المرصاد نت - متابعات
يتجه «المجلس العسكري» نحو إقصاء الإسلاميين من أروقة السلطة بذريعة محاولتهم تنفيذ انقلاب عسكري ضدّ حكمه المدعوم من الرياض وأبو ظبي والقاهرة ما يشي بأن السودان دخل في صلب صراع المحاور في ظلّ تهدئة مع الحراك الشعبي تدفع بها وساطة مدعومة أميركياً..
وبعد تهدئة مع تحالف قوى «إعلان الحرية والتغيير» وتعليق العصيان المدني تمهيداً لجولة جديدة من المفاوضات في إطار وساطة إثيوبية مدعومة أميركياً، أعلن المجلس العسكري، أمس، رسمياً إفشال مخطط «انقلاب عسكري» بعد يوم من أنباء متضاربة حوله، وتوقيف عشرات الضباط من دون ذكر الأسباب. لكن بالنظر إلى الموقوفين وانتماءاتهم، تبدو «المحاولة الانقلابية» ذريعة لتصفية نفوذ الإسلاميين في المؤسسة العسكرية وخصوصاً أن «الانقلاب» لم تسبقه مؤشرات كما في الانقلابات التاريخية في البلد، وجاء تتويجاً لقرارات وتعيينات وإحالات إلى التقاعد لضباط في الجيش وجهاز الأمن والمخابرات.
وعلى رغم تأكيد رئيس أركان القوات المسلحة الفريق أول ركن هاشم عبد المطلب أحمد بابكر في بيان أمس أن «هناك إجراءات قانونية وفق النظم واللوائح العسكرية وتحقيقات جارية حوله»، يبقى ما حدث أول من أمس مبهماً بالنظر إلى الإعلان عنه عبر قناة سعودية أولاً، ثم نفيه تالياً قبل تأكيده لاحقاً. وبحسب ضابط في الجيش السوداني فإن هناك روايتين متداولتين حول توقيف الضباط الـ 68 الأولى أن «متابعة ومراقبة جرتا للضباط الإسلاميين داخل الجيش من قِبَل لجنة تم تكوينها من المجلس العسكري، سَلّمت قائمة بأسماء الضباط لحميدتي (نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو) الذي كلّف بدوره اللواء أيسر العطا بمتابعة الملف. وعندما تم التحفظ على اللواء العطا من قبل المجلس العسكري، تم تفتيش مكتبه حيث وُجدت القائمة، التي أُلقي على أساسها القبض على الضباط». أما الرواية الثانية فتقول إن ما حصل هو متابعة ورصد «لضباط لديهم آراء سلبية ضد المجلس والدعم السريع كانوا قد صرحوا بها في لقاءاتهم، وقد تم تسريب هذه الآراء إلى الاستخبارات التي باشرت بإلقاء القبض عليهم» للتحقيق معهم.
على أي حال تتلاقى الروايتان في أن مراقبة الضباط تمت على مدى فترة زمنية سواء كان الملف مع «حميدتي» أو طرف آخر في «العسكري» علماً بأن الأولى هي المرجّحة في ظلّ تنامي نفوذ قائد قوات «الدعم السريع» في المؤسسة العسكرية. وهو ما يرفضه الكثير من الضباط ولا سيما أن «حميدتي» يعمل على تجنيد مئات الشباب (خصوصاً أبناء القبائل) في صفوف «الدعم السريع» لتصبح الأخيرة قوة موازية مستدامة الولاء لمحور السعودية والإمارات. احتمالٌ من شأنه، إذا ما تحقق زعزعة أمن البلاد، حتى من وجهة نظر الجارة مصر؛ أولاً بسبب التهور الذي تتّسم به قوات «حميدتي» كما بدا في الهجمات على المحتجين وثانياً كون «الدعم السريع» لا تمتلك خبرات الجيش الذي خضع لتدريب على مدى 70 عاماً.
ويؤكد حديثَ الضابط في الجيش، الخبير الأمني طارق محمد عمر علي، الذي يقول لـ«الأخبار» إن «عملية كشف الضباط تمت عبر رصد تحركاتهم واجتماعاتهم الدورية»، مؤكداً أنها بدأت منذ «عدة شهور». وأوضح أن «هؤلاء الضباط كانوا على صلة بالقادة الإسلاميين المعتقلين في سجن كوبر» في مدينة بحري في الخرطوم، حيث يقبع الرئيس المخلوع عمر البشير منذ عزله. وبيّن أن الضباط المعتقلين «كانوا إسلاميين منظَمين قبل انقلاب الإنقاذ العسكري عام 1989 (انقلاب البشير)، ومن بينهم لواء (رفض ذكر اسمه) كان مشرفاً على إدخال الطلاب الإسلاميين إلى الكلية الحربية». وختم بأن «ما يحدث هو استمرار لعملية اجتثاث الإسلاميين من كل المؤسسات النظامية والأمنية».
زاء ذلك، يبدو أن «العسكري» بدأ بالفعل تنفيذ مخطط «تطهير» الجيش لحماية سلطته من أي انقلاب وتنفيذاً لوصاية داعميه الخارجيين، السعودية والإمارات ومصر المعروفين بموقفهم ضد ما يسمى «الإسلام السياسي» الأمر الذي لمّح إليه وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش يوم إعلان استئناف المفاوضات الثلاثاء الماضي باعتباره أن «السودان يمرّ بمرحلة حساسة بعد سنوات ديكتاتورية البشير والإخوان». وقد بدا في هذا الإطار الإعلان عن «محاولة الانقلاب» تتويجاً لسلسلة إقالات وتعيينات بدأت منذ اليوم الثاني للانقلاب على البشير (11 نيسان/ أبريل)، مع إطاحة الفريق عوض بن عوف الذي يُنظر إليه كامتداد للرئيس المخلوع في علاقته بالتيار الإسلامي بالتزامن مع حملة استهدفت مقارّ «الحركة الإسلامية». وتأتي الخطوة الأخيرة بعدما هدّأ المجلس جبهة الحراك الشعبي الذي يشارك كثير من قادته العسكر الخوف من الإسلاميين ولا سيما الذين كانوا جزءاً من نظام الرئيس المخلوع، كونهم شاركوا في قمع الاحتجاجات في عهد البشير فيما يتهم هؤلاء قادة التحالف المعارض بمحاولة إقصائهم من المفاوضات ويعيبون عليهم «تجاهل الشريعة الإسلامية» وخصوصاً منهم «تجمع المهنيين السودانيين» الذي يقود الاحتجاجات و«الحزب الشيوعي السوداني».
وعلى رغم أن الإسلاميين انقسموا إلى عدة أطراف إلا أنهم لا يزالون يحافظون على نفوذ كبير في البلد الذي حكموه لثلاثة عقود، سواء داخل الجيش أو المؤسسات التي نشأت برعاية حزب «المؤتمر» الذي كان حاكماً في عهد البشير. وهي مؤسسات تُعدّ موازية في الدولة، من سبيل «قوات الدفاع الشعبي»، التي أسسها نظام «الإنقاذ» بمنأى عن قيادة الجيش وقد قامت بدور كبير في قمع الاحتجاجات، أو «الاتحاد الوطني للشباب» الذي شكّل المعبر الرئيس للقيادات المحسوبة على الإسلاميين إلى الدولة بالإضافة إلى «الحركة الإسلامية» التي تعتبر المرجعية الفكرية لحزب البشير (تأسس عام 1991). ولذلك كان من بين مطالب المعتصمين أمام مقار الجيش حلّ هذه المؤسسات والكشف عن أرصدتها، وتحويل الفاسدين منهم إلى محاكمات عادلة.
بناءً على ما تقدم، يبدو واضحاً أن السودان دخل في ظلّ حكم العسكر حلبة الاصطفاف الإقليمي في ظلّ دعم سياسي ومالي لرئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ونائبه «حميدتي» اللذين عملا معاً طوال سنوات على تنسيق المشاركة السودانية في حرب اليمن. فالعلاقة التي نمت مع الرياض وأبو ظبي لا تقف عند حدود «ثورة مضادة» تُبقي حكم العسكر فحسب بل تتعدّاها إلى العمل على إمرار مصالح الداعمين الخارجيين من «بوابة» البحر الأحمر. هو أمر لا يظهر أن السودان سيستفيد منه بالنظر إلى تجربة البشير منذ عام 2014م وصولاً إلى إطاحته، إذ لم ينتعش في تلك الفترة اقتصاد البلاد ولم ترفع العقوبات الأميركية على رغم اتجاهه في آخر سنوات حكمه نحو «تطهير» نظامه من الإسلاميين الذين صعد بدعم منهم إلى السلطة عام 1989م إلى أن حاول أن يبرز نفسه كزعيم «قومي» من دون جدوى.
المزيد في هذا القسم:
- أمريكا : 16 ولاية تقاضي ترامب لإعلانه الطوارئ ! المرصاد نت - متابعات توجّهت 16 ولاية أميركية إلى القضاء في سان فرانسيسكو، لرفع دعوى قضائية تطعن بموجبها في دستورية إعلان الرئيس دونالد ترامب حالة الطوارئ الوط...
- أنقرة وطهران...تقارب ومستقبل واعد المرصاد نت - متابعات قال المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي خلال استقباله الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن "الكيان الصهيوني يسعى إلى إيجاد إسرائيل جديدة في ا...
- السودان : «احتجاجات الخبز» إلى التصعيد: أعتصام مفتوح حتى إسقاط النظام ! المرصاد نت - مي علي في تطور لافت تحولت تظاهرة مدينة أم درمان غربي العاصمة السودانية أمس بغية تسليم مذكرة احتجاج تطالب الرئيس عمر البشير بالتنحي للبرلمان في مق...
- ثلاثة وفود مغربية تزور الكيان الاسرائيلي في غضون شهرين المرصاد نت - متابعات لأول مرة منذ سنوات يظهر اسم المغرب في الإعلان الشهري الرسمي لوزارة خارجية الكيان الإسرائيلي حول الزيارات المقبلة لمسؤولين ووفود رفيعة الم...
- 68% من المواطنين الأميركيين يعارضون دعم واشنطن للرياض المرصاد نت - متابعات أعرب معظمُ المواطنين الأمريكيين (68%) عن رأيهم بأن الولايات المتحدة الأميركية يجبُ أن توقفَ بشكل كامل أو جزئي دعمها للسعودية ما لم تثب...
- عدوى انفصال كتالونيا تطال إقليمين إيطاليين! المرصاد نت - متابعات طالت عدوى انفصال كتالونيا إقليمين إيطاليين حيث سيجريان يوم 22 أكتوبر استفتاء للمطالبة باستقلال أكبر عن روما بحسب ما ذكرته صحيفة بريطانية....
- الغارديان: 4 آلاف قتيل مدني ضحايا عمليات التحالف الدولي في العراق وسوريا المرصاد نت - متابعات كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن عدد القتلى المدنيين خلال عمليات التحالف الدولي بقيادة واشنطن في العراق وسوريا اقترب من نحو 4 آلاف شخص....
- انطلاق قمة لقادة الاتحاد الاوروبي حول انعاش الاقتصاد! المرصاد نت - متابعات باشر قادة الاتحاد الأوروبي اليوم الجمعة في بروكسل مفاوضات شاقة بشأن خطة الانعاش الاقتصادي المناط بها مساعدة بلدانهم المتضررة بشدة من كوفي...
- احتجاجات تتحدى طوارئ البشير: لا لعسكرة السلطة ! المرصاد نت - متابعات عقب خطاب «مفصلي» أعلن فيه حل الحكومة والحكومات الولائية، وفرض حالة الطوارئ لمدة عام تحدّى آلاف السودانيين الرئيس عمر البشير أ...
- "نيويورك تايمز": السعودية قد تنفد من الأصدقاء والمال والوقت! المرصاد نت - متابعات كتب الباحث البريطاني ديفيد ويرينغ مقالة في صحيفة نيويورك تايمز الأميركية انتقد فيها الدعم البريطاني والأميركي المستمر لحكم آل سعود برغم ج...