرر تشويه علاقة هذه الأخيرة بالتحالف السعودي. وتفاقمت تلك الهجمات خلال الفترة الأخيرة حتى بلغت حد خروج مصدر حكومي للحديث عن قطع أية علاقة بين حكومة هادي وأنشطة عدد من وزرائها ممن يطوفون مدن وعواصم عربية وإقليمية بالرغم من علاقة تلك الأنشطة بمهام وزارات كلٍ من أولئك الصقور.

ورغم تلك الهجمات مضى الصقور يتبنون مواقف حكومة هادي في كل فرصة تُسنح لهم ويتحدثون باسم الحكومة ويعقدون اللقاءات ويصدرون القرارات الخاصة بوزاراتهم في إشارةٍ منهم إلى أن مستمرون في عملهم باعتبارهم جزءًا من حكومة هادي. مواقف الميسري والجبواني لم تكن هي الوحيدة المتمسكة بأحقية أن تكون السلطة ندًا يُعتدُّ بها في علاقتها مع غيرها من المكونات المحلية والإقليمية ..

بل كان هناك "صقورٌ" ينهجون ذات النهج وينافحون عن حكومتهم وبرزوا كرجال دولة يمكن أن تُعوّل عليهم سلطة هادي من هؤلاء كان رئيس الوزراء السابق الدكتور أحمد عبيد بن دغر الذي دفع ثمن مواقفه الرافضة لتدخلات اللاعبين الإقليميين وأدواتهم المحلية وكانت النتيجة خروجه من رئاسة الحكومة وإحالته للتحقيق؛ قبل أن يعود إلى عباءة السلطة كمستشار لهادي حيث واجه بن دغر الكثير من التمردات المسلحة وحافظ على هيبة سلطة هادي ونديتها مع الآخر "التحالف" ومكث في منصب رئاسة الوزراء يعيد تأسيس كيان الدولة.

ولا ننسى هنا أيضاً الإشارة إلى صقر آخر من صقور سلطة هادي في الداخل وهو محافظ محافظة حضرموت وقائد المنطقة العسكرية الثانية اللواء فرج البحسني الذي وإن كان بعيداً عن بؤر الصراعات التي غرقت فيها مناطق يمنية عديدة إلا أنه أثبت موالاته لسلطة هادي رغم الإغراءات، كما أثبت حرصه على مصلحة ووحدة الحضارم على العكس تماماً من بعض القيادات الجنوبية.

حتى أن خلافاته مع الحكومة لا يمكن اعتبارها سوى سعيٌ لحصول أبناء حضرموت على حقوقهم من التنمية والخدمات وليس لأسباب ضيقة أخرى وكون البحسني قائدًا للمنطقة العسكرية الرابعة فهو قد حافظ على محافظته من الإنزلاق نحو الصراعات وجعل من مدينة سيئون ملاذًا لفعاليات حكومة هادي ورمزًا للدولة.

وفي وسط اليمن وقف محافظ شبوة محمد بن عديو في سبتمبر الماضي ليعيد إلى سلطة هادي بعضاً من هيبتها ويحافظ على ماء وجهها عند تصديه لتمدد قوات المجلس الانتقالي الجنوبي كما أن كان قبل ذلك منخرطاً في مهام التنمية والإعمار والتي بفضلها رُشحت شبوة لتكون مقرًا بديلاً لعاصمة البلاد بعد خروج حكومة هادي من عدن.

وعلى أطراف خليج عدن وتخوم المحيط الهندي تقبع جزيرة سقطرى التي تحوي على أحد رموز سلطة هادي وصقورها، محافظ الأرخبيل رمزي محروس، الذي وقف في وجه محاولات جر الجزيرة القصية والبعيدة إلى الصراعات بل أن محروس استطاع تثبيت وجود حكومة هادي متفوقاً على محافظي العديد من المحافظات الجنوبية الأخرى.

كل هؤلاء "الصقور" برزوا دفعةً واحدة في ظل الصراعات والنزاعات التي تعصف بالبلاد وسعوا إلى الحفاظ عن وجه السلطة "القوي" حتى وإن تسببت مواقفهم في ظهور جبهة سلطة هادي بمظهر التصدع والإنشقاق إلا أن مواقفهم يمكن البناء عليها لإعادة دور السلطة وصياغة علاقة جديدة مع الآخر عنوانها الندية الإيجابية والاحترام المتبادل.

ينتظر التحالف السعودي في اليمن الكثير من الاستحقاقات لتطبيع الأوضاع وإعادة الأمور إلى نصابها؛ خاصةً في عدن وما جاورها من محافظات الجنوب. ومن أجل تحقيق الاستقرار الغائب عن عدن منذ نصف عام تقريباً؛ على التحالف تقوية موقف الحكومة باعتبارها الند الحقيقي والمقابل الطبيعي للجهات والمكونات التي بدأت في خلق مشكلات ونزاعات مؤخراً مع التحالف السعودي.

كما أن هناك جزئيات وتفاصيل مهمة يجب على التحالف عدم إغفالها تتمثل في أن التحالف بحاجة إلى تنفيذ اتفاق الرياض الذي يعتبره كثيرون بأنه بدايةٌ للحل النهائي في عدن وكشفت السعودية عن ملامحه قبل أيام من خلال حديث وزير الدولة للشئون الخارجية عادل الجبير والذي وصف ذلك الحل "بالسلمي".

وفي رأي العديد من المحللين فإن على الرياض الكثير من الإجراءات لتحقيق ذلك التوازن بل وحتى ترجيح كفته لصالحها ولصالح معسكرها. ومن تلك الإجراءات ضرورة التمسك بالرجال الأقوياء، حتى وإن تسببوا بإحداث بعض المشكلات أو إثارة الخلافات لكن تلك الخلافات لا تعدو عن كونها اختلافات بالرؤى - ربما - أو إشكالياتٌ في تقديم وتأخير الأولويات والهوامش.

وليست التسوية النهائية المرتقبة التي تنبأ بها كثيرون وعلى رأسهم المبعوث الأممي هي وحدها من تفرض على التحالف مثل هذه الإجراءات بل ثمة وضعٌ بحاجةٍ إلى تدخل لا يقل أهمية عن سابقه هو الوضع الجاري حالياً في المحافظات الجنوبية. فمحاولات التحالف تطبيع الأوضاع في عدن وما جاورها، بعد محاولات بعض القوى المسيطرة هناك على رفض عودة القوات الحكومية يتطلب تقوية عود سلطة هادي من خلال عودة صقورها؛ لمواجهة جموح المجلس الانتقالي الجنوبي وفرض تنفيذ اتفاق الرياض.

بإمكان التحالف السعودي العمل على تلك الإجراءات إذا ما أراد تسهيل مهمته في عدن تحديداً وفي اليمن عموماً. فالعلاقة بين التحالف وصقور السلطة لم تصل بعد إلى مرحلة اللاعودة فما يجري في محافظات الجنوب تجعل مناصري سلطة هادي يعولون كثيراً على الدور السعودي هناك خاصةً في ظل علاقة تبدو غير مستقرة بين التحالف وقيادات الانتقالي باحت بها الأحداث الأخيرة.

وبالإضافة إلى ذلك فإن صقور السلطة أبقوا "الباب مواربا" ولم تصل الاختلافات إلى مرحلة الفجور بعد وهو ما قد يحفز الرياض على ترميم علاقتها بصقور سلطة هادي؛ وفي الواقع فإن ترميم العلاقة ليس بالأمر الصعب في ظل احتضان الرياض لكامل سلطة هادي في أعقاب تداعيات مواجهات أغسطس الماضي بل أن عددٌ منهم دعا السعودية للتدخل وإعادة الحكومة إلى عدن وهي ما يبدو أنها "شعرة معاوية" التي يجب أن يتمسك بها الطرفان.

وفي حقيقة الأمر فإن ليس هناك ما يمنع من المبادرة نحو هذه الخطوة من قبل التحالف وإصلاح العلاقة مع الرجال الأقوياء في حكومة هادي خاصةً وأن القيام بهذا العمل سيخدم التحالف كثيرًا وسيقوي موقفه في عدن. مثل هذه المطالب تبدو وكأنها مُلِحة في ظل العديد من الاستقطابات الإقليمية التي تسعى من خلالها عددٌ من القوى إلى الدخول على خط الأزمة اليمنية واللعب فيها دوراً مؤثراً.

ويرى متابعون أن إطالة أمد الأزمة والحرب على اليمن ليس في مصلحة التحالف السعودي فكلما طالت فترة اللاستقرار تهافت المزيد من الراغبين في التدخل بالشأن اليمني وتدويل الأزمة وحرفها عن أهدافها ومسارها. ولهذا يرى كثير من المحللين أن صقور سلطة هادي قد تعرضوا ويتعرضون لمحاولات استقطاب من قبل عدد من الدول الإقليمية التي تسعى إلى جذب الشخصيات العسكرية والسياسية المؤثرة في الداخل اليمني.

ويأتي على رأس تلك القوى والدول الإقليمية: قطر وسلطنة عُمان، حيث تركز الأولى على استخدام تصريحات صقور السلطة عبر سلاحها الإعلامي لانتقاد التحالف فيما استقبلت عُمان بالفعل عددًا من الصقور في مسقط عبر عدة لقاءات واجتماعات مع مسئولين وسياسيين يمنيين في المهجر. ومن هنا تبرز المخاوف من استقطاب الدوحة ومسقط للقيادات القوية في سلطة هادي والبناء على هذه الاستقطابات للتدخل والتأثير في الوضع اليمني وهو ما يجعل من مهمة ترميم التحالف السعودي للعلاقة مع أقوياء سلطة هادي أمرًا ملحاً وضرورياً لقطع الطريق أمام الحالمين باستقطابهم.

وبغض النظر عن الاتهامات الموجهة لتلك الشخصيات السياسية اليمنية بأنها تعمل لصالح عُمان أو قطر فإن تلك الاتهامات لا تعدو عن كونها اجتهادات من البعض؛ بناءً على الإعلامي أو السياسي الذي قد تلجأ إليه تلك القيادات لإبداء آرائها ونقل تصريحاتها. بل أن البعض يؤكد أن صقور السلطة يلجأون إلى مثل هذه الأساليب للفت انتباه التحالف وتحذيرهم من أن جفاءهم هذا قد يعود عليهم بنتائج سلبية تضر مساعي التحالف وتهدد كيان الحكومة في عدن.

يعتقد مراقبون أن حكومة هادي سواءً برجالاتها الأقوياء من "الصقور" أو برجالاتها المعتدلين من "الحمائم" بحاجةٍ إلى توحيد صفوفها أولاً قبل دعوة التحالف إلى تبني صقور السلطة في معاركه وأن حكومة هادي - وأي مكون سياسي أو عسكري آخر - لا يمكن أن تنتصر دون أن تحتفظ بصقورها ورجالها الأقوياء ممن تبنوا مواقفها ونافحوا عنها وروجوا لسياستها وثوابتها طيلة فترة الحرب .

ولهذا يدعو المرقبون إلى توحيد بيت السلطة والكف عن الردود التي تتناقلها وسائل الإعلام مؤخراً بين الحمائم والصقور والتي لن تؤدي إلا إلى خسارة الجبهة الموحدة الداخلية في مواجهة كافة الخصوم محلياً وإقليمياً. فالأزمة الأخيرة في عدن والمحافظات الجنوبية كانت فيها لهجة الصقور عالية ونبرتها أقوى وأوضح من دونها كما أن هذه الأزمة كشفت كم تحتاج السلطة - وأي مكون سياسي - إلى رجالٍ أقوياء يتبنون سياستها ومشروعها ويتحدثون باسمها.

فالحفاظ على مسار التنمية والبناء والاستمرار على هذا النهج في ظل الظروف الصعبة التي تنر بها البلاد كفيل بمنح هذه الأسماء صفة الصقور ونعتهم بنعت الرجال الأقوياء.

 

المزيد في هذا القسم: