"الحُديدة" تجوع... قلب اليمن الاقتصادي يتوقف عن النبض!

المرصاد نت - متابعات

لم يكن ينقص مدينة الحديدة الساحلية، غرب البلاد، سوى استمرار الاشتباكات بعد قصف هستيري وحرب طاحنة كانت قد شهدتها مناطق الساحل الغربي لليمن وقتلتها ببطء مع تلاشي الحياة Alhoudida2020.2.17وغياب الخدمات وتهجير رؤوس الأموال الوطنية منها. وتوقفت الأعمال في المدينة التي كانت مركزاً اقتصادياً أساسياً في اليمن وسط انتشار سوء التغذية بين المواطنين وتوقف الحركة الملاحية في أحد أهم موانئ البلاد في الاستيراد والتصدير. يضاف إلى هذه الأزمات انعدام الدخل لدى غالبية السكان وتأثر أهم مورد اقتصادي تعتمد عليه نسبة كبيرة منهم والمتمثل بنشاط الصيد البحري نتيجة القصف الذي نال من الكثير من الصيادين واستهدف لقمة عيش الآلاف منهم.

وتعتبر الحديدة مركزاً أساسياً لصيد السمك وتصديره وكانت صادرات اليمن من السمك قبل العدوان العسكري والحرب على اليمن تحتل المرتبة الثانية بعد صادراتها النفطية حيث تصدر اليمن الأسماك إلى 50 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية منها 12 دولة عربية، بنسبة 58% من الصادرات.

 ووقعت حكومة هادي وحكومة صنعاء في نهاية العام 2018 اتفاقاً برعاية الأمم المتحدة يقضي بوقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الموانئ ومدينة الحُديدة خلال 21 يوماً من بدء وقف إطلاق النار إلا أن هذا الاتفاق يتعرض إلى خروقات وأستمرار القصف الجوي الهستيري لطيران التحالف على الرغم من نشر الأمم المتحدة خمس نقاط مراقبة لوقف إطلاق النار في الحديدة.

ويلوح البؤس من كل زقاق في مدينة الحديدة في شمال غرب البلاد خصوصاً مناطقها الريفية مثل الدريهمي المحاصرة منذ عام وباجل وغيرهما والتي يعاني أهلها من شظف العيش وتعصف بها أزمة إنسانية طاحنة إلى حد أن الأمم المتحدة صنفتها أخيراً "منطقة منكوبة".

ويُعد ميناء الحديدة مركزاً أساسياً لاستقبال المساعدات الإغاثية القادمة من أنحاء العالم كما كان يعد نبض الاقتصاد اليمني كونه ثاني أكبر الموانئ التجارية في اليمن الذي تتركز فيه عمليات الاستيراد والتصدير. ويعد ميناء الحديدة من مراكز التجارة التاريخية على الساحل اليمني نظراً لقربه من الخطوط الملاحية العالمية. إلا أنه بعد تدخل العدوان العسكري ضد اليمن أصبح مسرحاً للمعارك.

وتعاني بعض أحياء هذه المدينة الساحلية وضعاً مأسوياً للغاية وتكتظ العديد من المستشفيات والمرافق الصحية بالأطفال المصابين بسوء التغذية القادمين من المديريات والمناطق النائية إضافة إلى زيادة المعاناة المعيشية بسبب انعدام الدخل وارتفاع الأسعار وعدم قدرة السكان على توفير احتياجاتهم الغذائية والاستهلاكية. وتعتمد نسبة كبيرة من السكان على ما يصلها من المساعدات الإغاثية رغم قلّتها كما يؤكد المواطن جابر الأشعري الذي يعيش في مدينة الحديدة بعدما استطاع الهروب من منطقة الدريهمي المحاصرة والمنكوبة بأزمة إنسانية شديدة منذ أكثر من عام.

ويشرح الأشعري أنه على جميع الأطراف والأمم المتحدة والمجتمع الدولي النظر بجدية إلى معاناة الناس في جميع مناطق الحديدة التي تحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ لإغاثة الناس بدلاً من المسكنات التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

من جانبه يشرح كمال الفقيه وهو من سكان الحديدة معاناة المواطنين من صعوبة الحصول على الاحتياجات الغذائية اليومية وانعدام الدخل وانتشار الجوع وذلك مع وجود موجة نزوح متواصلة من مناطق الساحل الغربي إلى المناطق المستقرة نسبياً في اليمن منذ اشتداد المعارك قبل أكثر من عام إلى اليوم.

ويرى الفقيه في حديث ضرورة العمل على تخفيف معاناة الناس ومساعدتهم في العودة لممارسة حياتهم بصورة طبيعية وإعادة الحياة لمدينة الحديدة من خلال فتح الطرقات ورفع الأضرار التي لحقت بها. إذ تواجه المدينة وريفها دماراً واسعاً بسبب الحرب الشرسة التي دارت فيها إضافة للقصف الجوي لطيران التحالف ونتج عن ذلك شلل تام في كافة نواحي الحياة وسط مشاهد الطرقات المقطوعة والممتلكات المدمرة في حين لا يزال التوتر يسود حتى اليوم نتيجة تقطيع أوصال المناطق في نزاعات بين طرفي الحرب في البلاد، الحكومة اليمنية والحوثيين.

 وتقول أم عادل (33 سنة) إنها تعيش وأسرتها أوضاعاً معيشية مزرية بعدما عملت جاهده على بيع بعض الممتلكات لنقل ابنها من منطقة باجل، شمال المحافظة إلى المستشفى بمدينة الحديدة للحصول على علاج من سوء التغذية. وتضيف "ابني يفقد وزنه كل يوم بسبب نقص الغذاء" الذي تعاني منه هي أيضاً نتيجة للأوضاع المعيشية الصعبة.

ويواجه اليمن اليوم أزمات مركبة على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ومنها أزمة الخدمات الاجتماعية الأساسية في الصحة والمياه والتعليم وانهيار الأمن الغذائي. ومن دون حشد المزيد من الدعم فإن ملايين اليمنيين خصوصاً في المناطق المنكوبة مثل الحديدة سيعانون من الجوع حسب محمد الفلاحي المسؤول في مجموعة شركاء التغذية (منظمة محلية متخصصة بالمساعدات الإغاثية).

ويقول الفلاحي  إن "الجوع وباء قاتل ينتشر في الحديدة ومختلف مناطق الساحل الغربي لليمن وهناك صعوبة في تغطية احتياجات جميع المناطق بالمساعدات الإغاثية. إضافة إلى سوء التغذية الذي يعتبر أخطر مشكلة يواجهها اليمن وليس فقط الحديدة بالفترة الراهنة وهناك صعوبة بالغة في التعامل معها من قبل المؤسسات والجهات الرسمية والمنظمات الدولية".

وتنتشر في الحديدة ومختلف مناطق الساحل الغربي لليمن جيوب انعدام أمن غذائي حاد وسوء تغذية ومجاعة وآثار كارثية أحدثتها الحرب والعدوان والحصار الإنساني في هذه المناطق.

ويعود ذلك حسب خبراء وتقارير اقتصادية إلى عدة أسباب منها توقف إعانات صندوق الرعاية الاجتماعية منذ بداية العدوان على اليمن في عام 2015م وتعطل مصدر الدخل الرئيسي لسكان المديريات الساحلية المعتمدين على صيد السمك، فضلاً عن نفاد المدخرات وانتشار الفقر.

 وحسب مسؤول محلي في محافظة الحديدة فقد ألحقت الحرب والعدوان على اليمن وخصوصاً القصف الجوي أضرارا بالغة في لقمة عيش الناس في الحديدة وتوقفت موارد الدخل لغالبية سكان المدينة ومناطقها الريفية.

وفي سياق متصل شهدت السنوات الاخيرة ارتفاعا في معدلات وفيات الأطفال دون الخامسة لاسيما المواليد الجدد والرضع في اليمن نتيجة تدني مستوى الخدمات الصحية بسبب العدوان والحصار وقالت وزارة الصحة بصنعاء أن ما يقارب من 50 ألف مولود دون 28 يوما يتوفون في العام الواحد نتيجة انعدام الخدمات وقلة الحضانات احصائية حديثة صادرة عن وزارة الصحة اليمنية تبين الحالة السيئة التي وصل اليها القطاع الصحي جراء تداعيات العدوان والحصار.

مستشفى السبعين في العاصمة صنعاء وهو احد المستشفيات المعنية بالامومة والطفولة يعاني من عجز وعدم قدرة على استقبال الحالات المتزايدة من المواليد التي تحتاج الى رقود ورعاية بسبب نقص الاسرة والحضانات. أغلبية الحضانات هنا غير مكتملة او مجهزة بشكل كامل من توابع ومستلزمات طبية، فيما خرجت اغلبها عن نطاق الخدمة نتيجة انتهاء عمرها الافتراضي وافتقارها للصيانة الامر الذي يجعل المواليد عرضة للوفاة.

ويطالب المسؤولون الصحيون بتوفير ألف حضانة لإنقاذ حياة الأطفال او تخفيف معاناتهم في ظل عدم قدرة اهاليهم على تحمل تكاليف علاجهم في المستشفيات الخاصة بسبب الاوضاع المعيشية.

وادى استمرار تدهور المنظومة الصحية في البلد منذ خمسة اعوام الى ارتفاع في معدلات وفيات الأطفال خصوصا في المناطق الريفية التي تعاني من فقر وانتشار الامراض وسبق لمنظمة اليونيسيف ان كشفت في وقت سابق عن وفاة ام وستة مواليد كل ساعتين بسبب نقص الخدمات الصحية.

 

المزيد في هذا القسم: