المرصاد نت
أمسك بكتفي بينما كنت أهم بالخروج من ظمران سوبر ماركت هذا المساء الاجواء حارة وعطر نسائي ممزوج برائحة عرق حارة يفوح في الارجاء .
التفت ناحيته ، رجل في العقد السادس من عمره ، خطوط الزمن العتيق بدت أثارها واضحة على ملامحه .
سألني :" فتحي بن لزرق..؟
هززت راسي موافقا وشددت على كيس ابتعت فيه ماتيسر في احتياجات رمضان .
قبض على طرف يدي وسرنا فيما كانت الأضواء تشق الطرقات من كل جانب ..
قال بلهجة متعبة خالطتها أصوات طفلة تتسول المارة:" لااعرفك لكنني اقرأ ماتكتب أنهم يذهبون بالجنوب صوب ذات الطريق التي مر بها الجنوب يوماً ما مسرعاً إلى الخراب..هل من مٌرشد لهم؟
ودعته على عجل دون ان أطيل في الحديث كانت الأفكار تتزاحم في رأسي وهاتفي يرن والمخاوف تحيط بي من كل جانب! ..
سرت على الطريق الواصلة إلى كورنيش ريمي وأوقفت سيارتي هناك وعلى طول الكورنيش سرت على الأقدام .
في "عدن" يصارع الناس لحياة أفضل لمعيشة أجمل ، لكن شعارات الموت ومشاريعه تحيط بهم من كل جانب.
صحوت ظهراً على أخبار القتال بين الحزام الأمني وقوات الحماية الرئاسية في الضالع .
لايبدو المشهد عابراً ولا القصة طارئة ، هي انفجارات قيح قديم وعقلية لاترى غير نفسها .
على أطراف كورنيش ريمي تذكرت لقاءات الحراك الأولى .
إيماءاتهم الأولى حينما كنا نجتمع وبيننا الكثير من أبناء عدن ، يهزون رؤوسهم ويقولون سرا :" لاتأمنوا لهم أصحاب 48! ..
وتأتي الإجابة منا :" لكنهم رفاقنا وإخوتنا ويناضلون معنا ومن معنا معنا وليس ضدنا.
- ليسوا رفاقكم هؤلاء من فتن بيننا ، أصحاب الحجرية وعبدالفتاح.
كان المشروع فيه من الجنون الكثير ، كان واضحاً ان البوصلة منحرفة وان الغريزة ليست سوية .
حينما تٌخط خارطة وطن ما على قاعدة "ايش اصلك"؟ ماهي هويتك ومن هو جدك؟ اعرف ان الطريق سالكة صوب الخراب ولا شيء غيره.
ومنذ 2015 وفي أعقابه بدأ واضحاً ان مشروع الانفصال ينطلق كثور هائج ينطح كل مايقابله ، فالقضية لم تعد القضية والشخوص ليسوا هم اوائلها والقطار يسير بسرعة جنونية ولكن ليس صوب محطته الأخيرة .
كان شاب في مقتبل العمر يجلس إلى جوار فتاة يهمس لها ويشد وثاق يدها على كرسي حديدي بكورنيش ريمي ، والى جوارهم تسمرت تطاردني المخاوف .
وضعت يدي في جيبي وواصلت السير ، التفكير في الأشياء العميقة يوصلك إلى حالة من التيه ، واقعا يشبه مايحدث جنوبا منذ 4 سنوات مضت.
هل جربت ان تٌشيطن كل مايقابلك ؟ كل من يعارضك؟ كل من ليس من قبيلتك ومنطقتك أو حزبك؟
حدثت كل هذه الأشياء مجتمعة ودفعة واحدة في جنوب اليمن ؟
ظن البعض ان المعركة انتهت وان الجنوب في اليد ، تقيئوا واخرجوا كل مافي نفوسهم وشيطنوا كل ماقابلهم لم تكن طريقا واصلة لشيء ولا طريقة صائبة.
ان تفكر وان تقول لا فأنت خائن وعميل .
شيطنوا القوات المخالفة لهم ، الأحزاب، الشخصيات السياسية والقيادية والمفكرين والمثقفين وكل شيء .
وقفت الناس مشدوهة ، غير مصدقة ما يحدث فيما القطيع الطامع حكما وسلطة وجنونا يشهر سفيه فاحصا جينات الناس وأصولها مخونا كل من يقف في طريقه.
وانطلقت الناس هاربة في الاتجاه الأخر وتخلى الناس عن مطالب الانفصال ، بات المشروع قرويا مجنونا مخيفا ومرعبا.
أمنت الناس بالانفصال ذات يوم حينما ترأى لها انه عظيم ووطني وحينما فقدت القضية "عذريتها" أنكرها الناس وترجلوا خائفين.
يهمس الناس فيما بينهم ويصرخون :" لم يعد الانفصال خطر على الشمال ..انه خطر على الجنوب نفسه .
يراقب الحضارم مايحدث في عدن، ويهمس احدهم للأخر :" واه فرج كن العويلة ماعقلوشي ..! الى اين يمضي الجنوب؟
هل سيٌسلم الناس رقابهم مرة أخرى الى جلاديهم؟ ليباع الوطن مرة اخرى في باب اليمن لكن دون مشتري.
المشروع الذي يقف ليدقق في اصول الناس ليس مشروعا.
المشروع الذي ينصب الحواجز ويطارد البسطاء ليس مشروعا.
المشروع الذي يقف على العنصرية والمناطقية والتفرقة بين الناس لم ولن يكون مشروعا لاحد.
كيف سيغدو شكل الوطن ؟ كيف ستبدو ملامحه بكل هذا القبح وكل هذا الجنون والرعب..
كيف سيبدو شكل المستقبل؟
الوطن الذي تجمع الناس فيه الأشلاء ليس وطناً وطن إخوة الدم المنسكبة على الارض ليس وطناً.
الوطن الذي يعلمك كيف تكره الناس ليس وطناً..!
كل يوم ازداد قناعة بإن "الانفصال" في جنوب اليمن خيار كارثي ويجب ان يٌمنع وألا يحدث لكي لايفيق العالم على انهار من الدماء .
هذه الحقيقة ومادونها وهما وخراباً ورقصاً على أشلاء.
لن يتسع الجنوب لأحد ولن يقبل أحد بأحد هذه الحقيقة ومادونها هراء على الطرقات ولاعاصم لدماء الناس إلا التمسك بالدولة وحضورها .
دولة يمنية عادلة تحكم كل محافظة نفسها أما الذهاب إلى الانفصال في ظل كمية الحقد هذه فهو ذهاب إلى الخراب ولا شيء غير الخراب.
لاتذهبوا الى الانفصال ولاتسملوا رقابكم لجزاريها اني لكم من الناصحين
هذا ليس رأيي فقط هو رأي ملايين الناس جنوباً..
كتب : فتحي بن الزرق
المزيد في هذا القسم:
- التقرير الأممي.. إلى أين؟ المرصاد نت جانب من المأساة و جزء من الحقيقة المرعبة و الإجرام اللامسبوق في التاريخ المعاصر هو ما خلص اليه التقرير الأممي الذي خرج على خجل واستحياء بعد تأخر ٍ ...
- (الجرعة) .. بين الفرض بالجملة والرفض بالتجزئة !! يضع ما يسمى "النظام السابق" وما يحلو لي تسميته بالنظام (المارق) معظم المتغيرات والمتحولات الأساسية منها والثانوية في حياة اليمنيين منذ نصف ثورة 11 فبراير 2011م ...
- البركان اليمني القادم لم تتبقى اي أسرة يمنية إلا ولها أقرباء وأصدقاء أعزاء أستشهدوا في هذا العدوان السلولي الآثم او ماقبله من إنفجارات او إغتيالات غادرة. لذا أصبحت على يقين بأن تعاظم...
- مبادرة قديمة بثوب جديد ! بقلم : زيد الغرسي المرصاد نت مؤخرا حاول العدوان السعودي الامريكي احتلال الحديدة عسكريا لكنه فشل فعاد لتحقيق ذلك بالابتزاز السياسي عبر الامم المتحدة من خلال تسليم الحديدة مقابل ...
- الخطاب المبتذل للمشاط! المرصاد نت الخطاب المبتذل للمشاط! كتب : أ . عبدالباسط الحبيشي* إذا لم تقضي الثورة على النظام العميق أو الدولة العميقة في اي بلد فلا يمكن إعتبارها ثورة ولا ح...
- دالة الثورة يستميت بعض الثورجين على الاستدلال ان هناك ثورة بالدماء والدموع التي اهدرت , مع مبالغة في حجم التضحيات وبشاعة العدو ويقينية القضية وحتمية الانتصار حتى لو امتد ذل...
- صناعة الموت ” يوم الطفل العالمي” في اليمن ! بقلم : زينب الشهاري المرصاد نت أحكموا صناعة الموت و أبدعت أيديهم فنونه هنا ….هنا ترجموا مخزون عقولهم و مكنون صدورهم و حقيقة نفوسهم…. صنعوا مجدهم على أكوام أجسادنا ا...
- لرفع الغموض والإلتباس عن التفسيرات الخاطئة عن المفاوضات ! بقلم : أ. عبدالباسط الحبيشي المرصاد نت كمقدمة للموضوع ينبغي ان ندرك اولاً بأن دماء الشهداء التي تروي الأرض لتحقيق الإنتصارات وتحرير اليمن من الإحتلال والوصاية الخارجية هي في الأصل دماء ي...
- رسالتي اليهم من مدينة خمر حاضرة همدان السلاح في اليمن جزء اساسي من ثقافة اليمني وامتلاكه حق شرعي ولا يفترض سن قوانين إحتكار حيازة السلاح بآعتبارة حق من حقوق المواطن كما هو الحال في امريكا.وما يتكل...
- الرصاصة المرتدة على صاحبها! المرصاد نت الرصاصة المرتدة على صاحبها كتب: أ . عبدالباسط الحبيشي* هلل مُعظم العرب باتخاذ نانسي بلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي قرار البدء في إجراءات مساءلة ...