رحيل جلال طالباني: العقل الكردي المتنقّل بين «خريفَيْن»

المرصاد نت - متابعات

بين خريف عام 1933 وخريف عام 2017، عاش جلال طالباني مناضلاً وقيادياً في صفوف «الحزب الديموقراطي الكردستاني» فأحد المؤسسين في «مقهى في دمشق» (كما كان Talbanei2017.10.4يقول) لـ«الاتحاد الوطني الكردستاني» عام 1975 ثم وبعد نحو أربعين عاماً رئيساً لعراق ما بعد الغزو الأميركي.


كما ولادته ووفاته تبدو حياته السياسية كأنّها بين خريفين؛ خريف الثلاثينيات الذي تغيب عنه «القضية الكردية» والذي يسبق تكريس زعامة الملا مصطفى البرزاني وخريف العقد الثاني من هذا القرن الذي سيشهد الصعود الكبير لزعامة نجل الملا مسعود الذي سيفرض على معارضيه الأكراد الذين من بينهم حزب طالباني خيار الاستفتاء والذي يبدو حتى الساعة أنّ من تداعياته فرض حصار نسبي على إقليم كردستان ــ كان زعماء هذا الإقليم، قبل أعوام فقط، يحلمون بأن تتحول أربيل إلى «دبي جديدة».
لعلّ مسيرة طالباني السياسية تجمع كل المتناقضات؛ كان قريباً من «الجبهة الشعبية» وزعيمها جورج حبش أثناء إقامته في بيروت بداية السبعينيات وصديقاً كما يُقال لوديع حداد، وكان قريباً أيضاً قبل ذلك من عبد الناصر (للبرزاني أيضاً علاقاته بناصر).

وبعد عام 1975 ارتبط بالسوفيات، وتقرّب من ليبيا بحثاً عن دعم لتحركاته وفي التسعينيات تلقّف الانفتاح التركي عليه لتُفتح صفحة جديدة من العلاقات مع أنقرة... وصولاً إلى «صداقة» مع قائد «الغزو» جورج بوش وإلى تثبيت العلاقات المتينة مع إيران في آن واحد. (بين هذه التواريخ لا بدّ من الإشارة أيضاً إلى علاقاته المتواصلة والجيدة مع دمشق).
بصورة طبيعية ارتبطت حياة طالباني السياسية بآل البرزاني ولاءً ومنافسةً. انفصل مرتين عن حزب الملا مصطفى أولاً في منتصف الستينيات حين شكّل جناحاً معارضاً إلى جانب إبراهيم أحمد (والد زوجته هيرو التي ستسعى حالياً إلى وراثة زوجها عبر نقل الزعامة إلى نجلهما قوباد). أما الانشقاق الثاني والأخير فكان في منتصف السبعينيات حين وضع الاتفاق العراقي ــ الإيراني حداً لـ«ثورة» مصطفى البرزاني الذي كان مدعوماً من الشاه في حينه.

انتقادات طالباني لآل البرزاني جاءت قبل أن يُكرّس لنفسه أيضاً زعامة عائلية تتقاسم النفوذ في إقليم كردستان إلى جانب العائلة المنافِسة وهي منافسة ستستعر وخاصة في التسعينيات وستتحوّل بفعل السياقات الإقليمية إلى «حرب أهلية» دامية ستنهيها واشنطن في عهد بيل كلينتون عبر جمع الزعيمين عام 1998. (برغم الاختلافات السياسية بين الطرفين هناك أيضاً ما يُمكن تسميته تجاوزاً بـ«الخلاف بين عشائر» الإقليم إذ ينتمي الرئيس العراقي الراحل إلى «الطالبانية» التي تستقر جنوب السليمانية وكركوك وصولاً إلى ديالى فيما تستقر الثانية «البارزانية» باتجاه الشمال).
برغم مرض طالباني منذ عام 2012، وابتعاده نسبياً عن المشهد، فقبل أشهر قليلة عادت قضية المنافسة بينه وبين آل البرزاني من جديد إلى الواجهة مع نشر مقتطفات من مذكرات له يقول فيها: «كان القتل للملا مصطفى (والد مسعود) أسهل من شرب الماء» إضافة إلى حديث مسهب عن أسباب تواصل مسعود بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين في التسعينيات أثناء «الحرب الأهلية» بينهما.
في الاختلافات بين هاتين الزعامتين تُسجّل أيضاً الفوارق في مقاربة العلاقة مع بغداد بعد 2003 إذ كان طالباني يرى أنّ لأكراد العراق دوراً وTalbanai2017.10.4سطياً و«بيضة قبان» بين القوى المتنافسة فيما يذهب مسعود البرزاني اليوم بخياره الانفصالي إلى (ما قبل) النهاية مستفيداً من الغياب الأخير لغريمه التاريخي.

 " مام جلال" من هو الرجل المناضل جلال طالباني الذي تولى سدة الحكم في العراق.
ولادته

ولد جلال حسام الدين نور الله نوري طالباني في 12 نوفمبر في قرية كلكان على سفح جبل كوسرت المطلة على بحيرة دوكان في محافظة السليمانية العراقية وهو الرئيس السابع للعراق في حين يعد الرئيس الثاني للعراق بعد الاحتلال الأمريكي عام 2003، ويعرف في صفوف الأكراد باسم مام جلال (العم جلال)، أطلقت عليه هذه التسمية منذ أن كان صغيرا

رحلته الدراسية

التحق طالباني بصفوف كلية الحقوق في بغداد عام 1953 لكنه اضطر لترك الدراسة حينما كان في السنة الرابعة عام 1956 هربا من الاعتقال بسبب نشاطه في اتحاد الطلبة الكردستاني.
وفي يوليو/تموز 1958، وعقب الإطاحة بالملكية الهاشمية، عاد طالباني إلى كلية الحقوق وتابع -في الوقت نفسه- عمله صحفيا ومحررا لمجلتي خابات وكردستان. وبعد تخرجه عام 1959 استدعي لتأدية الخدمة العسكرية في الجيش العراقي حيث خدم في وحدتي المدفعية والمدرعات، وكان قائدا لوحدة دبابات.

حياته السياسية
كان طالباني عضوا في الحزب الديمقراطي الكردي عام 1947 وتميز بنشاطه وكفاءته في أداء الواجبات والمهمات الحزبية التي كان مكلفا بها، وعندما اندلع التمرد الكردي ضد حكومة عبد الكريم قاسم في سبتمبر/أيلول 1961 كان الطالباني مسؤولا عن جبهتي القتال في كركوك والسليمانية.

وفي منتصف الستينيات تولى عددا من المهام الدبلوماسية التي مثل فيها القيادة الكردية في اجتماعات في أوروبا والشرق الأوسط. وعندما انشق الحزب الديمقراطي الكردستاني عام 1964 كان الطالباني عضوا في مجموعة المكتب السياسي التي انفصلت عن قيادة الملا مصطفى بارزاني. وقد أدى انهيار الثورة الكردية في مارس/آذار 1975 إلى أزمة كبيرة لأكراد العراق، حيث أسس الطالباني مع مجموعة من المفكرين والنشطاء الأكراد الاتحاد الوطني الكردستاني.

تنظيم طالباني للحراك الكردي المسلح

وفي عام 1976 بدأ تنظيم المعارضة المسلحة داخل العراق وخلال الثمانينيات قاد المعارضة الكردية للحكومة العراقية من قواعد داخل العراق إلى أن قام صدام حسين بحملته العسكرية المسماة بالأنفال لسحق هذه المعارضة في 1988

 كان طالباني مقاتلا إذ شارك في انتفاضة الأكراد ضد الحكومة العراقية في ستينيات القرن الماضي كما حمل السلاح ضد الحكومة العراقية المركزية في السبعينات وهو مؤسس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في سوريا عام 1975.

بعد ذلك سعى الطالباني إلى إيجاد تسوية تفاوضية للتغلب على المشاكل التي اجتاحت الحكومة الكردية بالإضافة إلى القضية الأكبر وهي حقوق الأكراد في محيط المنطقة الحالية. وقد استفاد هو وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني من خسارة الجيش العراقي في الحرب الخليجية الثانية عام 1991 بإقامة إقليم كردي شبه مستقل في كردستان العراق..

موقع طالباني بعد الغزو الامريكي للعراق

وبعد غزو العراق في مارس/آذار 2003، دخل الطالباني والبارزاني العملية السياسية في العراق وشغلا مواقع قيادية بارزة تعززت إثر فوز تحالفهما الكردستاني بالمرتبة الثانية بعد الائتلاف الشيعي في انتخابات 2005 حيث شغل الطالباني منصب رئيس للعراق.

وقد انتخب البرلمان العراقي في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 الطالباني -وهو مرشح ائتلاف الكتل الكردستانية - رئيسا للعراق في ولاية ثانية بعد حصوله على غالبية الأصوات.

العراك مع المرض

عاني الطالباني في السنوات الأخيرة من حياته من مشاكل صحية، حيث أدخل إلى مدينة الحسين الطبية في الأردن في 25 فبراير/شباط 2007 بعد وعكة صحية أصابته، وأجريت له عملية جراحية للقلب في الولايات المتحدة في أغسطس/آب 2008، وفي نهاية عام 2012 غادر العراق للعلاج في ألمانيا من جلطة أصيب بها ودخل على إثرها في غيبوبة، ومكث هناك نحو عام ونصف حتى عاد للعراق في يوليو/تموز 2014.

المنية

توفي الطالباني يوم الثلاثاء 03 أكتوبر/تشرين الأول 2017 عن عمر ناهز 84 عاما، في أحد مستشفيات ألمانيا، وذلك بعد نحو عشر سنوات من المعاناة مع المرض، وبعد رحلات علاجية قادته إلى الولايات المتحدة وألمانيا.

المزيد في هذا القسم:

المزيد من: الأخبار العربية والعالمية