مَن ينقذ القضية الفلسطينيّة من خطّة السّلام الأميركية؟

المرصاد نت - متابعات

ولاةَ الأمر .. ما خنتم .. ولا هِنْتمْTrumbbbb2019.6.7

ولا أبديتم اللينا

جزاكم ربنا خيراً

كفيتم أرضنا بلوى أعادينا

وحقّقتم أمانينا

وهذي القدس تشكركم

ففي تنديدكم حينا

وفي تهديدكم حينا

سحقتم أنف أميركا

فلم تنقل سفارتها

ولو نُقِلَت - معاذ الله - لو نُقِلَت

لَضَيَّعنا فلسطينا !!

ولاة الأمر

هذا النصر يكفيكم ويكفينا

تهانينا

لعلّ هذه الأبيات للشاعر أحمد مطر من قصيدته "لمَن نشكو مآسينا" خيرُ معبّرٍ عن حال المواقف العربية والإسلامية الرسمية من القضية الفلسطينية وما تتعرّض له من محاولات لتصفيتها، وإلغاء حقوق الشعب الفلسطيني. ففي ظلّ هذه المواقف ازدهرت اعتداءات الاحتلال على الفلسطينيين، وعلى القدس والمسجد الأقصى، وهي اعتداءات يقودها الاحتلال الإسرائيلي، مدعوماً مباشرة من الولايات المتحدة والإدارة الحالية خصوصاً، ومستفيداً من العلاقات التطبيعية التي ظهرت إلى العلن مع عدد من الدول العربية، لا سيّما دول الخليج العربية. ولعلّ من أقرب هذه الاعتداءات، زمنياً، الهجمة الإسرائيلية على المسجد الأقصى يوم 28 رمضان، وما حصل من اقتحامات استباح فيها ما يقارب 1200 مستوطن المسجد احتفالاً بذكرى استكمال احتلال القدس، مدعومين من قوات الاحتلال الذين اعتدوا على المصلين والمرابطين وانتهكوا حرمة المكان.

وقد أتى هذا الاعتداء ليوكّد أنّ الاحتلال لا يعبأ بالمواقف الرسمية، بل ربّما هو مطمئن إليها لا سيّما بعد عقد قمتين في مكّة لبحث "التهديد الإيراني" في وقت لم تعد "إسرائيل" تشكّل تهديداً لعدد من الأنظمة الرسمية، بل باتت تشاركها علاقات التحالف والصداقة. كذلك، جاء الاعتداء بعد يوم على قمّة منظمة التعاون الإسلامي في مكّة التي خرجت ببيان أكّد مركزية قضية فلسطين وقضية القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية، ولكن كيف يمكن أن يخشى الاحتلال القمّة وبيانها ويد التطبيع العربي إليه ممتدّة؟ وكيف يمكن أن يوقف مشروعه التّهويدي في القدس فيما عدد من الدول العربيّة، المشاركة في القمّة، حجزت مقاعدها في ورشة المنامة الاقتصادية التي تقع في صلب الخطة الأميركية لتصفية القضية الفلسطينية ضمن ما بات معروفاً بـ "صفقة القرن"؟

ولعلّ الوصول إلى الإعلان عن ورشة المنامة الاقتصادية ليس بالأمر المفاجئ إذا ما لحظنا ترهّل الموقف الرسمي منذ بدأت تتكشّف رؤية ترامب حيال القضية الفلسطينية. فعلى الرّغم من اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ونقله سفارة بلاده من "تل أبيب" إلى المدينة المحتلة، ووقف الدعم المالي المخصّص للأونروا وللفلسطينيين، وإعلانه الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل، بما يحمله ذلك كله من دلالات، إلّا أنّ المواقف التي صدرت على المستوى الرسمي العربي والإسلامي عموماً لم ترقَ إلى حدّ مواجهة السياسة الأميركية واتجاهها الواضح إلى تصفية الحقّ الفلسطيني، فكانت في أحسن أحوالها مقتصرة على بيانات التّحذير والاستنكار، وانحدرت في بعض الحالات إلى درك التواطؤ مع واشنطن لإعانتها على تصفية القضيّة الفلسطينية تحت عنوان "خطّة السلام".

وإذا ما عدنا قليلاً بالذاكرة، فإنّ المواقف التي أعقبت إعلان ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة العبريّة، وتكليفه وزارة الخارجية الأميركيّة بدء الإجراءات لنقل السفارة فعلياً، أظهرت الكثير من الاستخفاف بالعقل العربي والإسلامي، فقد حاولت أن تبدو متفاجئة من الخطوة الأميركية التي لم تكن ممكنة التبلور لولا الضوء الأخضر العربي الممهور بلقاءات التّطبيع والتقارب مع "إسرائيل" والمواقف التي صدرت حول "السلام الدافئ" و"عدم الحاجة إلى استمرار النزاع". فظهرت مضامين البيانات والمواقف كمحاولات للتخفيف من وطأة القرارات الأميركية المتوالية على قاعدة "الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنّا إليه راجعون"، والتحضير للمرحلة القادمة، وكأنّها قدر لا مناص منه.

ومع الاندفاعة الرّسمية إلى الحضن الأميركي، وإلى مصافحة "إسرائيل" والارتماء في حضنها، فإنّ ما يعوّل عليه لإسقاط صفقة القرن وعناوينها هو الموقف الشعبي الذي وصفه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو بأنه "أكبر عقبة أمام توسيع السلام"، في مقابل تأكيده المتكرّر للعلاقات غير المسبوقة بين دولته وعدد من الأنظمة الرسمية. وهذا تشخيص لواقع يتصاعد فيه التطبيع والتحالف العربي الرسمي مع "إسرائيل"، والانبطاح أمام الإدارة الأميركيّة في مقابل تيار شعبي رافض، وعازم على التّصدي والوقوف وقفة حزم في مواجهة الاستكبار الأميركي والاستعلاء الصهيوني، بدلاً من المراوحة الرسمية في السياقات الروتينيّة المعهودة التي لا تسمن ولا تغني.

ويمكن القول إنّ رفض الجمعية البحرينية لعقد الورشة الاقتصادية في المنامة، وسلسلة المواقف الشعبية الرافضة للقاء وللسلام على الطريقة الأميركية، واللقاء الشعبي السياسي الذي شهدته العاصمة بيروت يوم 2/6/2019 تحت عنوان "متّحدون ضد صفقة القرن"، كل ذلك هو تعبير عن الإرادة الشعبية التي لن تقبل بأن تكون فلسطين رهينة رؤية ترامب والسائرين في ركبه. وهذا الموقف الشعبي هو ما يجب أن يتجدّد متماسكاً، صلباً، حاسماً حيال كلّ مشاريع التصفية لإفشالها إذ لو ترك الأمر إلى "أولي الأمر" لضاعت القدس، والأقصى، وضاعت فلسطين.

كتب : براءة درزي - باحثة في الشأن الفلسطيني

 

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية