المرصاد نت - متابعات
دخلت الجزائر، رسمياً، عهد الرئيس الثامن في تاريخها، باشر الرئيس الجديد فوراً صلاحياته، بقبوله استقالة الوزير الأول نور الدين بدوي، في انتظار تعيين حكومته الجديدة ومثلما ينصّ عليه الدستور الجزائري، أدى عبد المجيد تبون، أمس، اليمين الدستورية في حفل تنصيبه الرسمي، ليتسلّم بذلك مهامه كرئيس للبلاد. وردّد الرئيس الجديد كلمات اليمين وراء رئيس المحكمة العليا، والتي تنصّ على احترام الدين الإسلامي وتمجيده، والحفاظ على سلامة الوطن وأراضيه، والعمل على تحقيق الرفاه للجزائريين. وكان تبون جالساً على المنصة مع رئيس الدولة المنتهية مهامه عبد القادر بن صالح، بينما جلس في الصف الأول الرجل القوي في النظام، رئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، الذي حرص الرجلان على توجيه تحية خاصة إليه.
وفي خطابه الذي ألقاه بعد تنصيبه، جدّد تبون التزامه بتعديل الدستور الذي وصفه بـ«الحجر الأساس» لبناء الجمهورية الجديدة التي تعهّد بها في برنامجه، كاشفاً أن هذا المسار سيبدأ في «الأشهر أو الأسابيع الأولى» من ولايته. وكان تبون قد وعد، في مواقفه السابقة، بأنه سيقوم بتأليف لجنة خبراء لكتابة الدستور الجديد، ثم فتح نقاش واسع مع الطبقة السياسية والمنظمات المدنية بشأن مضمونه، قبل عرضه على استفتاء شعبي. وغالباً ما يتحسّس السياسيون الجزائريون من ترك موضوع الدستور بين أيدي الخبراء، كما جرى في السنوات السابقة، حيث كانت الدساتير تُفصَّل على مقاس الرئيس.
لذلك، يُتوقع أن يحتدم النقاش بشأن إذا ما كان دور الخبراء تقنياً، أي في المرحلة النهائية بعد الاستماع إلى كلّ الاقتراحات، أو ستكون لهم الكلمة الأخيرة في ترجمة ما يريده الرئيس الجديد في الدستور. وحدّد تبون بعض معالم التعديل الدستوري، الذي سيتضمّن، بحسب ما يرى، تحديد الفترات الرئاسية بفترتين، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية، بعدما خصّ الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة نفسه بصلاحيات واسعة جداً. وبدا تبون واعياً لهذه المسألة، عندما قال إن الدستور الجديد «سيُحصّن الجزائر من السقوط في الحكم الفردي، ويحقق الفصل الحقيقي بين السلطات، ويخلق التوازن بينها، ويحدّد حصانة الأشخاص، ولا يمنح للفاسد أيّ حصانة في الملاحقة القضائية، ويحمي الحريات الفردية والجماعية وحقوق الإنسان وحرية الإعلام وحق التظاهر».
ومن بين الالتزامات السياسية الأخرى التي تعهّد بها تبون، العمل على «إعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة من خلال قانون الانتخابات الجديد، الذي يحدّد شروط الترشّح للمناصب بوضوح». ووعد، في هذا الصدد، بأنه «سيتمّ تجريم تدخل المال الفاسد في العمل السياسي، وشراء الأصوات والذمم، حتى يتمكن الشباب، وخاصة الجامعيين منهم، من الحصول على فرصة الترشّح، على أن تكون حملتهم الانتخابية من تمويل الدولة لحمايتهم من الوقوع فريسة في يد المال الفاسد». ويُشير الرئيس الجديد، بذلك، إلى إنهاء ما كان يجري في الفترة السابقة التي شهدت وصول رجال أعمال إلى البرلمان، بعضهم في السجن حالياً، عبر شراء الأصوات. ولم يعطِ تبون تصوّراً واضحاً بشأن مصير البرلمان الحالي، الذي يمتلك بصفته رئيساً للجمهورية صلاحية حلّه وفق ما ينص عليه الدستور القائم اليوم. لكن ظهرت إشارات ضمنية إلى عدم وجود حماسة للمؤسسة التشريعية بتركيبتها الراهنة، من خلال استبعاد النواب من حفل تنصيب الرئيس الجديد، على غير ما جرت عليه العادة. ويتشكل البرلمان الحالي من أغلبية يقودها حزب «جبهة التحرير الوطني» الذي ساند المرشّح الآخر في الرئاسيات عز الدين ميهوبي، على الرغم من أن تبون عضو في اللجنة المركزية لهذا الحزب. وعليه، سيُطرح سؤال كبير في الأيام المقبلة عن الأغلبية التي سيحكم بها تبون في البرلمان، ولا سيما أنه قرر عدم إنشاء أيّ حزب سياسي يمثله.
وفي الجانب الرمزي، قرّر تبون سحب لفظ الفخامة من اللقب الذي يطلَق على رئيس الجمهورية، والاكتفاء بمناداته بـ«السيد الرئيس». ولاقى ذلك ترحيباً من بعض الجزائريين، لكونه يكرّس قطيعة معنوية مع فترة بوتفليقة التي طغى فيها تقديس شخص الرئيس، إلى درجة حمل صورته وتكريمها في المناسبات العامة بعد المرض الذي أقعده في بيته. لكن في المقابل، اعتبر آخرون أن هذا القرار «الشعبوي» لا يُغيّر من كون شرعية تبون «منقوصة» بفعل المقاطعة الواسعة للانتخابات.
أما في ملف السياسة الخارجية، فوجّه الرئيس الجديد رسالة إلى الجار المغربي، من خلال تأكيده مواصلة اعتبار قضية الصحراء الغربية «عملية تصفية استعمار» ترعاها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، معتبراً أن هذه القضية «ينبغي أن تظلّ بعيدة عن تعكير العلاقات مع الأشقاء». وأكد أن الجزائر ستسهم بكلّ قواها في حلّ الأزمة الليبية. وفي ما يتعلق ببقية القضايا العربية، قال تبون «إننا نتطلّع بشوق إلى رؤية أشقائنا في سوريا والعراق واليمن وقد تجاوزوا محنتهم»، فيما أفرد حيّزاً كاملاً للقضية الفلسطينية، التي شدد على أنها ستبقى من ثوابت السياسة الخارجية للدولة الجزائرية، داعياً المجتمع الدولي إلى «تحمّل مسؤوليته التاريخية تجاه الشعب الفلسطيني الذي يواجه قوة استعمارية غاشمة، وذلك بتطبيق كلّ قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالشرعية الدولية».
وبعد إلقائه خطابه في قصر الأمم، انتقل الرئيس الجديد إلى مقرّ الرئاسة في قصر المرادية، حيث جرت هناك مراسيم تسليم وتسلم بينه وبين رئيس الدولة المؤقت. وتلقى تبون، في أولى مهامه كرئيس للجمهورية، خطاب استقالة الوزير الأول نور الدين بدوي، الذي ظلّ الحراك الشعبي يطالب برحيله باعتباره واحداً من رجالات الرئيس السابق وشقيقه. وأعلنت الرئاسة، عقب ذلك في بيان، تعيين وزير الخارجية الحالي صبري بوقادوم وزيراً أول بالنيابة، مع الاحتفاظ بالطاقم الوزاري الحالي حتى تأليف حكومة جديدة. واستُثني من هذا القرار وزير الداخلية صلاح الدين دحمون الذي أُنهيت مهامه، بشكل بداً مقصوداً من الرئيس الجديد، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة لدحمون، والتي اعتُبرت مهينة في حق الحراك الشعبي، وتسريب معلومات عن أنه كان يساند عبر الجهاز الإداري الذي يتحكّم فيه المرشّح الآخر للرئاسيات عز الدين ميهوبي.
وتدور أخبار كثيرة حول حكومة تبون الجديدة، التي يُستبعد أن تكون سياسية في الظرف الحالي، إذ يفترض أن تقودها شخصية تكنوقراطية ذات أولويات سياسية واقتصادية مستعجلة. وكان تبون قد دعا، في ردّه على سؤال عن طريقة تعامله مع الأزمة السياسية، إلى الحوار مع ممثلي الحراك الشعبي، وهو ما لاقى ردود فعل متباينة لدى الأحزاب والشخصيات الفاعلة التي لم تشارك في الانتخابات. وفيما طرح بعض الأحزاب شروطاً للحوار مع تبون، وفي مقدّمتها إطلاق سراح سجناء الرأي الذين يُعدّون بالمئات، وفتح الإعلام أمام المعارضة، ووقف التضييق على حرية التظاهر، كإجراءات تهدئة تظهر وجود نية فعلية للتجاوب مع بقية المطالب قبل الجلوس على طاولة الحوار، اتخذ آخرون موقفاً راديكالياً من الرئيس الجديد، ودعوا إلى مواصلة التظاهر من أجل رحيل كلّ رموز النظام الحالي.
المزيد في هذا القسم:
- لبنان أمام تحدّي الاختراق الإسرائيلي المرصاد نت - متابعات يتكشّف كل يوم حجم الاختراق الإسرائيلي الأمني للساحة اللبنانية. انجاز فرع المعلومات بكشف عشرات الأدلة حول محاولة اغتيال المقاوم محمد حمدان...
- لافروف: اميركا اعتذرت للرئيس الاسد عن شنها غارة دير الزور المرصاد نت - متابعات أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن روسيا لن تنظر بجدية في طلبات وقف أعمال الطيران الروسي والسوري بشكل أحادي الجانب. وقال لافروف ...
- بينها دولتان عربيتان.. الفيضانات تقتل المئات وتؤدي لدمار هائل في 9 دول المرصاد-منابعات تجتاح السيول والفيضانات هذه الأيام عدة دول آسيوية وأوروبية وعربية، حيث أحدثت دمارا هائلا وأدت لسقوط مئات القتلى، في حين تواصل السلطا...
- هل يقدم ترامب الحماية للسعودية أم يغطي سياسة حكامها؟ المرصاد نت - قاسم عز الدين الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يطلب ثروات الجزيرة بأكملها ثمناً للحماية الأميركية ربما يستغل انطباعاً تروّجه السعودية مفاده أن ا...
- ألمانيا : هجوم هاناو «نازي» سَرَق ترامب أفكاره! المرصاد نت - متابعات يُتَوِّج الهجوم على مقهيَين لتدخين «الشيشة»، أول من أمس، في بلدة هاناو شرق فرانكفورت الألمانية، سلسلة من الهجمات الإرهابية التي نفّذها خل...
- دول الخليج في مواجهة إيران أم في مواجهة الفراغ؟ المرصاد نت - متابعات يبدو أن الحُكم السلالي في دويلات الخليج على المحكّ، وأكيد أنه في طريق الزوال وعلى أكثر تقدير في السنوات الثلاث المقبلة. تؤكِّد رؤيتنا هذه...
- وزيرة الخارجية الهندية تحذر الصين من مهمة الأمير السعودي المرصاد نت - متابعات أكدت وزيرة الخارجية الهندية سوشما سواراج أن نيودلهي لا تتوجس أية خيفة اٍستراتيجية فيما يتعلق بزيارة الأمير السعودي محمد بن سلمان إلى كل م...
- ما هي مراهنة السعودية على التصعيد في لبنان والمنطقة؟ المرصاد نت - قاسم عز الدين قد يكون التصعيد السعودي إلى أقصى درجات التوتر العالي في كل الاتجاهات مفاجىء بل أقرب إلى الذهول أمام شطط طفولي يتجاوز الحد من المنطق...
- ملفّ عودة «الجهاديّين»: الذّعر الأوروبي باقٍ ويتجدّد ! المرصاد نت - صهيب عنجريني في أيلول الماضي وبعد شهور من التحقيقات اعتقلت السلطات الألمانية مواطنة من أصول تونسية اسمها أميمة عبدي. اتضح أن عبدي أرملة اثنين من ...
- الإمارات.. فوضى وتطبيع وتجسس على المعلم الأميركي! المرصاد نت - متابعات يمكن القول انه منذ اكثر من عشر سنوات بدات تتغير ملامح الدول القيادية على الساحة العربية بعد الاحتلال الأميركي للعراق والحرب على سوريا وغي...