المرصاد نت - متابعات
لاقى ترشّح الرئيس الجزائري الثمانيني لولاية خامسة غضباً شعبياً يبدو غير مسبوق هذه المرة، بعد عجز أحزاب المعارضة وشخصياتها عن الاتفاق على مرشح توافقي لمنافسته ما يدخل البلاد في نفق سياسي لا يصبّ في مصلحة عبد العزيز بوتفليقة.
بعد عدة دعوات وحملات على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الخروج إلى الشارع، احتجاجاً على ترشّح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة تبدو احتجاجات «22 فبراير» التي انطلقت أمس بداية لدخول قطار العملية السياسية في الجزائر منعطفاً جديداً في سباق انتخابات الرئاسة المقررة في 18 نيسان/ أبريل المقبل.
حكم بوتفليقة المستمر منذ عام 1999 ومرضه منذ نيسان/ أبريل 2013 إثر تعرّضه لجلطة دماغية منعته من التحرك على قدميه أو الحديث للعلن أو تأدية وظائفه الرسمية وتردده دورياً على مستشفيات في الخارج (يتوجه الأحد المقبل إلى سويسرا لإجراء فحوصات طبية)، عوامل أحدثت فراغاً كبيراً في العملية السياسية في البلاد ودفعت الشباب الجزائريين إلى البحث عن سبيل للتغيير الذي لم يأتِ من الأحزاب أو الانتخابات كما أملوا فما كان أمامهم إلا الشارع، الذي حصروا لجوءهم إليه في السنوات الأخيرة بالمطالب الاقتصادية والاجتماعية من دون أن يصل تحركهم إلى المطالب السياسية، باستثناء بعض الوقفات المحدودة احتجاجاً على الولاية الرابعة لبوتفليقة عام 2014، التي عرفت السلطة كيف تحتويها سريعاً.
وتلبية لدعوات أطلقها مواطنون لم تتضح انتماءاتهم السياسية أو الأيديولوجية عبر وسائل التواصل الاجتماعي خرج آلاف الشبان الجزائريين في مسيرات عفوية غير مرخصة وسط العاصمة في مشهد نادر منذ حظر تنظيم المسيرات عام 2001 عقب تظاهرات دامية أدت إلى سقوط قتلى. وحاول المحتجون اختراق الطوق الأمني في الشارع المؤدي إلى رئاسة الجمهورية في حيّ المرادية وسط هتافات ضد ترشّح بوتفليقة. وتداول مدونون صوراً لعدة تظاهرات في مناطق مختلفة من البلاد أهمها في عنابة على بعد 400 كيلومتر شرقي الجزائر. وتحدثت الصحافة الجزائرية كذلك عن تظاهرات بأعداد متفاوتة في كلّ من وهران وتيارت وغليزان في غرب البلاد، وسطيف في شرقها. لكن السلطات الجزائرية، التي حذرت خلال الأيام الأخيرة من «ناشري الفوضى» أطلقت قواتها الغاز المسيل للدموع على حشد في العاصمة، ما دفع محتجين إلى الهرب.
وتنبئ احتجاجات «22 فبراير» بهشاشة تأثير الادعاءات التي ساقها مدير حملة الرئيس الجزائري عبد المالك سلال أول من أمس حيث قال إن ترشّح الرئيس الثمانيني «يحظى بقبول شعبي قوي» في ردٍّ غير مباشر على احتجاجات محدودة في الأيام الماضية في مدينة خراطة في محافظة بجاية (250 كلم شرقي الجزائر العاصمة)، ومدن تقع في شرق البلاد وحتى في الخارج نفذتها الجالية الجزائرية. ودعا السلال المحتجين إلى «التعقل» وعدم اللجوء إلى الشارع للتعبير عن المواقف واعداً بإمكانية وصول شخصية من جيل الاستقلال للحكم مستقبلاً بالقول إنه «لا بد أن نستكمل المسار (الذي بدأه بوتفليقة) ونحن أمام انتقال بين الأجيال لفائدة جيل الاستقلال».
وفي ظلّ تزايد مؤشرات الغضب الشعبي منذ إعلان بوتفليقة ترشّحه رسمياً وشعور كثير من الشبان بعمق الهوة بينهم وبين النخبة التي تتألف من محاربين قدماء خاضوا حرب الاستقلال عن فرنسا بين عامي 1954و1962، تمثل التظاهرات غير المسبوقة دفعاً لمرشحي المعارضة، على رغم عجز أحزاب الأخيرة وشخصياتها عن الاتفاق على مرشّح توافقي لمنافسة بوتفليقة. لكن التوقعات لا تزال ترجّح فوز الرئيس بالنظر إلى ضعف المعارضة وانقسامها. والجدير ذكره هنا أن بوتفليقة لا يزال يحظى بشعبية لدى الكثير من الجزائريين الذين ينسبون إليه الفضل في إنهاء أطول حرب أهلية في البلاد من خلال عرض العفو على مقاتلين إسلاميين سابقين وتوفر إعادة انتخابه استقراراً قصير الأجل للحزب الحاكم، والجيش، وكبار رجال الأعمال وتؤجل عملية صعبة محتملة لانتقال السلطة.
«حراك 22 فيفري»: أكبر من زوبعة في فنجان السلطة؟
تحمل التظاهرات التي شهدتها الجزائر أمس مؤشرات إلى أن البلاد تتجه نحو حراك شعبي متصاعد رافض للجمود الطاغي على البلاد منذ 16 سنة على الأقل. وفيما يبدو المتظاهرون أمام تحدّي الحفاظ على هذا الزخم، تحضر تساؤلات عدة في ما يتعلق بتعاطي السلطات المستقبلي مع الشارع
ثمة مشهد سياسي شبه جامد في الجزائر منذ العام 2013 على الأقل ولا تخترقه إلا استحقاقات انتخابية تُنظَّم بين الفينة والأخرى ولم ترْق قطعاً إلى مستوى تطلعات الغالبية الساحقة لاثنين وأربعين مليون جزائري.
الوجوه نفسها يُعاد انتخابها والأحزاب عينها تتصدر المشهد في البلاد، أكان على مستوى توزيع المناصب الوزارية أو الظهور الإعلامي. من الحزب العتيد المتمثل في «جبهة التحرير الوطني» بزعامة معاذ بوشارب إلى «التجمع الوطني الديموقراطي» بزعامة رئيس الوزراء أحمد أويحي وصولاً إلى ما يسمى «تجمع أمل الجزائر» (تاج) برئاسة عمار غول و«الحركة الشعبية الجزائرية» بزعامة عمارة بن يونس.
وتتصدر هذا المشهد أحزاب ما يسمى «التحالف الرئاسي» التي لا تفوّت فرصة إلا وتحاول من خلالها إبراز ما تحقق من «مكاسب» على حد قولها منذ أن حكم بوتفليقة البلاد قبل عشرين عاماً. وهي مزاعم تؤيدها «منظمة أرباب العمل» وكذلك النقابة العمالية الأهم التي يمثلها «الاتحاد العام للعمال الجزائريين» برئاسة السيد عبد المجيد سيدي السعيد، الموجود هو الآخر في المنصب منذ عام 1997 أي قبل مجيء بوتفليقة نفسه إلى السلطة عام 1999.
مقابل هؤلاء ثمة معارضة منقسمة على نفسها، لم تنجح حتى الآن في بلورة أرضية مشتركة تسمح لها بالوقوف بوجه الطرف الآخر ولا بأن تعطي ولو نزراً يسيراً من الأمل لهذه الجماهير. وبين الطرفين يقف الجيش بقيادة رئيس الأركان ونائب وزير الدفاع أحمد قايد صالح، الذي دافع هو الآخر عما تحقق من «إنجازات لا ينكرها إلا جاحد من ذوي النوايا السيئة والخطابات الحاقدة الذين لا يقيمون وزناً لجزائر آمنة ومستقرة» على حدّ تعبيره.
وعي المتظاهرين
إزاء الجمود وانسداد الأفق، خصوصاً بعد إعلان التحالف الرئاسي ترشيح الرئيس بوتفليقة لولاية خامسة على رغم اعتلال صحته، خرجت تلك التظاهرات التي رأت في الإعلان ضحكاً على الذقون واستفزازاً لمشاعر الملايين من الجزائريين في ظلّ غياب شبه كامل للرئيس عن الساحة منذ عدة سنوات. إذ اقتصرت إطلالاته الإعلامية على صورة تستغرق بضع لحظات بين الفترة والأخرى أما أن يخاطب الرئيس شعبه فذاك أصبح ضرباً من المستحيل. وفيما لا يزال عدد المشاركين في تلك المسيرات في علم الغيب والسلطة حتى كتابة هذه السطور فإن الصور التي نشرتها مواقع التواصل الاجتماعي توحي جميعها بأن ما اصطُلح على تسميته بـ«حراك 22 فيفري» لم يكن زوبعة في فنجان ولا حدثاً عارضاً.
المتظاهرون الذين تدفقوا إلى الشوارع بدوا وكأنهم يعرفون ما يريدون من تلك المسيرات. وقبل ذلك كله يعرفون ما يترصدهم من أخطار، وهم الذين عاشوا أو على الأقل جزء منهم، ويلات سنوات العنف الأعمى الذي كلف البلاد ما كلف من خسائر في الأرواح والممتلكات وعاد بها عشرات السنين إلى الوراء. يدرك المتظاهرون المحتجون على تولي بوتفليقة عهدة خامسة وقبلها رابعة وبعدها سادسة إذا أمدّ الله في عمره الأخطار التي تتهدد البلاد داخلياً وخارجياً. ففي الداخل بطالة وأزمة اقتصادية يرزح الشعب تحتها منذ انهيار أسعار النفط وانخفاض احتياطي النقد الأجنبي إلى 80 مليار دولار بعدما كان 205 مليارات قبل سنوات. ومن الخارج تهديد رابض على الحدود ينتهز الفرصة للانقضاض أكان ذلك في ليبيا حيث تسود الفوضى التي حوّلت البلاد إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية الدولية أو في مالي حيث انعدام الأمن وهشاشة النظام وخطر المجموعات المسلحة، وعلى رأسها «تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
كل ذلك يدركه المحتجون ولذلك جاءت التظاهرات سلمية في معظمها ولم نر فيها تحزباً ولا استقطاباً وكانت على قدر عال من الانضباط. بل أكثر من ذلك كانت هناك دعوات إلى الالتزام ببعض السلوكيات أثناء التظاهر كعدم حمل أي أعلام لفرق رياضية أو العلم الأمازيغي ليكون العلم الجزائري وحده في الميدان. كما تمت الدعوة إلى عدم ارتداء الدشداشة (القميص كما يسميه الجزائريون). وقد حدث كل هذا من منطلق وعي المتظاهرين بأنه يمكن استغلال أي ثغرة لرمي الحراك بما ليس فيه وبأن جهة ما تقف وراءه فتسهل زعزعته والتشكيك في دوافعه وولائه.
أول الغيث قطرة
ما تشهده الجزائر هو إرهاصات حراك شعبي متصاعد رافض للجمود والضحك على الذقون حراك شباب تنهشه البطالة (30% منهم لا يجدون عملاً) فلا يجد إلا قوارب الموت يركبها. لكن التحدي الأكبر يكمن في القدرة على الاستمرار في هذا الزخم، وبالروح نفسها ومستوى الوعي بخطورة المرحلة عينه خصوصاً أنه لا توجد هناك قيادة لهذا الحراك. فالفجوة عميقة بين الغالبية الساحقة من الشباب والنخبة المتمثلة في الأحزاب ومَن بقي حياً من المجاهدين الذين قارعوا الاستعمار الفرنسي أثناء الحرب التحريرية.
لا أحد ينكر أن للرئيس بوتفليقة قدراً واسعاً من التأييد في أوساط الكثيرين. فاسمه اقترن بعودة السلم الأهلي في بلاد شهدت مقتل أكثر من 200 ألف شخص على أقلّ تقدير أثناء ما اصطُلح على تسميته بـ«العشرية السوداء». لكن في المقابل هل قُدّر للشعب ألا يعرف غيره رئيساً خصوصاً أن حالته الصحية لا تسمح له بممارسة كاملة المسؤولية ومن يقول غير ذلك فهو إما لا يعقل أو منتفع؟ ومثلما هو الحراك أمام تحدٍّ، فإن السلطة أيضاً أمام تحدّ لا يقلّ جسامة ومصيرية؛ فهل تستخلص دروس الأحداث في المنطقة العربية وتحافظ على ضبط النفس إذا ما قُدّر للحراك أن يستمر؟ وإلى أي مدى ستنجح في ذلك؟ والسؤال الأهم هل تراجع السلطة حساباتها وتستمع لصوت الجماهير التي خرجت اليوم؟
المزيد في هذا القسم:
- تطبيق لوائح السجون المصرية: حلال لأعوان مبارك... حرام على «الإخوان»! المرصاد نت - متابعات تتعنّت الدولة المصرية حتى في تطبيق أبسط القواعد الإنسانية مع المحتجزين من جماعة «الإخوان المسلمون» المحظورة في سلوك لم ...
- بعد الفلوجة بدء المرحلة الثانية من تحرير الموصل المرصاد نت - متابعات تُواصلُ القواتُ العراقيةُ تطهيرَ مدينةِ الفلوجة من عناصرِ تنظيمِ داعش حيثُ تمكنَت في الساعاتِ الماضية من السيطرةِ على حيِ المدنيين ومش...
- رفضا لـ”حالة الطوارئ”. دعوات لتظاهرات جديدة في السودان! المرصاد نت انطلقت تظاهرة في مدينة أم درمان اليوم الأحد باتجاه مقر البرلمان السوداني احتجاجاً على فرض حال الطوارئ. وكان تجمّع المهنيين السودانيين قد دعا إلى ت...
- الجيش السوري يرد على عدوان الكيان الصهيوني.. اصدرت القيادة العامة للجيش والقوات المسلحة السورية بيانا لها مساء اليوم قالت فيه "إنه وفي خرق جديد لاتفاق فصل القوات قام العدو الصهيوني بعد ظهر أمس بإطل...
- كيف يسعى محمد بن زايد لتحويل الامارات الى اسبرطة الصغيرة؟ المرصاد نت - متابعات "اسبرطة الصغيرة" مصطلح أطلقه الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس وزير دفاع الرئيس الأمريكي الحالي على الامارات للحديث عن مدينة تلعب أدوار الدول أ...
- غلوبال ريسيرش: مهمة أمريكا هي انقاذ تنظيم القاعدة الارهابي تحت شعارات الإنسانية المرصاد نت - متابعات قال موقع غلوبال ريسيرش الكندي على لسان البروفيسور ميشيل شوسودوفسكي ان مهمة أمريكا الرئيسية هي انقاذ تنظيم القاعدة الارهابي تحت شعارات ...
- المالكي: الايام المقبلة ستثبت ان العراق مقبرة لـ"داعش" أكد رئيسُ الوزراء العراقي المنتهيةُ ولايتُه نوري المالكي أن الأيامَ القادمة ستُثبتُ أن بلادَ الرافدين ستكونُ مقبرةً لـ"داعش"، وشدد على ضرورة ملاحقة ومحاسبة مرتك...
- سوريا : موسكو تكثّف لقاءاتها في شأن إدلب المرصاد نت - متابعات تشهد القنوات الديبلوماسية الروسية نشاطاً كبيراً ــ كما جرت العادة خلال العامين الأخيرين قبل كل استحقاق هام على الساحة السورية ــ يُترجم ع...
- السودان : دول خليجية تدخل على الخط و«احتجاجات الخبز» تتواصل ! المرصاد نت - مي علي ساد هدوء حذر في العاصمة السودانية الخرطوم في خامس أيام الاحتجاجات المطالبة برحيل حكومة الرئيس عمر البشير رغم استمرار المحتجين في قطع بعض أح...
- برهم صالح رئيساً للعراق وعادل عبد المهدي رئيساً للوزراء المرصاد نت - متابعات أنتخب مجلس النواب العراقي برهم صالح رئيساً للعراق وأدى اليمين الدستورية بعد فوزه بـ 219 صوتاً وأعلن التلفزيون الرسمي العراقي أن "الرئيس ب...