هل غيرت روسيا استراتيجيتها بالكامل في سوريا بعد تسليمها أس 300؟

المرصاد نت - متابعات

S300syria roussia2018.9.27

فهل يمكن القول إن روسيا غيّرت إستراتيجيتها في الشرق الاوسط بشكل كامل أو بشكل جزئي أو أنها تناور وتعمل على إخراج معين فتأخذ من اسقاط طائرتها ثغرة تدخل منها لتغيير عناصر الصراع في سوريا لمصلحة استراتيجيتها البعيدة كما فعلت مع تركيا بعد اسقاطها السوخوي 23 الروسية فسحبت حينها أنقرة بشكل جزئي من حضن الاميركيين وأدخلتها في مناورتها التي تراها الأنسب لحل الازمة السورية ولتحقيق مصالحها الاستراتيجية بشكل عام؟

– لا يمكن القول ان الاجراءآت الميدانية والعسكرية الفنية التي خلقتها مؤخراً روسيا في سوريا، تصب في خانة التغيير الاستراتيجي الكامل كما أن هذه الاستراتيجية الروسية المبنية أولا على علاقة حميمة مع الكيان الاسرائيلي إن لم نقل غير عدائية بتاتاً لا يمكن أن تتبدل بالكامل نتيجة تسبب الاسرائيليين باسقاط طائرتها واستشهاد 15 عنصراً روسياً بين طيارين وفنيين وخبراء في التنصت لان أسس هذه العلاقة التاريخية هي حتماً أبعد من خطأ طيارين اسرائيليين ناتج عن قصد أو عن اهمال.

– ايضا لا يمكن أن تكون روسيا وبشكل دراماتيكي قد تخلت عن استراتيجيتها لناحية قرارها الثابت للفصل بين دعمها للدولة السورية في الحرب ضد الارهاب وبين حياديتها في صراع سوريا وايران وحزب الله ضد العدو الاسرائيلي لذلك وفي حال تخلت عن هذه الاستراتيجية سوف يظهر ذلك عسكريا من خلال التزامها بالكامل بتقديم كافة عناصر النجاح الفنية والتقنية لمنظومة اس 300 بمواجهة القاذفات العدوة الاسرائيلية او الاميركية حتى والذي سينتج عنه حكما وبطريقة غير مباشرة حماية للوجود أو للنفوذ الايراني في سوريا، ولقدرات حزب الله التي ستتعاظم نتيجة ذلك.

– هل تسعى اذن روسيا للعمل بشكل جزئي، من خلال تفعيل اجراءات الحماية لقواتها وفي نفس الوقت للوحدات وللمنشآت السورية المنتشرة في الشمال وعلى الساحل فقط، من دون الذهاب أكثر نحو تأمين الحماية في الوسط تلافيا لحماية النفوذ الايراني ووجود حزب الله منعا للانخراط كطرف في مواجهة هؤلاء مع العدو الاسرائيلي والذي يمكن ايضا تظهيره (العمل الجزئي) عسكريا وفنيا من خلال إطلاق منظومة التشويش الكهرومغناطيسي على الساحل السوري فقط ؟؟

قد يكون هذا التغيير الجزئي للاستراتيجية الروسية في سوريا واردا خاصة انه يحمل في نفس الوقت رسالة حاسمة للعدو الاسرائيلي لاجباره من الان وصاعدا على التقيد الدقيق ببنود اتفاق منع التصادم وحماية الطائرات الروسية في الاجواء السورية والابتعاد عن استهداف المواقع السورية في الشمال ويحمل ايضاً رسالة تعبيرعن التزام الحياد في صراع محور المقاومة ضد العدو الاسرائيلي تاركا المجال مفتوحا في هذه الاستراتيجية لامكانية التواصل الدائم مع الطرفين والموازنة في علاقته مع كل منهما تحقيقاً لمصالحه الاستراتيجية في الشرق وعلى المياه الدافئة بمواجهة الناتو والاميركيين.

وهل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك لناحية وضع تصور معين لمناورة روسية، تقوم على الانطلاق من حادثة اسقاط طائرتها والذهاب للضغط على كل من الاسرائيليين لإيقاف استهدافاتهم للداخل السوري بشكل كامل خوفا من فعالية منظومة الـ أس 300 والمترافقة مع اجراءات التشويش الالكتروني وللضغط من جهة أخرى على سوريا وعلى الايرانيين وحزب الله، لإيقاف ادخال القدرات النوعية والاستراتيجية الى سوريا والتي كانت هدفا اساسيا للغارات الاسرائيلية خاصة وان الروس ممكن ان يعتمدوا في تلك المناورة على كلام امين عام حزب الله بان أمر الحصول على القدرات الاستراتيجية لردع العدو الاسرائيلي قد إكتمل وأنجز.. وبطريقة ضمنية كأنه يقول: ” لا ضرورة حاليا لادخال قدرات أخرى”؟

منظومة S-300.. الرعب الإسرائيلي من الاختيار الروسي القاتل

أذاً .. تقترب نهاية الماراتون بين المنافسين الإقليميين والدوليين في الأزمة السورية، والذي امتد لسنوات، وانتصرت الحكومة المركزية وحلفاؤها فعلياً في المعركة ضد الإرهاب والخطط الغربية والعربية لتغيير الخريطة الجيوسياسية للمنطقة والمنهزمون يهرولون للحصول على حصة صغيرة من تحديد المعادلات المستقبلية بعد إنفاق الكثير من الأموال وفرض المزيد من التكاليف المالية والبشرية على الشعب السوري وفي هذه الأثناء فإن أحد الفاعلين المهزومين الذي وسع من إجراءاته العدوانية هو الكيان الإسرائيلي حيث دخل بالفعل مرحلة إعلان الحرب على سوريا من خلال هجماته العدوانية على هذا البلد ومساعدة الإرهابيين من خلال إنقاذهم من الهاوية.

على مدار العام الماضي ولا سيما مع تضييق حلقة الحصار على الجماعات الإرهابية المنتشرة جنوب سوريا والمتاخمة للحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة شهدت سماء سوريا عدة مرات نيران دفاعاتها الجوية لصد الهجمات الصاروخية الإسرائيلية ومع ذلك فإن ما شغل أذهان المحللين والمراقبين للتطورات السورية بعد هذه الهجمات هو انتظار معرفة نهاية صمت موسكو بوصفها واحدة من القوى الرئيسية الداعمة لدمشق حيال الهجمات الإسرائيلية، وكانت روسيا قد توعدت من قبل بنشر منظومة S300 و S400 الجديدة في مدن طرطوس ودمشق واللاذقية في عام 2016، لزيادة خطر الهجمات الغربية بقيادة أمريكا ولكنها لم تنفّذ تهديداتها حتى الآن مع ذلك فإن إسقاط الطائرة الروسية "إليوشن"20  في 17 من سبتمبر في اللاذقية بعد اعتداء الطائرات الإسرائيلية المقاتلة على سوريا وتبادل إطلاق النار بينها وبين الدفاع الجوي السوري، يمكن أن يتحول إلى بوابة لتغيير معادلات اللعبة بين موسكو وتل أبيب في سوريا والانتقال إلى مرحلة قطع التعاون وتأكيداً على هذه القضية، حمّل المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية "إسرائيل" المسؤولية عن سقوط الطائرة العسكرية الروسية، معتبراً هذه الخطوة انتهاكاً لاتفاق 2015 بين موسكو وتل أبيب، وفي 21 سبتمبر 2015، وبعد زيارة نتنياهو لموسكو والاجتماع مع بوتين، أعلن عن اتفاق بين الجانبين لتنسيق العمليات في سوريا لمنع المواجهة العسكرية ومع ذلك فإن هذا الاتفاق قد اهتزّ جداً في الأشهر القليلة الماضية والسبب في ذلك هو تصعيد العدوان الإسرائيلي على سوريا ما جعل موسكو تدرك أن هذه الاعتداءات تهدد مصالحها في هذا البلد.

على الرغم من أن الروس كانوا دائماً يدينون في مواقفهم السياسية أي عدوان على سوريا من قبل أي طرف كان وحتى أنهم يمزجون في بعض الأحيان هذه المواقف بنكهة التهديد بعد الهجمات الصاروخية الإسرائيلية على مواقع الجيش السوري ولكن نهج موسكو حيال هذه الهجمات بشكل عام اعتمد سياسة الصبر والانتظار وهي السياسة التي أثارت من جهة خيبة أمل دمشق من عدم دخول موسكو الجاد والحاسم في هذه القضية، ومن جهة أخرى كان يمكن أن يكون لها تأثير غير مرغوب فيه تجاه تعاون موسكو- طهران المتزايد، للتحوُّل إلى تحالف استراتيجي أمام سياسات التدخل الغربي لتغيير الإحداثيات الأمنية والسياسية للنظام الإقليمي لغرب آسيا بحيث إن بقاء الهجمات الإسرائيلية من دون رد قد أثار موجةً ضخمةً من الدعاية الغربية والعربية حول إضعاف التعاون بين موسكو وطهران في الساحة السورية، هذا على الرغم من أن هذه الدعاية ليست مبنيةً بأي حال من الأحوال على قراءة مناسبة للتطورات في سوريا والمنطقة إذ إنه بعد الهجوم الصاروخي الإسرائيلي على قاعدة تيفور في أبريل 2018 احتج الروس بشدة على التصرفات الإسرائيلية الأمر الذي أدى إلى توتر دبلوماسي بين الجانبين، بحيث اضطر وزير الحرب الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان للقول في مؤتمر صحافي: "إن تل أبيب لا تقبل أبداً بأن تضع روسيا حدوداً لأنشطة إسرائيل في سوريا أو المنطقة والقوات العسكرية الإسرائيلية تتمتع بحرية كاملة في التصرف".

والحقيقة هي أنه مع اقتراب عملية تحرير إدلب واحتمالية الهزيمة الكاملة للكيان الإسرائيلي في سوريا (في أعقاب تقوية وجود المقاومة على طول الحدود مع الأراضي المحتلة ووصول الجيش السوري إلى الجولان المحتل بعد عدة عقود)، فإن قادة هذا الكيان قد بدؤوا جهودهم للحفاظ على سخونة هذه الأزمة واستمراريتها من خلال إجبار أمريكا على التدخل بشكل أكبر في التحولات وحتى لو أمكن جلب واشنطن إلى المواجهة العسكرية مع المقاومة في سوريا، وهذا يشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لروسيا التي يثقل استمرار الإنفاق على الحرب السورية اقتصادها المحظور ولهذا السبب فقد ضاعفت موسكو جهودها الدبلوماسية لجلب كل التيارات السورية وممثل الأمم المتحدة إلى آليات أستانا وسوتشي، حتى تتوافر الظروف لتحديد المستقبل السياسي لسوريا ونهاية الأزمة في هذا البلد في أقرب وقت ممكن، وفي هذه الظروف فإن تسليم منظومة S-300 لدمشق يعتبر ردّاً قاطعاً على الوتيرة المتصاعدة للاعتداءات والاستفزازات الإسرائيلية في سوريا.


المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية