المرصاد نت - متابعات
أخطر ما يواجه الانسان العربي هو يأسه من احتمالات التغيير في مركز القرار.
فخلال السنوات العشر الأخيرة انبثق ضوء في آخر النفق عبر الانتفاضة التي قدم فيها محمد البوعزيزي حياته بإحراق نفسه في قريته سيدي بو زيد بولاية سيدي بوزيد امام مبنى البلدية في تونس. وسرعان ما اشتعلت تونس جميعاً بالثورة فتم الاتفاق مع الجيش ورئيس الوزراء محمد الغنوشي على اعلان حالة الطوارئ مما اضطر زين العابدين بن علي إلى الهرب مع زوجته التي ذهب طمعها بالذهب بشرفها حيث استقرا في المنفى المذهب في بعض دول الخليج العربي..
وهكذا استعاد جماعة بورقيبة اعتبارهم فعادوا إلى السلطة بالشراكة مع جماعة الاخوان بقيادة راشد الغنوشي. بعدها بسنة تفجرت مصر بالثورة، ونزلت الجماهير بالملايين إلى ميدان التحرير فرابطوا فيه أياما حتى اضطروا الرئيس حسني مبارك إلى التنحي بعد ثلاثين سنة في السلطة وكانت تلك بداية الخديعة اذا اجريت انتخابات تحت ضغط الشارع فاز فيها مرشح الاخوان المسلمين محمد مرسي على المرشح احمد شفيق والامين العام السابق لجامعة الدول العربية عمرو موسى والمرشح الناصري حمدين صباحي.
على أن هذا التغيير المفخخ لم يلبث أن سقط بضربة الجيش القاضية التي حملت الفيلد مارشال عبد الفتاح السيسي إلى السلطة التي ما زال فيها حتى اللحظة، مع الاستعداد لتمديد ولايته في الايام القليلة المقبلة.
معنى هذه التطورات أن “النظام العربي” الظالم والمتخلف والمخضع للهيمنة الاجنبية ومن ضمنها الخضوع لـ”موجبات الصلح” مع العدو الاسرائيلي ما زال على قيد الحياة ويشكل سداً في وجه التغيير. وهكذا فقد سارعت دول عربية بعيدة جغرافيا وسياسيا عن فلسطين وقضيتها المقدسة إلى الاعتراف بالكيان الاسرائيلي واستقبال رئيس حكومته نتنياهو في سلطنة عُمان بعد عمان والقاهرة، وعواصم أخرى لم يكشف عنها..
انه “تغيير ضد التغيير” أي لمنع التغيير بتبديل الطرابيش فوق رؤوس اهل السلطة لمخادعة الناس بزعم انهم تغيروا او غيروا ما في نفوسهم..
وها أن المحاولات الغربية تتواصل لإحباط عملية التغيير الثوري في السودان.. فيستقبل اهل القمم الثلاث في مكة المكرمة، بعض ضباط الانقلاب ويشجعونهم ـ بالدنانير ومختلف انواع الدعم المادي والمعنوي ـ على البقاء في مواقعهم وضرب الانتفاضة السلمية الرائعة التي “تقيم” في شوارع الخرطوم منذ شهرين او يزيد..
وهكذا مباشرة وبعد “الحج” إلى قمة مكة المكرمة، عاد الانقلابيون ليشهروا السلاح في وجه واحدة من اروع التظاهرات الشعبية في الوطن العربي والتي احتلت شوارع الخرطوم والخرطوم ـ بحري وام درمان من أن يتعدى على شركة او وكالة والمحال التجارية.
سقط حتى الساعة اكثر من مائة وعشرة قتلى واقفلت الشوارع بالقوات الخاصة والدبابات.. لكن الجماهير سوف تعود اليها قريباً بمطالبها المشروعة إحتفالاً بالانتصار على العسكر والانظمة المذهبة التي تسانده بالشرهات المذهبة دنانير وريالات ودولارات وارصدة مفتوحة.
ولشعب السودان تجربة غنية في مواجهة الحكم العسكري حتى اسقاطه، ولولا الغضبة الشعبية الواسعة لما استطاع بعض ضباط الجيش أن ينهوا حكم الفيلد مارشال حسن البشير بعد حكم ظالم استطال لأكثر من 29 سنة (من سنة 1989 الى سنة 2019).
أما شعب الجزائر فهو يمضي نهاراته ولياليه في ميادين العاصمة ومدن الشرق والغرب والجنوب، معلناً رفضه أن يحل حكم الجنرالات محل حكم بوتفليقة وقد كانوا هم الحكام الفعليين..
وبين الظواهر الملفتة والتي تدل على النضج الشعبي، سواء في الجزائر او في السودان، أن المتظاهرين يتولون بأنفسهم تأمين الممتلكات العامة ويكنسون الشوارع والميادين التي يتجمعون فيها ويحاذرون في أن يصدر عنها ما قد يتخذه العسكر ذريعة لاستخدام العنف الدموي ضد المتظاهرين ..
إن انظمة التجهيل والتضليل العربية تجتمع على هاتين الانتفاضتين الشعبيتين الرائعتين في الجزائر والسودان.
وليس سراً أن دولة الامارات بشخص ولي عهدها الشيخ محمد بن زايد، والسعودية بشخص ولي عهدها ايضاً الأمير محمد بن سلمان (وهما شريكان في السراء وخصوصاً في الضراء) يعملان معاً ومعهما مصر بنظامها، لإجهاض الانتفاضة في كل من السودان خاصة، الجزائر..)
إن اعداء التغيير الذين تجمع صفوفهم اهل المال والنفوذ، والذين غالباً ما يعملون للأجنبي (لا فرق بين الولايات المتحدة والعدو الاسرائيلي ودول “الرجعية العربية”) يسعون لتثبيت الاوضاع المتهالكة القائمة في العديد من الدول العربية (كما لإدامة الحرب على سوريا والعمل على محاصرة عملية التغيير في العراق).
لكن الواقع القائم في معظم البلاد العربية ابشع من أن يمكن لاحد أن يدافع عنه او يحسنه ببعض عمليات التجميل..
لقد شاخت الانظمة العسكرية بعدما انهكت طليعة الامة العربية في المشرق والمغرب.. وآن أن يستعيد الشعب قراره وان يختار طريقه إلى غده الافضل ويمنع اغتيال حقه في الحياة الكريمة في مناخ من الحرية باستعادة قراره في مستقبل وطنه.
قراءة : طلال سلمان - صاحب جريدة "السفير" اللبنانية ورئيس تحريرها منذ آذار 1974 حتى آخر عدد من صدورها بتاريخ 4 كانون الثاني 2017م.
المزيد في هذا القسم:
- الجولان والقدس .. أبرز ملفات القمة العربية في تونس! المرصاد نت - متابعات أنهى وزراء الخارجية العرب اجتماعهم في العاصمة التونسية بعد إقرار بنود أعمال القمة العربية التي تعقد الأحد القادم وفي مقدمتها تأكيد عروبة ...
- فنزويلا تنتقد قانون حظر السفر الأمريكى وتصفه بـ"الإرهاب السياسى" المرصاد نت - متابعات اتهمت فنزويلا اليوم الإثنين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بممارسة "الإرهاب السياسى" عبر قوانين فرض حظر السفر إلى الولايات المتحدة على 8 دو...
- رباعي المقاطعة يرفض المذكرة القطرية ــ الأميركية وأمير الكويت ينعى مجلس التعاون المرصاد نت - متابعات تراجعت المؤشرات إلى إمكان ممارسة الأميركيين من خلال المبادرة التي يحملها ريكس تيلرسون إلى المنطقة دوراً حاسماً في الأزمة الخليجية بعد ...
- وزير اسرائيلي: قوات أمنية بحرينية تتدرب في اسرائيل على مكافحة الشغب المرصاد نت - متابعات أكد وزير التعاون الإقليمي في حكومة الاحتلال الاسرائيلية تساحي هنغبي أن تل أبيب تربطها علاقات اقتصادية وأمنية وثيقة مع مملكة البحرين منوها...
- الحرب القذرة على فنزويلا .. تجويع وتخريب وعمليات استنزاف! المرصاد نت - متابعات تستمرّ الولايات المتحدة في معركتها الهجينة ضد فنزويلا التي يتصدّرها جنرالات الحروب القذرة من إليوت أبرامز إلى جون بولتون وغيرهما. وفي ظلّ...
- موجة الغلاء الجديدة في مصر .. الأسوأ لم يأتِ بعد ! المرصاد نت - متابعات موجة غلاء وتضخم جديدة تضرب المصريين: زيادات في الأسعار تصل إلى 50% وخاصة في المواصلات وتخلٍّ حكومي عن دعم المواد البترولية. هكذا صارت الد...
- بعد اعلانة الترشح لرئاسة مصر ,, قبول استقالة السيسي وصدقي صبحي يؤدي اليمنين الدستورية كبدي... نشرت الجريدة الرسميةالمصرية في عددها الصادر اليوم الخميس نص قرار رئيس الوزراء المصري رقم 513 لسنة 2014، والذي قضى بقبول استقالة المشير عبد الفتاح السيسي...
- أبرز التطورات الميدانية والعسكرية في المشهد السوري! المرصاد نت - متابعات دخل «اتفاق سوتشي»، الموقّع بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب إردوغان المرحلة الثانية من بدء سريانه من خلال تسيير دوريات ...
- ملف 11 سبتمبر "سيف داموقليس" الأمريكي المسلط على رقبة السعودية المرصاد نت - متابعات كشف تقرير نشرته مؤخراً صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية معلومات جديدة حول تورط النظام السعودي في هجمات 11 أيلول/سبتمبر التي ضربت مركز التجا...
- وثائق للأمم المتحدة تحسم الجدل حول تبعية جزيرتي تيران وصنافير المرصاد نت - متابعات توصل صحفي مصري إلى نص محضر جلسة الأمم المتحدة المنعقدة في 15 فبراير عام 1954 حول جزيرتي تيران وصنافير وأحقية مصر في التحكم في خل...