المرصاد نت - متابعات
لا يمكن النظر إلى زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للسعودية باعتبارها محطّة عابرة في سياق العلاقات بين البلدين. لجهة التوقيت (وإن كانت الزيارة مجدولة منذ نحو عام) يمكن وضعها في إطار سياسة خارجية سعودية متبدّلة. سياسة تستدعي راهناً تنويع العلاقات مع أكثر من شريك دولي فاعل وسط أزمات تعيشها المملكة على أكثر من مستوى وفي ظلّ رغبة أميركية مُعلَنة في الانسحاب من المنطقة. «الخيارات البديلة» التي لوّح بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عقب جولته الآسيوية (شَملت الصين والهند وباكستان) في شباط/ فبراير الماضي حين كان الغضب الغربي لا يزال في أوجه بفعل أزمة جمال خاشقجي باتت أكثر وضوحاً، وعنوانها «الخروج» من أحادية التحالف التاريخي الراسخ مع الأميركيين، وفق ما قُرئت الزيارة سعودياً.
أما روسياً فيمكن قراءة الزيارة التي وصفها البعض بـ«التاريخية» وبأنها «نقطة تحوّل» في سياق الدور المتنامي لموسكو في المنطقة وسعيها إلى الاستفادة من الثُّغر الأميركية لاسيما في وقت يُعاد فيه خلط الأوراق إقليمياً، في ظلّ قرار واشنطن الانسحاب من سوريا والمشهد المُتغيّر في اليمن بعد عمليتَي «أرامكو» ونجران، واللتين أظهرتا عجزاً سعودياً عن فرض ردٍّ منسّق ضدّ إيران وحلفائها. هذا المسعى يظهر جلياً في ما يحدث بين السعودية وروسيا على رغم نفي الرئيس التنفيذي لـ«صندوق الثروة السيادي الروسي» كيريل ديمترييف أن تكون بلاده تحاول من خلال ذلك ملء فراغ في المنطقة تركته أميركا ووصفه الاستثمارات الروسية المتزايدة في المملكة والتجارة معها بأنها «بناء جسور» وتأكيده أن «ما نفعله ليس ضدّ واشنطن. إنه في الواقع بناء شيء إيجابيّ للغاية وبناء شيء يساعد الاقتصادين السعودي والروسي ويبني الصداقة بين بلدينا».
الزيارة النادرة للرئيس الروسي للمملكة، والأولى له منذ 12 عاماً برفقة وفد كبير من مسؤولي التجارة والأمن والدفاع جرى خلالها الإعلان عن صفقات ثنائية بلغت قيمتها أكثر من ملياري دولار، إلى جانب أكثر من 20 اتفاقاً ومذكرة تفاهم في مجالات شتّى، يتصدّرها «ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط» والذي توصل إليه الجانبان في تموز/ يوليو الماضي ووقّعاه رسمياً أخيراً.
هكذا تحتلّ الطاقة موقعاً متقدماً في جدول تعزيز العلاقات بين البلدين، وهو ما عبّر عنه بوتين في تصريحات سبقت زيارته قال فيها إن المملكة «تُعتبر من الدول الأساسية في المنطقة، وتؤثر بحسب قدراتها ونطاق نشاطها في مجال الطاقة. ويمكن أن نعتبر العربية السعودية لاعباً ليس إقليمياً فحسب وإنما هي لاعب دولي أيضاً، فهي تؤثر على سوق الطاقة العالمية، وبالتالي على سائر الطاقة العالمية» في حين اعتبر ابن سلمان أن تعاون البلدين في مجال الطاقة ستكون له آثار إيجابية وسيحقّق الاستقرار. ولكن هل يمكن ملف الطاقة وحده تفسير كلّ ما يجري من مياه على خطّ موسكو - الرياض؟
أمورٌ كثيرة تبدلّت بين زيارتَي بوتين للسعودية. اهتزّت الثقة السعودية بالغرب عقب حادثة القنصلية وما تلاها من سخط دوليّ تلاشى تباعاً بفعل مرور الوقت والمظلة الأميركية التي احتمى تحتها ابن سلمان وعجز الكونغرس عن فرض توجّه مناوئ للمملكة على رغم مساعيه المتواصلة في ذلك لا يعني هذا طبعاً أن الرياض تثق بموسكو (لم تولِ الأخيرة أهمية تُذكر لقضية خاشقجي)، غير أن منحى التطورات في المنطقة فرض على الأولى ربّما إعادة النظر في شراكاتها بعيداً عن الاعتماد الكلّي على حليف واحد، والتحوّط إزاء أي اضطرابات محتملة في المستقبل.
سبقت أزمةَ خاشقجي صدماتٌ سعودية متتالية بدأت في عام 2011م مع تخلّي الغرب عن حليفه القديم الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك والتوقيع لاحقاً على الصفقة النووية مع إيران في إطار مجموعة «5+1» عام 2015م ما خلق لدى المملكة شعوراً بأن البيت الأبيض (باراك أوباما حينها) بدأ يفقد اهتمامه بالمنطقة. ومع انتخاب دونالد ترامب الذي اختار الرياض كأول محطة رئاسية خارجية له في أيار/ مايو 2017م عادت العلاقات التي يحكمها المال وأمن النظام إلى مسارها، وتم الإعلان عن صفقات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات إلا أن تلك العودة لم تبدّد شعور المسؤولين السعوديين بالفزع من مقاربة ترامب غير المتوقّعة تجاه المنطقة. ولعلّ وصف السفير السعودي لدى المملكة المتحدة خالد بن بندر العدوان التركي في شمال شرق سوريا بأنه «كارثة» واعتباره أن «روسيا غالباً ما تتفهّم الشرق بشكل أفضل من الغرب» يجلّيان بوضوح الشعور المذكور.
حظيت زيارة الرئيس الروسي للسعودية بحفاوة بالغة على أعلى المستويات علماً أنها جاءت بعد أخرى «تاريخية» قام بها الملك السعودي إلى موسكو في عام 2017. بحسب مسؤول روسي هي «شراكة طبيعية» لأن «كبرى الدول المصدّرة للنفط في العالم تتعاون لتحقيق الاستقرار في الأسواق». لكن أهمية هذه الصداقة المزدهرة لا يمكن حصرها في المحادثات حول النفط، تماماً كما لا يمكن التغاضي عن أن روسيا قبل كل شيء، حليف وثيق لأعداء السعودية. من هنا يمكن اعتبار زيارة بوتين بمثابة «انقلاب» دبلوماسي جيّد التوقيت وضع الرئيس الروسي مجدداً في مركز الجغرافيا السياسية للمنطقة. أما من الجانب السعودي فقد يكون الاحتفاء بسيد الكرملين بمثابة جرس تحذير للولايات المتحدة على رغم الحلف التاريخي الذي لا يمكن كسره بين البلدين. فالقلق في شأن التزام واشنطن تجاه المنطقة يدفع الرياض إلى التلويح بالبحث عن صداقات أكثر موثوقية وأقلّ كلفة. وهذا ما عبّر عنه مسؤول سعودي تحدّث إلى «بي بي سي»، أخيراً، بالقول إن «أيام شريك استراتيجي واحد للمملكة قد ولّت بالفعل».
طرح «أرامكو» نحو تأجيل جديد
لم تخرج التطمينات السعودية إلى أن الطرح العام الأولي لأسهم «أرامكو» سيكون في موعده من فضاء التصريحات. وعلى رغم الإعلانات المتكررة على لسان أكثر من مسؤول حكومي وآخرها قول المدير التنفيذي للشركة أمين الناصر وقبله وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان إن الهجمات اليمنية على منشأتَي بقيق وخريص النفطيتين لن يكون لها تأثيرٌ على خطط إدراج عملاق النفط في البورصة والذي كان مُتوقعاً الأسبوع المقبل إلا أن سلطات المملكة تتجه على ما يبدو نحو تأجيل جديد، من دون تحديد موعد واضح.
وبحسب مصادر مطّلعة فإن «أرامكو» أرجأت طرح أسهم الشركة في سوق الأوراق المالية آملةً أن تعزّز نتائجُ أعمالها المنتظرة للربع الثالث ثقةَ المستثمرين في أكبر شركة نفط في العالم. وقال مصدران تحدّثا أول من أمس إلى «رويترز» إنه بعد هجمات 14 أيلول/ سبتمبر والتي تسبّبت في تعطّل نصف إنتاج المملكة من الخام، يرغب أكبر مُصدّر للنفط في العالم في «طمأنة المستثمرين» عبر عرض نتائج أعماله أولاً عن تلك الفترة.
وأوضح أحد هذين المصدرين «أنهم يريدون فعل كلّ ما في وسعهم للوصول إلى القيمة المستهدَفة. ونتائج قوية بعد الهجوم ستجعلهم في وضع أقوى». وبينما أكد المصدر الثاني تأجيل الطرح من دون تحديد موعد جديد للإدراج احتمل آخر لـ«فرانس برس» أن يتم الطرح في نهاية العام الجاري أو في الشهر الأول من العام المقبل. في الإطار ذاته ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية نقلاً عن مصدر أن الإدراج تأجّل «لأسابيع». وفي تعليقها على تلك الأنباء أشارت الشركة إلى أنها «تواصل الانخراط مع المساهمين في شأن أنشطة التجهيز للطرح العام الأولي» مستدركة بأن «التوقيت سيعتمد على ظروف السوق وعلى اختيار المساهمين للموعد».
ويصرّ مسؤولون تنفيذيون في «أرامكو» منذ الهجمات، على أن الأخيرة لن تؤثّر على خطط إدراج الشركة بل يعتبرون أن استعادة كامل إنتاج النفط بوتيرة أسرع من المتوقع (وفق المعلن) من شأنها أن تعزّز صورتها. ومن هنا بيّن المصدر الثاني الذي تحدث إلى «رويترز» أن «التوجّه الرسمي هو أن نتائج الربع الثالث جيدة جداً لذا هم يرغبون في تزويد المحلّلين بأحدث المعلومات وتسويق الطرح العام الأولي بعد أرقام الربع الثالث».
من جهته أفاد مسؤول تنفيذي كبير في مجموعة «توتال» الفرنسية للنفط والطاقة بأن أسواق النفط فقدت مليونَي برميل يومياً من إمدادات الخام هذا العام بسبب مشكلات أمنية وسياسية، لكنها أكثر قلقاً حيال تباطؤ الطلب. وأشار رئيس شؤون التجارة والشحن في «توتال» توماس وايمل، خلال المؤتمر الدولي لشركات البترول والغاز الطبيعي المنعقد في الصين إلى أن المشكلات السياسية التي أدت إلى فقدان إمدادات الخام تشمل العقوبات الأميركية على فنزويلا وإيران والتعطيلات في السعودية وليبيا. وأضاف أنه رغم ذلك «بإمكاننا أن نجد أن المخاوف حيال تباطؤ الاقتصاد والطلب أكبر بكثير من مثل هذا التعطل غير المتوقّع في الإمدادات».
المزيد في هذا القسم:
- الصدر يحطّ في السعودية: ابن سلمان بدلاً من طهران؟ المرصاد نت - نور أيوب في حدث تصدّر المشهد السياسي العراقي وصل أمس زعيم «التيّار الصدري» مقتدى الصدر إلى السعودية حيث حلّ ضيفاً على ولي العهد محمد ...
- قراءة في نتائج الانتخابات التشريعية البريطانيّة المرصاد نت - متابعات فوز بنكهة الخسارة. عبارة توصّف واقع المحافظين في بريطانيا الذين يعيشون أجواء من خيبة الأمل بعد نتائج الانتخابات لمجلس العموم. فقد أفضت...
- «نارٌ وغضب»: سيرة المعتوه في البيت الأبيض المرصاد نت - جاد الحاج لا شك في أنّ سيرة دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية التي يقدّمها الكاتب والصحافي الأميركي مايكل وولف في كتابه الصادر أخيراً...
- السعودية ومصر والإمارات والبحرين تصنف 59 فرداً و12 كياناً في قوائم الإرهاب المرصاد نت - متابعات أعلنت السعودية ومصر والإمارات والبحرين تصنيف 59 فردا و12 كيانا "مرتبطين بقطر" في قوائم الإرهاب المحظورة " نتيجة استمرار انتهاك السلطات ...
- روبرت فيسك: مرحباً بكم في درعا مقبرة الإرهابيين المرصاد نت - متابعات كتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك مقالاً في صحيفة "الاندبندنت" بعنوان "مرحبا بكم في درعا مقبرة الارهابيين"، وصف فيه المشاهد التي رأها ف...
- درع قانوني لحماية الشركات: الأوروبيون أكثر تمسكاً بالاتفاق المرصاد نت - متابعات جددت أوروبا أمس تأكيد التزامها بالاتفاق النووي مع طهران. وفي ثاني اجتماع من نوعه منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق تمسّك وزراء خارجية ...
- هيومن رايتس ووتش : المحاكم السعودية مهزلة قضائية المرصاد نت - متابعات وصفت منظمة هيومن رايتس ووتش القرارت الصادرة عن المحكمة السعودية بحق عدد من ابناء المنطقة الشرقية بأنها “مهزلة قضائية”. وو...
- تيلرسون يختتم جولته اليوم: التقاتل مستمر ... تحت سقف أميركي المرصاد نت - متابعات يختتم وزير الخارجية الأميركي اليوم جولته الخليجية في قطر وسط تشاؤم بما ستسفر عنه من نتائج. وفيما تتفق أوساط أطراف الأزمة على أن أقصى م...
- الاحتجاجات في الإعلام الغربي: بين «الفرصة»... وحتمية السقوط! المرصاد نت - متابعات بعد مُضيّ أسبوع على الحراك المطلبي في العراق وسقوط ما يزيد على 100 قتيل فضلاً عن آلاف الإصابات بدا أن العنف غير المنضبط قد وضع بغداد على ...
- عودة التوتر بين أنقرة وبرلين... الخلفيات والتداعيات المرصاد نت - متابعات تصاعد التوتر من جديد بين أنقرة وبرلين إثر منع السلطات التركية برلمانيين ألماناً من زيارة جنود بلادهم في قاعدة إنجيرليك العسكرية بأضنة جنو...